الأحد، 26 فبراير 2023

ج3.وج4.كتاب مفاكهة الخلان في حوادث الزمانابن طولون

ج3.وج4.كتاب مفاكهة الخلان في حوادث الزمانابن طولون
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشره أظهر النائب قصة، فيها أن السيد علي بن ميمون المغربي، الذي أطلق لسانه في الشيخ تقي الدين، كما تقدم ذكره، يشتكي فيها على القاضي الشافعي، بسبب النصرية البرانية، غربي الصالحية، التي تحت نظره، وأنها خراب، وأطلق لسانه فيه أيضاً؛ فركب النائب والقاضي الشافعي، وذهبا إلى الناصرية المذكورة، ثم لحقهم إليها الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، وولده نجم الدين، واجتمعوا كلهم مع جماعة آخرين بالناصرية هذه، وطلبوا السيد الشاكي، فاعتل بحضور الشيخ تقي الدين في المجلس في عدم حضوره، فعلم الشيخ تقي الدين ذلك، فرجع هو وجماعته؛ وأما النائب والقاضي الشافعي فذهبا إلى الشاكي في منزله، وأخذ القاضي الشافعي في تأديبه بالقول وتهديده، وذكره بما وقع منه، ثم تلطف فيها النائب، ورجع الجميع، والله يحسن حال المسلمين.
وفي يوم السبت سادس عشره ورد مرسوم من قاضي بيروت ابن الزهري، على لسان السلطان، بقبض القطبي التاجر، والصلتي القصير، والقباقبي خادم الشيخ رسلان، ومحمد دوادار الشافعي؛ وكان النائب سافر إلى الخربة، على عادة النواب الدمشقية .
وفي يوم الاثنين خامس عشريه دخل من دمشق إلى مصر، قاضي الحنفية بدمشق، الزيني بن يونس، بعد عزل البدري الفرفوري، وصحبته نقيب الأشراف الجديد، حسام الدين ابن السيد إبراهيم؛ وقد مر أن والده هذا توفي بمصر، فسافر ولده هذا، فقرر لمكانه؛ وصحبتهما دوادار سكين أحد الخاصكية؛ وصحبتهم قاضي بيروت ابن الزهري، المعروف بابن الأسلمي؛ وقرئ توقيع ابن يونس، وتاريخه سابع شوال من هذه السنة، وشرع ابن الزهري في عذاب المقبوضون، الذين ورد المرسوم المتقدم فيهم، حتى تراضوا بما يرمى على كل واحد منهم .
وفي يوم الاثنين تاسع ذي الحجة، يوم عرفة، سافر من دمشق الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، بولده النجمي، إلى مصر، ليرد عنه لمحب الدين الأسلمي من جهة هدم التربة، جوار الشيخ رسلان، وصحبتهما الشهابي الرملي مطلوباً .
وفي ليلة الأربعاء ثامن عشره رجع النائب إلى دمشق من الخربة، وكان قبل رجوعه بأيام جاءه نذير من جماعة ابن ساعد، يعلمه بأن عرب آل قني بالمكان الفلاني، فركب في الحال إليهم وتلاحقه العسكر، فلحقوا آخرهم بعد رحيلهم، فقتلوا منهم جماعات، وأخذوا منهم جمالاً.
وفي بكرة يوم الخميس سادس عشريه حضر النائب، والقضاة، بتربة النائب قانصوه البرجي، بمحلة الشيخ رسلان، لأجل الكشف على ما أحدثه وتجرأ عليه المحب الأسلمي، وهدمه السيد الكمالي، وقاضي المالكية يومئذٍ بدمشق خير الدين وقاضي الحنابلة يومئذٍ بها نجم الدين، لورود المراسيم بتحرير ذلك، بعد أن اجتمع السيد الكمالي بالسلطان، قبل وصول الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، وولده النجمي، وغيرهما إلى مصر .
فلما تكامل حضور المجلس بالتربة المذكورة، وكان منهم المحيوي النعيمي، فخطر بباله أن أحاديث نبوية ترشد إلى قول الحق، فالتفت إلى النائب، قبل أن يتكلم أحد، وقال: يا مولانا ملك الأمراء، نفع الله بكم الإسلام والمسلمين، وأنت السلطان الحاضر، والحاضر يرى ما لا يرى الغائب، روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يمنعن أحدكم مهابة الناس أن يقوم بالحق إذا علمه " ، وعنه أنه قال صلى الله عليه وسلم: " أمتي لا تجتمع على ضلالة، فإن اجتمعت فعليكم بالسواد الأعظم " ، وقال صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه " ، وقال صلى الله عليه وسلم: " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " قالوا، ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً، قال: " تأخذ على يدي الظالم " ، وقال صلى الله عليه وسلم: " قل الحق ولو كان مراً " .
فالتفت النائب إلى القاضي الشافعي وتساراً ثم افتتح الكلام فيما جاؤوا لأجله، وقرئت المراسيم، وفيها أن المطالعات اختلفت علينا، يعني السلطان، بسبب ما هدم؛ ثم أخذوا في الكلام في ذلك، وطال وتجرأ المحب الأسلمي المذكور، بقلة الأدب، مع المالكي في ذلك، وطال، وتجرأ المحب الأسلمي المذكور، بقلة الأدب، مع المالكي خير الدين، إلى أن قال له النائب: اسكت أنت حتى أتكلم عنك؛ فظهر التعصب منه ومن القاضي الشافعي .

ثم قام الجميع للكشف، وصحبتهم المعمارية كابن العطار، والمهندسون الذين جاؤوا من مصر بسبب ذلك، فزاد المتجرئ المحب المذكور في قلة الأدب، وقوله: وا ديناه وا إسلاماه، هدموا مالي؛ ثم رجع الجميع إلى مكانهم بالتربة، وشهد المعمارية ومن معهم من المهندسين والحفارين زورا .
وأراد النائب والقاضي الشافعي أخذ خطوط من حضر في المجلس، بالشهادة على شهادة المعمارية ومن معهم، فقام المالكي من المجلس حرداً، وتبعه شيخ المالكية عبد النبي، فزاد المتجرئ المحب، وعضده قاضي بيروت ابن الأعمى الزهري، فظهر ظلمة المجلس، فقام المحيوي النعيمي، فطلب، فاحتج بالخلاء، فتبعه جماعة بالترسيم عليه، ثم رجع وجلس خلف الحلقة، ثم كتب جماعة كالمجبرين، ثم قاموا وأشرفوا على المقابر، فأنزل الله المطر، فتفرق الناس، ولم يصلوا إلى منازلهم إلا بشدة .
وفي يوم السبت ثامن عشريه جاء الخبر إلى النائب بأن العرب طاشت وهاشت، لأجل ما أخذه النائب من أموالهم، فسافر إليهم .
وفي هذا العام كانت واقعة الخطباء بمصر، وهي أنه كانت العادة أن يخطب للسلطان قاضي مصر، وكان قاضيها في هذا العام الجمال إبراهيم القلقشندي الشافعي، وكان شيخاً مسناً، فاختشى السلطان من أنه يخرج منه ريح على المنبر، فيستحي أن يعيد الوضوء، وقد يصلي بغيره حياء، فكره الصلاة خلفه وأمره بالاستراحة، وأن يستنيب، فاستناب نائب الشهاب الحمصي الدمشقي الشافعي، فضعف .
فطلع قاضي القضاة عبد البرّ بن الشحنة وباس الأرض للسلطان، وكان قصده أن يستمرّ دائماً في الخطابة، ويبطل الشافعي، فأذن له، فخطب في أواخر رجب منها، بعد أن لبس سواداً، فلم يعجب السلطان، ولما خرج من بيت الخطابة علق طرف الطرحة السوداء فوقع شاشه عن رأسه، فأخذه المرقيّ وألبسه أياه؛ وبالغ في ألقاب السلطان وقال: يا ملك الدوري، انصر عبدك الأشرف الغوري؛ فأنكر العلماء عليه ذلك.
ثم خطب بعده في الجمعة التي تليها البرهان الدميري المالكي، فلما رقي المنبر وقع وقام، ثم طلع فوقع أيضاً، فطلع له رجل عضّده إلى أن صار أعلى المنبر، فلما شرع في الخطبة قعد، ثم قام، ثم قعد، ثم قام، ثم قعد، ولم نعلم خطبته، ولم يعرف ما قال، ونزل وصلّى فغوّش السلطان والأمراء عليه؛ ثم خطب بعده قاضي القضاة شهاب الدين أحمد الشيشيني الحنبلي، وأجاد في الخطبة الأولى، والثانية أطال فيها، وساق فيها الوعظ ونزل فصلّى، فسها عن الفاتحة، وقرأ السورة فقطع رجل الصلاة ونبّهه على قراءة الفاتحة فقرأها.
ثم خطب العلامة كمال الدين الطويل الشافعي، ثم العلاء شمس الدين الغزّي خطيب مدرسة السلطان؛ ثم خطب القاضي شرف الدين يحيى البرديني الشافعي، ونسي الجلوس بين الخطبتين؛ ثم العالم محبّ الدين المحرقي، خطيب الجامع الأزهر، ثم الشيخ يحيى الرشيدي، خطيب الأزبكية، ثم القاضي فخر الدين الطويل نقيب الشافعي، ثم قاضي القضاة الجمال إبراهيم القلقشندي الشافعي، وشرط عليه أن لا يعود.
سنة أربع عشرة وتسعمائةاستهلّت والخليفة أمير المؤمنين أبو الصبر يعقوب بن عبد العزيز العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري؛ ونائبه بدمشق سيباي؛ والقضاة بها: الحنفي محيي الدين بن يونس، والشافعي ولي الدين بن الفرفور، والمالكي خير الدين الغربي، والحنبلي نجم الدين بن مفلح؛ وكاتب السرّ وناظر الجيش محبّ الدين الأسلمي؛ ودوادار السلطان دولتباي الأينالي؛ والحاجب الكبير جان بردي الغزالي؛ والحاجب الثاني ....

وفي يوم السبت خامس المحرم منها، رجع النائب من سفره إلى العرب في السنة الماضية. - وفي يوم الأحد سادسه حضر النائب، والقضاة الأربعة، والعلماء، ونواب القضاة، والأمير الكبير، ودوادار السلطان، ونائب القلعة، والخاصكي، بتربة النائب قانصوه البرجي بمجلّة الشيخ رسلان، فلما أخذ كل أحد مجلسه قال المحيوي النعيمي للنائب: يا مولانا ملك الأمراء أيّد الله بكم الإسلام والمسلمين، روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما اتخذ الله من نبيّ، ولا استخلف من خليفة، إلا له بطانتان، بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله " وقال عليه السلام: " من أحدث في أمرنا هذا ما لبس منه فهو ردّ " وقال عليه السلام: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا " وقال عليه السلام: " تركتكم على بيضاء نقيّة، عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها " وقال سيدنا عمر " الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل " .
ثم شرعوا في أمر الجدار، واتفق الحال على كتابة من قال بقدم الجدار، ومن قال بحدوثه، قال شيخنا المحيوي النعيمي في ذيله: والحق عندي أنه محدث في مقبرة مسبلة فيهدم، سواء طال عهده أو تجدّد، ولكن الأمراء مختلفة، انتهى؛ وانفضّ المجلس على ذلك.
وفي هذه الأيام وجد أن أحد المعدلين بدمشق، محبّ الدين بركات بن ...، سقط بخلوته بالمدرسة الشامية البرانية مقتولاً، وفيه نحو العشرين ضربة بالسكين، وقد انتفخ وفاحت رائحته على جيرانه، ولم يعلم من قتله. - وفيها قبض الخاصكي المتقدم ذكره على سفيهه وفاجره المتجرّيء بسببه، قاضي بيروت، الذي ورد معه لمصادرة جماعة، فقلبه الله عليه وقبض عليه في قيد وزنجير، وطلب شهوداً في ضبط موجوده، في بيته وعند زوجته، وفرح بذلك من يعرفه، ومن لم يعرفه، لفجوره وتجرؤه ولله الحمد، وبلغني أن القبض عليه كان يوم الأربعاء ثاني هذا الشهر.
وفي يوم الأربعاء حادي عشره خرج من دمشق قفل إلى مصر، وقد حمل كاتب السرّ وناظر الجيش المحبّ الأسلمي، الآلات التي كان عمّر بها الجدار الذي أفتى بهدمه السيد الكمالي، مفتي دار العدل، فهدمه قاضي المالكية بدمشق خير الدين، وتجرّأ عليهما بذلك كاتب السرّ المذكور، وكاتب في ذلك جميع من أنكر الهدم بغير دعوى الشريف، فورد المرسوم بتحرير ذلك للنائب والقضاة، والذي حطّ عليه الأمر حكاية كلام منكري القدم، وحكاية كلام من أثبته.
وحمل هذه الآلات على عدّة اثني عشر جملاً، وأرسلها إلى مصر، ليقف للمقام الشريف بها، وتشخّص قدّامه، وقد كان جمع قاضي المالكية خير الدين، الهادم، عظام الموتى، التي أخرجت من تحت الجدار، في علب وختم عليها، وختم النائب عليها معه، وسافر بإذن النائب له في يوم الجمعة ثالثه إلى مصر.
وفي هذه الأيام سافر النائب من دمشق إلى مرج الغوطة، وقد كتب في محاضر الفريقين خطّه، وكذا جميع أرباب الوظائف وغيرهم، ممن يشار إليه بها. - وفي يوم الاثنين رابع عشره أتى إلى باب القاضي الشافعي محضر كلام من أثبت القدم ليكتب عليه، وكان القاضي الشافعي راكباً، فأتى قاضي الحنابلة إلى الباب المذكور ماشياً عجلاً، فأخذه من يدي الشهاب الحمراوي، والشهاب ابن المؤيد، بحضرة المحيوي النعيمي، ثم قام في الحال فظن أنه حدث من السلطان، أو النائب، شيء، واتصل به، ففعل ذلك.
ثم أتى القاضي الشافعي، فأخبر بما وقع، فغضب من ذلك، وصعب عليه، ثم بلغ كاتب السرّ المحبّ الأسلمي، وهو في همّة السفر والركوب، فصعب عليه، وأرسل يعلم النائب بذلك، والذي ظهر أن سبب فعل الحنبلي ذلك، أنه بعد أن كتب خطّه في المحضر المذكور، ندم على الكتابة، فأرسل النائب خلفه وأخذه منه، وسمع من قاضي بيروت بحضرة النائب كلاماً فيه غلظة.
وفي هذه الأيام شرع الخاصكي في استخلاص بقيّة المال، الذي كان رمي بسبب الخارجي الصوفي. - وفي يوم الثلاثاء خامس عشره، وهو سادس عشر أيار، أبيع المشمش الحموي الرطل بدرهم، وهذه قاعدة أن هذا المشمش يسقط في سادس عشر أيار.

وفي يوم الخميس سابع عشره ورد من صفد إلى الصالحية دمشق المتصوّف ابن حبيب، الذي اشتهر عنه اعتقاد عقيدة ابن عربي، ثم أتى إلى تربة ابن عربي وصحبته جماعة من معتقدي ذلك، وتلقّاه خلق من الرعاع وتبرّكوا به، فزار قبر ابن عربي وصرّح بالإنكار على من ينكر عليه، وذكر كلمات لا يليق ذكرها.
ثم في يوم الجمعة دخل إلى الجامع الأموي من باب البريد، وتلقاه الجم الغفير، وهو لابس على رأسه مئزراً أخضر، وصلى الجمعة تحت قبة النسر، ولم يسنن لها، ثم قام ورجع من حيث أتى؛ قال الحيوي النعيمي: ولم أر عليه نور أهل السنة، وكنت، حال دخوله ورؤيتي له، أقرأ في مجموع بخط شيخنا شيخ الإسلام شهاب الدين بن قرا، في حديث عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: " يا عائشة، إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء، ليس بهم توبة، وأنا منهم بريء وهم مني براء " ؛ أخرجه الطبراني من حديث عمر .
وإنما تقدماه إلى دمشق، بعد السفر إليه، ورجوعه، عبد النبي المغربي لخلق دمشق عن الأشعري تقي الدين بن قاضي عجلون، والأشعري كمال الدين بن السيد حمزة، لاختلافهما واختلاف علماء دمشق، وقضاتها، بسبب اختلافهما، في أمر الجدار جوار الشيخ رسلان، وسفر غالب الفريقين إلى مصر، فلذلك طمع المبتدعون، ولا قوة إلا بالله .
وفي يوم الخميس رابع عشريه ذهب النائب إلى زيارته، في البيت الذي أنزله فيه عبد النبي جوار بيت القاري، ثم هاجت دمشق، وصار الناس في أمره ثلاث فرق: فرقة عليه، وهم اهل السنة الذين أراد الله بهم خيراً: وفرقة معه وأكثروا الكذب لإقامة شعاره وتبجيله؛ وفرقة تقول هو موله، ليس له عقل .
وفي يوم الجمعة خامس عشريه دخل أيضاً إلى الجامع الأموي، من الموضع الذي أتى منه الجمعة الماضي، ومر على المحيوي النعيمي، ومعه أناس قلائل، نحو أربعة أنفس، فلم يملك نفسه وقال جهراً ؟: نبرأ إلى الله من المبتدعين، فسمعته، فصرخت مسفهاً له، وأنه سمع عنه كلاماً من نحو سنتين، وأنه يعتقد مذهب ابن عربي.
وفي آخر هذا النهار صعد إلى زيارة ابن عربي، وأنه يعمل عنده وقتاً، فأرسل خلفي العلامة برهان بن عون، وقال لي: اذهب الليلة إلى تربة العربي، واحضر ما يقع هناك من ابن حبيب وجماعته؛ فامتثلت أمره، فلم أره زاد على الزيارة والذكر .
وفي يوم السبت سادس عشريه ذهب إلى الربوة؛ وكانت إذ ذاك ملانة بالخلق، فشق في سوقها، ومعه الرعاع، وهو يعمل بالكف والشباب، ولا قوة إلا بالله .
وفي يوم الاثنين سادس صفر منها، خرج من دمشق، مسافراً إلى مصر، القاضي الشافعي، بعد أن خلع عليه النائب، خلعة حمراء بسمور، عقيب رجوعه من المرج.؛ ثم حصل للقاضي المذكور بعد أيام حمى، فحقن وفصد، وهم بالرجوع إلى منزله .
وفي يوم الجمعة عاشره جاء رجل ببضعة كتب، منها كتاب الفصوص، فأخذته أنا وجماعة وغسلناه في بركة الكلاسة .
وفي يوم السبت حادي عشره خرج النائب، وأرباب الوظائف، من دمشق إلى تجريدة عرب كرك الشوبك، بعد أن رمى على الحارات مالاً، وقيل إنما خرج لمصادرة الأمير محمد بن ساعد .
وفي ليلة الاثنين سادس عشره رجع القاضي الشافعي إلى منزله، ثم إلى والده جوار المسمارية، وهو ضعيف، لكنه أقبل على العافية؛ وفي صبحة يوم الأربعاء خامس عشره تزفر .
وفي ليلته وصل سوار الحمامي، المسافر إلى مصر صحبة الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، وأخبر أن الشيخ قبل وصوله إلى مصر تضاعف، ودخل إلى مصر ولم يلاقه أحد، ثم نزل هو ومن معه بالناصرية، ثم في الحال ذهب ولده النجمي، والشهاب الرملي، إلى كاتب السر فسلما ثم رجعا، ثم بعد ظهر اليوم ذهب الرملي إلى المحلي، الذي يعضده، فسلم عليه ورجع، ففي الحال جاءه قاصد ابن موسى وأخذه إلى الترسيم .
ثم قبل المغرب أتى القاضي شهاب الدين الحمصي، إلى الشيخ تقي الدين وولده، وجيء بالعشاء فأكلوا؛ ففي أثنائه جاء قاصد ابن موسى وأخذ ولد الشيخ، ولم يتم عشاءه بحضرة والده، وذهب به إلى الترسيم أسوة بالرملي وحطا عند السيد إبراهيم الصلتي، ثم غلظ على الصلتي، ورفع إلى القلعة، وطلب منه عشرة آلاف دينار، وأن المصريين ترجموا قاضي المالكية خير الدين قبل دخوله مصر، ولم يترجموا الشيخ تقي الدين، بل أنكروا عليه في فتواه، في الواقعة الحيطية .

وفي يوم الخميس ثالث عشريه نودي بدمشق، من قبل نائب الغيبة الخزندار، أن على كل حارة جماعة من الزعر، يخرجون مدداً لملك الأمراء ببلاد حوران، إلى قتال العرب، وان تكون كلفتهم من مال عرفاء الحارات، لا على الناس؛ فعرضوا يوم السبت خامس عشريه، ثم في يوم الخميس سافروا .
وفي يوم الجمعة مستهل ربيع الأول منها، وهو سلخ حزيران، اشتهر بدمشق بأنه رسم على السيد كمال الدين بن حمزة، وعلى قاضي المالكية بدمشق خير الدين، وأنه لما أحضر على السلطان سأله ما السبب لهذا الاختلاف، فأنطقه الله بشيء كان سبباً لنصر المحب الأسلمي، فقال: حظوظ النفس، وضغائن في القلوب؛ فقال السلطان: في هذا الجواب كفاية، فكيف تكون الأحكام الشرعية بالحظوظ والضغائن ؟ فجعل ذلك حجة له، بعد أن كان جانبه مترجماً، ولا قوة إلا بالله .
وفيها اشتهر أن إبراهيم بن علي بن سبيل، كبير السفارة بدرب الحجاز، توفي بالحبس بمصر، لأنه كان، هو وأبو قورة القجماسي، السبب في تعطيل طريق الحج الشامي، واستمر أبو قورة بالحبس .
وفي يوم الأحد سابع عشره ضرب نائب الغيبة لرجل أزعر من العريم بالمقارع ضرباً مبرحاً، وأشهره في البلد، وأمر أن لا يحمل أحد خنجراً، وأشهره في البلد، وأمر أن لا يحمل أحد خنجراً؛ ففي تلك الحال أتى شخص في صورة فلاح، وعليه بشت مطيلس، حتى لا يعرف، وقبض عبد القادر يبن قرنبع، ورماه من أعلى المصطبة، وضربه بالخنجر، فقتله، ثم هرب، وقيل أنه هو الذي قتل ولده .
وفي يوم الخميس خام ربيع الآخر منها، دخل النائب من غيبته في البلاد القبلية، بعد أن وفق بين طوائف العرب، وهو لابس خلعة جاءته من مصر .
وفي يوم الخميس تاسع عشره سافر القاضي الشافعي إلى مصر، وقد تسلف على مغل الشامية البرانية، والغزالية، والناصريتين، والتقوية، ووقف أرغون شاه، والله بصير بما يعملون .
وفي يوم الاثنين ثالث عشريه سافر دولتباي الأينالي، دوادار السلطان كان، وقد ولي نيابة غزة .
وفيه شاع عزل القاضي الشافعي نجم الدين بن الشيخ تقي اليدن بن قاضي عجلون .
وفي يوم الاثنين مستهل جمادى الأولى منها، دخل من مصر إلى دمشق، المحب الأسلمي، بخلعة السفر على العادة، وقد تصور في ذهنه قمع أهل الحق، وانتصاره على من عانده .
وفي وم الخميس رابعه لبس خلعة السلطان بدار العدل، وقرئت مطالعته، وفيها الإطراء الزاائد له، وتوهية جانب قاضي المالكية خير الدين، والسيد كمال الدين، وكذكلك قاضي الحنابلة نجم الدين، ولا قوة إلا بالله؛ ثم زعم أنه السبب في خلعة النائب التي لبسها من سفره، ودقت لها البشائر، وقيل إنه صرح للنائب بأنه وفر عليه ألف دينار .
وفي يوم الخميس حادي عشره توفي الشيخ المبارك حسن الجناني السعدي، وكان النساء وغالب العوام يعتقدون أنه يشفي من الجنون، وأنه غريزة في أصله وفصله، انتقل من بلده بيت جن، وسقف تربة النائب أينال الجكمي، بأواخر قبلي دمشق، وسكن بها؛ ودفن قبلي الحصن، جوار شهاب الدين بن قرا، عن عدة أولاد .
وفي يوم الجمعة تاسع عشره قتل الله رجلاً أزعر، كان يدعى المهتدي، ولي مشيخة ميدان الحصى، والمشي قدام النائب، وأراح الله منه العباد والبلاد .
وفي يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الآخرة منها، ورد الخبر من مصر، بأن النجمي بن الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، فوض إليه السلطان قضاء الشافعية بدمشق، وعزل ولي الدين بن الفرفور يوم الأربعاء ثامن عشري جمادى الأولى منها؛ وفي يوم الخميس سابع جمادى الآخرة منها، لبس خلعة القضاء.
وفي يوم الأربعاء عاشر شعبان منها، خرج من مصر إلى الخانكاه مع والده تقي الدين، وميلاده سابع عشر شوال سنة أربع وسبعين وثمانمائة، كذا قال القاضي نجم الدين أنه وجده بخط جدة تاج الدين الأموي .
وفي ليلة الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة منها، وقع المطر الجديد الكثير بدمشق، ثم بعد صلاة الجمعة، وفي سلخه فرغ المعمارية من إعادة البرج الشمالي الصغير، غربي باب الحديد .
وفي يوم الخميس ثامن عشري شعبان منها، دخل دمشق من مصر قاضي القضاة الشافعي نجم الدين بن الشيخ تقي الدين، وتلقاه أرباب الوظائف، وكان يوماً مطيراً، سيما وقت دخوله، وقرأ توقيعه العلامة تقي الدين القاري .

وفي يوم السبت مستهل رمضان منها، دخل من مصر إلى دمشق نائب قلعتها، وتلقاه أرباب الوظائف وغيرهم، وكان دخوله حافلاً. .. .
سنة خمس عشرة وتسعمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين أبو الصبر يعقوب بن عبد العزيز العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري، ونائبه بدمشق سيباي والقضاة بها: الحنفي الزيني بن يونس، والشافعي النجمي أبو الفضل محمد بن الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، والمالكي خير الدين الغزي، والحنبلي النجمي بن مفلح، وهما في الترسيم بمصر، والأمير الكبر الأتابك برد بك تفاح؛ والحاجب الكبير جان بردي الغزالي، ومعه نيابة القدس، وكرك الشوبك.
وفي يوم السبت ثاني محرمها، خرج النائب من دمشق إلى الخربة. وفي يوم السبت ثالث عشره شاع بدمشق تولي يخشباي نائب صفد حجوبية دمشق، عوضاً عن جان بردي الغزالي، لغيبته في نيابة القدس وغيرها.
وفي يوم الأربعاء رابع صفر منها، ذهب جماعة من الصالحية برجل إلى عند القاضي الشافعي، وقالوا عنه إنه اقترف أخته شقيقته أربع مرات، وكاد زوجها أن يخرج عقله، فأمر بحبسه. وفي يوم السبت حادي عشريه وصل النائب من الخربة، وقد دقت بشائر دمشق مدة أيام، لكونه قتل كبار آل زعمان، وهرب الباقون، وأخذ حريمهم وإبلهم وأولادهم؛ ونودي بالزينة، فوضعت بدمشق بكرة يوم الأحد ثاني عشريه.
وفي يوم الاثنين ثالث عشريه دخل النائب دمشق، وتلقاه الناس على العادة، ودمشق مزينة له، وزحف جماعة المقتولين من آل زعمان وغيرهم، على أمير السلطان، ابن جانباي البدوي، فهرب منهم إلى قرب دمشق، كالقبيبات، وتخبط البر وانمحق زرعه، ولا قوة إلا بالله.
وفي ليلة الأربعاء خامس عشريه سافر النائب إلى المرج لأجل تدويغ الدواب التي أخذها من العرب، وقد باع جماعته بدمشق إبلاً كثيرة، وغيرها، بالرخص، فالله يحسن العاقبة. وفي ليلة الأحد ثامن عشريه رجع النائب إلى دمشق. وفي هذه الأيام فوض القاضي الشافعي إلى الأصيل زين الدين عبد القادر، أحد شهود باب توما، الملقب بالحبيصة؛ وهو رجل يشبه المرأة، وليس له اشتغال بالعلم، ويدعي التصنيف.
وفي يوم الخميس عاشر ربيع الأول منها، دخل من مصر إلى دمشق راجعاً، قاضي المالكية خير الدين الغزي، مستمراً على وظيفته، وشاع أنه رسم عليه وعلى قاضي الحنابلة، النجمي بن مفلح، والسيد الكمالي جمال، وأفرج عنهم بعد أن كان مرسماً عليهم بسبب هدم جدار المحب الأسلمي، وأما شهاب الدين الرملي فهو مستمر في المقشرة، لتصميمه على عدم وزن مال؛ ثم في أواخر شوال منها شاع بدمشق أنه أطلق على مال هين.
وفي يوم الجمعة حادي عشره ضرب النائب ليوسف القصيفي، نسبة إلى قرية قصيفة، من اللجاة، كان فلاحاً إلى دمشق، وعمل رسولاً، ثم بلاصياًَ، ثم شاهداً بأبواب الترك فزور مرسوماً - ضرباً مبرحاً - ثم طيف به على حمار مكشوف الرأس، ينادي عليه بالتزوير. وفي يوم الاثنين رابع عشره سافر القاضي الحنفي، الزيني عبد القادر بن يونس، إلى مصر مطلوباً.
وفي يوم الخميس سابع عشره لبس النائب خلعة، وتلقاه الناس على العادة، ودخل وعلى يمينه القاضي الشافعي، وعلى يساره القاضي المالكي. وفي يوم الأربعاء ثالث عشريه وصل السيد كمال الدين. وفي يوم الخميس رابع عشريه وصل قاضي الحنابلة، النجمي بن مفلح.
وفي يوم الثلاثاء عشرين ربيع الآخر منها، توفيت مستولدة نائب الشام جلبان، ودفنت عند أولادها، غربي المدرسة الشامية البرانية؛ أوصت بثلث مالها للقاضي الشافعي، فختم على موجودها، وجرى أمور كثيرة بعد ذلك.
وفي ليلة يوم السبت رابع عشريه احترق غالب سوق الرصيف، من جهة القبلة، إلى جدار المسجد، شمالي المدرسة المجاهدية، وكان قد سقط غالبه في الثلجة، ثم شرعوا في عمارة ذلك، فاحترق ثانياً قبل وضع الأخصاص وتكملته وما حول ذلك.
وفي هذا اليوم طلب القاضي الشافعي إلى القلعة، فأعطى مرسوماً شريفاً بطلب تكملة ما عليه، فادعى العجز عن ذلك، فأمهل.

وفي يوم الاثنين سادس عشريه أتى النائب من مصر خلعة، على يدي جماعته، وقد خلع عليهم أيضاً، ولبسها من خارج دمشق على العادة؛ وعلى يديهم مراسيم بإخراب بلاد ابن ساعد والقبض عليه، ومرسوم آخر بالحط على جماعة النائب، وأن جماعة القلعة شكوا عليه. وفي ليلة الأربعاء ثامن عشريه سافر النائب نجدة لدواداره، وقد حصره العرب.
وفي ليلة الجمعة مستهل جمادى الأولى، في ليلتها، سافر الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون إلى بيروت، بعد مبيته بجامع التوريزي. وفي يوم الثلاثاء خامسه دقت البشائر بدمشق، لأجل ما قيل إن النائب انتصر على من حصر دواداره من العرب. وفي هذه الأيام أرسل النائب إلى دمشق يطلب سنيحا، يجهز له من مال الحارات، وما أظنه يعلم ذلك.
وفي يوم السبت تاسعه .... توفي بصفد عبد القادر بن حبيب، كان متجاهراً بطريقة ابن عربي، وفي ليلة الجمعة ثاني عشريه رجع النائب إلى دمشق. وفي يوم الاثنين خامس عشريه ورد من مصر خاصكي يبشر بالنيل، مخلوعاً عليه بطراز، فتلقاه النائب على العادة.
وفي يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة منها، دخل من مصر إلى دمشق، الدوادار الثاني بمصر، علاّن، رسولاً من السلطان إلى سلطان الروم، يتراضاه على ولده الذي هو بمصر الآن، ودخل دخولاً حافلاً. وفي هذه الأيام رمي على الحارات مال لأجل مشاة. وفي عشية الخميس تاسع عشره اعتقل على القاضي الشافعي بالقلعة، على بقية مال جعله عليه للسلطان حتى ولاه القضاء، ووالده حينئذ ببيروت .
وفي ليلة يوم الاثنين ساخه سافر النائب سيباي مطلوباً إلى مصر، وكثرت الأقوال بسبب ذلك؛ واستمر القاضي الشافعي بجامع القلعة، ووالده ببيروت، وهما يدعوان على المحب الأسلمي، الذي كان السبب في التولية، ثم في الاعتقال، بعد أن نصراه بالفتوى على أعدائه، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الأحد، تاسع عشري رجب، وقع الدوادار نائب الغيبة برهاطة المصري، نائب ناظر المارستان النوري، ناظر القلعة، وأهانه إهانة بالغة. وفي يوم الأربعاء سلخه نودي بدمشق بالزينة، بعد أن دقت البشائر بأن النائب خرج من مصر، وتجه إلى كفالته على عادته، وأن بعض الناس فارقه بغزة.
وفي يوم الخميس أصبح الناس صياماً بدمشق، فإنه قد ثبت أن أول شعبان الثلاثاء، وكان قياس القاعدة أن يكون أول رمضان الجمعة فإن رابع رجب كان الجمعة. وفي بكرة يوم السبت ثالثه دخل النائب إلى دمشق، مخلوعاً عليه، راجعاً من سفرته إلى مصر، وتلقّاه القاضي المالكي، والقاضي الحنبلي، وأرباب الوظائف على العادة، في أبّهة حافلة.
وفي ليلة الجمعة تاسعه عزل النائب تقي الدين القاري من إمامة الجامع الأموي، وولاّها لشهاب الدين بن الملاح المقريء، ورسم على القاري، ثم أطلقه من الترسيم على مال، فولّي القاضي الشافعي لابن عمه أبي اليمن، واستمرّ إلى بعد العيد الصغير، فأعيد القاري.
وفي يوم السبت ثاني عشري شوال منها هرع الغوغاء إلى الطابق، وقبور أهل الذمة. للفرجة، فأرسل الله عليهم مطراً غزيراً، حتى رأوا في أنفسهم ما لا يوصف، وكان النائب في وليمة مرعى بحجيراً، فأسرع الرجوع، ففاز بذلك.
وفي يوم الأربعاء سابع عشر ذي القعدة منها، خرج من دمشق سريّة من المماليك بأمر النائب، وكبسوا قرية جبّ جنين بالبقاع، ونهبوا مصاغاً وحليًّا كثيراً، وكسروا أعلام الزاوية، وربطوا جماعات من فقراء شيخها الدسوقي، وذهب من الدبس والبرغل والكشك والقمح وغير ذلك شيء كثير، لا يمكن ضبطه، لكون شيخ بعض البلاد أصله من جبّ جنين المذكورة، وقد قتل قتيلاً بقرية الديماس، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الخميس ثامن عشره شاع بدمشق عزل القاضي الشافعي، النجمي ابن الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون، من قضاء الشافعية، وأن العزل كان في يوم الثلاثاء ثاني الشهر المذكور، ثم تبيّن أن أصل الإشاعة كتاب ورد مع فرج بخطّ شهاب الدين الرملي، الذي أطلق من الحبس قريباً، ذكر فيه أن ولي الدين بن الفرفور ولاّه السلطان، وخلع عليه في ثاني الشهر؛ فلم يلتفت النجمي إلى ذلك حتى يأتي شيء يعتمد عليه، واستمرّ في جامع القلعة يعرض ويقرّر، والناس يخوضون له وعليه، وتبيّن صحة ذلك من العزل ومن التولية في التاريخ المذكور .

وفي صبحة يوم الاثنين ثاني عشريه لبس النائب خلعة حمراء بمقلب سمور خاص، من قريب القبة أتت على يد خاصكي عليه خلعة بطراز خاص، وكان يوماً مطيراً مطراً خفيفاً، فلم يحتفل الناس على عادتهم لأجله، وهذه الخلعة تتمة ثلاث عشرة خلعة. وفي يوم الخميس خامس عشره دخل من مصر قاضي الحنفية بدمشق، الزيني بن يونس، راجعاً على عادته بخلعة، وصحبته يونس العادلي رسولاً للسلطان إلى بلاد الروم، ليشتري له خشباً برسم المراكب.
وفي يوم الجمعة سادس عشريه خطب بالجامع الأموي القاضي شهاب الدين الحمصي، رئيس المؤذنين به، نيابة عن القاضي الجديد الولوي بن الفرفور، وتضاخم لكونه على ما قيل، خطب بالسلطان مرة، ولكونه ولي نيابة الحكم بمصر، ولكونه، على ما قيل، أقرأ الولوي المذكور، وقال في خطبته: روينا وروينا، وسمي النسائي وغيره؛ قال المحيوي النعيمي: وهو لم يقرأ ذلك على أحد، وأنا في أول أمره أقرأته أول صحيح البخاري، ولكنه من جملة المتفقهة، الذين إذا سافروا إلى مصر انصبغوا.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشر ذي الحجة منها، فقد أعرف الناس بمعرفة الجوخ، شهاب الدين الكويس، وهو في حدود الثمانين. وفي هذه الأيام سافر النائب والعسكر، خلا الحاجب الكبير يخشباي، نحو البلاد الشمالية.
وفي ليلة الأحد ثامن عشريه، دخل إلى دمشق ليلاً، خاصكي من مصر، صحبته مراسيم شريفة بتخليص جهات القاضي الشافعي؛ حينئذ الولوي بن الفرفور، ممن استولى عليها، كابن الحنش، وضبط ما يتحصل منها ليدفع ما عليه للسلطان، وهو معوق لذلك .
وصحبته أيضاً مرسوم من القاضي الشافعي المذكور، بتفويض العرض وغيره إلى سراج الدين بن الصيرفي، الذي هو من كبره قد تقلبت جفون عينيه واحمرت؛ وأن يفوض للبرهاني الصلتي الطويل، ففرح بذلك وقويت همته، فعرض وفوض للصلتي في اليوم المذكور.
وعزل القاضي تقي الدين القاري من نيابة الإمامة بالجامع الأموي، التي سود وجهه بسببها عند النائب ناظر الجامع، وعند ابن طالوا نائبه في النظر المذكور، بسبب كسر خاطر شهاب الدين بن الملاح، لأجل عشرين درهماً، وسود وجهه عند شهاب الدين الرملي. الغائب بمصر يومئذ، بعد محنته، وعند من ولاه القضاء وغيره النجمي ابن الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، وعند قاضي الحنفية المحيوي بن يونس، بسبب المدرسة البلخية، لكونه، نزل عنها لصبي يدعى محمد بن السجان، وعند قاضي المالكية خير الدين الغزي.
وفي هذه الأيام قطع الماء من الجامع الأموي، لأجل انسداد مصارفه، ورمي على ذي الحقوق مالاً كثيراً. وفي هذه السنة جدد النائب مكاناً قبلي دار السعادة والمدرسة العذراويه، وغربي المدرسة الصارمية، وشمالي حارة الغرباء، وغربي المارستان النوري، وجدد تجاهه قناة وبركة، وساق الماء إليهما، واشتهر بين الناس أن رجلاً من الجند اسمه أبو بكر بن شعبان الرجبي، بالجيم، حسن للنائب ذلك، وأنه رأى في منامه بعض الصالحين، يدعي سيدي أحمد عمود، مدفوناً لصيق عمود في هذا المكان، فأبرز القبر والعمود وكساهما؛ ولما توفي النائب المذكور محا الرجبي المذكور اسمه من الطراز بالمكان، وجعل اسمه موضعه، وقال: إنما كتبت اسم النائب حشمة معه، وأوقف عليه قيسارية البهار قبلي قيسارية تنكز، وغير ذلك.
سنة ست عشرة وتسعمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين أبو الصبر يعقوب بن عبد العزيز العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري؛ ونائبه بدمشق سيباي؛ والأمير الكبير الأتابك برد بك تفاح؛ والحاجب الكبير يخشباي؛ والقضاة بها: الحنفي المحيوي بن يونس، والشافعي الولوي ابن الفرفور، وهو مقيم بمصر، والمالكي خير الدين الغزي، والحنبلي نجم الدين بن مفلح؛ وكاتب السر محب الدين الأسلمي وهو ناظر الجيش؛ ونائب القلعة مسرباي؛ ودوادار السلطان بها أقطوه.
وفي ليلة الخميس المحرم منها، رجع الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون من بيروت. وفي بكرة يوم الأحد خامسه رجع النائب إلى دمشق من سفره إلى البلاد الشمالية، وكان ذهب نجدة لنائب حمص، بمقتضى مرسوم شريف على عرب الفضل بن نعير، فأخذوهم غروراً وهم طائعون، وأخذوا منهم جمالاً وغنماً كثيرة وغير ذلك، وقتلوا منهم، ومن أكابرهم، جماعات، ودقت البشائر بدمشق وغيرها أياماً، وأرسل إلى السلطان منها جمال كثيرة.

وفي يومي الخميس والجمعة، تاسعه وعاشره، وأظهر علاء الدين الرملي مرسوماً شريفاً، أرسله القاضي شهاب الدين الرملي بالشكوى على تقي الدين القاري، والقاضي زين الدين عبد الرحيم ابن الشيخ تقي الدين، من جهة خلوة الكلاسة، أسكناها رجلاً يدعى ابن الخشاب، وعلي بن أيوب، ناظر العميان من جهة وقف السبع، فرسم على الثلاثة بقاعة بدار العدل، ثم أطلقوا عشية الجمعة.
وفي يوم الاثنين ثالث عشره أمر النائب بإشهار المناداة بإبطال المظالم والرميات على الحارات، وأن لا يؤخذ أحد إلا بمشتكى، وفرح الناس بذلك. وفي بكرة يوم الجمعة سابع عشره، سادس عشر نيسان، هب الهواء كثيراً، ثم وقع مطر، ثم أرعدت، ثم قوي المطر، ثم زاد الرعد بحيث خاف الناس، ووقعت صاعقة على منارة الناصرية، غربي الصالحية، فخربت رأسها وجانباً منها، وأخذت جانباً من عتبة الشباك الذي تحتها، وكان ذلك في حال قدوم زوار بيت المقدس، الذين سافروا من نحو شهر، حتى كادوا أن يغرقوا برأس القبيبات، ثم أصحت ونشفت الأرض، وخرج الناس إلى الجمعة.
وفي ليلة السبت ثاني عشره رمى بعض الفساق خرقة فيها نار، في بيت امرأة غائبة عنه وزوجها غائب أيضاً غربي مصلى العيدين، فاحترقت حوائجها والبيت، ولولا أنه كان أوائل الليل، وكثر الناس، لاحترق بيوت كثيرة.
وفي يوم الأحد سادس عشريه نودي بالزينة، ودقت البشائر، واشتهر أن السلطان ولد له ولد ذكر، والعادة أن يهب للمماليك شيئاً معيناً، فنقض عنه، فخرج عليه جماعات منهم، قيل ونهبوا الأسواق، فنزل إليهم وقبض جماعات، فغرق وقتل وخوزق وحبس، فلما انتصر عليهم نودي بالزينة، لأجل ذلك، ولأجل فرحة بالولد.
وفي يوم الاثنين سابع عشريه لبس الأمير عز الدين، ناظر الجوالي وأحد الألوف، من بين يدي النائب خلعة أتته من مصر، بسعي النائب له في ذلك، بوظيفة نظر الجيش وكتابة السر، بعد عزل جاره المحب الأسلمي، الذي هو الآن بمصر، عنهما.
وفي بكرة يوم الأربعاء تاسع عشريه دخل إلى دمشق راجعاً، الدوادار الثاني علان، من بلاد الروم، وصحبته عشرة خاصكيه، وقد خلع ابن عثمان على الجميع، وتلقاه النائب وأرباب الولايات، ونزل بالميدان الأخضر. وفي يوم الخميس سلخه لبس الأمير عز الدين، ناظر الجوالي، خلعة ثانية، أتته من مصر، بالترجمة وأستدارية السلطان، تكملة ست وظائف؛ والمحب الأسلمي غريمه بمصر إلى الآن.
وفي يوم الجمعة مستهل صفر، وصل الخبر إلى دمشق بوفاة أخينا محيي الدين بن كمال الدين بن سلطان، بمكة المشرفة، في رابع عشر ذي الحجة من السنة الماضية، ولم يكن ببيت ابن سلطان أولى منه.
وفي هذه الأيام ورد المرسوم السلطاني بإشهار المناداة بالتهيؤ لأمور الحج في الركب الآتي، وأن أمير الوفد أمير ميسرة أصباي بدمشق، ففرح الناس بذلك لاندراج أمور الناس، فإنه من حين بطل خروج الركب الشامي من دمشق وقفت صنائع كثيرة، وله أربع سنين قد بطل. وفي يوم الثلاثاء خامسه دخل إلى دمشق حج كثير، أتى صحبة الغزواي، وأخبروا بأن الرخص بمكة كثير، إلا أن الماء قليل، وأن الوقفة كانت يوم الأربعاء، وأن القماش الأبيض كان قليلاً.
وفي يوم السبت تاسعه توفي الرجل الديّن التاجر كان، زين الدين يخشى، بعد أن هرب من منزله بحارة الجمالين قرب عاتكة، إلى الصالحية عندنا، من كثرة الرميات والظلم، ثم قبل موته بيومين رجع إلى منزله متضعفاً، فمات وهو حاضر الذهن، وكان ممن يقضي حوائج المسلمين، ودفن بالحميرية، عن بنت وزوجة.
وفي بعد الصلاة يوم الجمعة خامس عشره، سافر الدوادار الثاني علان من دمشق إلى مصر، راجعاً من عند ابن عثمان، وخرج لوداعه النائب وخلع عليه. وفي هذه الأيام فرض دائرة على القضاة لشهاب الدين بن الملاح الرملي.
وفي يوم الجمعة ثاني عشريه طلب الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، إلى مجلس المحيوي بن يونس قاضي الحنفية، الدعوى عليه بألف دينار أصالية، وضماناً، واستهجن الناس ذلك.
وفي يوم الخميس تاسع عشر ربيع الأول منها، أتى نائب القلعة راكباً بجماعتها، وبين يديه رجل مختف في زند حديد، إلى قرب بيت قاضي الحنفية، ثم مالت فرقة من جانب بابه الشرقي، وفرقة إلى بابه الغربي وهجموا عليه إلى حريمه وأخرجوه، وذهبوا به راكباً إلى القلعة، ثم رجع وحده إلى بيته، ثم تراضاه حتى خلع عليه.

وفي يوم الجمعة ثامن ربيع الآخر منها، نودي بدمشق بأن كل من كان من أرباب الإقطاعات يلحق النائب، وأن يرمى مال على الحارات، لأجل مشاة تلحقه أيضاً.
وفي يوم الاثنين خامس عشره دخل من مصر إلى دمشق، قاضي الشافعية ولي الدين بن الفرفور، وصحبته القاضي شهاب الدين الرملي، وأخبر أنهما خرجا من مصر ثامن ربيع الأول، وأنهما زارا القدس والخليل، وأن تولية القاضي في توقيعه يوم ثاني ذي القعدة من الماضية، وتلقاه أردبش الدوادار الكبير نائب الغيبة.
وفي يوم السبت عشريه دخل من مصر إلى دمشق خاصكي، قيل اسمه سودون الخندي، بخلعة بطراز خاص، وصحبته نحو عشرة أنفس خاصكية ووشاقية، بخيل خاص وأبهة حافلة، قيل أرسله السلطان إلى الخارجي إسماعيل الصوفي، وكان يومئذٍ وقد وصل إلى دمشق من حلب وغيرها جماعة صحبتهم من الفرنج، قيل معهم مكاتبات مخبأة في عكاكيزهم من الفرنج إلى إسماعيل المذكور.
وفي يوم الخميس خامس عشريه تحيل هذا الخاصكي حيلة في أخذ أموال الناس، بأن قال: ذهب لي بالميدان الأخضر سيف وبقجة وترس، ونحو ذلك، فرمى على أهل الحارات مال بسبب ذلك.
وفي يوم الجمعة سادس عشريه صلى هذا الخاصكي بالشباك الكمالي بالجامع الأموي، مكان يصلي النائب، ثم بعد الصلاة دخل إلى قبر زكريا وزاره في زحمة، ثم دخل من باب المقصورة الشرقي، وخرج من بابها الغربي، ولم يلتفت للقاضي الشافعي ببيت الخطابة، ثم مر على محراب الحنفية، ثم خرج من باب البريد، وهو في ضخامة حافلة بمن معه. وفي هذه الأيام وقع النائب في بلاد ابن ساعد، وغيره، بالحرق، وتخريب الأمكنة، وإتلاف الزروع والمغلات والحيوانات، وقتل منه جماعات، منهم الدوادار الثاني له.
وفي يوم الاثنين تاسع عشريه فوض القاضي الشافعي لخاله محب الدين بن الخيضري، وابن خاله الآخر أبي اليمن، وكان قبل ذلك فوض لشهاب الدين الرملي، ولشيخه الذي بعث من مصر استنابة في الخطابة بالجامع، شهاب الدين الحمصي، وللشريف البرهان الصلتي، فجملة النواب خمسة، وأما الباقي منهم فيريد منهم مالاً فامتنعوا من الاجتماع به خوفاً من أن يحابيهم في قبول التفويض، ثم يكتب عليهم وصولات بما يريد، على كل واحد، فإن لم يورد ذلك عزله تعزيزاً له.
وفي يوم الجمعة رابع جمادى الأولى منها، لم يصل القاضي الشافعي الجمعة، وهو متضعف في بيته. وفي يوم الثلاثاء دخل النائب إلى دمشق، راجعاً من طوفه على البلاد، بعد قتل جماعات، ونهب للناس مالاً كثيراً، وكان في غيبته قد أتت له من السلطان خلعة ودقت لها البشائر بدمشق، دخل يومئذٍ وهو لابسها، بسمور خاص، وتلقاه الناس، ومنهم القضاة الثلاثة، وتخلف الشافعي لضعفه على العادة؛ ثم توعك النائب واستمر لم يركب إلى يوم الجمعة ثالث عشريه، فصلى بالشباك الكمالي بالجامع الأموي على العادة.
وفي يوم الخميس عاشره كان عيد الجوزة، والجوز قليل، وكذا اللوز والزيتون والعنب الدبسي، في غالب النواحي.
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره اشتهر عن مطر المعصراني، فراش بوابة ذي الجوشن، أنه رأس منسر الحرامية، وقبض جماعة، ثم هو أيضاً، ولطخ عرض عريف حارته، أبي بكر بن المبادلة، وغرم بسبب ذلك مالاً، وخلع عليه يوم الخميس سابع عشره، ثم أعدم مطر المذكور، توسيطاً، وجماعته.
وفي يوم الأحد عشريه قطعت الجوزة الكبيرة التي خلف القناة والسبيلين، وتعرف تلك المحلة بحارة الجوزة، وكانت هذه المحلة تعرف قبل ذلك بزقاق التوتة، لتوتة كانت هناك فقطعت، وكانت هذه الجوزة صغيرة، فلما كبرت في هذا اليوم قطعها مالكها، خولي النائب، ياسين، وأنكر عليه بعض الغوغاء.
وفي يوم السبت سادس عشريه رجع الدوادار الكبير أردبش من بلاد حوران، وقد وقع بعرب زبيدة، وقتل منهم جماعة وهرب جماعات، وسبى من نسائهم وأولادهم جماعات، وأما الإبل والبقر والغنم فأخذ شيئاً كثيراً.
وفي أواخر هذا الشهر أشيع وفاة المعلم محمد بن سليمان القابوني، وبيده بعض وظائف، فأخذت يومئذٍ وتجهز لأجل إرثه جماعة الحشرية، وجماعة نائب القلعة وجماعة الأستادار، وخرجوا إلى القابون فوجدوه حياً وهو في الحمام، ثم توفي في يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان منها، قيل عن أخت.

وفي يوم الخميس مستهل جمادى الآخرة منها، كان خامس أيلول. وفي صبحة يوم السبت ثالثه أتى محمولاً بالشريف كرباج البوصيني الحبال بالمزة، وهو ابن عم محمد بن المحب الحصني، وهو مقتول ليلاً بنشاب في بطنه، ووضع بباب خان الحصني، تحت زاوية ابن عمه، ثم حمل إلى دار النيابة، فأمر النائب بتجهيزه، ودفن بتربة الأشراف غربي مسجد الذبان، وعرف قاتله من المزة.
وفي يوم الخميس ثامنه، وهو أول فصل الخريف، توفي أحد الشهود المعدلين بصالحية دمشق، برهان الدين إبراهيم التسيلي الشافعي، رفيق عز الدين ابن قاضي نابلس الحنبلي، وقد قارب الأربعين ظناً، وهما عجيباً الحال.
وفيه شاع بدمشق أن الفرنج أخذوا طرابلس الغرب من المسلمين، وبلاداً أخرى، وأنهم أخذوا من البحر عدة مراكب فيها مال كثير لبعض المغاربة، وأنهم أخذوا مراكب فيها خشب، اشتراه يونس العادلي المتقدم ذكره، باسم السلطان، وجهزه في البحر إلى القاهرة، ليعمل مراكب؛ والناس في شدة من كثرة القتلى بدمشق، وغلا اللحم الضاني الذي هو كل رطل بخمسة.
وفي يوم الاثنين ثاني عشره دخل راجعاً إلى دمشق ومصر، تاج الدين ابن الديوان، بوظيفة عداد الغنم. وفي يوم الخميس خامس عشره توفي أحد الشهود بمركز باب الصغير، المشهور بالجهل والتزوير وغير ذلك، يحيى ابن إمام جامع المزاز بالشاغور، في حبس باب البريد، بسبب مال ضمنه عن الأمير عز الدين ناظر الجوالي.
وفي يوم الاثنين تاسع عشره وقع المطر الجديد. وفيه حرج على الفحم أن لا يباع إلا في خان الليمون، ولا قوة إلا بالله.
وفي هذا الشهر كملت عمارة القناة التي بجانب مسجد شبل الدولة، قبلي قصر حجاج، وقبلي السويقة المحروقة، بعد خراب قنطرتها الآجر، وقنطرة بيت الخلاء، قبليها، بعد أن أخرج إلى سمت جدار المسجد شماله، وبنى جانباه بالحجارة المنحوتة، وعليت عما كانت قبل ذلك، فولى النائب ياسين لأجل مصلحة نفسه، ليأخذ من مائها إلى داره.
وفي يوم الجمعة سابع رجب منها، أخبر عمي العلامة جمال الدين بن طولون، أن أحمد الأعور، الرسول المغربي الذي يزعم أنه شريف، وأن عبد القادر بن شهبة نزل له عن نظر المدرستين الإقباليتين، الشافعية والحنفية، قد باع من وقفهما أماكن منها فدادين من السموقة كل فدان بألف درهم، لبعض من لا يخاف الله، وأن النائب اشترى خان نقيب الأشراف، خارج بابي النصر والجابية، قبلي جامع الطواشي، وهو وقف.
وهذا الخان هو الذي جرى لبانيه قاضي القضاة شهاب الدين بن نقيب الأشراف، مع العلامة الرباني تقي الدين الحصني، ما جرى، كما ذكره الشيخ تقي الدين ابن قاضي شهبة في تاريخه بعد العشرين وثمانمائة، وقد كثر في هذه الأيام بيع الأوقاف، بسبب تولي قضاء الحنفية للمحيوي بن يونس، فأسأل الله أن يسلط عليه ما يستحقه.
وفي يوم الخميس خامس شعبان منها، كتب محضر بالقلعة بأن الأمير طراباي، أخا قيت الرجبي، المسجون بالبرج بها المقيد، قيل بقيدين، قيل ومزنجر أيضاً، عامل اثنين من جماعة القلعة على سرقة قصدير السلطان، المخزون تحت برجه، فسرق، فعلم نائبها ونقيبها، فكتب بذلك هذا المحضر، وجهز إلى القاهرة للسلطان.
وفي يوم الجمعة ثالث عشره، عقب صلاة الجمعة بالجامع الأموي، نودي بالصلاة غائبة بالنية، على الشيخ العالم بدر الدين بن الياسوفي، ولم يذكر الحاضرة، التي أتت ووضعت قبل الصلاة عند مجلس بدر الدين المذكور للصلاة، فخرج الخطيب الشهابي بن الحمصي، وأتى إلى الموضع المذكور، وصلى على الحاضر والغائب وصلى الناس خلفه عليهما، فتعجب، لذلك حكمة من الله تعالى.
وفي يوم السبت رابع عشره أتى المقدم ابن العزقي إلى دمشق، بعد أن كان شوش على خازندار النائب، فلم يزل به حتى أمنوه وأتوا به إلى عند النائب وأظهر الطاعة، فأضافه الخازندار في بيته، فلما أمن قام الخازندار وضربه بدبوس في رأسه، ثم ضرب رقبته بالسيف.
وفي يوم الأحد خامس عشره أتى جماعة الجوامعية، المباشرون بالجامع الأموي، الذي مات منهم الشيخ بدر الدين بن الياسوفي، وقد خلع عليهم أربعة آلاف دينار، وأخبروا أن المقام الشريف بلغة أن جماعة بالجامع المذكور، يستنيبون في وظائفهم بالنزر اليسير، وآخرون لم يباشروا، يأخذون معاليم.

وفي يوم الثلاثاء سابع عشره فوض القاضي الشافعي لكمال الدين محمد ابن الشيخ أبي الفضل بن الإمام، بالنحاسية، نيابة الحكم. وفي يوم الخميس تاسع عشره ورد مرسوم شريف بطلب نائب القلعة بدمشق، إلى الأبواب الشريفة، لكونه امتنع من ذهابه إلى مكة وتشفع بالنائب بأن يستمر في وظيفته.
وفي يوم الثلاثاء رابع عشريه فوض القاضي الشافعي إلى علاء الدين الرملي، صبي القاضي الشهابي الرملي، بمبلغ مائة أشرفي؛ وقبل هذه الأيام فوض إليه التكلم على جهات الحرمين، بمبلغ وخمسين أشرفياً، فصار نائبه في القضاء وفي نظر الحرمين.
وفي هذه الأيام جرت قضية عجيبة، وهي أن إبراهيم بن علي، الموصلي الأصل، العاتكي، بحارة رستم، الشهير بابن الملاح، كان تزوج بجارية حبشية متهمة، وأتت منه بولد، فدفن في مكان من داره مالاً، قيل ألفاً دينار، وهو رجل سفار، فلما عرض له السفر إلى مصر، أسر إلى زوجته المذكورة، أن هنا مالاً مدفوناً، ثم سافر.
فلما علمت وصوله إلى مقصده بمصر، تحيلت حيلة، فجمعت حوائج في كارات، ووضعتها ليلاً في مكان غير حرزها، وأحرقت مكاناً قرب المكان المدفون فيه المال الذكور؛ ثم صاحت بصوت مهول قرب نصف الليل، فخرج الناس على صوتها، وسألوها عن الحال، فأظهرت أن الحرامية نزلوا علينا، فأخذوا لنا حوائج، وأحرقوا هذا المكان.
فشرع النائب في إطفاء الحريق، وأظهرت الكارات، وأن الحرامية لم يقدروا على أخذ الجميع، فتعلق الظلمة على أهل الحارة، وضرب رجل منها بالمقارع، وغرموهم مالاً، فلما علم زوجها بمصر ذلك، سافر وجاء، فأظهرت له ذلك، وأن المال نبشوه الحرامية، وأخذوا كذا وكذا، وحرقوا هذا المكان، فظن صدقها وكتم ما عنده.
ثم بعد أيام ظهر له ريبة، فتجسس وتحسس، فرآها ترسل عبده خفية إلى أخذان لها بالشاغور، فلما جاء الليل أظهر لها أنه نائم وجلس في مكان مشرف على الطريق والباب، فدق الباب، فردت جارة المكان عليهم، واستيقظ الناس، فهربوا فزادت ريبته فيها، فسأل العبد، فاعترف، وحكى لسيده أنهم جاؤوا، لقتلك بوعد منها لهم.
فقبض عليها، وأتى بجارية كانت عندهم قبل ذلك، فأقرت عليها بأمور، فعلم أنها التي أخذت المال وأرادت قتله، فعلم الظلمة ذلك، فأخذت وضربت، وفأقرت على زوجة ابن العقري، وأنها التي شجعتها على ذلك، وأنها أخذت من المال كذا وكذا، فطلبها الظلمة وتطلبوا الأخذان من الشاغور.
وفي يوم الاثنين ثامن رمضان منها، سافر نائب القلعة المطلوب إلى مصر، وقد خلع عليه النائب، وسافرت مطلقة النائب معه. وفي يوم الثلاثاء عاشره نهب المقدم برغشة خيل خصمه المقدم الآخر، لكون مات من كان ينصره عليه، وهو دوادار السلطان أقطوه، ورمى جماعة النائب على أهل الصالحية والمزة مالاً، وقبض على جماعة وصودورا.
وفي يوم الثلاثاء سابع شوال منها، سافر الأمير عز الدين، ناظز الجوالي وغير ذلك، إلى مصر، وسافر صحبته نور الدين خادم الشيخ رسلان، المشهور بقنينة، وصحبتهما المال على القاضي الشافعي ولي الدين، وقدره اثنا عشر ألف دينار، وقيل هي نحو نصف ما عليه.
وفي يوم الاثنين ثالث عشره توفي الرسول الشريف الأكتع المغربي الصقلي، الشهير بأبي دية، ودفن بمقبرة الباب الصغير. وفي هذه الأيام ورد مرسوم شريف بإبطال بيع الأوقاف، تاريخه سابع عشر شعبان منها، وقيل إن سببه أن النائب اشترى السيبائية، وقف التقوى على المدرسة التقوية، والبرج وغير ذلك.
وفي يوم الخميس سادس عشره لبس النائب خلعة حمراء بسمور خاص، من قريب قبة يلبغا، وتلقاه الناس على العادة، أتت إليه مع خاصكي، فدخل معه وهو مخلوع عليه خلعة بطراز. وفي هذا الأيام توفي الشاهد بمركز الخضريين، شمس الدين الحلاوي، المعروف ببيض اللقح، وهو خطيب جامع الحشرة بالحدرة.
وفي يوم الجمعة رابع عشريه أتى النائب بجماعة من أولاد سيف الدين الحماري، كانوا قد قتلوا وأفسدوا ونهبوا بتوسيط بعضهم، وبشنق بعضهم. وفي يوم الثلاثاء ثامن عشريه خرج النائب بعسكره إلى عند القبة، قيل على نية نهب بلاد ابن ساعد. وفي يوم الأربعاء تاسع عشريه فوض القاضي الشافعي للتقوي ابن قاضي زرع .

وفي يوم الخميس مستهل ذي القعدة منها، فوض القاضي الشافعي أيضاً لجلال الدين البصروي، لكن بلغني أنه لم يحكم. وفي يوم الأحد حادي عشره حضر السيد كمال الدين ابن حمزة، مدرساً للمدرسة الشامية البرانية، نيابة عمن تولى تدريسها، وهو الزيني عبد القادر، ناظر الجيش، القصروي المصري، ودرس في الرافعي في كتاب الأيمان .
وفي هذه الأيام جدد قبر الشيخ تقي الدين الحصني، بعمارة مهولة لا تليق به، وعمارته الأولى كانت أليق بمقام الأولياء والعلماء الصالحين. وفي يوم الاثنين تاسع عشره فوض القاضي الشافعي للمحيوي النعيمي، بعد تمنع زائد منه، وانفض المجلس إلى أن يستخير الله تعالى.
وفي هذه الأيام وقع القاضي الحنفي، المحيوي بن يونس، بالقاضي شهاب الدين الرملي، بكلمات عجيبة، بحضرة مستخلفة القاضي الشافعي الولوي بن الفرفور، لكونه كان أرسل كتاباً إلى كاتب السر ابن أجا بمصر للشكوى عليه، فلفه ابن أجا، وكتب للحنفي كتاباً، ووضع ذلك داخل هذا، وأرسلهما إليه، وانتصر له التقوي ابن قاضي زرع، فوقع به بكلمات أدبه بها، وفي يوم الثلاثاء سابع عشريه نزل الحرامية على امرأة ذي مال، داخل الباب الصغير، فاستغاثت، فقتلوها وأخذوا مالها.
وفي هذا الشهر اتفق عجبان: الأول دخول اليهودي معلّم دار الضرب بدمشق، بخلعة، راكباً وحوله جماعات من المسلمين والمنافقين؛ الثاني أن ابن رجل يعرف بابن سليمان بمحلة قناة البريدي، شكا على أبيه من عند جماعة النائب وكذب عليه بأنه وجد في عمارة صطلين ذهب، فوضعوه ليضربوه بحضرة ولده بالعصا، فلم يرض بالعصا بل بالمقارع، وقال: إذا فرغتم منه هاتوا أمي واضربوها بالمقارع؛ والحال أن أبويه زوّجاه بمال كثير بعد تعبهما عليه، وإنشائه في كنفهما.
واستهلّ ذو الحجة بالسبت كما قال المؤقّتون، وهو أول آذار، وأهل الصالحية والمزّة في مشقّة من قلّة الماء، لكون المشدّ أخذ جامكيته وقدرها على العادة خمسون ديناراً، ثم أخذ المال المرصد لتعزيل الأنهار جميعه، وذهب مع النائب، فتوقّف الرؤساء في التعزيل لقلّة المصروف، وأخذوا يظلمون الناس.
وفي هذه الأيام سقط ابن العقرباني القبيباتي في نهر القنوات، مات. - وفيها كبس جماعة شباب بالصالحية على معصية، ومنهم البدر بن المعتمد. - وفيها وقع القاضي الشافعي بالمحيوي بن شعبان الغزّي، حمية لعلاء الدين الرملي.
وفي الجمعة سابعه ورد مرسوم إلى نقيب القلعة، يومئذ صنطباي، بالقبض على القاضي الحنفي المحيوي بن يونس، على مبلغ سبعة آلاف دينار، قيل وخمسمائة، فأرسل إليه قبيل الصلاة إلى القلعة، ولم يعلمه، فعلم هو بالحال، فأمر جماعته بأخذ آلة الحبس بجامع القلعة، ثم ذهب ودخل القلعة، فقريء عليه المرسوم، ثم أدخل الجامع وجاءته الناس يسلّونه وهو في وجل كبير.
وفي يوم الأحد عرفه تاسعه، وصل راجعاً إلى دمشق، قاصد القاضي الشافعي، وهو نور الدين القنينة، وصحبته مراسيم شريفة، وخلعة لأستاذه، ونزل بالبيت الذي كان جدّده المرحوم قاضي القضاة الشهابي الفرفوري، غربي حمّام الكأس، وشرقي الشريفية، وقبلي بيته الكبير، وسلّمنا عليه فيه.
وفي يوم الاثنين سابع عشره لبس القاضي الشافعي خلعته المذكورة، ولونها أخضر، من رؤوس العمائر على غير العادة، فإن العادة أن يلبسها من حضرة النائب، أو نائبه، من دار العدل، ولكن تغيّرت العوائد لخلوّ الزمان عن كبير يرجع إليه.
وفي هذه الأيام أوصى الرجل الصالح شمس الدين محمد بن محمد زيري، بعمارة جامع المسلوت بحارة زقاق البركة، لولده شهاب الدين أحمد، بعد أن آل إلى الخراب، وكان قد تدارك جدارة القبلي الخواجا شهاب الدين بن سليمان، فأتم هذا الرجل عمارته، وصار أعجوبة.
وفيها بلغني أن ابن شعبان شيخ غزّة من الشافعية، توفي، وأنه صلّي عليه غائبة بالجامع الأموي في تاسع رجب من هذه السنة، وكأني لم أكن حاضراً بالجامع المذكور، فلم أذكره في محلّه؛ وأنه أدير المحمل دورة دمشق دوراناً عجيباً، وقد شاهدته، لكن سهوت عن تعليقه في محلّه، وهو حادي عشر رجب المذكور أعلاه.
سنة سبع عشرة وتسعمائة

استهلّت والخليفة أمير المؤمنين أبو الصبر يعقوب بن عبد العزيز العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري؛ ونائيه بدمشق سيباي؛ والقضاة بها: الحنفي المحيوي بن يونس، وهو معتقل بالقلعة، والشافعي الولوي بن الفرفور، والمالكي خير الدين الغزّي، والحنبلي نجم الدين بن مفلح؛ والحاجب الكبير يخشباي؛ ونائب القلعة صنطباي، بعد مسرباي المعزول؛ ودوادار أردبش؛ والحاجب الثاني قايتباي.
وفي بكرة يوم السبت سابع المحرم منها، سافر محمد بن المحبّ الحصني إلى اللاذقية، ليعمّر قبر جدّه هناك، كما عمّر قبر جدّه برأس القبيبات. - وفي ليلة الأحد ثامنه خرجت النار من حانوت تحميص القضمانية، داخل باب الجابية، فاحترقت وما قدّامها من الشمال، وما خلفها من القبلة، ولم تلحق الجانب القبلي الذي فيه المئذنة الجركسية، ولا ما شرقيه من سوق الغزل، ولا سوق المنجدين والفسقار.
وفيه كبس بيت الأمير عزّ الدين ناظر الجوالي، الغائب بمصر، وهرب أخوه من أيدي الأعوان، راكباً مكشوف الرأس فأخذوا عمامته، وقبضوا أخا زوجته، ووضع بالقلعة، بعد أن أشيع بدمشق مجيء عزّ الدين من مصر على وجه جميل؛ ثم ورد أنه وضعه السلطان بالقلعة في الحديد، وأسلمه لابن موسر البرددار، ونزل به على أعين الناس في الحديد.
وفي يوم الثلاثاء، يوم عاشوراء، رسم بأن يؤخذ من بيت كل قاضٍ شاهد، وأن يضبط موجوده في بيته وغيره، فضبط ووضع في مخزن وختم عليه، واستمرّ أخو زوجته بجامع قلعة دمشق، قرب المحيوي بن يونس الحنفي، والنجمي ابن الشيخ تقي الدين، وفيه جماعة أخر ورد فيهم مرسوم على مال، ولا قوّة إلا بالله. - وفي يوم عاشوراء المذكور، قتل منطاش من المزّة، وضرب بنشّاب ابن الحفبراني، ومات في ليلة السبت حادي عشريه.
وفي ليلة الجمعة ثالث عشره رجع النائب من سفرته، من بلاد حوران. - وفي هذه الأيام وقع الأمير حاجب الحجاب بجلال الدين زريق بن علاء الدين البصروي، لتجرؤه على فتح باب من البيت وقف التوريزي، إلى حمّامه، وعلى فتح باب إلى بيت الخطابة، وفي عمل مجلس كبير له، وفي تقصيره في إبطال الأيتام من المكتب، واستغراقه وظائف الوقف لنفسه وأولاده، وغير ذلك.
وفي يوم الأربعاء خامس عشره وردت كتب من الوفد الشريف؛ وأن الوقفة كانت الاثنين، وأن كل صنف كان موجوداً إلا الجوز الهندي والتمر، لكن القماش الأزرق أكثر من البياض، وأن بركات، سلطان مكة، أوصلهم إلى قريب عقبة أيلة، وأن جماعة ماتوا، منهم ابن مقلب بمنزلة قاع البزوة.
وفي يوم الأحد تاسع عشريه قوي الهواء قوة كثيرة، فكسر أشجاراً كثيرة، وعند غروب الشمس زاد قوة حتى سقط الصحن النحاس الكبير، الذي فوق النحاس المشبك، الذي برأس العمود الغربي الجامع الأموي، الذي وضعه، والشرقي معه، قاضي دمشق محمد، لأجل التنوير ليالي الجمع، في شهر رمضان سنة إحدى وأربعين وأربعمائة .
وفي يوم السبت خامس صفر منها، لبس النائب خلعة من قبلي البلد، حمراء خاص، بمقلب سمور خاص، ودخل بها على العادة .
وفي بكرة يوم الاثنين سابعه لبس النائب خلعة حمراء خاص، بسمور خاص، ودخل بها على العادة، فلما نزل ألبسها للقاضي الشافعي .
وفي بكرة يوم الثلاثاء ثامنه سافر النائب إلى الصلح مع نائب صفد جان بردي الغزالي، فصالحه ورجع بعد يوميات .
وفي يوم الأربعاء تاسعه فوض القاضي الشافعي إلى بدر الدين بن المعتمد على أربعين غرارة شعير، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الخميس عاشره فوض إلى جمال الدين يوسف بن حمدان بن حسن الدوباني، ثم الرحيبي الدمشقي، على مال، قيل قدره مائتا أشرفي، ولا قوة إلا بالله، وميلاده عشية يوم الأحد تاسع عشر جمادى الأولى سنة أربع وسبعين وثمانمائة.
وفي ليلة يوم الثلاثاء خامس عشره قتل بالصالحية عبد الكافي بن جمال الدين يوسف الحسباني الجمال، وكان يرافق ولدي القرعوني جمال الدين عبد الله وزيد الدين عبد القادر، وقتله المغربي النجار، على كثرة كلامه، وترك أخاً مجرماً يقال له: طرطق فش.
وفي يوم الأربعاء سادس عشره فوض القاضي الشافعي لكمال الدين بن خطيب حمام الورد. وفي بكرة يوم الخميس سابع عشره دخل من مصر إلى دمشق، الأمير قان بردي نقيب القلعة، مخلوعاً عليه على العادة، عوضا عن صنطباي الذي تولى نيابتها، ولم يلبس إلى الآن الخلعة.

وفي بكرة يوم الاثنين حادي عشريه دخل من مصطبة السلطان إلى دمشق قصاد الخارجي إسماعيل الصوفي، ومعهم رأس بعض المسلمين، إلى السلطان. وفي يوم الخميس رابع عشريه ليس نائب القلعة صنطباي، خلعته بنيابتها، بعد عزل مسرباي، ودخول نقيبها قان بردي عوضاً عنه.
وفي يوم الأربعاء مستهل ربيع الأول منها، أتى رجل أعجمي بمربعة شريفة بإخراج المدرسة الجركسية عن القاضي الشافعي، ووقع كلام كثير. وفي هذه الأيام وردت كتب من طرابلس وغيرها، بأن طغيان الفرنج زاد، وأنهم وصلوا إلى قريب، ومعهم نحو ستين قطعة. وفي يوم الثلاثاء سابعه فوض القاضي الشافعي للقاضي خبيصة، الذي كان فوض إليه النجمي ابن الشيخ تقي الدين، ولامه الناس على ذلك.
وفي يوم الأربعاء ثامنه سقط النائب عن الفرس، فتألمت يده، وشاع بدمشق موت دولتباي، أخي العادل، ووصل تاج الدين بن الديوان عداد الغنم من غيبته إلى بيته؛ وفوض القاضي الشافعي إلى زين الدين بن المزلق، الذي كان فوض إليه النجمي ابن الشيخ تقي الدين، ولامه الناس لجهله. وفي هذه الأيام وصل نقيب قلعة حلب إلى دمشق، وقد فوض إليه دوارداية السلطان بدمشق، واسمه علي باي من مماليك السلطان، ولبس خلعته.
وفي يوم الجمعة عاشره دخل إلى دمشق ابن الأمير ابن ساعد، كبير البر، وحوران، وعجلون، وصحبته الشيخ محمد الصمادي، بالطبول الصمادية، وتلقاه جماعة، طالباً من النائب العفو والإعانة له من السلطان، وقدم للنائب خيولاً وغيرها، فخلع عليه وأكرمه، وأمر الأمراء بإكرامه.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشريه سافر من دمشق إلى مصر أردبش، الدوادار الكبير للنائب، وخشقدم خازنداره، من كثرة الشكاوى عليهما؛ وكان طلب معهما التقوى أبو بكر بن شعبان الرجبي، الدوادار الثالث للنائب، وموقعه الشويكي، فراجع لهما النائب.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشريه ورد الخبر من مصر بعزل الحاجب الكبير يخشباي من الحجوبية، لكون صهره دولتباي مات بمصر، وإنما كان يكرم لأجله، وإلا فهو غير مقبول عند الترك، لكون اسمه غالباً لغالب أرباب الوظائف، حتى السلطان، وهو يعرف ذلك من نفسه، لأنه يعرف قاعدة الغالب والمغلوب. وفي يوم الجمعة رابع عشريه وصل من مصر متسلم الحاجب الجديد عوضه، برد بك تفاح، الذي كان عزل من الأمرة الكبرى بدمشق.
وفي ليلة السبت تاسع ربيع الآخر منها، تعامل خازندار كيس، الذي للنائب، مع البواب وجماعة أخر، قد بربكوا بربيكة مع النساء واختفوا، وكثرت القلاقل بسبب ذلك؛ والنائب مستمر بوجع اليد من السقطة المتقدمة، ثم ظهروا عند نائب صفد جان بردي الغزالي مستجيرين به .
وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن الأمير سودون العجمي، الذي كان تولى نيابة دمشق، ولم يدخلها، ثم تولى أمرة مجلس، قد تعين يومئذ للأمرة الكبرى، عوض قرقماس المتوفى؛ وأن الدوادار الكبير طومان باي بمصر، قصد حج بيت الله الحرام، وأرسل يستعمل آلاته.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره سافر القاضي الشافعي للدورة على بلاده. وفي ليلة الجمعة خامس عشره سافر تاج الدين بن الديوان، عداد الغنم، من دمشق إلى البلاد الشمالية.
وفي ليلة السبت سادس عشره أرسل حاجب جانباي البدوي تعاون على عرب آل بياض، فأرسلت سرية فأخذتهم، وجابت منهم مالاً كثيراً.
وفي يوم الاثنين ثامن عشره دخل من مصر إلى دمشق، حاجبها الكبير الجديد، برد بك تفاح، ولم يتلقاه النائب لوجع يده وتلقاه القاضيان المالكي والحنبلي، وبقية أرباب الدولة، ونزل في بيت ابن بيغوت، الذي كان به يخشباي.
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره أخبر رجل أتى من مصر، أنه شاهد سودون العجمي مخلوعاً عليه بالأمرة الكبرى، في يوم الاثنين سابع عشري ربيع الأول المذكورة قبله .
وفيه كتبت ورقة وأوصلت إلى السيد كمال الدين بن حمزة، بها أمور ابن زريق بن البصروي، زوج بنته من المصرية، وما هو عليه وما أشيع عنه من الفواحش، وكان قد كتب كتابه في ليلة الاثنين تاسع عشر رمضان، سنة خمس عشرة وتسعمائة، على مائتي دينار، وكان وكيل السيد في الإيجاب القاضي برهان الدين الإخنائي، ووكيل الزوج الشيخ بها الدين بن سالم، والشهود يونس بن شعبان، وبركات بن سقط، وأولم لذلك وقرئ له مولد بقراءة ابن البزة.
وفي يوم الأربعاء سابع عشريه أفرج النائب عن جماعة من المحابيس، لأجل عافيته من وجع يده من السقطة من الفرس.

وفي يوم الخميس ثامن عشريه جلس تقي الدين في مجلسه على العادة، ونودي بالزينة بدمشق وفي تاليه يوم الجمعة ركب وصلى بالجامع الأموي على العادة.
وفي يوم الأحد مستهل جمادى الأول منها، سلم شيخنا محيي الدين النعيمي على النائب، شرقي الاصطبل، عقب لعب مماليكه الصغار بالرمح، والخيل الخاص تسير قدامه، فقال له النائب: ما أرخت في أمر الصوفي ؟ فقال: ما أرخت من أمره شيئاً، فقال: أما سمعت قوله في كتابه إلى السلطان:
السيف والخنجر ريحاننا ... أف على النرجس والآس
شرابنا دماء أعدائنا ... وكاسنا جمجمة الراس
فأجيب على لسان السلطان في كتابه بقولة:
العلم والحلم ريحاننا ... والجود والإحسان للناس
شمسنا العدل لكل الورى ... مع شدة القوة والباس
شرابنا الذكر وكأس التقى ... أف على جمجمة الراس
وفي يوم الاثنين ثانيه قرئ مرسوم ورد على يد شخص جوخي، كان سافر مع تقي الدين القاري إلى مصر، فاستفتى علماء مصر في حكم صدر من شهاب الدين الرملي، بشهادة ابن حمدان الحنفي، وابن أبي الفضل، فأفتوا بعدم صحته، وقرر المرسوم على حكم إبطاله، وحصل بسبب ذلك قلقلة على الرملي، في دار السعادة في اليوم المذكور.
وفي يوم الخميس سادس عشريه رجع من مصر إلى دمشق، قصاد الخارجي إسماعيل الصوفي وقد خلع على كبيرهم وتلقاه فمن دونه. وفي هذه الأيام، بل الشهور، مات بقر كثير بالبلاد الحلبية مضروبة، ثم مشى إلى أن وصل إلى أطراف دمشق، ورخص لحم البقر، لكثرة بيع البقر، وخوف الناس في أكله، حتى بيع الرطل منه بدرهم.
وفي يوم الجمعة سابع عشريه رجع ولد الغزالي، من دمشق إلي أبيه نائب صفد، بعد أن أدى الرسالة من أبيه للنائب، في الشفاعة في المماليك والبواب، الذين هربوا إلى عنده ليحميهم ويشفع لهم، ففعل، وقد أكرمه النائب، ومعه جماعة كثيرة.
وفي يوم الأربعاء ثالث جمادى الآخرة منها، رجع القاضي الشافعي من الدورة على بلاده، وقد غاب خمسين يوماً. وفي هذه الأيام سقطت صخرة كبيرة شمالي التخوت، بالربوة، على نهر يزيد، فهدتاه، ثم على نهر ثورا، فهدته، وكان أمراً مهولاً على غير القياس.
وقال الأسدي في تاريخه، في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة: وفي يوم الجمعة رابع رجب وقع في نهر يزيد جانب كبير، فطر نهر ثورا، وانقطع الماء من النهرين وقدر ليزيد بضع وعشرون ألفاً، ثم حفر له في لحف الجبل، ودام منقطعاً مدة طويلة، وأما ثورا فإنه استمر نحو خمسة عشر يوماً، ثم أطلق منه الماء ليتجه إلى المدينة، ولم يكن في الجسر الأبيض إلا شيء يسير انتهى.
وفي يوم الخميس حادي عشره نودي بدمشق بالحج منها إلى بيت الله الحرام، على عادته المتقدمة، ثم بطل ذلك في نصف شعبان منها، ولا قوة إلا بالله. وفي ليلة الجمعة ثاني عشره احترق الربع والحوانيت تحته، الذي شمالي الجامع البردبكي الجديد، وشرقي حمام العلاني، وغربي عمارة الإخنائي.
وفي يوم الجمعة المذكور حمل صنجق المحمل إلى الجامع الأموي على العادة، ووضع في مكانه على العادة، وفرح الناس بذلك، وقد علمت أن ذلك لم يتم، وأنه بطل في نصف شعبان منها.
وفي هذه الأيام فارق السيد كمال الدين بن حمزة ابنته من ابن جلال الدين البصروي، لما اشتهر في محلة التوريزية من عدم التقوى، وعدم الغيرة على أولاده وحريمه، وقد أثبت كل منهم العقد، فالبصروي على حنفي لعدم اشتراط الكفاءة، والسيد على شافعي لاشتراطها، فلما عاين البصروي الغلوبية وافق على الفراق، وأخذ ما دفعه ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الجمعة تاسع عشره، بعد صلاتها بالجامع الأموي، نودي يالسدة بالصلاة غائبة على الشيخ العالم السيد علاء الدين بن ميمون المغربي، وقد صح أنه توفي ليلة الخميس حادي عشره بتل بالقرب من مجدل معوش، من معاملة بيروت، وبه دفن وأصله من جبل غمارا، بالغين المعجمة، ومن معاملة فاس.
وفي ليلة الأربعاء رابع عشريه، قيل خسف القمر، وفي بكرة اليوم كسفت الشمس، ولم يصح ذلك، بل عليهما حمرة، فشاع الخسوف والكسوف. وفي يوم الخميس خامس عشريه دخل من مصر إلى دمشق خاصكي ببشر بالنيل، وتلقاه النائب على العادة.

وفي يوم الجمعة سادس عشريه خطب على منبر الأموي جلال الدين البصروي، لكون الخطيب شهاب الدين الحمصي اعتقل عند الحاجب، بمرسوم أرسله الأمير أركماس، المعزول عن نيابة دمشق، من أنه كان اشترى من قاضي الشافعية، ولي الدين، أماكن خلفها أبوه ملكاً، وكان الشراء بمصر.
ثم بعد مجيئه إلى دمشق أقام ابن الماخوزي وابن الشرايجي ليشهدا على المتوفى أنه وقف جهاته على ولده ولي الدين المذكور، بخصوصه لا على أخيه من أبيه من الحبشية، فقبل الخطيب المصري شهادتهما، وأثبت الوقفية المذكورة .... أركماس المذكور ويحرم أخاه، فورد المرسوم للحاجب بمقابلتهم على ذلك، واتفق الأمر على سفرهم إلى مصر، ثم انفسخ ذلك وأنه كان ثبت عنده بشهادة ... الدين المصري وفيقه قديماً الوقفية في حياة شهاب الدين والد ولي الدين، وأن القاضي يعطي المال لأركماسي، وكل ذلك بترتيب شهاب الدين الحمراوي.
وفي يوم الخميس ثالث رجب منها، ولي نائب الشام وظيفة الدوادارية ليلباي المشد، والخازاندارية لتنم المحتسب، مكان الدوادار المطلوب إلى مصر أردبش، ورفيقه ... المطلوب أيضاً إليها خشقدم، لورود المرسوم إلى النائب بتولية غيرهما، لكثرة الشكاوى عليهما. وفيه نودي أن النائب خرج بنفسه مع الوفد إلى ... كما في المرسوم المذكور.
وفي يوم السبت حادي عشره أدير المحمل حول المدينة على العادة القديمة، كما أدير في سابع شوال سنة عشر وتسعمائة، وكان النائب ... بعد مدة طويلة. وفي ليلة الثلاثاء رابع عشره خسف القمر، لما توسط السماء نحو نصف الليل، خسوفاً كلياً.
وفي بكرة يوم الخميس سادس عشره دخل إلى دمشق الأمير الأصيل ناصر الدين محمد بن الأمير أبي سيف مدلل، الشهير بابن ساعد الغزاوي، بتخفيف الزاي، العجلوني، شيخ البلاد وكبير المشائخ، الذي اشتهر بالدين والخير عند الخاص والعام، وفرح الناس بدخوله دمشق، واستبشروا بإصلاح شأن الحجاج وغيرهم، لوقوع الصلح بينه وبين الترك، فلما وصل إلى حضرة النائب رأى السماط قد حضر، فتسالما، وأكرمه النائب وأمره بالأكل، فامتنع، وقال: إني صائم هذه الثلاثة شهور، فألح عليه، فأفطر، فلما فرغ السماط ألبسه خلعة سنية، ولولديه، الصغيرين اللذين أتيا معه، كل منهما خلعة.
ثم في غداة يوم الجمعة ذهب بجماعته إلى الجامع، وصلى بالمقصورة، وازدحم الناس لرؤيته والدعاء له، وقد ألقى الله له المحبة في قلوب الناس، ولما خرج زاد ازدحامهم بما لا يمكن وصفه. وفي هذا اليوم شاع وفاة الرجل الحسن الاعتقاد، الأشعري العقيدة، عدو المبتدعة، شهاب الدين الثبات ... الساكن بمحلة باب السريجة، كان توفي في أول رجب المذكور.
وفي يوم الجمعة رابع عشريه عقب صلاتها، سافر النائب والعسكر إلى عرب آل علي، وعرب الجبل. وفي يوم الثلاثاء ثامن عشريه دقت البشائر بدمشق لنصرته عليهم، وشاع بها أنه نهب منهم جمالاً كثيرة، وغنماً، وغير ذلك، ثم رجع إلى دمشق في اليوم المذكور.
وفي يوم الأربعاء سابع شعبان منها، وهو ثامن عشري تشرين الأول منها، وقع بدمشق المطر الجديد، جعله الله مباركاً، وقد أبطأ في هذه السنة، والقمح قد غلا ... من الخمسة عشر كل كيل، إلى نحو خمسة وعشرين، والفواكة كلها غالية، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الجمعة تاسعه، عقب صلاتها بالأموي، صلى الإمام والحاضرون ... أن نقيب القاضي الحنبلي النجمي بن مفلح، حاضرة عند محراب الحنفية.
وفي بكرة يوم الاثنين ثاني عشره عزم الأمير ناصر الدين بن ساعد إلى ضيافة صنعها له ... وكان أصله من بلاده، وجماعته بمزار سيدي ركاب، جوار شيخنا المحيوي النعيمي، فدخل عليه قبل الضيافة، وقرأ له حديثاً رآه بخط الحافظ بن ناصر الدين ... الدمشقي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وسيكون بعدي فتن شداد، خير الناس فيها مسلمو أهل البوادي الذين لا يندهون من داء المسلمين شيئاً " ...؛ ثم قال له: وأرجو أن تكون منهم، وقرأ له آيات التقوى، وأوصاه بذلك، ثم انصرف.

وأتاه بعد أكل الضيافة، وقرأ له حديثاً في صحيح مسلم ... جماعة وأوصاه أنه إذا وقع في كرب يقول: يا حميد الفعال، ذا المن على جميع خلقه بلطفه، وأنه إذا كان مع الله يبشر بالخير والأمن؛ فعطس في الحال ... الحاضرين فقال: اسمع، قبل أن يقول شيخنا له ذلك، ثم ذكر له الحديث: إذا تحدث بحديث ثم عطس إلى آخره، ففرح واستبشر بالسلامة، ثم قرأ الفاتحة .... ثم ضيفه بعد ذلك جماعات، منهم العمادي بن الكرم، وسلمت عليه عنده.
وفي ليلة السبت سابع عشره أولم جلال الدين بن البصروي وليمة لعرس ابنه، على بنت ... الأخن، بعد طلاق بنت السيد كمال الدين، وعزم النائب والحاجب، فمن دونهما إلى وليمته. وفي بعد عشاء ليلة الاثنين تاسع عشره أتى رجل ملثم إلى ... وضربه، وعاونه في قتله جماعة آخرون.
وفي هذا اليوم شاع بدمشق أن الحج بطل بإذن المقام الشريف، لكونه قيل إن الخارجي إسماعيل الصوفي ... الكعبة ثوباً، وإنه يأتي للحج ويلبسها إياه، وزاد وقوف الحال، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الخميس ثاني عشريه دخل من مصر إلى دمشق أردبش المعزول عن ... النائب، ورفيقه خشقدم الكعزول عن الخازندارية، ودخل صحبتهما محب الدين الأسلمي بخمس وظائف: كتابة السر، ونظر الجيش، والترجمة، ونظر القلعة ... ومعهم خلعة حمراء، بمقلب سمور خاص، للنائب، فلبسها على العادة، والثلاثة المذكورون مخلوعاً عليهم قدامة .
وفي هذه الأيام رجع إلى دمشق ... تقي الدين القاري، وأتى على يديه مرسوم بالإفراج عن القاضي الشافعي النجمي ابن الشيخ تقي الدين .
وفي يوم الجمعة ثالث عشريه أفرج عنه من القلعة ... والباقي يمهل به .
وفي هذه الأيام سافر الأمير ابن ساعد إلى بلاده، ثم ليسافر إلى مصر مع الدوادار الثاني، وصحبتهما نقيب الطلب العلاي بن طالوا ... سادس عشري رمضان الآتي، إلى مصر .
وفي يوم الجمعة سلخ شعبان منها، نودي بسدة الجامع الأموي بالصلاة غائبة على إمام المسجد الأقصى شرف الدين بن جمال الدين عبد الله بن جماعة، وكان ورد هو وأخوه صحبة أبيهما إلى دمشق، حين أسمع والدهما بها غالب مسموعاتها.
وفي ليلة الثلاثاء توفي نلصر الدين المشهور بالشراباتي بميدان الحصى، عن دنيا وأولاد، من غير مرض طويل، بل انقطع ثلاثة أيام، وهو غالب عادة الأموات في هذه الأيام .
وفي يوم الأحد سلخه توفي صاحبنا الرجل الصالح تقي الدين بن المجنون، النساج في القطن، عن ولد كبير، ودفن عند شيخه وشيخنا أبي الفتح الإسكندري، بمقبرة الحميرية .
وفي بكرة يوم الاثنين، يوم العيد، خرج عثمان بن دودو، ويعرف بابن سقط، من بيته للصلاة، فنزل على زوجته الضعيفة رجل من السطح، وضربها في أماكن، وأخذ ما في يديها وأذنيها من الأساور والحلق، ثم أتى زوجها فرآها ميتة مضروبة، فجاء بعذ الظلمة ورمى على أهل المحلة دارهم كثيرة بسبب ذلك، ودفنت بالقلندرية .
وفي بكرة يوم السبت سادس شوال منها، سافر الأمير يخشباي المعزول عن حجوبية دمشق، إلى مصر مطلوباً، ليولى أمرة ألف .
وفي يوم الأحد سابعه أفرج عن القاضي الحنفي المحيوي بن يونس من القلعة، وله بها عشرة شهور .
وفي يوم الاثنين خامس عشره سافر جماعة برد بك حاجب دمشق، إلى بلدة قرب صرخد، التي غالب أهلها نصارى، لشهوة لخمر، فنهبوا جميع من فيها، دواباً وإناثاً، وقبض على جماعة، ودخلوا دمشق يوم الأربعاء في الجنازير مع شدة الجليد والبرد، الذي قل أن يكون وقع مثله في هذه الأزمان، مع كثرة الظلم، وقلة اللحم، ووقوف الحال .
وفي هذه الأيام تفرقت وظائف السراج الصيرفي، وأخذها من لا يستحقها لأغراض مملوكه طوغان، المنزول له عنها قديماً، لما رأى من ظلم القاضي، حتى أخذ مني التعيس المحيوي بن شعبان الغزي، قراءة المصحف المؤيدي تحت قبة نسر الجامع الأموي، التي كان السراج المذكور نزل لي عنها، من نحو سبع سنين، وقال إنها من وقف الجامع، وإنها تحت نظر النائب، فقرره فيها .

ثم أقام بينة زوراً في معنى الفصل، إنها كانت عند الموت بيد السراج، وحكم في ذلك القاضي الحنفي نكاية لي، ولعمي جمال الدين بن طولون، ونفذها القاضي المالكي، ثم جاء لينزع المصحف من يدي، فأخرجت له مستند النزول من السراج بخط كبير الشهود شهاب الدين الحمراوي، من المدة المذكورة، وأنا مباشر له، وليس هو من وقف الجامع، ولا تحت نظر النائب، فانبجع وأخذ يسعى علي بالقاضي تاج اليدن بن الديوان عداد الغنم، فركب إليه القاضي كريم الدين بن الأكرم وعرفه الحق،، فرجع عن مساعدته، وانتصر لي القاضي محب الدين ناظر الجيش، فأخذني معه إلى دار السعادة، وأدخلني إلى النائب في بيته، وعرفه الحال، فانحرف عليه النائب، وأضمر له سوءاً، فبلغ الغبي الغزي ذلك، فجاء إلى بيت القاضي المالكي وأشهد عليه، أن لا حق له معي في الوظيفة المذكورة .
وفي عشية يوم السبت عشريه ذهب الشيخ الصالح إبراهيم ... خادم شيخي الإسلام شهاب الدين وأخيه برهان اليدن ابني قرا، إلى سوق البزورية، فاشترى فلفلاً يسيراً ليبيعه في حانوته بآخر سويقة ... لما وصل إلى قرب جامع جراح سقط فمات فجأة عن غير وارث، وحمل إلى منزله قرب زاوية الشيخين المذكورين، وجاءت الحشرية للكشف على موجوده في حانوته وغيره، فما دفن إلى وقت آذان المغرب ليلة الاثنين ثاني عشريه، ودفن عند والدته، تحت المئذنة البصية، شرقي المسجد ... .
وفي يوم الجمعة سادس عشره توفي الرجل الشرير علاء الدين السيسيلي الصالحي بها، وقد تقدم ذكر أخيه برهان الدين .
وفيه صلي بالجامع الأموي غائبة على الشيخ العلامة محيي الدين بن جبريل، والد القاضي المالكي بدمشق .
وفيه أبيعت كتب الشيخ سراج الدين بن الصيرفي بالكلاسة واشترها ... الثالث أبو كبر الرجبي، واستمر منها جانب إلى الجمعة الآتية فأبيع .
وفي هذه الأيام وقعت قلقلة بين القاضي تاج اليدن وكيل السلطان ... القاضي الشافعي، بسبب مال ابن التميرة على الفرنج .
وفي يوم الأحد سادس ذي القعدة منها، انتصب السيد كمال الدين لإسماع الحدسث ... فجمع له أولاد جماعة، وقرئ عليه بسماعه له، على ابن الشيخ خليل، والبرهان الباعوني، واستغرب سماعه له منهما المحيوي النعيمي .
وفي يوم الاثنين سابعه رجع الأمير محمد بن ساعد، وصحبته علاء اليدن بن طالوا، من مصر إلى دمشق، مخلوعاً عليهما، وصحبتهما خلعة للنائب .
وفي هذه الأيام اعتقل شهاب الدين ... بمرسوم، وأخرج يوم الجمعة الآتي .
وفي يوم الاثنين رابع عشره لبس القاضي تاج الدين أمير التركمان، ووكيل السلطان، خلع جاءته من مصر بعد قلقلة ... برد بك تفاح بدار السعادة، وأتى بها إلى القلعة، لا إلى بيته، وسبب القلقلة كون تاج الدين لم يلبس زي الترك، بل زي القضاة، ولم يلبس الحاجب ... القاضي الشافعي الشاش والقماش على العادة، وقد أعلما بذلك .
وفي هذه الأيام قتل ابن خشقدم الشويكي، ولبم يعلم قاتله، فصودر أهل المحلة، ... بصيلة الخضيري بسويقة قبر عاتكة، فقبض، فأقر بأنه دفنه في خشخاشة، ودفن فيها امرأة، فجعله تحتها وهي فوقه، بمقبرة الحميرية، فأتى الدوادار ... أتى به إلى النائب، فأمر بتوسيط ابن بصيلة المذكورة، ثم قبض رفيقه الحموي ووسط .
وفي يوم الأربعاء سلخه عزل علاء الدين الرملي عن القضاة ونيابته، وقد أثاب الله لمن كان السبب في ذلك، كالقاضي ناظر الأيتام حينئذٍ، محب الدين الدسوقي وغيره، ثم أعيد في أواخر السنة إلى نيابة القضاء فقط، فحلف بالطلاق أن لا يعود إلا إلى نيابة القضاء، ونيابة نظر الحرمين معاً، واستحكم القاضي الحنبلي في خلعة بسبب ذلك .

وفي بكرة يوم الخميس مستهل ذي الحجة، لبس القاضي الشافعي خلعة جاءته من مصر، لكونه قاصده أورد للسلطان، من الأربعة آلاف دينار التي عليه، مبلغ ألفين وخمسمائة، وبقي للسلطان ... ولك يرض السلطان أن يأخذ المرجان، الذي قد استدانه المشار إليه بنحو ألفي دينار، بل باعه للمباشر الوزة، وجعله مما له عليه من الدين ... إنما أرسلت إلى مصر ألفاً وخمسمائة دينار للأمير أركماس المعزول عن دمشق، ليرد عليه م بعته له قديماً من بلاد، والذي يشرط الخيار على أن بيعي غير ... لقنيتة أن يدفع المرجان للوزة بيعاً، وخصوصاً بألف دينار، بل للسلطان والحال أن ... يببيع على الحنابلة، ونعده غيرهم، ورسم له السلطان بمرسوم شريف بأخذ البلاد المذكورة، واستيلائه عليها؛ وكان قد تكلم ... علاء الدين الرملي، الذي أعاده إلى نيابة القضاء قريباً، في دينه ودنياه، كان يتكلم من مرقيه أستاذه شهاب الدين الرملي، فاجتكع على القاضي الشافعي في هذه الأيام هذه الأمور، ولا قوة إلا بالله .
وفي هذا اليوم سمعت جزء تحفة البررة في الأحاديث العشرة، وبآخرها، فصل في فضل رواة الحديث، جمع شيخنا المحيوي النعيمي، من لفظه، بمنزله، وكتبت عليه طبقته. - وفي يوم الأربعاء سابعه سافر القاضي تاج الدين أمير التركمان إلى البلاد الشمالية.
وفي بكرة يوم الخميس ثامنه ثبت على القاضي الشهابي الرملي، كما قيل، أن أول الشهر يوم الأربعاء، وأن اليوم يوم عرفة، فاختلت قاعدة يوم صومكم يوم نحركم فبادرت إلى صعود مغارة الدم على عادتي، وإذا بشيخنا المحيوي النعيمي قد صعد إليها، فصلّى بها الظهر والعصر، وكان معي الجزء الذي جمعه أبو القاسم الطبراني في فضل يوم عرفة، فقرأته عليه، وسمعه نحو العشرين نفساً، وكان قد روي لهم قبل حضوري المسلسل بالأولية، والمسلسل بقبض اللحية.
ثم نزلنا منها بعد المغرب وبات شيخنا المذكور في بيت ابن العم البدري بن قنديل، ثم صلّى الصبح والعيد بالجامع الجديد، ثم رجع إلى منزله وصلى الجمعة بمصلى العيدين؛ وكانت الأغنام في هذا العيد قليلة وأبيع الرطل واللحم بثمانية، والبقري منه بستة، والناس في شدّة من غلاء القمح، فإنه وصلت الغرارة في خامس عشر هذا الشهر إلى الأربعمائة، وسبب ذلك قالة المطر في هذا العام، ولا قوة إلا بالله.
وفي بكرة يوم الخميس سادس عشره دخل الأمير ناصر الدين محمد بن الحنش مقدّم البلاد البقاعية، ونائب صيدا، وتلقاه المباشرون إلى الصالحية، وأتى إلى النائب وهو يسير بالميدان الأخضر، فسلّم عليه طائعاً مذعناً، ثم أتيا إلى دار السعادة فخلع النائب عليه وعلى جماعته، ثم أمره بالنزول قرب التربة الجلبانية، ثم كاتب له إلى السلطان، كما فعل بابن ساعد.
وفي يوم السبت ثامن عشره وصل من مصر مرسوم فيه الإنكار على الحاجب الكبير بدمشق، برد بك تفاح، وعلى القاضي الشافعي، حيث لم يلبسا بالشاش والقماش يوم لبس تاج الدين أمير التركمان خلعته، وفيه إكرام لتاج الدين، وكلمات مزعجة للشافعي، وخرج هذا المرسوم من ثاني هذا شهر.
سنة ثمان عشرة وتسعمائة... آخر يوم الخميس خامس عشره وقع بين شهاب الدين الرملي وعلاء الدين الرملي كلام كثير، لأجل كون علاء الدين زوج ابنته بابن شهاب الدين بغير إذنه، واستطرد إلى أمور لا ينبغي ذكرها، وكتب بذلك محضر ومطالعات إلى مصر. وفي بعد صلاة الجمعة ثالث عشريه سافر علي باي، دوادار السلطان بدمشق، إلى مصر مطلوباً بجماعته. حسب المرسوم الشريف؛ وفي سلخ رمضانها شاع بدمشق عزله منها، وتولية نقيب القلعة عوضه.
وفي يوم الاثنين سادس عشريه، بحضرة النائب والمباشرين وغيرهم، بدار السعادة تصالح القاضيان ابن قاضي علجون، وابن الفرفور، وبعد كلام كثير، على مبلغ مائة وخمسين ديناراً. وفي الخميس سلخه لبس الأمير أصباي، أمير ميسرة، أمرة الحاج، ورسم له بمبلغ جيد يأخذه من القلعة، يستعين به.

وفي يوم الأحد ثالث جمادى الآخرة منها، ضيف الشمسي محمد بن الأكرم. لشيخنا المحيوي النعيمي ببستانه، بآخر قرية بيت الآلهة، وفطره على تين ماسوفي، ولاقيتهم إلى هنا، ثم ذهبنا جميعاُ إلى المقام بقرية برزة، فزرناه، وأسمع شيخنا المذكور كتابه " تحفة البررة في الأحاديث العشرة " لولد الشمسي المذكور، الخماسي السن، أبي البقا محمد: ولولد أخيه الشمسي محمد بن القاضي كريم الدين، من لفظه، وحضر المجلس ابن الصاحب، وابن الزيني خضر، وجماعات، ثم دعا وانصرفنا، وكانت برزة حينئذٍ قليلة الماء.
وفي هذه الأيام سكنت امرأة غريبة، قيل إنها من بلد يافا من بلاد صفد، بمحلة السويقة المحروقة، وأخذت بنتا صغيرة، نحو الخمسن سنين، لبنت جارها، فخنقتها وأخذت ما بأذنيها من الحلق، وما بيديها، من الأسورة، وما برجليها من الخلاخيل، وأخفتها في بيتها قتيلة، فأقر عليها ابن صغير عندها، فضربت فأقرت، وظهر معها ما أخذته منها، فأتى بها وحفر بيتها، فإذا هي مخنوقة بسيرٍ في رقبتها، وقد ازرقت، فأمر بشنقها، فشنقت على رأس زقاقها في يوم الأربعاء سادسه، ثم جهزت البنت ودفنت، وقد حزن الناس عليها حزناً شديداً، ثم أنزلت المرأة المذكورة بالحبل الذي علقت فيه، وسحبت كالكلب الميت إلى جانب نهر قليط، ثم دفنت، وقيل إنها قتلت خمسة أنفس.
وفي هذه الأيام شاط مماليك نائب حماة المعزول عنها، الساكن بالخراب، داخل دمشق، وتسلطوا على أخذ الشعير وغيره. وفيها مر مملوك من مماليك النائب بدمشق، على بعض المارة قريب باب القلعة، فقبض عليه وأدبه نائب القلعة، فلم يسهل على النائب، وأرسل إلى الحاجب يقول له: البس نيابة الغيبة حتى أذهب إلى مصر. وفيها قبض نائب القلعة على علاء الدين الرملي، وزوج ابنته ابن الشهاب الرملي، واختفى الشهاب المذكور، ثم ظهر بعد أيام، وأطلقهما.
وفي يوم الاثنين حادي عشره لبس النائب خلعة حمراء بسمور خاص، جاءت من مصور على يد خاصكي هو أنيته إلى مصر، أرسله السلطان كالمعاتب له على يديه، واسمه تنم، وهو قريب من سن النائب وهيتئه. وفي يوم الجمعة خامس عشره نصب الصنجق بالجامع الأموي على العادة، إعلاماً بالتهيؤ لأمر الحج في هذه السنة، لا جتماع شروط السفر، من ضبط مشائخ العرب بني لام، والأمراء، وابن ساعد، ولكن قد تعلق الغلاء في غالب البلاد.
وفي ليلة السبت سلخه خرج علاء الدين علي بن عبد اللطيف بن بطيبط الرملي، صبي شهاب الدين الرملي، إلى المدرسة النورية الكبيرة، إلى عند الزيني الغزي، ثم رجع على الرصيف فخرج عليه جماعة، فضربوه بالسيوف وغيرها إلى أن تلف، فهرب كبيره شهاب الدين الرملي إلى بيت المحب ناظر الجيش ليحميه، فأتى إليه أردبش دوادار النائب وجماعته وأخذوه بإهانة إلى حبس باب البريد، ونهب بيته، حتى القمح والشعير، وأشيع عنه أمور؛ وكان علاء الدين المقتول قد استأذن النائب في السفر إلى مصر، فأذن له، فشرع في التأهب لذلك، فخاف أعداؤه منه، ووقع في هذه الليلة ما وقع، واستمر شهاب الدين الرملي في حبس باب البريد إلى يوم موسم الحلاوة، يوم الخميس ثاني عشر رجب منها، فأفرج عنه.
وفي يوم الأحد ثامن رجب المذكور، توفي الرجل الذي يزعم أنه من ذرية سيدنا جعفر، الشهير بالدفة العيبي كان ثم الفاخر السفار بالضيائية، قبلي العادلية، من صدمة دابة كان راكبها عند باب حبس باب البريد، وجهز وصلي عليه بالجامع الأموي، ودفن بالحميرية، عن أخيه الشاهد بمركز باب السريجة، وكان يكرهه، وابنه فورثاه رغماً عليه، وعن زوجته، أخت شمس الدين محمد بن حسن بن مختار الطواقي.
وفي هذه الأيام ورد كتاب من المحيوي بن الكركية الحريري، من مكة، ذكر فيه وفاة جماعة منهم ابن غنائم من العنابة، ومنهم شمس الدين الطواقي المذكور، ثم تبين الكذب عنه، وصح عن الأول، وتاريخ الكتاب خامس ربيع الآخر منها. وفي يوم الثلاثاء سابع عشره عزل خشقدم الخازندار من الحسبة، وأبقى له الخازاندارية. وفي يوم الاثنين سادس عشره أدير المحمل بدمشق.

وفي يوم الأربعاء ثامن عشره سافر النائب إلى وادي التيم، والقاضي الشافعي إلى الدورة على بلاده، والمحب ناظر الجيش إلى الدورة إلى بلاده أيضاً - وفي ليلة الأربعاء خامس عشريه، وهو سادس تشرين الأول، قريب نصف الليل، وقع بدمشق بعض برق ومطر بل وجه الأرض، وهو أول برق ومطر وقع في هذه السنة.
واستهل شعبانها، قال جماعة بيوم الاثنين، وقال الحجيج المؤقت إنه في ليلة الاثنين كان لا يمكن رؤيته، وإنما أوله الثلاثاء، ويكون آخره الثلاثاء أيضاً، ويكون أول رمضان الأربعاء، قلت ورابع رجب كان الأربعاء، فهو على القاعدة المشهورة أن رابع رجب أول رمضان لكن أخبرت أنها تكون أو مرة وثاني مرة كذلك، ثم تختل وكذا القاعدة الأخرى يوم صومكم، يوم نحركم، يوم رأس سنتكم تختل في الثالثة.
وفي يوم الثلاثاء ثانيه رجع النائب من دورته إلى دمشق. وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن محب الدين بن الخيضري، من بنت ابن دلامة، تولى بمصر وظيفة نظر الجوالي، التي هي حيئذٍ تحت نظر القلعة، بعد عز الدين زوجة أمه. وفي يوم السبت ثاني عشره رجع القاضي الشافعي من الدورة، وكذا محب الدين ناظر الجيش .
وفي يوم الأحد ثالث عشره حصل لبنت زوجة محمد بن الحصني، من ابن صدقة، محنة، في زاوية ابن الحصني، لصيق مصلى العيدين، بسب تساهلها، وختم بيتها.
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره أمر النائب بإشهار المناداة بدمشق، بالحماية والرعاية لخانه، الذي جدده بعد خرابه، المعروف بخان نقيب الأشراف، قبلي حكر السماق، قبلي جامع الطواشي، بجانب الجرن الكبير المدور، شمالي الحدادين، خارج باب الجابية، وقد استأجره نور الدين بن العسال، وشمس الدين الزعفراني، وانقلبت البضائع التي كانت تباع بغيره إليه، لأجل الحماية، وتعطلت خانات كثيرة.
وفي يوم الأحد حادي عشريه، وهو سلخ تشرين الأول، أتى بالأمير تمراز الأسمر القجماسي من طرابلس ميتاً، وقد انفجر بطنه، أتى به ولده، ودفن بالقجماسية.
وفي هذه الأيام دخل إلى دمشق قصاد بارمغان كثير من ابن أحمد، أخي ملك الروم سليم خان، وهو بحلب ليستأذن في الامتثال بمصر، وصلوا بالجامع الأموي الجمعة، وداروا فيه، وفي يوم الثلاثاء ثالث عشريه سافروا إلى مصر. وفيها ثبت أن أول شعبان هذا بالرؤية الاثنين، وأن وفاته الثلاثاء، فصام الناس الأربعاء.
وفي يوم الجمعة ثالث رمضان منها، بعد صلاتها بالجامع الأموي، صلي غائبة على الشيخ العالم زين الدين عبد الحق بن العلامة شمس الدين البلاطنسي، توفي بحماة يوم الأربعاء سابع شعبان المتقدم، وميلاده سنة ست وخمسين وثمانمائة. وفي هذه الأيام عزل النائب مشد شربخانته، شكم الأشقر، وفوضها ليلباي المعزول عن دواداريته، وعوض شكم برأس نوبة كبيرة.
وفي يوم السبت رابعه رئي غربي جامع جراح رجل مقتول بلا رأس، ثم رئي رأسه في محلة الغزي. وفي هذه الأيام سافر النائب إلى خارج دمشق، كوادي العجم، والغوطة، والمرج. وفي يوم الأربعاء ثامنه وصل المحب بن الخيضري من مصر، وقد تولى نظر الجوالي ونزل بمنزل جده لأمه ابن دلامة بالصالحية، وقد بيض له قبل وصوله. وفي يوم الأحد ثاني عشره رجع النائب إلى دمشق.
وفي بكرة يوم الاثنين ثالث عشره أتى المحب بن الخيضري، الذي استقر في نظر الجوالي إلى الإصطبل مع القضاة، فشرع مماليك النائب في اللعب بالرمح، وطولوا في ذلك، بحيث علم العقلاء بأنها بهدلة له، أو لأمر يريده، ثم أذن في إلباسه الخلعة التي جاءت صحبته، وخرج بها من الإصطبل، ثم لحقه أخوه النجمي، ونادى المشاعلي، ثم لحقه القضاة الأربعة، ثم المحب ناظر الجيش، وذهبوا معه إلى الصالحية.
وفي ليلة الاثنين عشريه سير أمير الوفد أصباي، أمير ميسرة، من نحو قبة يلبغا إلى تحت القلعة على العادة. وفي يوم الاثنين سابع عشريه ختم على الزيني عبد القادر اين شيخنا العلامة شهاب الدين العسكري. صحيح البخاري، وقد قرأه علي في خمسة مجالس، بالمدرسة الحاجبية بالصالحية، وحضر هذا المجلس خلق، ومنهم شيخنا المحيوي النعيمي، وأوله باب كلام الرب مع أهل الجنة، وأجاز، وكان في المجلس أطفال كثيرة ذكرتهم في الطبقة.

وفي يوم الخميس سلخه أمر النائب بإشهار المناداة بأن لا يخرج النساء للفرجة لا إلى الاخصاصية، ولا إلى غيرها، وعند أهل التقويم، أن اليوم يوم العيد الصغير، ولم يعيد الناس إلا يوم الجمعة.
وفي يوم الأحد ثالثه، وهو أول الأربعين، نودي في الحارات بالجباية لأصباي أمير الوفد الشامي فإنه فقير وغلاء.
وفي يوم الأربعاء سادسه دخل من حلب إلى دمشق، ماراً إلى مصر، بإذن السلطان له في ذلك، ابن أحمد أخي سليم خان، فتلقاه النائب، وأنزله عنده بالإصطبل؛ وكان يوماً مطيراً، وكان ابتداؤه من يوم الأحد ثالثه واستمر إلى يوم السبت سادس عشره، فأثلجت ثلجاً خفيفاً، فأصبحت الدنيا مجلدة، ثم استمرت صاحية مع الجليد؛ وكان قد عزم أمير الحاج أن يسافر بالمحمل من دمشق فتعوق، ثم اتفق الحال على يوم الثلاثاء تاسع عشره، فخرج المحمل فيه والجليد على حاله؛ واعلم أن المحمل هذا قد ترك خروجه من سنة إحدى عشرة وتسعمائة، ثم خرج في هذا اليوم.
وفي هذه الأيام شاع بدمشق عزل قان بردي نقيب قلعة دمشق، وتوليته وظيفة دوادار السلطان بها، وسكن ببيت ابن بيغوت، مكان علي باي المعزول منها، وفي يوم السبت ثالث عشريه، والجليد على حاله أبيع الكيل القمح بنحو الستين، واللحم بثمانية؛ وقد جبيت الحارات نحو ألفي دينار، بحجة إعانة أمير الوفد.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشريه خلع النائب على مملوكه خشقدم، المعزول عن مشدية الشربخاناه، خلعة برس نوبة كبير، وأعاد مملوكه يلباي إلى المشدية المذكورة، بعد عزله عن الدوادارية الكبرى.
وفي يوم الخميس سادس ذي القعدة منها، غمز جماعة من المزة لأستاذهم دوادار السلطان قان بردي، على ثلاثة أنفس منها، من بقية المجرمين، فقبض عليهم من تحت القلعة ثم غمز أيضاً على اثنين في المزة، فكبس عليهما وقبضا، وسعى عند النائب في إعدام الخمسة بمبلغ مائة دينار، فوسط الخمسة. وفي هذه الأيام فوض النائب أمر الحسبة، لمملوكه طقطباي الجديد، بعد عزل خشقدم الخازندار.
وفي يوم الخميس عشريه دخل دمشق نقيب قلعتها الجديد، مكان قان بردي، الذي تولى دوادارية السلطان، واسم هذا الجديد علي باي. وفي يوم السلطان تاسع عشريه لبس النائب خلعة حمراء خاص، جاءته من مصر، ثم سافر في اليوم المذكور إلى تدمر، وجعل أستاداره، الخشن، نائب الغيبة.
وفي عشية يوم الاثنين خامس عشر ذي الحجة منها، عاد النائب إلى دمشق من غيبته ببلاد تدمر، بعد أن نهبهم وقتل نائبها. وفي يوم الخميس ثامن عشره أولم المحبي ناظر الجيش بدمشق، لولد ولده منصور بن إبراهيم، على ابنة يحيى بن عمة تاج الدين أمير التركمان، وهي بنت بنت تاج الدين أيضاً، وحضر الوليمة النائب فمن دونه، وحكى عن جهازها أشياء خارقة للعادة، وأدخل عليها ليلة السبت.
وفي هذه الأيام سافر قاضي القضاة النجمي ابن قاضي عجلون، المعزول، إلى مصر. وفيها نودي عن النائب بدمشق، بأن مشائخ الحارت بطالة، وكذا رؤوس النوب، والنقباء، إلا دار السعادة، ولا يذهب النقيب منهم إلا بشاكي؛ ومشاهرة الحسبة بطالة، وأن الحواصل التي فيها القمح تفتح وتباع بسعر الله.
وفي ليلة الأحد حادي عشريه نزل الحرامية على دكان ابن الكركية، قبلي صهيب، بميدان الحصى، وأخذوا قماشاً كثيراً. وفي ليلة الاثنين ثاني عشريه قبض أحد الحرامية الكبار مسلم، بتشديد اللام، الحموي، ثم العاتكي، قبض عليه شيخ ميدان الحصى.
وفي هذا اليوم شكا العوام للنائب غلو الخبز، فاجتمع جماعة من المباشرين، واتفق رأيهم على أن يجعلوه كل رطل بأربعة، والحال أن الغرارة القمح بخمسمائة، وهيهات أن يحصل ذلك، فقد باعوا قمح القلعة العتيقة كل كيل بخمسة وستين، ودرهمان حمولة، وهو ينقص خمسة أمداد، ولا قوة إلا بالله، فأصبح يوم الثلاثاء لم يوجد الخبز بدمشق، وهاج الناس بعضهم في بعض.
وفي وقت عصر يوم الاثنين تاسع عشريه خسفت الشمس على ثلاثة عشر درجة، فأظلمت الدنيا، وأشعل بعض السوقة في حانوته السرج مع وجود الغيم حينئذ، وبعد صلاة الجمعة بالجامع الأموي خطب به وصلي صلاة الكسوف، ثم في تلك الليلة وقع بدمشق المطر، وفرح الناس به لقلته بدمشق. وفي يوم الثلاثاء آخر السنة، وقت العصر، أثلجت واستمرت إلى آخر الليل.

وفي هذه الأيام اشتريت الحصة الماء التي كانت مختصة ببيت قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء محمد ابن قاضي القضاء نجم الدين بن حجي، الذي كان لصيق المدرسة الظاهرية بالمنيبع وفك، فلما اشتريت نزلت على نهر قنية على نهر الكريمي ثم على الماء الآتي إلى القبة البيضاء، ثم جددت له قصاطل وأتي به إلى زاوية المذكورة بالشارع قبلي القبة الحمراء على يسار الماء إلى القبة البيضاء، وحصل به الخير؛ وفي هذه السنة جدد ...
سنة تسع عشرة وتسعمائة.... الجمعة بمقصور الجامع الأموي. وفي يوم الأحد حادي عشره شهر رجب نودي بأمرة الحج للحاجب الكبير صنطباي بدل أمير ميسرة الذي كان عين لها، وفي يوم الاثنين ثاني عشره، وهو ثاني عشر أيلول، سافر الخاصكي آقباي الطويل من دمشق وسافر معه النائب وجماعة لوداعه.
وفي يوم الأربعاء رابع عشرهما كان عيد الزبيب، وقد أشاع بعض الكهان أنه يدل ذلك على موت كبير. وفي يوم الخميس خامس عشرهما كان موسم الحلاوة، وهي قليلة كاسدة، كل رطل بعشرة، لم تشتر إلا لأجل الأطفال، وقد خرج من بعض البيوت عدة أطفال طعناً.
وفيه دخل من مصر إلى دمشق خاصكي يبشر بوفاء النيل، والنائب إلى الآن غائب عن دمشق. وفي يوم السبت سابع عشره رجع النائب إلى دمشق، من غيبته في وداع الخاصكي. وفي بكرة يوم الاثنين تاسع عشرهما دخل من مصر إلى دمشق نقيب قلعتها، اسمه علي باي، كاسم نائبها الجديد، وتلقاه النائب والقضاة على العادة.
وفي يوم الخميس ثاني عشريه لبس صنطباي، الحاجب الكبير بدمشق، خلعة بها جاءته من مصر، ونائب قلعة دمشق علي باي، الذي تولى عوضه في النيابة المذكورة، وخرجا من دار النيابة، الأول إلى منزلة ببيت ابن بيغوت، شرقي الشامية البرانية، والثاني إلى القلعة.
وفي يوم الاثنين سادس عشريهما حضرا دار النيابة، فخلع عليهما النائب. وفي اليوم المذكور، بعد ظهره، وقع مطر بدمشق ونواحيها، جرى منه الميزاب، وهو أول مطر وقع. وفي بكرة يوم الخميس تاسع عشريهما لبس النائب خلعة جاءته من مصر، حمراء بسمور، ودخل على العادة، وبهذه الخلعة كمل للنائب عدة أربع وعشرين خلعة. وفي هذه الأيام رمى النائب على أهل محلتي قبر عاتكة، والشويكة، نحو أربعمائة دينار، وصودروا. وفي يوم الخميس سادس عشره ورد مرسوم بتولية أمرة الحاج الشامي لصنطباي الحاكم الجديد بدمشق.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره شهر شعبان طافوا بالمحمل حول دمشق على العادة، على غير الترتيب الذي عهد.
وفي يوم الجمعة ثامن عشريه عقب صلاة الجمعة، ببيت خطابة الجامع الأموي، ثبت عند القاضي الشافعي بالبينة أن أول شعبان الجمعة، فيكون أول رمضان الأحد لا الاثنين كما كان اعتقاد الناس؛ وهذا الذي ثبت موافق لقاعدة: أن رابع رجب يكون أول الصيام، وقد كان اللحم الرطل بخمسة ونصف، فبعد دخول رمضان نودي عليه بخمسة، فزاد قلة، ومثله الدبس والأرز.
وفي هذه الأيام توفي أطفال كثيرة، لا يكادون يضبطون، وفيها جاءت امرأة وطالبت عبد الوهاب الأعرج، أخانا، برد حقها، فسفه عليها، فذهبت وأتت ببدوي من عرب اليسار، فتماساكا، ثم هرب، فبلغ النائب، فرمى على أهل المحلة مبلغ مائة وخمسين أشرفياً، وحضر أستاداره، وجماعة من عرب اليسار، وشرعوا في استخلاص ذلك، وثاني يوم حضر عبد الوهاب فلم يكلموه.
وفي يوم الاثنين سادس عشر رمضان منها، أتى من الهيجانة إلى دمشق ونواحيها، أحمال جمال كثيرة من الملح، بعضه كالبلاط، وهو حلو، وبعضه ناعم، ظاهر المرارة، من عين قدرها نحو فدان من الأرض، كانت من زمن تمرلنك وبطلت وانقطع ماؤها، وفي هذه الأيام ظهرت، وأتى جلب اللبن الحمصي إلى دمشق أيضاً، عدة أحمال، وبيع قنطاره بنحو الستمائة، ورطله بخمسة ونصف، وهو دليل على كثرة الخصب في هذه السنة.
وفي بكرة يوم الاثنين ثامن شوال منها، جاءت إلى النائب خلعة على يدي مملوكه ودواداره الثاني، تمرباي، الذي سافر لأمير قراجا، الذي شفع النائب فيه، وقبل السلطان شفاعته، فلبس النائب الخلعة في هذا اليوم، ودخل بها إلى دمشق على العادة، بالقضاة، خلا القاضي الحنبلي لأنه متوعك.

وفي يوم الجمعة ثاني عشره قبض على شهاب الدين بن المؤيد، الذي اشتهر بدلال أوقاف المدارس، فكم من وقف أبطله، بعدما ورد من السلطان المنع لجميع الأوقاف، بمرسوم شريف. وفيه قبض على رفيقه نجم الدين بن الزهيري الحنفي، فهرب، ثم ضمن القاضي الشافعي للأول وأطلقه. وفي يوم السبت العشرين منه خرج الوفد إلى الحجاز، وأميرهم الحاجب الكبير صنطباي.
وفي يوم الأربعاء مستهل ذي القعدة منها، رجع سوقة المزيريب وأخبروا بالرخص. وفي يوم الخميس سادس عشره أمر النائب بإشهار التقى بصيام ثلاثة أيام، والتوبة والخروج إلى الصحراء، وزيارة المزارات، ليتقطع الوباء، فقال القاضي الشافعي: قد كثر الظلم فلو أبطلتموه كان حسناً، فلم يسهل على النائب ذلك، وأسمعه ما يكره، ولا قوة إلا بالله، والذي ألجأ النائب إلى هذه المناداة بعض المتمصلحين، ابن حمزة، زعم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه، وأنه أشار بذلك.
ثم في يوم الأحد تاسع عشره نودي أن لا يفتح أحد حانوته، إلا الخباز والطباخ، وأن يخرج العلماء والصلحاء بالتهليل والتكبير إلى سطح المزة، ليدعوا الله تعالى، فخرج النائب والقضاة الثلاثة، وأما الحنبلي فإنه توفي، والسيد كمال الدين والمشائخ، بالأعلام والربعات، بكرة يوم الاثنين عشرينه، فلما وصل النائب مد له أهل المزة مدة، ثم حضر المشائخ وقرأوا في الربعات، والصالحون يذكرون الله تعالى، ثم ركب النائب في أثناء ذلك وذهب إلى الربوة راجعاً، فرجع جماعة ممن يشار إليهم خلفه، واستمر الباقون ولبس لهم قائد، وكان العادة أن يجتمع الكل في صلاة العصر، ثم يدعو الإمام بهم دعاء لائقاً بالحال، ثم ينصرفوا إلى بيوتهم.
وفي يوم مستهل ذي الحجة منها، ورد مرسوم إلى النائب بعزل المحيوي بن يونس الحنفي من وقف الحنفية، وأن يسلم للمحبي ناظر الجيش، على مبلغ ثلاثة آلاف دينار، فقال المحبي لصهره القاضي الشافعي: تسلم أنت الجهات وباشروا بمعرفتك، وأنا أزن المال المذكور، ثم نودي بدمشق بالعزل المذكور، وبالتسليم للمحبي ناظر الجيش.
وفي يوم الأحد عاشره، وهو خامس شباط، عيد الناس؛ وبعد فجره وقع مطر جرى منه الميزاب، وقد كثر الطعن في الناس، سيما الأطفال، سيما في البنات. وفي يوم الأربعاء عشرينه سافر النائب إلى عرب زبيد، ثم رجع إلى دمشق خامس عشرينه. وفي بكرة يوم الاثنين خامس عشرينه لبس النائب خلعة من خارج البلد، ودخل بها على العادة، وسببها أن السلطان كان طلب منه تزويج ابنته ستيته بابنه، فأجابه وهي غائبة في الحجاز.
سنة إحدى وعشرين وتسعمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عبد الله محمد بن المار ذكره العباسي، وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري؛ ونائبه بدمشق سيباي، والقضاة بها: الحنفي المحيوي بن يونس، والشافعي الولوي بن الفرفور، والمالكي خير الدين الغزي، والحنبلي شرف الدين بن مفلح، والحاجب الكبير صنطباي؛ والحاجب الثاني الناصري محمد بن يلباي، وكاتب السر محب الدين الأسلمي، وهو ناظر الجيش، وناظر القلعة؛ ونائب القلعة علي باي، ونقيبها علي باي أيضاً.
وفي يوم الخميس مستهل المحرم منها، عزل أمير آخور كبير بدمشق، وتولى مكانه تنم. وفي يوم الأحد رابعه توفي إلياس الرومي الفقير المرتعش، معتوق زين الدين خضر من نحو عشرين سنة، فكان يبيع ثمر الزبيب والتفاح والمشمش فيكسب نحو الدرهمين أو الثلاثة، وتزوج بعجوز وطلقها، وكل من يراه يعطف عليه لظهور الفقر عليه.
ففي اليوم المذكور جاءت الحشرية إليه، فخرج معه مال كبير، ذهباً وفضة وفلوساً، بحيث يقطع الشخص أن مثله لا يقدر على جمعه، والحال أن ابن معتقه غائب بمصر، وله عدة أولاد فقراء، وله ولهم الولاء، ثم استقر حاله أنه كان يخون معتقه، ثم بعده يظهر الفقر مكراً، قابله الله تعالى.
وفي هذه الأيام قل المطر بدمشق وأطرافها؛ وكثر الغنم واستمر سعره كل رطل بسبعة؛ وارتفع سعر الحب، وكثر تضرر الناس من الجند الراجعين من حلب. وفي يوم الخميس ثامنه هجم جماعة من الحارة القبلية، من قرية داريا الكبرى، على ابني بابية من الحارة الشمالية، وقتلوهما وتخبطت البلد وما حولها. وفي عقب صلاة الجمعة تاسعه صلى الإمام بالجامع الأموي على التاجر بدر الدين بن قريع.

وفي هذه الأيام حسن محمد بن محمد البوصيني، للنائب، أن يضع يده على حمام ملك الأمراء بيدمر، وأنه وقف في أيتام، ويجعلهم بمدرسته فوضع يده عليه، وشهد بذلك شهود باب الصغير المزورون، وسيظهر كتاب وقفه الذي فيه قرية مرتبين والطواحين بدمشق وغيرها، وفيه شطر أن يكون الأيتام بحانوت لصيق باب الحمام، لهم ولشيخهم جزء معلوم منه لأكله، اللهم اظهر الحق، واخف شهود الزور، وستكتب شهادتهم ويسألون.
وفيها دخل من حلب إلى دمشق الأمير أبرك والأمير الناشف؛ ثم في يوم الاثنين سادس عشريه سافر إلى مصر، وخلع النائب على الأمير أبرك، وخرج لوداعه بالقضاة على العادة. وفي بعد العصر من اليوم المذكور، نقلت الشمس إلى برج الحمل.
وفي يوم الأربعاء ثامن عشريه وصلت كتب الوفد الشريف إلى دمشق، وتاريخها ثاني عشر المحرم، وأن الوقوف بعرفة كان يوم الخميس، الذي فيه كان عيد أهل الشام.
وفي يوم الأربعاء خامس صفر منها، دخل الوفد الشريف إلى دمشق، وأخبروا عن الوفد المصري أشياء منها: أن زوجة السلطان، ومعها ابنها محمد، كان معها سبع محفات بعجلات؛ وكان مع كاتب السر ابن أجا محفتان، إحداهما مقصصة من جوخ، والأخرى حرير برصافياتٍ من ذهب، وخلاخيل من ذهب، ثم محفات أخر، عدة الجميع خمس عشرة محفة؛ وكنت في هذا العام حاجاًَ فشاهدتهم.
وفي يوم الجمعة ثامنه سافر أمير آخور السلطان من دمشق، الرماح، وهو الباش على العسكر، إلى رأس العمائر في أبهة حافلة، وخرج لوداعه ملك الأمراء، بعد أن خلع عليه على العادة، وكان الناس في حصر وضيق بسبب عدم الجلب إلى دمشق، خوفاً من تسخير الجمال وغير ذلك، ولم يحصل للناس منهم خير، ولا للإسلام نفع، بل ضرر من الجبايات الكثيرة، والفسق وتخريب كل مكان نزلوا فيه.
وفي بعد ظهر يوم الأحد عاشره، وهو خامس عشري آذار، وقع رعد قوي ومطر مزعج بدمشق ونواحيها، بحيث أنه خشى منه الضرر، ولله الحمد. وفي يوم الاثنين حادي عشره توفي عبد الكريم المتجند المزهري، ينتمي إلى جماعة المرحوم كاتب السر ابن مزهر، عن أخت وجارية وبعض قرابة، فعاقبهم الأستادار إلى أن أظهر ما معه، وهو ما ينيف على ألف دينار، غير القماش والأثاث، ودفن بمقابر باب الصغير.
وفي بكرة يوم الثلاثاء ثاني عشره سافر من دمشق، راجعاً إلى مصر، رأس نوبة النوب بمصر سودون الدواداري، وقد خلع عليه ملك الأمراء خلعة خضراء، وخرج معه لوداعه على العادة، والباش إلى الآن عند قبة يلبغا لم يسافر. وفي هذا اليوم رجع قاضي الشافعية النجمي ابن الشيخ تقي الدين، المعزول عنها، إلى دمشق، وقد تقرر في خطابة الجامع الأموي في رمضان من السنة الماضية.
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره غلقت أسواق دمشق من شر الأجلاب الجراكسة، وكثرة خطفهم الدراهم وغيرها، ولا قوة إلا بالله. وفي يوم الخميس حادي عشريه، كان خميس البيض، وأتى العراقيون بالتمر إلى دمشق على عادتهم. وفيه سافر الجراكسة إلى مصر، وأراح الله البلاد منهم.
وفي يوم الأربعاء سابع عشريه طلب النائب من استاداره محمد الحرك، خمسمائة دينار، غير ما تقدم أخذه منه، فقال له: هذا جزائي منك، فرسم عليه الطشتخانة بدار السعادة إلى قريب العصر، فدخل بينهما بعض المباشرين، فجعلت أكثر، قبل ألف دينار ومائتا دينار، وخلع عليه، وأوقدت له العوام السرج في مروره إلى بيته بباب السريجة.
وفي صبح يوم الجمعة سادس ربيع الأول منها، توفي حسن بن بحيلق الرملاوي، ثم الدمشقي، بطابونته فجأة، في غيبة ولده إبراهيم بمصر، ثم حضر في سلخ ربيع الآخر. وفي يوم الثلاثاء سابع عشره خرج النائب إلى المرج، فشرب شربة، ثم خرج الطلب من دمشق إلى الكسوة، ثم جاء إليهم النائب من المرج، وسافر من هناك إلى مصر دواداره ... وهو للإصلاح بين مشائخ العشران وجعل مرجعه دمشق إلى الحرك، ولا قوة إلا بالله. وفي يوم الخميس تاسع عشره، وقع الحرك بيونس الأستادار قبله، وضربه ....
وفي يوم الخميس ثالث ربيع الآخر منها، رجع طلب النائب إلى دمشق، من بلاد حوران، ودخل هو ليلة الجمعة رابعه، وفي يوم الجمعة المذكور توفي ولد محيي الدين يحيى بن أخي تاج الدين، وصلي عليه بالجامع الأموي، ثم دفن بتربة جديدة قبلي الصابونية، وشمالي تربة الطواشي، عمرها والده يحيى المذكور.

وفي يوم السبت خامسه ولي النائب الأستادارية ليونس المعزول، وعزل الحرك. وفي الثلاثاء ثامنه توفي حسن الأتوني السطيح، عن دنيا، ووقع حريق في شمالي مسجد التوبة خارج باب الفراديس، في اليوم المذكور. وفيه أذن النائب في قطع رؤوس جماعة من الدروز، عند مقابر النصارى واليهود.
وفي يوم الأربعاء سادس عشره أتى من القدس الشريف قاصد ملك الأمراء، نقيب الأشراف العجمي، وصحبته ابن أخي أبي الفضل بن أبي اللطف القدسي، لابسين خلعتين، وصحبتهما من آثار النبي صلى الله عليه وسلم، قدح وبعض عكاز معطبين، فوق رأس رجل حامل لهما، قدام ملك الأمراء، والقضاة ومتصوفة دمشق وغيرها قدامها بالأعلام وضرب المزاهر.
وقد خرج كثير من العوام للنظر إلى ذلك، فسألت عن ذلك فقيل لي: كانت هذه القدح، وبعض العكاز، عند والد ابن أبي اللطف، وصلت إليه من بيت ابن القلقشندي، فنم بعض الناس ذلك لملك الأمراء، فطلبهما منه ليتبرك بهما، وأرسل العجمي المذكور، فأتى بهما عارية ومعه ابن أخي أبي الفضل المذكور، ثم تبين أنهما ليسا من الأثر النبوي، وإنما هما من أثر الليث بن سعد، عند القلقشندي.
وفي هذا اليوم أفرج عن الحرك، المعزول عن الأستادارية، بعد شفاعة الخازندار فيه، وغيره، على مال. في هذه الأيام شاع بدمشق موت أمير آخور الرماح، الباش الراجع من حلب إلى مصر بعد أن أهلك الحرث والنسل، وخرب البلاد، وكان قدم القاضي الشافعي ابن الفرفور، والمحب ناظر الجيش، عند السلطان، فأرسل مرسومه بعزل الاثنين.
وفيها شاع بدمشق أيضاً، أن ناظر الجوالي، المحب بن الخيضري، قد تولى قضاء الشافعية بدمشق، مكان ولي الدين ابن أخته. وفيها شاع بدمشق أيضاً موت الأمير الكبير بمصر، سودون العجمي، الذي كان قد ولي كفالة الشام، وولى الأمرة الكبرى مكان أركماس، الذي كان نائب الشام.
وفيها أيضاً ورد مرسوم شريف بإكرام محمد بن عمر خروب الهيثمي، خادم ركاب كان، وأنه أنعم عليه بقيراطين بقرية العباسة، وذلك لكثرة ذوكرته، ووصف في المرسوم بأنه شريف حسيني حصني، والثلاثة أوصاف منكرة فيه، مع زيادة قلة عقله، ولا قوة إلا بالله.
وفيها أيضاً شاع بدمشق أن السلطان ولّي ولده محمد أمرة آخور كبير بمصر، عوض الرماح الذي هلك. - وفي يوم الجمعة خامس عشريه صلّوا بالجامع الأموي، عقب صلاتها، على رجل ترجموه بالحديث والعلم غائبة، توفي بخط دمياط.
وفي يوم الخميس ثاني جمادى الأولى منها، أتى محمد البعناوي، أحد الشهود بميدان الحصى، بورقة فيها من منظومات المتقدّمين منظومة تائبة في مدح النائب، وزاد في إطرائه ليظهر نفسه مع كبر عمهٍ على جهل ويتزّيا بزيّ الفضلاء في حجّة أن يعطيه جائزة، فلم يمكّن من قراءتها عليه، وإنما قرأها عليه المحبّ الموقّع.
وفي يوم الخميس تاسعه نودي على أن كل رطل لحم ضاني بأربعة دراهم، والمعز بثلاثة، والبقر بدرهمين. - وفي هذه الأيام انتقل الشيخ الصالح عبد الوهاب الصفوري الصوفي، من الصالحية إلى بيت المرحوم شمس الدين الطواقي، ونصب أعلامه بمسجد الطالع، وفرح أهل قبر عاتكة به، لعل أن ينكشف عنهم الظلم، والتفوا عليه.
وفيها شاع بدمشق أن ملك الروم سليم خان، قتل الأمير علي دولات وولده. - وفي يوم الخميس سلخه ورد المرسوم الشريف على النائب، بالتأهب لأمر علي دولات.
وفي يوم الاثنين حادي عشر جمادى الآخرة منها، تشاكى البدري بن المعتمد وبركات بن الكيال بحضرة النائب والقضاة والمباشرين، لأجل وقف ابن الميداني، الذي لم يشرط الواقف للناظر فيه معلوماً، بل هو وقف على نحو أربعين بيتاً بالصالحية، وكان بعد الواقف الثلث بيد قاضي القضاة الباعوني، والثلث بيد شمس الدين العدوي، والثلث بيد برهان الدين بن المعتمد، فتقرر ابن الكيال المذكور في الثلث الذي كان بيد بيت العدوي، وقام معه تاج الدين وكيل السلطان، وعضّده بمرسوم، فوقع الخصام في هذا اليوم، وانتصر ابن المعتمد.
وفي يوم الخميس رابع عشره عزل يونس الأستادار منها، ومن الحبسة، وأعيد الحرك إلى مكانه. - وفي يوم السبت ثالث عشريه دخل الأمير قلج، كاشف حوران، إلى دمشق، وصحبته عواد وابنه من قطّاع الطريق، من عرب زبيد، وهما مسلوخان، وقد حشيا وأركبا، وينادى عليهما.

وفي يوم الخميس سادس رجب منها، اتّفق رأي أكابر محلّة قبر عاتكة، واستأذنوا الشيخ عبد الهادي في قطع الجوزة الكبيرة، التي قبلي شرقي مقبرة مسجد الطالع، فباعوها بمبلغ، وقطعت وأرصد ثمنها عند رجل، وأعطى كل منهم زيادة على ذلك ليبني على المقبرة جداراً بباب كما كانت، فضربوا اللبن وبنوه في أيام يسيرة.
وفي يوم الخميس عشريه دخل من مصر خاصكي، قيل من أقارب النائب، وصحبته خلعة له حمراء بمقلب سمّور، فلبسها ودخل بها على العادة؛ ثم قرئت مراسيم أتت صحبته، فيها أن يكمل له عدّة دراهم الجباية، التي كانت رميت على البلدان من معلوم العسكر، الذي كان رجع من حلب. - وفي هذه الأيام خرج عرب، من جماعة شيخهم المعزول، على جماعة من جماعة النائب، فقتلوهم. - وفيها ذهب ملك الأمراء إلى ضمير. - وفيها توفي نقيب قلعة دمشق علي باي.
وفي يوم الاثنين مستهلّ شعبان منها، قريء مرسوم شريف فيه إطراء بركات ابن الكيال الواعظ، وأن يسلّم جميع وقف الأيتام، الذي نازع فيه ابن المعتمد، وأن يحمل من ينازعه فيه إلى مصر. - وفي يوم الثلاثاء ثانيه دخل إلى دمشق من مصر، مبشّر النيل على العادة.
وفي ليلة الثلاثاء سادس عشره عقد جلال الدين محمد بن علاء الدين البصروي، عقد ولديه محمود وأحمد، على ابنتي محمد بن عبد الله الطواقي، من أهل محلّة مسجد الطالع، وأولم على ذلك، وحضر النائب والقضاة، وقرأ له الشمسي بن المبيض الواعظ، مولداً.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشريه تجهّز النائب وسافر، ومكث على جسر زينون، وقد تواترت الأخبار بمجيء الدوادار الكبير بمصر، طومان باي، من مصر، ثم تبيّن أن النائب إنما سافر ليقبض على نائب بيروت، فهرب في البحر.
وفي هذه الأيام طلب القاضي الشافعي من شهاب الدين الرملي، ألف درهم، فتقاعد، ثم أكّد عليه، فأتى بخمسمائة، ثم طلب خطّه بذلك، فاغتاظ، فعزله، وولّي نيابة الإمامة بالأموي لتقي الدين القاري، وقد وعده فيها بمبلغ كبير.
وفيها ورد المرسوم الشريف بإعادة الحجوبية الكبرى لصنطباي، بعد أن ولّيت لغيره، وأتى متسلّمه وحكم؛ وقد كان ملك الأمراء بجسر زينون، فسافر الساعي إليه بالمرسوم ليعلم ذلك.
وفيها كثرت علّة الزكام في الناس، وفي بعضهم بزيادة سعال. - وفي يوم الجمعة خامس عشريه، بعد صلاتها بالأموي، نادى مناد على السدة بالصلاة غائبة على قاضي القضاة عبد البرّ بن الشحنة الحنفي، فصلّينا عليه تقليداً للشافعي، ولم يثن الناس عليه خيراً، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الأربعاء ثاني رمضان منها، رجع النائب إلى دمشق، بعد أن قبض على جماعة من أكابر بيروت، لهروب نائبها منه. - وفي ليلة يوم الاثنين سابعه توفي فجأة السيد عمر البوصيني ثم المزّي ثم الدمشقي الحبال، بحانوته بباب الجابية، الساكن بزقاق ابن العلاف بميدان الحصى، في بيت الصالح محمد القلم، الذي أيّد له شيخه ومحبّه تقيّ الدين الحصني البوصيني بالعلم بالعين، ثم وقفها قبل موته على ولده العالم الصالح عمر المولّه، ثم على ذريته على زاوية شيخ الإسلام تقيّ الدين الحصني بالشاغور جوار المزار؛ وهذا الرجل المتوفى من أقارب الشيخ تقي الدين المذكور، فأسكن بها إلى أن توفي ليلتئذ، وغسل وكفن وحمل وصلّي عليه بباب هذه الزاوية، التي أحدثها المحبّ ابن أخي الشيخ تقيّ الدين الحصني، ثم حمل ودفن بتربة مسجد الذبان، المشهورة بتربة الأشراف، عن نحو ستين سنة، ولم يكن له حظ من محمد بن محبّ الدين المذكور، وقد توفي بعده ليلة الأربعاء ثاني عشرين شوال منها.
وفي يوم الاثنين المذكور لبس القاضي الشافعي الولوي بن الفرفور، خلعة الرضى عليه من المقام الشريف، بشفاعة النائب، بعد إشاعة عزله بخاله المحب بن الخيضري، ناظر الجوالي يومئذ، من حضرة النائب بدار السعادة، ثم خرج وركب معه القضاة والمباشرون على العادة، خلا القاضي المالكي فإنه متوعك.
وفي هذه الأيام شورك بين تقي الدين القاري، وشهاب الدين الرملي، في إمامة جامع الأموي نيابة، بعد أمور جرت في حق كل منهما. وفي يوم الأربعاء سادس عشره سقط الولد المراهق محمد بن المعلم علي المعمار، المعروف بالأكشر، من مكان عال فمات، وحزن الناس عليه، ولم يكن والده من دفنه حتى أخذ منه مال.

وفي يوم الخميس سابع عشره دخل من مصر إلى دمشق الأمير أينال باي دوادار سكين، بعثه المقام الشريف لعمارة قبة يلبغا، ولعمارة المصطبة، ولعمارة قصره، ولعمارة جميع القلاع، وبيع ما يحتاج إلى بيعه فيها.
وفي يوم الخميس رابع عشريه سافر النائب للسلام على الودادار الكبير طومان باي؛ والقلعة قد شرع نائبها في تحصينها؛ وقد غلت أسعار الدبس والزيت والسيرج والناس في كلام مختلف.
وفي هذه الأيام ثبت على البرهان بن الإخنائي، بشهادة الأمير ابن الشيباني، والمؤذن، للنائب العطيبي الأطروش، أنهما رأيا هلال رمضان ليلة الاثنين، وأن العيد يوم الأربعاء، قال شيخنا المحيوي النعيمي: والحال أني رايته عشية الثلاثاء ليلة الأربعاء قد غاب قبل آذان العشاء، فدل على أنه ابن ليلتين، ليلة الثلاثاء وليلة الأربعاء فلو كان ابن ثلاث ليال لم يغب إلا بعد العشاء.
وأيضاً المنجمون وافقوا على ذلك، إلا أن العيد يوم الأربعاء لنقصانه، فأوله الثلاثاء وآخره الثلاثاء، والعجب أنه رئي بكرة يوم الاثنين ثامن عشري رمضان عالياً بحيث قطع العوام أن العيد الخميس؛ ثم في ليلة الأربعاء حصل غيم كثير فلم ير، فعيد الناس بوم الأربعاء سابع تشرين الثاني، ثم رئي ليلة الخميس ثاني العيد كبيراً، واستمر إلى قبيل العشاء كما رأيته ثاني ليلة من رمضان، انتهى.
والحال أن النائب قد اجتمع بالداودار الكبير ببيسان من الغور، والغرب كثير بدمشق، سيما الأروام، لأن أمير الحاج منعهم من السفر إلا معه. وفي يوم الأحد خامسه شهر شوال وقع المطر الجديد، وجرت منه المزاريب، وفرح الناس به لغلاء سعر الحب.
وفي ليلة الثلاثاء سابعه توفي الرجل الخير عبد القادر الأجرود، بمحلة قصر الجنيد، وهو الذي عمر مسجد الطواشي، غربي أواخر مصلى العيدين، على هذه الهيئة التي هو فيها، عن غير والد، فأحاط جماعة الأستادار الحرك على جاريتيه السود، فحصل بهم نحو ألف درهم.
وفي ليلة الاثنين ثالث عشره دخل من مصر إلى دمشق خاصكي، وجماعة صحبتهم فيلان كبيران، دخلوا ليلاً. وفي يوم الخميس سادس عشره دخل ملك الأمراء إلى دمشق، راجعاً من السلام على الدوادار الكبير بمصر، بخلعة بطراز، ومعه القضاة الأربعة، وعليهم خلع أيضاً وقدامهم الفيلان اللذان دخلا دمشق، وكان يوماً حافلاً.
وفي يوم السبت ثامن عشره خرج المحمل والصنجق السلطاني، وأمير الحاج أمير ميسرة أصباي، وخرج معه القضاة على العادة، وتوجه معه عمي مفتي دار العدل جمال الدين بن طولون الحنفي، وفي وقت تحميله وقت القبة الشرقية من قبتي الجركسية قرب منزله. وبعد الظهر حصل رعد ومطر كثير كأفواه القرب من جهة الشمال، ولم يقع على المحمل وجماعته الخارجين، ثم تواصل المطر عليهم وعلى غيرهم.
وفي ليلة الثلاثاء ثاني عشيه نزل الحرامية، وقيل إنهم الدمامرة، على شمس الدين محمد بن البانياسي، شيخ زاوية ابن داود، بعد فراغ وقتها بها بالصالحية، فقتلوه، وجهز ثاني يوم، ودفن شمالي الزاوية المذكورة.
وفي يوم الاثنين سابع عشريه أتى السوقة وغيرهم من المزيريب، وأخبروا بكثرة المطر والوحل، لكن الأسعار رخيصة، ولما وصلوا إلى غزة صودروا من العرب بعد أن جمعوا عليهم، إلى أن صالحوهم على مال جبي لهم، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الاثنين ثالث ذي القعدة منها، قبض على الأستادار الحرك وعوقب، وأقيم مكانه البرددار محمد البقيني بالأمانة، ثم هرب بعد أيام، ثم حضر بعد أيام. وفي ليلة الاثنين رابع عشره، شاع بأنه قتل جماعة من جماعة الحرك، وأخذ ما معهم؛ وأن جماعة من جماعة ابن علاق نزلوا على طاحون النحلة، فأخذوا شيئاًَ كثيراً، وعروا جماعة من اليهود بها، ثم هربوا، فقبض عليهم أهل البويضة.
وفي ليلة السبت ثالث عشريه وضع بعض اللصوص بنجاً في سنبوسكتين ووضعهما خلف صبار بعض العوام العذاب، الذي له بعد غنية، فلما جاء ودخل بينة وجد السنبوسكتين، فأكلهما، فلما جاء الليل أغمى عليه وعاين الموت، فاستغاث بالجيران، فبات بعضهم عنده، فجاء اللص المذكور وخلع الباب ليدخل عليه فيأخذ ماله، فاستغاث الذي بات عنده، فهرب اللص.
وفي هذه الأيام حصل للغنم مرض، فمات غنم كثير، وغلا سعر اللحم، ولا قوة إلا بالله.

وفي بكرة يوم الاثنين خامس عشريه دخل من مصر إلى دمشق نقيب قلعتها، واسمه خير بك، وتلقاه النائب وبقية المباشرين على العادة، بغير تشريف.
وفيه وسط النائب مملوكاً، قتل مملوكاً مثله. وفي يوم الجمعة تاسع عشريه، عقيب صلاتها بالجامع الأموي، صلوا على ثلاثة غائبة، المحب إمام المسجد الأقصى والصالح سيف الدين القدسي، والشيخ أبو شعر الرملي.
وفي يوم الثلاثاء رابع ذي الحجة منها، أخرج أحمد بن الحرامي البيطار زوجته في آخر الليل، بعد أن استحل منها ما حرم الله، ميتة، من بابه الشمالي، ولم يغسلها، وطلع بها من حارة ابن سعود إلى المقابر، فدفنها من غير كفن، قابله الله، ولم يعلم بموتها أحد.
وفي ليلة الاثنين عاشره بات الناس أن غداً يوم عرفة، لقلة اعتناء القضاة بأمر الدين؛ ثم في أوائل الربع الأول من الليل، بعث القاضي الشافعي لملك الأمراء أن غداً العيد، فكبروا وقل من سمعهم، ثم أصبح كثير منهم صياماً، ثم تعارف الناس أنه العيد، فعيدوا يوم الاثنين، وهو موافق لقاعدة: يوم صومكم، يوم نحركم، يوم رأس سنتكم.
وفي هذه الأيام وقع بين القاضي الشافعي وتاج الدين بن الصلتي، فقال للنائب أن ابن الصلتي قتل قتيلين، فجاء وأرضاه، فذهب إلى النائب، فأرضاه وسكته وأصلح ما أفسد.
؟
القسم الثاني
سنة اثنتين وعشرين وتسعمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عبد الله محمد بن المستمسك بالله أبي الصبر يعقوب العباسي؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري، ونائبه بدمشق سيباي، والقضاة بها: الحنفي المحيوي بن يونس، والشافعي الولوي بن الفرفور، والمالكي خير الدين الغزي، والحنبلي شرف الدين بن مفلح، ونائب القلعة علي باي، ونقيبها خير بك، والحاجب الكبير صنطباي؛ والحاجب الثاني الناصري محمد بن يلباي، وكاتب السر محب الدين الأسلمي، وهو ناظر الجيش وناظر القلعة.
وفي يوم الثلاثاء ثاني المحرم منها، ولي يونس الأستادارية، بعد ضرب الحرك ضرباً مبرحاً وحبسه، وكان قد باشر الدوادارية الثانية. وفي يوم الأحد رابع عشره وقع مطر كثير، بعد أن كان وقع ثلج كثير يوم السبت قبله، وقبله يوم الجمعة مطر كثير، واللحم الضاني النعاج بنحو الاثني عشر رطله، ورطل الخبز من الدرهمين إلى الثلاثة.
وفي هذه الأيام عزم النائب على تلقي الوفد، فاشترى أمتعة كثيرة لأجلهم. وفي يوم الاثنين خامس عشره سافر، ثم لم يذهب إليهم بل إلى الخربة.
وفي يوم الاثنين ثاني عشريه ضرب رجل بمحلة قبر عاتكة رجلاً أخاً له بحق فخار، فمات المضروب، فحضر الأستادار يونس ورمي على أهل قبر عاتكة مالاً، والشيخ عبد الهادي الصفوري، الذي كان من عاداته أن يخافف عنهم، مسافر ببعلبلك، والنائب وجماعته بالخربة. وفي اليوم المذكور توفي المهمل عبد الرحيم بن الجبرتي الأسمر، الذي كان انضم إلى المحب الموقع وأسكنه لما هرب عبد القادر شعبان الفاسق، مكانه بالغورية، عن ولد رجل.
وفي يوم الخميس خامس عشريه دخل إلى دمشق كتب الوفد المصري، وأخبروا بالخير والرخص، وأنه حصل لهم سيل عظيم أخذ جماعات من الوفد. وفي يوم الأحد ثامن عشريه دخل إلى دمشق كتب الوفد الشامي، وأخبروا فيها أن يوم عرفة كان الاثنين، الذي كان عيداً عندنا، ومر الكتاب على النائب بالخربة، وأخبره بالأمور.
وفي يوم الثلاثاء سابعه نقلت الشمس إلى برج الحمل. وفي يوم الأربعاء ثامنه دقت البشائر، لأجل قدوم خلعة النائب، وهو مقيم بالخربة، وقد شاع في هذه الأيام أن السلطان يريد النزول إلى بلاد الشام، بعد إدخال ولده على بنت النائب، ولا قوة إلا بالله، فإن الناس إلى الآن في الجبايات، التي بسبب المشاة، التي فرضت على البلاد.
وفيها شكا رجل على نور الدين قنينة، خادم الشيخ رسلان، للنائب، أنه تزوّج بامرأته التي في عقد نكاحه، بمنزلة المزيريب، واستمرّ معها إلى أن رجع من مكة، وجاورت هي، فقال: إنما زوجني بها، بإذنها، الشيخ جمال الدين بن طولون الحنفي، بشهادة قاضي الركب الشرفي، وشهادته أنها خالية من الأزواج، وشهد معه آخر؛ فطلب الشرف، فخسر كل منهما جملة مال.

وفي ليلة الخميس ثالث عشريه كانت السماء مصحيّة، وكان النائب بائتا قرب قبّة يلبغا، ليلبس الخلعة التي جاءت له وهو بالخربة؛ فلما قرب طلوع الفجر ودقّت البشائر، تراكم الغيم من كل جانب، ثم وقع رعد وبرق شديد، ثم مطر شديد، ثم برد شديد، بحيث نثر المشمش والتفاح، ولم يقع مثله في هذه السنة، وجاءت السيول من كل جانب، بحيث أيس من دخول النائب إلى دمشق في اليوم المذكور.
ثم صحت السماء، فدخل النائب لابساً الخلعة، وهي حمراء خاص على العادة، فلما وصل منزله طلعت الشمس، وبهذه الخلعة كمل له عدة ثلاث وثلاثين خلعة. - وفي يوم الاثنين سابع عشريه خلع على عدوّ الله، وعدوّ رسوله، وعدوّ المسلمين، معلم دار الضرب اليهودي، الذي أهلك النقدين، والله أغير منا.
وفي ليلة السبت ثالث ربيع الأول منها، دخل ولد أردبش دوادار النائب، على بنت الأمير ناصر الدين بن برد بك العجمي، وحضر النائب فمن دونه، والقضاة.
وفي هذه الأيام شاع بدمشق أن ابن سلطان الحبشة قدم مصر، وأهدى للسلطان هدايا سنيّة، وطلب منه أن يأذن له في زيارة القيامة بالقدس، فأذن له، وأرسل صحبته خاصكياً، فلما وصل إلى القدس أظهر الصلبان وغيرها، فأنكر عليه أهل القدس وشكوا إلى الخاصكي، فقام معهم عليه، وأراد مراجعة السلطان، بعد أن قتل جماعة من الفريقين؛ وكان معه نحو الثمانمائة نفس.
وفي يوم الاثنين خامسه خلع على تاج الدين بن الصلتي نقابة الأشراف، بعد عزل حسام الدين. - وفي يوم الثلاثاء سادسه احترقت القيسارية لصيق الحمّام؛ اللذان أحدثهما قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور لصيق المدرسة المسمارية الحنبلية، شرقي الحمّام والدكاكين، التي جدّدها المحبّ الموقّع في هذه السنة، قبلي المدرسة القميرية، بمحلّة الحريميين.
وفي هذه الأيام وقع لتقيّ الدين بن البطائني مع عبد الوهاب بن قصيف، قضية شنيعة، غرم فيها جملة مال، وباع كتب عمه المحدّث المؤرخ شهاب الدين بن اللبودي.
وفي يوم الجمعة تاسعه، بعد صلاتها بالجامع الأموي، نودي بالصلاة غائبة على رجل عالم بالقدس، يقال له القباقبي.
وفي يوم الجمعة سابع عشره، عقب صلاتها بالأموي، نودي بالصلاة غائبة على الشيخ نور الدين المحلى، تلميذ المحدث البرهان البقاعي، توفي بمصر في صفر الماضي، عن ولد فاضل.
وفي يوم الخميس سادس عشره خلع على دوادار السلطان بدمشق قان بردي. - وفي يوم الاثنين سادس عشريه رجع السيد كمال الدين بن حمزة من مصر إلى دمشق، بعد أن حجّ بولده السيد نجم الدين عمر، على الطريق المصري؛ واجتمعت أنا وأخاه بمكة سنة عشرين. - وفي هذه الأيام ادعى المتجند ابن الحنبلية أنه من الأشراف؛ ومن نسل بني النبي.
وفي يوم الجمعة سلخه حض المحدث محبّ الدين أبو الفضل جار الله بن فهد المكي، عند شيخنا المحيوي النعيمي، وقرأ عليه جزءه المسمى بتحفة البررة في الأحاديث المسلسلات العشرة، وما انضم إليها، فسمعته وجماعة، وهذه ثالث مرّة سمعته، ثم أخذه جار الله المذكور، وكتبه من خطّه، فغيّر فيه أشياء تبعاً لطريقة المحدثين، فأسهل على شيخنا المذكور ذلك، وإلى الآن لم يكتب به نسخة.
وفي يوم السبت مستهلّ ربيع الآخر منها، سلّم شيخنا المحيوي النعيمي على النائب، بمقبرته ومدرسته التي أنشأها خارج باب الجابية، وبارك له في الشهر على عادته، وطلب منه قاضي الحنفية المحيوي بن يونس أن يخبر النائب بحال جدّ المتجنّد ابن الحنبلية، هل كان شريفاً أم لا ؟ فقال: كان اسمه عبد الرحمن بن يوسف الصالحي، ويعرف قديماً بابن فريح وجدّه بابن الطحان، روى الحديث عن جماعة بمنزله بقبة السجن، وغيره، وكان أولا كاتب الجرائد، بسوق التجار، ولم يذكر له شرف ما، ولينظر في طبقات القاضي برهان الدين بن مفلح.
ثم في المجلس هذا قرر النائب في مدرسته المذكورة ثلاثين صوفياً، لكل واحد في كل يوم رغيفان، وفي كل شهر عشرون درهماً، وجعل شيخهم قاضي الحنفية المذكور، وجعل النظر على ذلك للأمير التقوى الرجبي الدوادار الثالث له.

وفي هذه الأيام اجتمع الزعر الأوباش في زفّتين، فالتقوا بالسيوف وغيرها، فتجرّح جماعة، قيل وقتل بعضهم، فبلغ يونس الأستادار، فرمى على حارتهم مالاً. - وفي بكرة يوم الجمعة سابعه دخل إلى دمشق جماعات الأكراد، نساء ورجالاً، في ذكر وتهليل، قد حجّوا البيت الحرام، ثم رأوا البيت المقدس، وعلى ذكرهم وتهليلهم الأنس، تقبّل الله تعالى منهم.
وفي هذه الأيام شاع موت خوند زوجة السلطان قانصوه الغوري، التي حجّت في السنة الماضية قبل الماضية؛ وكان السلطان حينئذ في همّة صرف جوامك العسكر، الذين عينهم للذهاب إلى البلاد الشامية، لكل فارس مائة دينار برسم نفقته، وثلاثين أشرفيا برسم عليق فرسه، وسبعة أشرفية بسبب أجرة حمل ما يحتاج إلى حمله.
وفي يوم الاثنين عاشره سافر السلطان من مصر، لأجل عود مدينة مرعش من ملك الروم سليم خان.
وفي يوم السبت خامس عشره عزم القاضي كريم الدين بن الأكرم للرحال في طلب الحديث، محب الدين جار الله بن فهد المكي، وخلق، منهم شيخنا المحيوي النعيمي، إلى بستان ابن الجندي، شمالي قصر اللباد، وتواعدوا للاجتماع بمنزل القاضي كريم الدين المذكور بالعنابة، ولاقيتهم من الصالحية، ثم ذهبنا جميعاً قاصدين البستان المذكور.
وقد أركب شيخنا المحيوي المذكور فرساًُ، والرحال محب الدين المذكور أخرى، ومررنا على جامع بيت الآلهة، فنزلا ليتفرجا بها، فصلينا به تحية المسجد، وتأملناه فإذا غالبه خراب، وقد أخذ من محرابه الرخام وأحجار الكحل، ومن أرضه غالب الفسيفساء، وهذا قد حدث له من أيام الفتنة الدوادارية، وقبلها كان عامراً، تقام فيه الجمعة، وكان خطيبه صاحبنا البدري حسن بن خليل البيت ليدي الصالحي الحنبلي، نائب ديوان الجيش وغيره.
ثم طلب المحب المذكور قراءة جزء حديثي به، فأخرجت له جزء الدينار، تخريج الحافظ أبي عبد الله الذهبي، فقرأه على شيخنا المحيوني المذكور، بحضرة جماعة ضبطت أسماءهم في الجزء المذكور.
ثم ذهبنا إلى البستان المذكور، فحال وصولنا إليه أتى لنا بمشمش حموي، فأكلنا، ثم لحقنا القاضي كريم الدين المذكور وجماعة، ومنهم ولده شمس الدين محمد، وأخوه شمس الدين محمد، وولده أبو البقاء، وابن عمه زين الدين عبد الرحمن.
ثم تغدينا، ثم قرأ المحب جار الله المذكور على شيخنا المحيوي المذكور جزء فضائل الشام للربعي، قراءة حسنة عجلة أعجبت الحاضرين، وكتبت أسماءهم، وهو نحو المائتين، على الجزء المذكور، ثم أنشد الشيخ الصالح محمد بن الخياط المدني المؤذن بها وجماعته، فأطرب الحاضرين، وتباكى غالبهم، وتذكروا بذلك تأذينه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم أحسن القاضي كريم الدين المذكور إليهم، وإذا بالعصر قد قربت، وكان قصدهم الذهاب إلى منين لزيارة سيدي أبي البرهان، وسيدي جندر، فأثني العزم عن ذلك.
ثم مد القاضي الكريم الدين المذكور لنا أطعمة كثيرة ملونة فأكلنا، ثم أنصرفنا إلى منازلنا سوى المحب جار الله المذكور، فإنه بات بمنزل القاضي كريم الدين المذكور؛ وقد ضيف المحب جار الله المذكور في رحلته هذه إلى دمشق جماعات أخر، منهم نزيله بمكة الشيخ علي الغبشاوي الصالحي بها.
ثم صعدنا إلى زيارة مغارة الأمراء بسفح قاسيون، فنعى علي المحب جار الله المذكور بها الجزء الذي جمعته في فضائلها، وسميته بتفريج الهم في زيارة مغارة الدم.
ومنهم الشيخ شرف الدين موسى الكناني، الذي ضيفه بمقام الخليل، بأعلى قرية برزة، وقرأ عليه المحب جار الله المذكور جزء أبي الجهم، وعلي جزئي الذي جمعته في فضل المقام.
ومنهم العلامة شهاب الدين الشويكاتي الحنبلي، ضيفه بمنزله بالصالحية، وقرا عليه وعلي بدار الحديث الأشرفية بها، كتاب الزهد لعبد الله بن المبارك.
ومنهم الشيخ بدر الدين الماتاني الحنبلي ضيفه بجنينته بالصالحية، وقرأ عليه وعلي، وعلى الشيخ شرف الدين المذكور، بدار السنة الضيائية بها، الجزء الأول من كتاب ذم الكلام، لشيخ الإسلام الأنصاري، وجزء ذم البدع للحافظ ضياء الدين، منشئ دار السنة المذكورة.
ومنهم ابن العم شهاب الدين بن قنديل ضيفه في منزله الأنيق بالصالحية، وقرأ عليه فيه جزئي المشتمل على الأحاديث المسلسلات بحرف الميم وعدتها أربعة وعشرون حديثاً، كلها مستخرجة من صحيح البخاري.

ومنهم الشيخ شمس الدين الكفرسوسي، ضيفه بقريته كفر سوسيا ضيافة عظيمة، وحضرها خلق، وقرأ عليه بجامعها كتاب الشمائل للترمذي.
ومنهم كاتبه ضيفته ببستان ابن سلطان بالنيرب الأعلى، وقرأت عليه كتابي المسمى بقدرة الجليل فيما ورد في ....، وكنت أولا سميته قراقيش الخلي، لأمر ذكرته أوله، ثم عدلت عنه إلى هذا الاسم، إلى غير ذلك من الضيافات، وقد تكررت من بعض المذكورين ويعلم أوقاتها من الطبقات المكتتبة لذلك، ومن كتاب الرحلة الدمشقية للمحب جار الله المذكور .
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره دخل إلى دمشق أوائل الجند العسكر المصري. وفي يوم الجمعة حادي عشريه قرأ المحب جار الله بن فهد المكي، على شيخنا المحيوي النعيمي، جزءه المسمى بالقول المبين المحكم في بيان أهل القربى للنبي صلى الله عليه وسلم، بمجلسه بالجامع الأموي، ثم قام إلى مجلس السيد كمال الدين بن حمزة، فقرأ المحب جار الله المذكور عليهم جزءين.
وفي يوم الثلاثاء خامس عشريه نودي بدمشق، على لسان المقام الشريف، بالأمان والاطمئان وألا ظلم ولا عدوان، وأن لا يظلم أحد من العسكر أحداً، وفيه أسلم يعقوب صيرفي النائب، بعد عقوبته وأخذ مال، وزف وخلع عليه في اليوم المذكور، ثم في ثاني يوم تولى ناظر الخزانة ونقيب الديوان، وخلع عليه بذلك.
وقد اشتهر في هذه الأيام بدمشق، أن محمداً ولد السلطان نازل مع العسكر، لكونه أمير آخور، وأنه وصل دمشق يسكن في بيت برد بك، الذي هو مسكن النائب، صهره الآن.
وفيها وقع بين هذا الشاب الحموي، المعروف بمعروف، الشاهد بمركز الشهود بمحلة باب السريجة، وهو مع ذلك يعقد العقود، وبين عشيره شهاب الدين أحمد العجمي ثم الحلبي، ذي المئزر الأخضر، المتمصلح المتمنطق، المشهور بمعرفة علم الهيئة، المنزلين بمدرسة النائب، وجرى بينهما كلام يستحي من ذكره، وفيه قذف في حق أولاد الجلال البصروي، فلما اطلع على ذلك النائب عزلهما من مدرسته وولى غيرهما .
وفي بكرة يوم الخميس سابع عشريه وقع أيضاً بين القاضيين، الشهاب الرملي، والتقوى القاري، بسبب إمامة الجامع الأموي، كلمات قبيحات لا تصدر من مثلهما، ولا من أقل منهما يؤدي أمرها إلى شيء عظيم، حتى بقي جماعات من الترك وغيرهم يستهزئون بأهل الشرع، فلما كثر ذلك عزلهما موليهما في الإمامة منها، ومن الحكم أيضاً، وهو القاضي الشافعي، وكان ذلك بدار السعادة، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الثلاثاء ثاني جمادى الأولى منها، بعث الأمير علاء الدين بن طالوا نقيب الجيش، إلى شيخنا المحيوي النعيمي، أن يكتب له صفة دخول الأشرف برسباي إلى دمشق، ومن حمل الغاشية على رأسه، وأين نزل، فكتب له ما تيسر له .
وفي يوم الأربعاء ثالثه دخل إلى دمشق الأمير بيبرس، ابن عم السلطان، بطلب. وفي يوم الجمعة خامسه دخل إلى دمشق وإلى مصر، وأحد المقدمين، كرتباي أبو سنة بطلب أيضاً. وفيه بعد صلاتها سافر النائب، وبقية الأمراء إلى ملاقاة السلطان، بعد أن ولي نيابة الغيبة لخازنداره خشقدم.
وفي ليلة السبت سادسه قتل نقيب البعني حسين الرافضي، بسكنه بحارة عريف باب المصلى، أبي بكر بن المبادل، وحصل له من نائب الغيبة إهانة بسبب ذلك.
وفي يوم الاثنين ثامنه دخل إلى دمشق ثلاثة مقدمين، بثلاثة أطلاب: الأول تنبك الخازندار، والثاني قانصوه كرت، والثالث تمر الزردكاس. وفيه وسط نائب الغيبة رجلاً من جماعة ابن علاق.
وفي يوم الجمعة ثالث عشره، عقب صلاتها بالجامع الأموي، صلي غائبة على اثنين، أحدهما بمصر وهو العالم العامل ابن عنان، والثاني بالقدس، وهو شهاب الدين أحد الصوفي، وفيه نزل أمير سلاح، الذي كان نائب الشام، أركماس، عند قبة يلبغا، وقد قرب مجيء السلطان.
ثم أخبرني العلاء بن طالوا، نقيب الجيش المنصور، زوج ابنة العم، أنهم يوم الأربعاء عاشر الشهر هذا اجتمعوا هم والسلطان في أرض قلنسوة، فلما قرب ملك الأمراء منه لبس هو ومن معه الكلوتات والقماش على العادة في المواكب؛ فحين رآهم السلطان في الطريق، نزل وضرب له سحابة، وفرش له بساط، ووضع عليه كرسي من فولاذ وجلس عليه.

ثم أذن فجاؤوا وقبلوا الأرض، الأول فالأول، ولم يقم لأحد حتى جاء القضاة الأربعة، فقام لهم نصف قومة، خلا المالكي فعظمه، وقام له أكثر من رفاقته؛ فلما جاء ملك الأمراء قام له وسلم عليه وتشكر له في المجيء، ثم دعا السلطان بفرس ملك الأمراء إلى قرب بساطه، وأمره بالركوب من على البساط، ثم ركبا، وسارا إلى أن جاء إلى قابون فذهبب كل منهما إلى مخيمه.
وأشار السلطان إلى ولده أمير آخور بأن يمشي مع ملك الأمراء إلى مخيمه، وقصد بذلك الملك، استعطاف خاطر ملك الأمراء على ولده، لكونه صهره، فلما وصل معه إلى المخيم، ألبس ملك الأمراء لولد السلطان خلعة، ثم عاد إلى عند والده وقبل الأرض، ثم انصرف.
وأمر السلطان بتهيئة الطعام، فما كان إلا مقدار عشرين درجة، ومد سماط عظيم بين يدي السلطان، فدعي ملك الأمراء ومن معه للأكل، فأكلوا، ثم أتى بالتشطيف، ثم أسقاهم مشروباً، وإذا بفرسين بكنبوشين يدار بهما ين يدي السلطان، ثم التفت إلى ملك الأمراء فاعتذر إليه في إعطائهما فقط بأنه على السفر، ثم دعا بخلعة حمراء فألبسه إياها؛ ثم ألبس القضاة الأربعة الشاميين، كل واحد منهم خلعة، وكان أيضاً معهم نائب غزة فألبسه خلعة، ثم توجهوا جميعاً إلى مخيماتهم.
وفي صبح يوم الجمعة ثاني عشره وصل الخبر إلى دمشق بما وقع للنائب والقضاة مع السلطان، وكان عند العامة أنه غضبان عليهم، فدقت البشائر في دار السعادة.
وفي صبح يوم الاثنين خامس عشره رجع النائب والقضاة إلى دمشق، ودخلوا في موكب حافل، لابسين الخلع السلطانية، فالنائب خلعته حمراء بمقلب خاص، والشافعي بصوف أبيض والمالكي بأخضر، والحنفي والحنبلي بأحمر، وزينت البلد، وشرع النائب في تهيئة المدة للسلطان.
وفي بكرة يوم الثلاثاء سادس عشره دخل إلى دمشق ابن سلطان جركس بطلبه، ثم الأمير جان بلاط الأبح بطلبه، ثم الأمير أنسباي الحاجب بطلبه، ثم رأس نوبة النوب سودون الدواداري بطلبه، ثم أمير سلاح أركماس الذي كان نائباً بدمشق بطلبه، ثم الأمير الكبير سودون العجمي بطلبه، وهو أحفلهم، ثم أحد المقدمين أمير آخور ثاني آقباي بطلبه، ثم الدوادار الثاني علان أحد المقدمين بطلبه، ونزل الجميع بالمصطبة عند القابون، ثم ركب النائب وذهب لملاقاة السلطان، ثم رجع من عند السلطان إلى القبة وهيأ أمر السماط.
وفي عشية يوم الثلاثاء سادس عشره وصل مخيم السلطان إلى قبة يلبغا خارج دمشق.
وفي بكرة يوم الأربعاء وصل السلطان ونزل بمخيمه بالقبة المذكورة والنائب بها ثم جاء جميع الأمراء من المصطبة وغيرها وحضروا السماط، ثم خلع السلطان على النائب وعلى سبعة آخر معه، ثم دخلوا دمشق في أبهة، واستمر السلطان بالقبة، وهرعت أكابر البلد، من الأمراء والقضاة والمشائخ وغيرهم، إلى السلام عليه وعلى جماعته.
وفي بكرة يوم الخميس ثامن عشره، وهو تاسع عشر حزيران، وثامن برج السرطان، دخل السلطان من قبة يلبغا إلى دمشق، ماراً إلى المصطبة، عند القابون الفوقاني، خارج دمشق من جهة الشرق في موكب عظيم لم يشاهد مثله.
عن يمينه ملك الأمراء حاملاً القبة على رأس السلطان، وهي شبه رأس ستر، وظاهرها حرير أصفر، وفي أعلاها هلال من ذهب والغاشيه؛ قال شيخنا النعيمي، قدامه قصيرة ماسكها بيده، وهو مستور بها لا يرى، وأما يسار السلطان فخال.
وعن يمين النائب، أمير كبير سودون العجمي، وعن يمينه أمير سلاح أركماس، ثم أمير مجلس قصدهم، فعدتهم خمسة؛ وخلفهم الصنجق السلطاني في ذهب مزركش، ثم من خلفه المماليك.

وقدام السلطان الخليفة المتوكل على الله أبو عبد الله محمد بن المستمسك بالله أبي الصبر يعقوب الهاشمي العباسي؛ ثم القضاة الأربعة المصريين: الكمال الطويل الشافعي، وحسام الدين محمود بن الشحنة الحنفي، والمحيوي يحيى الدميري المالكي، والشهاب أحمد بن النجار الحنبلي: ونوابهم وعدتهم أربعة عشره، وهم ستة للشافعي: الشيخ جمال الدين الصاني، وصلاح الدين القليوبي قارئ الحديث بقلعة الجبل بالقاهرة، وزين العابدين، والشيخ زين الدين الظاهري مباشر أوقاف الحرمين، والشيخ شمس الدين بن وحيش، والشيخ شمس الدين البتنوني، وأربعة للحنفي: الشيخ شرف الدين البلقيني المحدث، والشيخ غرس الدين المقرئ، والشريف البرديني، والشيخ زين الدين الشارنقاشي؛ واثنان للمالكي: الشيخ معين الدين بن يعقوب، والشخ شمس الدين المديني، وأربعة للحنبلي: الشيخ شهاب الدين الهيثمي، والشيخ شمس الدين الطرابلسي الشيبي، والشيخ شهاب الدين القدسي، والقاضي عز الدين سبط العز الحنبلي، كذا أملاني عدتهم أخونا في الله المؤرخ جار الله بن فهد.
ثم قدامهم القضاة الأربعة الشاميين، الولوي بن الفرفور، والمحيوي بن يونس، وخير الدين المالكي، وشرف الدين بن مفلح، وبعض نوابهم.
ثم أمير آخور كبير الناصري محمد بن السلطان، وقدامه رأس نوبة كبير سودون الدواداري وحاجب الحجاب أنسباي، ودوادار ثاني علان، وأمير آخور ثاني آقباي، وتاني بك الخازندار، وتمر الزردكاش، وقانصوه كرت، وقانصوه بن سلطان جركس، ويعرف باللوقة، وبيبرس ابن عم السلطان، وجان بلاط الموتر، المعروف بأبي ترسين، وجاني بك الأبح.
وفي بعض المواضع تقدم الأمير الكبير سودون العجمي إلى قدام القضاة، وعن يمينه أمير آخور كبير الناصري محمد بن السلطان، وعن يساره أمير سلاح أركماس، وقدامهم رأس نوبة كبير سودون الدواداري، والمعطوفون عليه، وعدتهم أربعة عشر، كذا أملاني إياهم أحد المقربين عند السلطان: السمرقندي، وذكر لي أن عدتهم ستة عشر، وأنه تقدم كرتباي وأبرك تتمتهم، وتأخر من المقدمين بالقاهرة وأعمالها ثمانية.
ثم أمراء الشام، ثم كاتب الأسرار الشريفة المقر المحبي محمود بن أجا الحنفي، وقدامه ناظر الجيش القصروي، وناظر الخاص ابن الإمام ومباشر ديوان الجيش ابن الشيرجي، ونائب كاتب السر أحمد بن الجيعان، وبقية المباشرين، وقدامهم التاجي بن الديوان، أمير التركمان بالشام، وديوان القلعة المنصورة بها، وبقية المباشرين الشاميين، وقدامهم خزائن المال، وعدتهم ستة.
وقدامهم خلفاء الصوفية وعدتهم سبعة، وهم: السيد يحيى بن علي الرفاعي، والسيد محمد بن سالم الأحمدي، والسيد محمد بن زين العابدين القادري، والسيد محمد الأدهم، والسيد محمد البسطامي، والسيد محمد الدسوقي، وخليفة الست نفيسة.
وقدامهم أولاد محمد بن بركات صاحب مكة المشرفة، وهما: السيد راجح، والسيد قاسم، ولدا محمد بن بركات بن حسن بن عجلان بن رميثة بن أبي سعد محمد بن أبي عزيز قتادة الحسنى، وابنا أخيهما السيد هزاع، وهما السيدان محارم، وزاير، وابن أخيهما أيضاً السيد شرف الدين رميح، وابن قريبهم الشريف أبو سعد بن رميثة بن بركات، وجماعتهم.
وقدامهم محفتان على بغال، إحداهما للسلطان، والثانية لابنه، وقدامهم من الخيل المجنونة مائة، فمنها خمسون بجلال صفر من أطلس، ومنها ثلاثون بلبوس مذهبة، ومنها عشرة بكنابيش ذهب مرصعة باللآلىء وغيرها، ومنها عشرة من خواص الخيل غير ملبسة .
وقدامهم مائة هجين بأكوار مزركشة، منها خمسون على أحمر، وباقيها مغرق، مكتوب على غالبها اسم السلطان، وعلى بعضها طومان باي، وعلى بعضها قايتباي.
وقدامهم كرسي الملك المحمل على بغل، وهو مرصع بالدر والجوهر والبلخش وغير ذلك، وقدامه ثلاث أبغال للشربدارية، راكب في وسطها ثلاثة أولاد صغار، عمالين في الإنشاد لم نسمع أطرب منهم، وهم سائرون.
وقدامهم أربعة أنفس راكبين، وخلف كل واحد منهم فهد، وقدامهم أحمال الضوية؛ وقدامهم البارودية، وقدامهم الطبل والزمر، وقدامهم السبق، إلى غير ذلك مما يطول تعداده، وكان يوماً مشهوداً.

ولما مر السلطان على باب النصر، الذي في رأس القبيبات، نثر عليه صدقة اليهودي، معلم دار الضرب بدمشق، دراهم وأشرفية أصطنعها لذلك، خفيفة، ويقال إنها ألفا درهم، فاقتتلت الناس على نهبها، فأمره السلطان بالكف عن ذلك.
ولما جاء إلى محلة ميدان الحصى، لاقته الإفرنج المستأمنين هناك، ومعهم قنصلهم، وفرشوا له قطعاً من الجوخ، ونثروا عليه دراهم وقبارصة؛ وقال إنها مائتا دينار، فاقتتل الناس أيضاً على نهبها، فأمرهم السلطان بالكف عن ذلك، وقطع جماعته الجوخ وتناهبوه، ولما جاء إلى حارة السمرة، نثروا عليه خمسمائة درهم.
ولما نزل بالصطبة قدم له النائب ضيافة عظيمة، فأكلها، وخلع عليه خلعة عظيمة، مزركشة على أخضر، بأكمام مذهبة يلبغاوية، فعاد بها إلى منزله دار السعادة، ومعه غالب الأمراء في موكب عظيم، وكمل له بهذا الخلعة عدة ستة وثلاثين خلعة، من أول كفالته إلى الآن.
ثم بلغني أن الغاشية، أول ركوب السلطان، كان حاملها سودون العجمي الأمير الكبير، إلى أول عمائر دمشق، فقيل لهم إنما العادة يحملها نائب الشام، كما فعل مع برسباي الأشرف، حملها عليه جراقطلي نائب الشام، في يوم الاثينن خامس عشر شعبان سنة ست وثلاثين وثمانمائة، من القبة إلى المصطبة، فلما سمعوا ذلك، حملها النائب سيباي نائب الشام حينئذٍ، ثم خلع السلطان على الأمراء السبعة، كما فعل بالأمس، مع السبعة الأخر، فالجملة أربعة عشرة أميراً.
وفي يوم الجمعة تاسع عشره خطب بالجامع الأموي قاضي قضاة الشافعية المصري، وصلى خلفه رفاقته الثلاثة ثم صلى بالناس الجمعة، وكبر خلفه مؤذنو السلطان، ولما فرغوا من التسبيح عقيب الصلاة أنشد الصبيان، الذين كانوا مع السلطان، واجتمع الناس عليهم حتى كادوا يقتتلون.
ثم حطوا، فدعا الأربعة المصرية أخانا المحب جار الله بن فهد المكي، فقرأ عليهم المسلسل بالأولية، ثم ثلاثيات الصحيح، وحضر ذلك القضاة الأربعة، ونواب القضاة الثمانية، وخلائق وجلس القاضي الشافعي المصري في المحراب بالمقصورة، وعن يمينه الحنبلي المصري، وتحته الحنفي الشافعي، وعن يساره ... وتحته الحنفي المصري، ثم الشافعي الشامي ثم المالكي، ثم الحنبلي الشاميين.
وسبب هذا المجلس ما حكيته لأخينا المحب المذكور، من إملاء الحديث المسلسل ... من حافظ العصر شهاب الدين أبو الفضل بن حجر، قاضي القضاة الشافعية بالديار المصرية، تجاه محراب الحنفية بالجامع المذكور، لما نزل صحبة الملك الأشراف برسباي، وكان مع رفاقته الثلاثة: قاضي الحنفية بها البدر العيني، وقاضي المالكية الشمس البساطي، وقاضي الحنابلة الزين بن نصر الله، فذكر لهم فذلك فأرادوا مضاهاة ذلك.
وفي ليلة السبت عشريه دخل من مصر إلى دمشق، المعزول من حسبة مصر، لظلمه بعد خروج السلطان منها، الأمير ماماي الصغير، فإن دوادار السلطان بمصر أرسل عرف السلطان بظلمه، فأرسل عزله، وأمره أن يتجهز خلفه، وأن يولي الدوادار في الحسبة من أراد، فامتثل ذلك ولحق السلطان ليلتئذٍ.
وفي يوم السبت المذكور ذهبت في جماعة إلى مخيم السلطان بالصفة عند القابون الفوقاني، فاجتمعت بالخليفة وقرأت عليه بالمسلسل بالأولية، ثم سمعته عليه، ثم قرأت عليه ثلاثيات البخاري، ثم توجهت من عنده إلى القاضي الشافعي، فقرأتها عليه أيضاً، بعد أن سمعت منه المسلسل بالأولية، ثم توجهت إلى عند القاضي الحنفي فقرأت عليه المسلسل بالحنفية، وسمعته عليه، ثم توجهت إلى عند القاضي المالكي، فقرأت عليه جزء الثلاثين حديثاً المنتقاة من صحيح مسلم، ثم توجهت إلى عند القاضي الحنبلي، فقرأت عليه المائة حديث المنتقاة من ثلاثيات مسند أنس والمسلسل بالمصريين، وكان صحبتي أخونا المحب جار الله بن فهد، ومعه الشمسي محمد بن الأكرم، وقصدت بهه القراءة تحرير ما عندهم من أحاسن المرويات، فإن بالأمس لما قرأ على القضاة الأربعة المصريين، بمقصورة الجامع الأموي؛ أخونا جار الله المذكور، المسلسل بالأولية، ثم ثلاثيات الصحيح، ربح سوق أسانيدهم إليها.

وفي يوم الأحد حادي عشريه أرسل النائب تقدمة للسلطان، عدة أربعة عشرة صدراً، على رأس كل رجل صدر مغطى بلون من الألوان، في أربعة صدورة خمسون ألف درهم فضة، وفي بقية الصدورة قماش مفتخر، وخلف هذه الصدورة عدة عشرة من مماليكه الخاص الكتابية الحسان، وخلفهم عدة عشرة من الخيول الخاص، أمير آخور الكبير تنم، وخازنداره خشقدم، والمقدم ناصر الدين بن الحنش.
وفي هذا اليوم قدم المقدم ناصر الدين المذكور للسلطان، تقدمة أخرى كثيرة من المال، قيل ألف دينار، ومن الخيل، ومن الغنم، ومن الجمال، ومن البقر، ومن الأوز، ومن الدجاج، ومن الزيت، ومن العسل، ومن الأرز، ومن الدبس ومن السمن، وغير ذلك.
وفيه أمر السلطان بالمصطبة بإشهار النداء بالأمان والاطمان، وأن لا أذى ولا عدوان، وأن لا يحمل أحد من العوام سلاحاً.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشريه ذهبت في جماعة إلى مخيم السلطان بالمصطبة، فاجتمعت بكاتب السر ابن أجا، وقرأت عليه المسلسل بالأولية والمسلسل بالدعاء في الملتزم المخرجين، في كتابه: تحقيق الرجا لعلو المقر الحبي ابن أجا، تخريج أخينا في الله المحدث جار الله بن فهد المكي بحضوره، ثم اجتمعت ببقية المباشرين المصريين، فرأيت أمثلهم ناظر الخواص الشريفة ابن الإمام، بسبب حبه للفقراء، وحفوه على طلبة العلم.
وفي يوم الأربعاء رابع عشريه رحل السلطان من الصفة، وهدت الزينة من البلد، توجه معه في الترسيم المحبي ناظر الجيش بدمشق، وناظر القلعة بها، وما مع ذلك، بعد أن كان وقع بينه وبين أمير سلاح أركماس مرافعة عظيمة بسبب دين له عليه، وأراد أمير سلاح أن يشتريه من السلطان بخمسين ألف دينار، فالتزم للسلطان بغالبها.
وكذلك توجه معه في الترسيم مباشر القلعة الدمشقية الصفدي، ويوسف السامري ديوانها، والتميمي شاهدها، ليعلموا حسابها، وكذلك ذهب معه في الترسيم أيضاً المحبي بن الخيضري ناظر الجوالي، بسبب مال متأخر عليه منها.
ولم يفرج السلطان في مدة إقامته بهذه المصطبة عن أحد كربة، وكلما رفعت إليه قصة يؤخرها حتى يرجع، وقد ذهبت مع جماعته مدرسة الشيخ أبي عمر بصالحية دمشق ليشكوا له حالهم في قمح داريا، والمال المرتب لهم في القلعة بسبب الطعام في شهر رمضان، فلما وصلوا إلى قربه جلس المتضرون يقرأون القرآن له، فأمر مماليكه فضربوهم بالعصي، وقالوا لهم: عندنا ميت حتى تجيئوا تقرون عليه ؟ فرجعنا خائبين منه.
وفي هذا المجلس جاء إليه قنصل الإفرنج وجماعته بهدايا، فقدمهم وأكرمهم؛ وكان السلطان في هذه الأيام التي كان فيها بالمصطبة قد رسم بيناء قبتين بها، فحضر معلّم المعمارية بمصر، ومعلّمهم بدمشق وبقيّة المعلمين، ورسموا مكانهما، ثم شرعوا في ذلك.
ثم ركب السلطان في أواخر هذا النهار، وسافر بعد أن خلع على النائب خلعة أخرى بهذه المصطبة، فكملت خلعه سبعاً وثلاثين.
وفي يوم الخميس خامس عشريه خلع النائب على أمير آخوره تنم بنيابة الغيبة، وأمر بإشهار النداء بأنه لا ظلم ولا عدوان؛ ثم خلع على خازنداره خشقدم. - وفي يوم الجمعة سادس عشريه جاء الخبر بأن نائب حلب خير بك، ونائب حماة جان بردي الغزالي، ومعهما قضاة البلدين، لاقوا السلطان في القطيفة.
وفي يوم السبت سابع عشريه ركب مماليك النائب عليه، وتحصّنوا بالجامع الأموي، وغلقوا أبوابه ومنعوا الناس من الصلاة فيه، وغلق أسواق دمشق خوفاً من نهبها، وخطفت بعض العمائم، بسبب اختلافهم مع أستاذهم على مقدار صرف الجامكية في التوجّه خلف السلطان فإنه أراد أن يصرف لكل واحد منهم خمسين أشرفياً، بأنقص من مماليك السلطان بثمانين أشرفياً، وفرساً، فأبوا ذلك، وقصدوا نهب بيت أمير آخور كبير تنم، فدافعهم، فجرحوه، فبلغ الخبر للنائب، فجاء إليهم ومعه العلاء بن طالوا فقط، فلم يواجهوه، وهربوا، ثم مشى بينهم العلاء ابن طالوا المذكور، وأمير آخور ثاني شكم، والدوادار الثاني، بالصلح ووفّقوا بينهم على كمية.
وفي هذه الأيام نقب الحرامية منزل فرج ابن صبّي الوالي، ودخلوه، وهو وجماعته نائمون فوق السطح، وأخذوا له ما قيمته أربعمائة دينار. - وفيها طلع جماعة من الخيالة على بعض الأمراء قريب القطيفة، وأخذوا خيله وقماشه وماله، فشكا إلى النائب، فأحضر ابن علاق وألزمه السعي في تحصيل غرمائه، وإلا غرم له ما ذهب له.

وفي يوم الثلاثاء مستهلّ جمادى الآخرة منها، شكا ابن علاق للنائب من أهل القيجانة فأمر بنهبهم، فنهب أموالهم وقتل منهم جماعة. - وفي يوم الخميس ثالثه دخل، ابن قرقد الشاب، وهو ابن أخي ملك الروم سليم خان، إلى دمشق من مصر، وتلقّاه النائب وقضاتها، والأمراء، ودخل في موكب عظيم، وهو أمرد، ومعه والدته، وكانت فرّت به من عمّه ملك الروم سليم خان إلى ملك الشرق إسماعيل الصوفي، فلما كسره ملك الروم و ... له، فرّت به إلى سلطاننا، ولما عزم على التوجّه إلى عمه أبقاه هو ووالدته بالقاهرة، ثم بدا له في أثناء الطريق صحبته معه، فوجّه إليه دوادار سكين، جاء به، فوصل في هذا اليوم، صحبتهما الخواجا ابن النيربي المعزول. - وفي هذا اليوم خلع النائب على أمير ابن علاق وقرابته.
وفي ليلة الجمعة رابعه ضرب عريف القراونة، موسى بن بلغان، فدافع عنه عبده، فضرب ولم يرجع، وأخذه وهرب به؛ ثم توفي موسى المذكور منها، وخصمه البيطار على خطّة، فلما دفن موسى توفّي خصمه، فدفن، وحضر أخو البيطار، وشكا إلى النائب فأمر بتوسيطه ثم نادى: إن لم تحضر أكابر الشاغور بعد صلاة الجمعة، وإلا حرقت الشاغور، ثم قتل عريف القبيبات.
وفي بكرة يوم الخميس عاشره، وهو عاشر تموز أيضاً، سافر النائب لاحقاً بالسلطان في موكب عظيم، وخرج معه القضاة الأربعة للوداع، ولما نزل بالمصطبة، السلطانية رجعوا، ولم يرحل منها إلى يوم السبت.
وفي يوم الخميس المذكور خلع النائب الغيبة على عرفاء المحلّتين، منهم عريف باب المصلّى أبو بكر بن المبارك، ومنهم عريف الصالحية علي بن الهريري، وسار نائب الغيبة سيراً حسناً، ولم يكن دأبه إلا تتبّع المناحيس وقتلهم.
وفي ليلة السبت ثاني عشره قتل ابن الماخوزي، عريف قبر عاتكة كان. - وفي يوم الأحد ثالث عشره هجم ابن الكركية الحريري الصغير، ومعه ابن عرين من أهل ميدان الحصى، على عريفهم ابن سعيد وضرباه بالسكاكين، فمرّ عليهم كاشف حوران. فقبض على ابن الكركية وفرّ رفيقه، وأتى به إلى نائب الغيبة، فأمر بتوسيطه، ثم ركب وأتى إلى دور أهله ودكاكينهم فختمها، وأما ابن سعيد المضروب فلم يمت.
وفي ليلة الاثنين رابع عشره أبدر القمر، ثم لما توسّط السماء ابتدأ في الخسوف إلى أن خسف جميعه، ثم استمرّ نحو ساعتين وانجلى. - وفي هذا اليوم زعم بعض المنجمين أن السلطان مغلوب مع ملك الروم، وهو مقتضى قاعدة حساب الغالب والمغلوب، فالله يحسن العاقبة.
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره بلغني أن النائب بحماة ضعيف، وأنه أرسل يطلب محفّة. - وفي يوم الأحد سابع عشريه وسّط نائب الغيبة الأربعة من الحرامية، منهم عمر الهجان، الأسمر من زقاق الأمير فارس، خرج عندهم عملات، منها ما أخذ من بيت فرج المتقدّم ذكره.
وفي يوم الاثنين ثامن عشره وسّط نائب الغيبة خمسة منهم أيضاً.
وفيه تخاصم أهل داريا وأهل صحنايا، فخرج إليهم نائب الغيبة ونائب القلعة، وأصلح بينهم.
وفي الثلاثاء تاسع عشريه بلغني أن ديوان نائب القلعة توفي في عسكر السلطان .
وفي يوم الجمعة ثاني رجب منها، خطب بالجامع الأموي خطيب مكة، لابساً السواد وهو صاحبنا الإمام الأصيل الخطيب وجيه الدين عبد الرحمن بن الخطيب فخر الدين أبي بكر بن الخطيب أبي الفضل محمد النويري القعيلي المكي الشافعي، وهو ابن أخي شيخنا خطيب مكة الشيخ محبّ الدين. - ثم في يوم الجمعة تاسعه خطب أيضاً بمدرسة النائب خارج باب الجابية.
وفي هذه الأيام تواترت الأخبار بأن السلطان بقلعة حلب، وأن نائب الشام بحيلان. - وفي يوم الخميس ثاني عشريه توفي المجرم نقيب النّوبة ابن عدوس، ويحكى عنه أنه في حال صغره كان ينقش كالنساء في بيت التعيس أبي بكر بن زريق.
وفي بكرة يوم الجمعة ثالث عشريه ورد مرسوم مؤرخ بثامن الشهر من حلب من السلطان، وفيه أنه عزم على التوجّه إلى ملاقاة ملك الروم سليم خان، وأنه يسأل الدعاء من أهل دمشق له، وأن ملك الروم قد جهّز عساكر كثيرة من النصارى والأرمن وغيرهم له، فاجتمع قضاة دمشق الأربعة، والشيخ عبد النبي، ومن يلوذ به من المرائين، في جامع بني أمية بعد صلاتها في المقصورة، وكذا يوم السبت والأحد، وقرأوا سورة الأنعام، ودعوا للسلطان وعسكره، وخصوصاً بين الجلالتين، ولم يحضرهم أحد من المباركين، وألسنتهم ناطقة بالدعاء لمن قصده الخير منهما.

وشاع بين الناس أن سبب توجّهه، بعد أن كان قصده الصلح، توجّه ملك الروم إليه وأخذ قلعة الروم، وما والاها، إلى عينتاب، بسبب أنه اطلع على مطالعات من سلطاننا إلى الخارجي إسماعيل الصوفي، يستعينه على قتال ملك الروم سليم خان، على يد البهلوان، أحد جماعة سلطاننا.
وفي عشية يوم السبت ثاني شعبان منها، وصل الخبر على يد هجانة إلى دمشق، أن سلطاننا التقى مع ملك الروم في مرج دابق، بموضع يعرف بتل الغار، وقيل بمرج الطبقة، فوق أرض مرج دابق، يوم الأحد رابع عشريه رجب الماضي، وهو اليوم الثالث من الثلاثة أيام، التي قرأ فيها قضاة دمشق الأربعة، والشيخ عبد النبي، سورة الأنعام، ودعوا للسلطان كما مر، وأنه كانت النصرة أول النهار لسلطاننا، وفي وقت الظهر اشتغل عسكره بالنهب، فرجع عليهم ملك الروم بالبندق الرصاص فكسرهم.
فلما رأى سلطاننا ذلك دعا بما فشرب، وأغمي عليه، ثم سقط ميتا بالقولنج، وهو يستغيث بالأغواث، وقيل إنه سقط وبه رمق من الحياة، فأركب، ثم سقط ثانياً ميتاً، ولم يقابل أحداً من جماعته مثل ملك الأمراء، فلما سقط سنجقه تفرق عسكره، وبعده الأمير الكبير سودون العجمي، فلما سقط سنجقه تفرق عسكره أيضاً؛ وافتقد جماعات كثيرة، وولى الباقون منهزمين إلى حلب.
وأما سلطاننا فقطع رأسه ووجه إلى إصطنبول، كما قال لي المحب ناظر الجيش ؛ وجثته، قيل دفنت عندالشيخ دواد بأرض دابق، وقيل حملت إلى حلب، ودفنت بتربة له فيها، كانت قديماً، لما كان متولياً الحجوبية الكبرى بها، والصحيح أنه لم يعلم حاله.
وفي يوم الأحد ثالثه دخل غز كثيرون إلى دمشق، من عسكرنا المنكسر، وعدة أمراء؛ وغلقت أبواب البلد كلها، واستمرت مغلقة طول النهار، ودارت الزعر في البلد وضواحيها، وقتلوا خلقاً كثيرة، منهم في صالحيتها سبعة أنفس، منهم عبد الله عريف حارتنا، بعد أن كان تاب عن العريفية على يد الشيخ حسين الجناني.
وفي يوم الاثنين رابعه دخل دمشق محمد بن سلطاننا، ومعه الغزالي جان بردي نائب حماة، وأركماس أمير السلاح، سودون الدواداري، وعلان، وتقدمهم أبرك، والمباشرون: كاتب السر ابن أجا، ونائبه سيدي أحمد بن الجيعان، وابن الإمام ناظر الخاص، وتاج الدين بن الديوان بقلعة دمشق، والمحبي ناظر جيش دمشق، وأخبروا أن القصروي ناظر جيش مصر قتل، وكذا ملك الأمراء سيباي، والصحيح أنه لم يعلم حاله، وتبعهم القاضي الحنفي والقاضي المالكي المصريان.
وفي يوم الثلاثاء خامسه نودي لجان بردي الغزالي بدمشق بنيابة الشام، باتفاق جماعة من الأمراء الراجعين مع ولد السلطان إلى دمشق، في اصطبل دار السعادة، واتفقوا أيضاً على أن ولوا طرابلس، وصفد لشخصين آخرين، وخلع عليهم، ومشوا مع الغزالي إلى دار السعادة، ونادي بالأمان وفتحت أبواب دمشق بعد غلقها، وحرج على الغز أن لا يسافروا إلى مصر، حتى يأتي جواب طومان باي الدوادار الكبير من مصر.
وفي يوم الأحد عاشره وصل أدربش دوادار النائب سيباي، بعد أن كان جزم أهله والناس بقتله، راكباً حماراً مع بعض الفلاحين إلى قارا، وركب منها إلى دمشق فرسا، وفرح به أهله بذلك فرحاً شديداً، وأردبش هذا هو ناظر الخاتونية العصمتية، وخلع عليه الغزالي.
وشاع بدمشق أن ملك الروم سليم خان دخل قلعة حلب، وتسلم المال الذي بها، ووزنه، وأرصده، وأقام بالقلعة نائباً له، قيل بحضرة الخليفة والقضاة.
وفي يوم السبت سادس عشره وصل دوادار الغزالي إلى دمشق، بعد أن كان وجهه أستاذه إلى حلب، ليكشف خبر ملك الروم، وأخبر عنه أنه ملك حلب بأمان من أهلها، وكذا قلعتها. وقد كان نائبها تسحب مع العسكر المهزوم، وأنه بالتحقيق أخذ جميع ما فيها من المال، ويقال إنه مائة وثمانية عشر حملاً، خلا ما كان فيها قبل ذلك، وملكها لشخص من جهته.
ثم سد أبواب حلب خلا بابين، أحدهما من جهة الروم، والآخر من جهة دمشق؛ وسكن في القلعة، وعلى سور البلد أناس من رماة البندق، أخذ جميع ما فيها من الودائع عند أهلها للمنهزمين، وأحسن إلى فقهائها وفقرائها، ودهخل تحت طاعته نائب حلب خير بك، فأكرمه .
وفي يوم الأحد سابع عشره ولي الغزالي حمص وحماة لشخصين، وتوجه متسلمهما إليهما. وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره شاع بدمشق أن السلطان لم يمت، وأنه وصل إلى مصر ومعه سيباي، وفيه عرض العسكر بالمصطبة.

وفي يوم الأربعاء عشريه عزم أهل ميدان الحصى الغزالي، لوليمة صنعوها له، فذهب إليهم، وصحبته المحب ناظر الجيش. وفي هذه الساعة أتى اثنان حمويان إلى غلام مصري، كان أمرهما بالمعروف، فضرباه بخنجر بحضرة أهل السويقة المحروقة حتى مات، ثم هربا فعدا خلفهما جماعة فأدرك أحدهما وقتل.
وفي هذا اليوم جاء ابن الحنش إلى المزة، في جماعات من الخيل، حين طلبه الغزالي، وقد كان الغزالي مسك المقدم علاء الدين بن العماد المقدسي، الشهير بابن علاق، قبل ذلك، ونهب بيوته وأودعه في الحبس، فأرسل ابن الحنش يقول للغزالي: إن قطعت رقبة ابن علاق، العدو الأكبر لي، فأنا أدرك أمر ملك الروم من بلاد حماة إلى بلادي، على أن توليني نيابة حمص، فأمر بقطع رأس ابن علاق في الحبس، وأرسله إليه إلى المزة، ويقال إنه أرشا الغزالي على ذلك؛ ثم جاء ودخل دمشق، فألبسه الغزالي خلعة، وولاه ما طلبه، ثم ألبس الغزالي أيضاً، بعد ذلك، خلعة لصهر ابن الحنش، ابن جانباي البدوي أمير الشام، ودركه بلاد حوران والمرج.
وفيه رجع متسلماً حماة وحمص، منهزمين من ملك الروم، وأخبرا أن ملك الروم ولي فيهما متسملين من عنده، فانزعج لذلك، وتيقن المغلوبية، وجهز حريمه إلى مصر، وكذا غالب الأمراء بدمشق، وغالب القضاة - وفي يوم الخميس حادي عشريه أذن الغزالي للغز بالسفر إلى مصر بعد منعهم، فسافر خلق كثير منهم ومن غيرهم.
وفي يوم الجمعة ثاني عشريه خرج ابن سلطاننا من دمشق إلى مصر، ومعه جميع العسكر المنهزمين، والمباشرين المصريين، وامرأة نائب الشام سيبباي المقتول، وبنتها، وهي زوجة ابن السلطان المذكور، لكنه لم يدخل بها إلى الآن، وعن جنبتي المحارة لهما ماشياً: أدربش دوادار والدها، وتنم أمير آخور الكبير لوالدها أيضاً، ومعهما نساء كثيرات على جمال بمحاير.
وفي يوم السبت ثالث عشريه لحق من تقدم: تاج الدين بن الديوان، مباشر قلعة دمشق، في محفة، لكون رجله كانت مكسورة، وخرج معه حريمه وخلق من الشاميين، وتبعهم الغزالي بجماعته ملبسين هاربين، ويقال إنه خائف من الزعر، ثم إنهم واجهوه عند باب الجابية، أحد أبواب دمشق، وكان قدامه ماشياً شيخ باب الجابية المعقلي، فقتلوه وغمي عليه.
ثم داروا في البلد وقتلوا جماعات، منهم ابن الحنبلية فقتلوه في بيته، ويقال إنه يستحق القتل، وقد رأيته هد عدة مساجد وترب وباع آلتها وجعل نفسه شريفاً كما قدمناه، وهو ليس بشريف، فإنه ينتسب إلى المسند زين الدين عبد الرحمن بن يوسف الحنبلي الشهير قديماً بابن قريج، وحديثا بابن الطحان، وهو شيخ مشائخنا، ولم نر أحداً منهم، قال ولا كتب ولا أشار إلى أنه شريف.
ثم نهبوا بيت دوادار السلطان والحاجب وغيرهما، ثم ذهبوا إلى حارة السمرة، وأرادوا حرقها ونهبها، فالتزم بهم بعض القلعيين، ويقال إنه زقزوق، بألف دينار، فذهبوا عنها، ثم وقع بين أهل المزة وداريا شر عظيم واستوحوا أهل الصالحية عليهم، ثم انفصلوا عن غير قتال؛ ودار نائب القلعة في دمشق دورة بعد العصر، يخوف الناس، وبات أهل دمشق في خوف عظيم، من هؤلاء الزعر، ومن توجه ملك الروم إليهم.
وفي أوائل ثلث الليل الأخير من ليلة الأحد رابع عشريه وقع حريق في أعلى الجانب الشمالي من بيت فارس، قبلي حمام الزين، ومن ساكنيه الأكراد. وفي هذا اليوم ذهبت الزعر إلى القاضي الحنفي ابن يونس وراموا قتله، فاختفى منهم، فأرادوا الهجم على بيته، فرجعهم حريمه عنه بدفع عدة دراهم إليهم.
ومنه إلى القاضي الشافعي ابن الفرفور، فردهم عنه بجملة من الدنانير، ويقال إنها مائة دفعها إليهم، ثم استخدم عنده قواسة، ومسكوا القاضي ابن الفيقي فشلحوه ثيابه وجرحوا فرسه. وفيه أخرج من القلعة إلى عند ضفة الخضر، قدام باب الفرج، لأجل الحصار، عربة، وبات الناس في خوف عظيم مما تقدم.
وفي ليلة الثلاثاء سادس عشريه رأى شيخنا المحيوي النعيمي في المنام قائلاً يقول: فرغت البيعة، أو فرغت بيعتهم، ولم يخطر بباله من هم، حتى استيقظ وظن أنهم الترك. وفي اليوم المذكور وصل شخص من أهل حمص، وأخبر أن العسكر الرومي وصل أوائله إلى حمص.

وفي يوم الخميس ثامن عشريه وصل متسلم ملك الروم إلى القابون الفوقاني، واسمه مصلح ميزان، ثم وجه اثنين من الخاصكية، ومعهما السمرقندي، ويونس العادلي، وابن عطية التاجر إلى دمشق ليكشفوا هل يسلمون أم يقاتلون؟ وقد كان اجتمع قبل هذا اليوم شيخنا عبد النبي، والشيخ حسين الجناني، والشيخ مبارك القابوني، وخلق، في المصلى بميدان الحصى، واتفقوا هم ومشائخ الحارات على تسليم البلد، فتلقت الخلق لهذين الخاصكبين، ومن معهما، مع تهليل ومشاعلي ينادي بالأمان، إلى أن وصلوا إلى باب الفرج، فوجهوا الأمير إسماعيل بن الأكرم إلى نائب القلعة، فامتنع من تسليمهما، فسلمتهم الناس البلد، ودخلوا إليها، وفتحوا أبوابها، وكان لها من يوم السبت مغلقة.
ثم وجهوا إلى المتسلم إلى القابون ابن قرقماس فأخبره ذلك، فدخل ومعه نحو من مائتي نفس، فأنزل ببيت أردبش، شمالي المدرسة العزيزية، ثم إنه أرسل قفل أبواب البلد، وحط عند كل باب بعضاً من جماعته، وجاء إلى الجامع الأموي، ومعه القضاة الأربعة الشاميون، والشيخ عبد النبي، وكتبوا يعرفون ملك الروم بما وقع، لينادي في عسكره بعدم الأذية وأرسلوا إلى كل حارة من حارات دمشق، كالصالحية، اثنين من جماعته ليدفعوا عن تلك الحارة من يؤذي من العسكر، ففرح بهم العوام.
وفي يوم الجمعة تاسع عشريه دخل دمشق خير بك، المعزول عن حلب، وهو محلوق اللحية، وعليه لبس العثمانية، ومعه يونس العادلي أحد المباشرين بمصر، والمتسلم الجديد مصلح ميزان، وأتوا إلى علي باي نائب قلعة دمشق وتحادثوا، ثم خلع نائب القلعة على المتسلم الجديد .
ثم دخل نائب الشام الجديد من قبل ملك الروم سليم خان، واسمه يونس باشا، ونزل بالمرجة، غربي الميدان الأخضر، فأتى إليه خير بك المذكور، ثم عاد إلى نائب القلعة وأخذه، وذهب به من القلعة إلى نائب القلعة و على زيهم بكفوف ذهب، وألبس لجماعته لكل واحد منهم خلعة، وعادوا إلى القلعة، بعد أن اتفق النائب الجديد، مع نائب القلعة، على أن يمسكها إلى أن يحضر السلطان .
ثم في يوم الجمعة خطب على منبر الأموي الولوي بن الفرفور باسم ملك الروم، وكذا في سائر الجوامع .
ثم تتابع دخول العسكر، فذهب بعضهم ونزل على أناس خارج دمشق كرهاً، فذهبوا إلى نائبها واشتكوا عليهم، فجاء ربطهم في حبال، ثم ذهب بهم إلى ضفة الخضر وضرب أعناقهم، فارتدع بقية العسكر بهم .
وتوجه شيخنا عبد النبي والشيخ شمس الدين الكفر سوسي إلى ملاقاة ملك الروم، ومعهما جماعة فلم يجتمعوا به .
ثم جاء قاضٍ حنفي من قبل ملك الروم، وهو علي زين العابدين بن الفنري، ونزل في بيت الولولي بن الفرفوري، فأتى إليه بمشروب، فلم يشربه، وبمأكول، فلم يأكله؛ ثم ولى من تحت يده الشمس بن البهنسي الحنفي، والشهاب الرملي الشافعي، والشمس بن الخيوطي المالكي، وتعاطى الحسبة، ثم حصر الشهود في ثمانية في جميع البلد، وألزمهم أن لا يشهدوا إلا ببابه بدرهم معين، وهو على الورقة غير ورقة العقد خمسة وعشرون درهماً، منها عشرون له، ودرهم للنائب الذي يحمل تلك الورقة، وأربعة للشهود ثم زادوا ذلك درهماً للمحضر؛ وعلى ورقة العقد إن كانت بكرا مائة وإن كانت ثيباً خمسة وسبعون، وما زاد على الخمسة والعشرين يكون للصوباشي. وجعل إمامة الجامع الأموي للقاضي شهاب الدين الرملي المذكور .
وفي بكرة يوم السبت مستهل رمضان منها، وصل ملك الروم سليم خان بن بايزيد خان بن محمد خان بن مراد بك بن محمد بن يايزيد بن مراد بك بن أردخان بن علي بن سليمان بن عثمان، وعثمان هذا من مماليك أحمد بن طولون صاحب مصر، وقيل من مماليك المأمون إلى المصطبة لصيق القابون الفوقاني، في عساكر عظيمة لم نر مثلها، ويقال إن عدتها مائة ألف وثلاثين ألفاً، ما بين أروام وأرمن وتتر وسوارية وإفرنج وغير ذلك .
وقدامه ثلاثون عربة، وعشرون قلعة على عجل، يسحب كلاً منها بغلان؛ ولما أطلقوا البارود في المصطبة، ظنت أهل دمشق ان السماء انطبقت على الأرض، وخلفهم النايات والطبول النقارة، وخلفهم المشاة رماة البندق، وخلفهم الخنكار الملك المذكور، وخلفه السناجق والطوخان والعساكر على حسب طبقاتهم .

ولما نزل لم يجتمع به أحد، ولكن قضاة دمشق الأربعة كانوا باتوا تلك الليلة عند القاضي كريم الدين بن الأكرم، ثم سروا من عنده، فاجتمعوا في الدرب بقاضي العسكر، فجاء بهم الخنكار، فباسوا يده، الشافعي، ثم الحنفي، ثم المالكي، ثم الحنبلي، ثم قرأوا الفاتحة ومشوا؛ ثم جاء السيد كمال الدين بن حمزة، ومعه جماعة من الشرفاء، ففعل بهم كذلك، ولما نزل جاء نائب القلعة الدمشقية إليه وسلمه مفاتيحها، فقبض عليه وعلى جماعته .
وفي يوم الأحد ثانيه جاء دفتردار الخنكار إلى عند المحب ناظر الجيش، وطلب مباشري الترك السمر، وطلب منهم حسابهم فيما مضى في الدخل والخرج من جهاتهم .
وفي يوم الاثنين ثالثه جاء قاضي العسكر الأكبر، ركن الدين بن زيرك، إلى الجامع الأموي، واجتمعت به ثمة، وفرق دراهم .
وفيه نودي للحج بالتأهب له، وضبطت عدة البيوت والدكاكين وسكانها داخل دمشق، بإشارة قاضي البلد الرومي .
وفيه ذهبت إلى وطاق الخنكار، قاصداً الاجتماع بالمدرسين الذين معه، ويقال إن عدتهم ستة وثلاثون مدرساً حنفياً، فلم يتيسر ذلك لعدم المعرفة بلسانهم؛ فدرت فيه، فذهلت من كثرته، وتعجبت من الأسواق التي فيه، وقلما تروم شيئاً إلا تجده فيها، وهي سائرة معه من بلاده؛ فمن صنف اللحامين خمسة عشر قالياً للحم، ومثلها من الطباخين لعدة ألوان، ومثلها حكماء، ومثلها جرايحة، ومثلها بياطرة، ومثلها أساكفة، ومثلها حدادون، ومثلها علافون، وهذه الاعداد تقريباً، وغالب ظني أنها أكثر من ذلك، إلى غير ذلك من السوقة .
ثم ذهبت إلى العربات والقلاع، فتفرجت فيها، ولم أرها قبل ذلك، فإذا هي أمر عجيب تدل على تمكنه؛ والعربات مجنزرة، بعضها في بعض، بحيث إذا صفت تكون كالسور، وكل عربة ترمى بندقة ملء كف الرجل من رصاص، ولهذا البندق صندوق تحتها، وهي مركبة عليه في طول الشخص .
ثم ذهبت إلى مخيم الخنكار فلم أمكن من القرب به، وتفرجت على طبوله فإذا كل طبل قدر حمولة رجلين، يحمل كل اثنين منها على جمل؛ ومخيمه على نفس المصطبة، والعسكر بالبعد منه قدر رمية حجر من كل جانب، وهم محتاطون به كالسور على البلد .
ثم مررت على المقدم ناصر الدين بن الحنش، فإذا به قد ألبسه باشاوات الخنكار خلعة، وأعطوه سنجقاً، وزادوه على التقدمة إقطاع الأمرية الكبرى بالشام، وإقطاع نوى، وإقطاع ذخيرة ابن السلطان، وألزموه بإحضار العرب، فالتزم ذلك .
وفيه دخل الخليفة وقضاة مصر، خلا الحنفي، فإنه ذهب مع المنهزمين إلى مصر من حلب إلى الصالحية، وهم في حال رثة؛ ثم نزل الخليفة داخل دمشق، والقضاة بالصالحية، والخنكار بعسكره في المصطبة؛ وقد امتلأت دمشق ونواحيها من عسكره .
وفيه شاع بدمشق أن المصريين سلطنوا قانصوه الظاهر، خال الناصر .
وفي يوم الخميس سادسه دخل الخنكار من المصطبة إلى حمام الحموي، الكائن بعمارة السلطان قايتباي، بمحلة مسجد القصب، ودخله وأعطى لمن حلق له خمسمائة درهم، ولمعلم الحمام مثلها، ونودي له بمعلم الحمامين؛ وكان قدامه من الخاصكية جانب كثير، وخلفهم رماة البندق، وخلفهم الشاووشية، ثم هو، وخلفه مملوكان أمردان بشعور، لابسين على رأسيهما كوفيتين من ذهب، وخلفهما جمع من عسكره؛ وكان قبل دخوله بلحية لطيفة، فلما خرج من الحمام رأيناه قد حلقها كغالب عسكره؛ ثم ركب ورجع إلى المصطبة .
وبلغني في هذا اليوم أن شيخنا عبد النبي، وهو من عصبيته، أنكر عليه في أنه ذهب هو وجمع من الطلبة والعلماء فلم يجتمع عليهم، وجاءت الإفرنج وقنصلهم فاجتمع بهم .
وفي يوم الجمعة سابعه أتى الخنكار من المصطبة إلى الجامع الأموي، ودخل من الباب الشمالي المسمى بالناطفانيين، ثم من باب جب الهريشة، إلى تحت النسر، إلى المقصورة بعد صلاة الجمعة بها، وأبوابها مغلقة .
وكان الخطيب القاضي الشافعي الولوي بن الفرفور أجاد في خطبته، واستطرد في الخطبة الأولى إلى ذكر السبعة، الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم الإمام العادل، وطبق ذلك على ملك الروم الحاضر مسجعاً؛ وذكر في الثانية نسبه باختصار عند الدعاء له، ولقبه بالملك المظفر، وصرح بأنه سلطان الحرمين الشريفين .

وقبل الخطبة قرأ مؤذنو الجامع المذكور بحضرته عشراً من القرآن، بعد أن قرأوا سورة الكهف قبل مجيئه؛ ثم قرأ الحافظ التبريزي، أحد الجماعة الذين كانوا بها، لما استولى عليها بعد كسرة الخارجي إسماعيل الصوفي، عشراً من سورة مريم، بصوت لطيف على طريقة العجم .
ولما فرغت الصلات سكت المؤذنون حتى سنن جميع الناس، كما هو مذهب الحنفية، ثم سبحوا بعد ذلك ودعوا ثم انصرف الخنكار، وانكبت الخلق عليه للفرجة، وخرج من المكان الذي دخل منه، وأرسل للخطيب ... ومثلها للمؤذنين، ومثلها لأئمة الجامع المذكور، وألفاً لبواب المقصورة، ومع ذلك مائة رأس من الغنم، اقتسموها، ثم ذهب إلى المصطبة .
وبلغني في هذا اليوم أن ...سة كتب مطالعة على لسان الخنكار للمصريين، ذكر فيها أن لكم الأمان إن سلمتم لنا مصر، وأنتم على وظائفكم وأنا أكسو الكعبة، وأولي في البلاد والقلاع من أختار، وإن لم تسلموا فإنا نأتي إليكم، ولم يأت لذلك جواب شاف من مصر .
وفيه بلغني أن أهل قلعة مدينة صفد أرسلوا مفاتيح القلعة إلى الخنكار .
وفيه قرط قاضي البلد الرومي على أرباب الوظائف الدينية بالمشاعلية، في إحضار مستنداتهم، فجاء بها بعضهم، فنقلها عنده بلسانهم، وأخذ من صاحبها خمسة وعشرين درهماً، وكتب عليه نقل، ووجه صاحبها بها إلى قاضي العسكر ليمضي له ذلك، فإذا رآه وضع رسمه عليه، وتكلف صاحبه مائة درهم أخرى، هذا إن كان المستند غير مستند نظر، وإلا فيحتاج فيه هنا إلى كلفة خمسمائة درهم، كذا قال لي بعض المعدلين .
وفيه شرع الدفتردار يتطلب المربعات للإقطاعات حتى ينظرها، ليتوصل بها إلى أخذ أجودها .
وفي يوم السبت ثامنه خلع الباشوات على نقيب الجيش، العلاء بن طالوا، خلعة على زيهم، ولف عمامته على زيهم من المصطبة، وكذلك للأمير محمد بن يزبك، وللأمير محمد بن مبارك، وجماعته .
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره هرب هؤلاء الذين لبسوا الخلع من دمشق دغشة، وهجمت العساكر عليه، وعلى ضواحيها، للسكنى بها، فأخرجت أناس كثيرة من بيوتها، ورميت حوائجهم ومؤنهم، وطرح جمع من النساء الحبالى، وحصل على الناس شدة لم تقع لأهل دمشق وضواحيها قط، حتى سافر من له قدرة، وبعضهم سكن الجوامع والمدارس بحريمهم، وأخرجت من بيتي ورميت كتبي، ولم يوقروا أحداً، لا صغيراً ولا كبيراً، ولا أهل القرآن، ولا أهل العلم، ولا الصوفية، ولا غيرهم .
واستمر الأمر هكذا إلى يوم الخميس ثالث عشره، فنزل السلطان إلى دمشق، وسكن في بيت تنم غيبة سيباي، الذي سافر إلى مصر، خلف المدرسة النورية الكبيرة، وجعل قيسارية القواسين مطبخاً له، ورحل أهل تلك المحلة كلهم، وكان قدامه أرباب الوظائف، ثم رماة البندق، وخلفه أمردان بشعور مسبلة وكوفيين من ذهب، وخلفهم مماليكه، ثم مائة أمرد، ثم العربات والقلاع، ثم الحمول .
وخف الحال عن الناس في النزول في البيوت، ونزل من بقي من العسكر في الخميسيات، وعين الكرشى، والمرجة، وغير هذه الأماكن، وهم مع ذلك يفتشون البيوت للنزول فيها؛ وكان سبب التخفيف أن متولي الشام مسك شخصاً منهم هجم على امرأة في بيت، وضرب عنقه، وأشهره على رأس رمح في ضواخي دمشق؛ على أن بعضهم جعل مصلى العيدين خاناً للإبل والخيل والبغال، حتى خيام الخلاء لقضاء حاجتهم، وأن بعض جماعة الخنكار جعل المدرسة العذراوية صيرة لغنمه .
وفي يوم الأربعاء ثاني عشره وجه الخنكار نائب القلعة، ونقيبها ودوادار السلطان، في أناس عدتهم ستة عشر نفساً، إلى مدينة اصطنبول، منفيين مع جماعة من الأروام في الترسيم؛ ففهم بعضهم من نائب القلعة أنه أرسل إلى أناس من التركمان ليخلصوهم، فجاء إلى الخنكار وأخبره بذلك، فأرسل ذبحه، وجماعة معه، بجنينة من ضواحي قرية حرستا خارج دمشق، ويقال إن سبب ذلك مطالعة جاءت من العسكر للمصري إليهم؛ ووجه بقيتهم إلى اصطنبول .
وفي يوم الجمعة رابع عشره تسلطن طومان باي بمصر، غصباً عليه، ولقب بالملك الصالح .
وفي يوم السبت النصف منه، تولى بمصر نيابة دمشق، جان بردي الغزالي .
وفيه فرق الخنكار على جميع أئمة الجوامع والمساجد والمدارس، ومؤذنيهم وخطبائهم وقومتهم وسكانهم، مالاً كثيراً، وأكثر ما ناب الشخص منهم مائة درهم في دمشق وضواحيها كالصالحية، واستمروا في التفرقة نحو ثلاثة أيام .

وفيه ذهب إلى الربوة وتفرج بها، وعاد على النيرب الأعلى، ونزل على الجسر الأبيض، إلى منزله بيت تنم، الذي كان بيت سودون من عبد الرحمن نائب الشام .
وفيه عزل عن نيابة دمشق يونس باشاه، وولى مكانه الأمير شهاب الدين أحمد بن يخشى، وولي نيابة القلعة للأمير حمزة الرومي؛ وذكر لي شيخنا المؤرخ النعيمي أنهما وليا يوم الخميس ثالث عشره .
وفي ليلة الاثنين سابع عشره جاء الخنكار نحو نصف الليل إلى الجامع الأموي ليتأمله، فدخل إليه من باب البريد في أناس قليلة، وصلى بالمقصورة، وقرأ في المصحف العثماني، وزار قبر رأس سيدنا يحيى بن زكريا عليهما السلام، ثم قبر هود عليه السلام، ثم صعد المنارة الشرقية .
ثم جار إلى الكلاسة، فزار بها شخصاً صوفياً يقال له الشيخ محمد البلخشي الصوفي الحنفي، وهو لا بأس به، إلا أنه يقال إنه عربي، ثم مشى مع الخنكار إلى داخل الجامع وجلس معه ساعة، وأعرض عليه الخنكار دراهم، فأبى أخذها. ويقال إنه وصاه بالرعية؛ وفرق على فقراء الجامع في هذه الليلة مالاً كثيراً، حتى وصلت عطيته إلى نحو العشرين أشرفياً؛ واجتمع عليه الناس لما خرج من باب البريد، فرمى لهم الدراهم بالجفنة، فاشتغلوا بها، وانصرف عنهم .
وفي هذا اليوم أرسل الخنكار من دمشق، إلى بلاد ابن ساعد، يونس باشا، ومعه يونس العادلي، وأربعة آلاف مقاتل .
وفي يوم السبت ثاني عشريه ركب الخنكار من منزله، وخرج إلى قبة يلبغا متفرجاً، ثم رجع وقت الظهر، وكان بالأمس صلى الجمعة بالجامع الأموي .
وفيه بلغني أن الدفتر دار، النازل عند المحبي ناظر الجيش، كتب إلى كل عشر قرى مرسوماً على يد قاصد، بإحضار رؤسائها وأكابرها ومعهم الخدم، فحضروا، فطلب منهم مغل هذه السنة، فتضرر أهل القرى وأربابها بذلك، فكتب القاضي كريم الدين بن الأكرم قصة، ذكر فيها أن بعض هذه الضياع ملك وبعضها وقف، وبعضها إقطاع سلطانية، وبعضها إقطاع الأمراء الجراكسية، وسأل فيها، على لسان أهل دمشق، عدم التعرض لما عدا إقطاع الأمراء الجراكسة .. سنان باشا الوزير الأكبر، وكان قبل هذا قد تعرف به وأهدى له تحفاً، منها مصحف، يقال إنه بخط علي رضي الله عنه، وسيف، يقال إنه كان له أيضاً، وكل ... العلامة القزويني، وركب إلى غيره من الوزراء الثلاثة، وسألهم في تكلمة السلطان في ذلك، وعدم التعرض لأرزاق الناس، فإنه في غنية عنها، في ... بعض الجهات، مع كلفة عليها، بعد إحضار مستنداتها الدالة على الملكية والوقفية الأهلية، وأما الرزق والإقطاع السلطانية فاستمروا ... وصمموا على عدم عودها إلى أهلها، والله مقلب القلوب .
وفي يوم العيد وهو يوم الاثنين مستهل شوال منها، صلى الخنكار العيد بالجامع الأموي و ... الولوي بن الفرفور القاضي الشافعي كان، ولكنه صلاها على قاعدة مذهب أبي حنيفة، بعد أن تأخر الخنكار في مجيئه إلى أن ارتفع النهار كثيراً، واحتفل ... في هذا العيد احتفالاً عظيماً، حتى أحضر حلل الحلوانية وغيرهم للطعامات، وأطعم بعض الفقراء وغالب عسكره .
وفي يوم اللثلاثاء تاسعه عزم الخنكار على هدم ما حوالي القلعة الدمشقية، وسور البلد، من البيوت والدكاكين، كما فعل بحلب، وقال للمعلم أحمد بن العطار: اذهب فانظر ما فيها من الأملاك والأوقاف، فقومها حتى ندفع إلى ملاكها ثمنها وتستبدل عوض الأوقاف؛ فذهب قومها، ثم جاء فرأى ذلك يساوي مالاً كثيراً وبقال إن التقويم كان بمائة وخمسين ألف دينار فرجع عن ذلك، وقال: أنا ما جيت إلا أعمر، وما جيت أخرب .
وحينئذ رفع له قصة بالشكوى الدفتردار النازل في بيت المحبي ناظر الجيش، بسبب تعرضه إلى القرى، فعزله، وجعل أمر إقطاع الأمراء ونائب الشام إلى حسين باشاه، فطلب مباشري هؤلاء إلى بابه، وأمرهم بمباشرة ما كانوا فيه عند الأمراء والنائب .
وفيه عرض عليه ثوب الكعبة، مع طرازه المكتتب عليه اسمه واسم آبائه، وثوب المحمل، وقد عمله من قماش كفاوي، والصنجق .
وفيه عين لبيت المقدس وغزه وما حواليها، من عساكره الرومية، عشرة آلاف، للتوجه إلى تلك الأماكن ليمسكوها، خوفاً من أن يسبق إليها العسكر المصري، ويقطعوا على جماعته المعينين للتوجه إلى مكة المشرفة صحبة الثوب المذكور والحاج .

وفيه قبض على يونس العادلي وسلمه إلى البواب، وقيل إنه إذا سلم إليه شخصاً أتلفه؛ ويقال إن سبب ذلك أنه علم بعبد الكريم بن الجيعان، أحد المباشرين بمصر، أنه كان مختفياً بدمشق، ثم سافر منها إلى القاهرة، ولم يطلعه على ذلك، وهذه البهدلة حصلت ليونس عقيب مجيئه من بلاد ابن ساعد، ثم أطلق قريباً كما سيأتي .
وفي يوم الأربعاء عاشره وقع بين الأروام وبعض الشافعية، بسبب تقدم الشافعية على إمام الحنفية أمين الدين بن شيخنا البرهاني بن عون، بسبب تقدمه إمامهم البرهاني بن الإخنائي في الصلاة قبله في محراب الحنفية بالجامع الأموي؛ ثم منعت الأروام من صلاة الشافعية في المحراب المذكور، ونقلوا البرهاني المذكور إلى محراب المقصورة، وألزمت مباشري الجامع بعمل سدة تجاه محراب الحنفية، وعينت له مؤذنين، جوقا، كما يقع في مقصورة الشافعية بعد أن هددوهم بإخراجهم منه، ووضع الحنفية فيها، وما منع ذلك إلا خوف الفتنة؛ ثم عوضوا عن السدة بدكة جيء بها من عند القاضي خير الدين المالكي، كان يجلس عليها شهوده؛ وفي يوم وضعت كتب عليها بيتان هجوا، ويقال إنهما من نظم القاضي تقي الدين القاري، فعارضتهما بأبيات ذكرتها في الديوان الصغير .
وفي يوم الخميس حادي عشره توجه أول العشرة آلاف المعينة للتوجه إلى بيت المقدس وغزة وما حولهما، ومعهم نواب تلك الأمكنة، وقضاتهم من قبل ملك الروم، واستمروا ينجروا ثلاثة أيام .
وفي يوم الأحد رابع عشره نودي في البلد بان تحضر أهل الحارات إلى الجامع الأموي، مشائخهم وأعيانهم، فحضروا ثاني يوم، وهو يوم الاثنين، ففرض على كل حارة عدة فعلة، وكذا على النصارى واليهود، ليوجهوا إلى تعزيل وعرة سعسع، والدرب، إلى جسر يعقوب، فما وسع الناس إلا امتثال ما أمر به، وسعوا في تمام ذلك، وجعلوا لكل فاعل في كل يوم عشرة، فبلغ ذلك شيخنا عبد النبي، فمشى إلى قاضي البلد وأبطلها، وثم تبيت من نائبها أحمد بن يخشى عدم إبطالها، وأخذت وتوجهت يوم الأحد ثاني عشريه .
وفي هذه الأيام عمرت الغورية عمارة حسنة، ودخل إليها الخنكار وجلس بها، وجعل بها صناديق المال .
وفي يوم السبت سابع عشريه وضعت الدكة، بفتح الدال، لمؤذني إمام الحنفية، تجاه محرابهم، المتقدم ذكرها .
وفيه أطلق يونس العادلي بضمان عشرة، واعتقل المحبي ناظر الجيش، على سبعين ألف دينار، بقلعة دمشق في قيد وزنجير، وهي القدر الذي كان ترتب لسلطان مصر الغوري عنده .
ومات بالصالحية نائب برصة، وطلعت الأروام إلى مآذنها وصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، على طريقتهم وأعلموا بموته؛ فاجتمع له خلق كثير، وصلي عليه بجامع الجبل المظفري، ودفن شمالي المحيوي بن العربي، بتربة ابن الزكي، بسفح قاسيون؛ وفرق عنه دراهم كثيرة، وقرأوا عنده الربعة ثلاث ليال .
وفي يوم الأحد ثامن عشريه سلم شيخنا المحيوي النعيمي على ملك الأمراء الرومي شهاب الدين أحمد بن يخشى، في خيمته شمالي مصلى العيدين، فرآه محتشماً، وروى له عدة أحاديث، وذكر له أشياء من التاريخ، فاستحسن ذلك، وسأله في التردد إليه فوعده بذلك .
وفي يوم الاثنين تاسع عشريه أتت الفعلة المعزلين للدرب .
وفي يوم الاثنين سادس ذي القعدة منها وهو أول كانون الأول، سافر الوزير الأعظم سنان باشا، قيل بأربعة آلاف فارس، من دمشق، قيل إلى غزة، ثم قيل للسعي في الصلح، وقيل للقتال .
وفي هذه الأيام شرع الخنكار في عمل قرب الماء والروايا بالكلاسة .
وفي يوم الخميس سادس عشره عرض عسكر الخنكار عليه .
وفيه أطلق المحبي ناظر الجبيش من القلعة، بضمان أربعة هم: القاضي الولوي بن الفرفور الشافعي، وولد ولده منصور، ونقيب الأشراف التاج بن الصلتي، وقريبه .
وفيه طلع قاضي العسكر ركن الدين إلى الصالحية، وزار بها قبر المحيوي بن العربي، وأخذ معه من تراب قبره، وأحسن إلى خادمته أم محمد؛ ثم جاء بعده الخنكار فزاره أيضاً، ثم فرق دراهم كثيرة على أهل الصالحية، عند قبره وخارجه؛ ويقال إنه في هذا اليوم زار غالب مزارات دمشق كبرزة، والشيخ رسلان،، وباب الصغير، وفرق دراهم عند كل منها؛ وسبب ذلك أنه جاءته البشارة بأخذ عسكره لبيت المقدس وغزة وما حولهما، فعزم على التوجه خلف عسكره لأخذ مصر من أيدي الجراكسة، فأراد التوديع لمآثر دمشق .

وفي يوم الجمعة سابع عشره نقلت الشمس إلى برج الجدي .
وفيه صلى الخنكار الجمعة بالجامع الأموي، ولم يؤذن قدام الخطيب سوى مؤذن ... .
سنة ثلاث وعشرين وتسعمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عبد الله بن المستمسك بالله أبي الصبر يعقوب العباسي؛ وسلطان مصر وما معها الملك الصالح طومان باي؛ وسلطان دمشق والشام والروم وما مع ذلك الملك المظفر سليم خان بن عثمان؛ ونائبه بدمشق شهاب الدين أحمد بن يخشى؛ وبقلعتها الأمير حمزة الرومي .
والقاضي بها زين العابدين بن الفنري الرومي الحنفي، ونائبه من الحنفية شمس الدين بن رجب البهنسي، ومن الشافعية القاضي شهاب الدين الرملي، ومن المالكية شمس الدين الخيوطي، ولم يول من الحنابلة أحداً إلى الآن، وسيأتي أنه ولي منهم شهاب الدين أحمد بن البغدادي، وقد ألزمهم القاضي زين العابدين بالاجتماع كل يوم بالمدرسة الجوزية المسماة الآن بدار الحكم، وعندهم شهود المجلس الثمانية، ومنع غيرهم من شهود البلد من الشهادة، وعقود الأنكحة، وتضررت شهود البلد بذلك تضرراً زائداً، وهم ماشون على اليسق، وهو على كل مستند خمسة وعشرون درهماً، ودرهم للمحضر .
وفي يوم الجمعة مستهل المحرم منها، وقع بصفد مقتلة عظيمة، سببها أن بعض العيق بلغه كسر ملك الروم، فحمل السلاح ودار في البلد يفتش عن العثمانية ليقتلهم، فصدف شخصاً منهم، فقتله فثارت الفتنة بين العثمانية والعيق، وفر نائب البلد الرومي إلى قلعتها بمن معه، وتحصنوا بها .
وفي يوم الأحد، عاشوراء، وردت مطالعة من المقدم ناصر الدين بن الحنش إلى المحبي ناظر الجيش، مضمونها أن العثمانية كسرهم العسكر المصري، ومسك سلطانهم سليم خان .
وفيه، وهو أول شباط، كثرت الأمطار؛ والحال أن الأسعار غالية، فالقمح الغرارة بنحو أربعمائة درهم، والشعير بنحو الثلاثمائة وستين، واللحم الضأن رطله بعشرة، والمعز والبقر بثمانية، والسمن بثلاثين، والعسل بثمانية عشرة، والزيت بخمسة عشر، والسيرج بثمانية عشر، والدبس بسبعة، والأرز بستة، والفحم بخمسة، والحطب بدرهم، والقماش بأنواعه غال .
وفي يوم الجمعة ثاني عشريه وردت مطالعة من العلاء بن طالوا نقيب الجيش، إلى الشيخ عبد النبي، مضمونها الإنكار عليه بمساعدة العثمانية، وتأييد ملكهم، مع كونه خارجياً، ولوح بأنه مسك وبالغ في انتقاضه، فأظهرت المطالعة الشيخ عبد النبي، فكثر الهرج والمرج في دمشق، وتحركت بعض زعر الحارات، وقتلوا بعض أعوان الظلمة الجراكسية، وتقصدوا جماعة العثمانية، فحين بلغهم ذلك دخلوا وسكنوا داخل البلد مع نائبها وحصنوا القلعة.
وفي ليلة الأربعاء ثالث عشره كثر المطر، فوقعت عدة بيوت وطباق قبلي التربة التغرورمشية، بسبب كثرة الزيادات في الأنهار .
وفيه دخل إلى دمشق جماعات من الأروام، من حمص وغيرها.
وفي يوم الأحد رابع عشريه نودي على لسان النائب: من كان عنده أو في محلته نحس أو عوان، فليعلم به .
وفيه قبض الرجل المجرم من ميدان الحصى، المعروف بقصرمل فخوزق .
وفي هذه الأيام زاد كثرة الكذب على ملك الروم، وقيل إنه رجع من الصالحية إلى بلد لد، بعد أن واقع المصريين وانكسر، وقتل من جماعته خلق كثيرة.
وفي يوم الاثنين سادس عشريه انتقل النائب إلى بيت خشقدم، استادار سيباي الهارب إلى عند المقدم ابن الحنش، مع وجود ثلج كثير .
وفي يوم الثلاثاء سابع عشريه عرض النائب، ونائب القلعة، والقاضي الرومي بالميدان، وتحت القلعة، خوفاً مما شاع بدمشق وغيرها، من كسر ملك الروم أو قبضه .
وفيه دخل إلى دمشق من عند الخنكار الخواجا ابن النيربي، وليس معه علم مما جرى له مع المصريين .
وفي يوم الأربعاء ثامن عشريه توفي الرجل التاجر كان، المتمصلح الحاج حاتم الجرباوي البغدادي الدمشقي العاتكي، ودفن بمقبرة مسجد الصالح .
وفي يوم الأحد مستهل صفر منها، أهلك النائب جماعات من المجرمين الزعر القاتلين؛ والحال أن الخوف من النهب متزايد، وغلقت غالب الحمامات لقلة الذبل، والحال أن البرد متوافر، وصار لا يوقد في الحمامات المفتوحة إلا عظام فطايس الأروام من العسكر الذين ذهبوا إلى مصر، وقد أنتنت ضواحي البلد منها .

وفي يوم الثلاثاء ثالثه وردت مطالعة من المقدم ناصر الدين بن الحنش، فيها أن ملك الروم انتصر على الجراكسة المصريين؛ ثم بعد ساعة من النهار ورد قاصد من عند ابن طربية، أمير الدربين، معه مرسوم وصل إليه من ملك الروم ابن عثمان، مكتتب في منزلة بولاق خارج القاهرة، مؤرخ بيوم الأحد عاشر المحرم، وفيه أن ابن عثمان دخل مصر يوم الثلاثاء خامس المحرم، ووقع القتال بينه وبين الجراكسة يوم الأربعاء والخميس والجمعة .
وفي آخرها ليلة السبت فرت الجراكسة بعضهم إلى الصعيد، وبعضهم إلى البحر، وبعضهم إلى جهة الشام، مكسورين، ثم التحريض على ابن طربية في مسك من يظفر به بالدرب من الجراكسة، ثم إن كان من الأعيان جهزه إلى القاهرة، وإن كان ممن دونهم أجهز عليه إن كان مجروحاً وإلا قتله، فشكك الناس في هذا المرسوم .
وفي يوم الجمعة سادس صفر وردت مراسيم على يد أربعة من الهجانة بنصرة ابن عثمان على الجراكسة، وأخذه للقاهرة بعد قتل كثير في الفريقين، وفي العوام، بسبب مساعدتهم للجراكسة، وحرق ونهب، وأن الجراكسة كانت دربت أبواب القاهرة وأزقتها بالخنادق والمكاحل والسد؛ فأخذ نائب حلب خير بك لملك الروم من موضع نفذ منه في أفقية الجراكسية ففروا .
وفي يوم السبت سابعه قرئت هذه المراسيم، ودارت مبشرو الأروام على بيوت الأكابر والحارات، بالطبول والنايات، وأطلقوا نفطاً كثيراً في قلعة دمشق، ولطخوا غالب أهل البلد بالزعفران، والأشراف منهم وضعوا لهم رنوكاً صفراً ونادوا بالزينة، فزينت البلد، واطمأنت الناس، ولكن الأروام غالبهم اغتم بسبب قتل جماعة من أعيانهم، منهم سنان باشا الوزي الأعظم، واستمرت الزينة سبعة أيام .
وقد عرب موقع دوادار السلطان، شمس الدين الحلبي، المرسوم الذي جاء للنائب، والقاضي بالبلد، بقوله : " قدوة الأمراء الكرام، وعمدة الكبراء الفخام، ذو القدر والاحترام، كافل مدينة الشام، دام عزه، وأقضى قضاة المسلمين، أولى ولاة الموحدين، معدن الفضل واليقين، حجة الحق على الخلق أجمعين، مولانا قاضي القضاة بالشام المحروس، أبدت فضائله مرسومنا هذا، يوضح لعلمهما الكريم، أننا توكلنا على الله سبحانه، وتوسلنا بسيد الكائنات، محمد صلى الله عليه وسلم " .
" وتوجهنا بعساكرنا وصناجقنا وأعلامنا وجيوشنا وخيولنا السابقات الصافنات، وقسينا الصائبات، ورجالنا المرصدين لصيد اعدائنا، مع هداية الله تعالى، من الشام مع السعد والظفر إلى جهة مصر، فوجدنا طومان باي، الذي تولى سلطنة مصر، وأقام جان بردي الغزالي كافلاً للشام، وجهزه إلى غزة، وصحبته فرقة من العساكر المصرية " .
" وكان قد تقدمنا قدوة الوزراء العظام، وعمدة الكبراء الفخام، الغازي في سبيل الله، المجاهد لوجه الله، الوزير الأعظم سنان باشا، إلى جهة غزة، فوقع بهم، والتحم بينه وبينهم القتال العظيم، فبعون الله تعالى وسعادتنا الشريفة، حصل له النصر والظفر، وقتل منهم من قتل، وأسر منهم من أسر، ومن سلم من سيفه فر منهزماً صحبة الغزالي المذكور إلى مدينة مصر " .
" ثم إن ركابنا الشريف جد في السير، في السعد والإقبال، بعساكرنا وجنودنا، واجتمع بنا سنان باشا المشار إليه، وصرنا نرحل من مرحلة إلى مرحلة مثل السهام " .
" فلما وصل إليهم خبر توجه ركابنا الشريف على هذا الوجه، أرادوا أن يتداركوا بقاء نفسهم وأرواحهم، فجمعوا عساكرهم السيفية، والجلبان، ومماليك الأمراء، والعربان نحو الثلاثين ألفاً " .
" وجمعوا ما في القلعة المصرية، وبيوت الأمراء، وثغر إسكندرية، وسائر البلاد والقلاع، من المكاحل، والكفيات، والسبقيات، والبندقيات، واللبوس، والسلاح " .
" وحفروا خندقاً في الريدانية، من بحر النيل إلى الجبل، وجمعوا أخشاباً جعلوها تساتير على الخندق، وأحضروا رماة من الفرنج وغيرهم، وسائر آلات الحرب، وهيئوها للقائنا " .
" فوصل ركابنا الشريف، بعساكرنا المنصورة، إلى الريدانية، في يوم الخميس التاسع والعشرين، من ذي الحجة الحرام سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وقت الغداة، فوجدناهم قد لبسوا السلاح، وتكملوا العدد، وتقلدوا العُدد، وهم غارقون في الدروع والزرد، وأرادوا مقابلة عساكرنا المنصورة، التي هي أعداد الرمال، وأمثال الجبال، ولها قلوب الأسود، وشخوص الرجال " .

" فلما وقف الصفان ماج عسكرنا كموج بحر عمان، فبقي يغلي ويضطرب، فرتبنا وزيرنا الأعظم سنان باشا في ميمنة العسكر، ودستورنا المكرم ومشيرنا المفخم نمر وهزبر الهيجاء، وزيرنا يونس باشا في الميسرة " .
" واصطف الجيشان، وزحف العسكر المصري على سنان باشا في الميمنة، ورموا عليه بالمكاحل والسبقيات والكفيات والبندقيات، وجاء أعداؤه للقتال، فما روعه ذلك، ولا أزعجه، بل جال فيهم وصال، وقطع منهم الأوصال، ورمى منهم الرؤوس عن الجثث، وغنى فيهم السيف، إلى أن خاضت خيولهم في الدماء والقتلى " .
" ثم ولوا منهم منهزمين إلى الميسرة، فتلقاهم يونس باشا المشار إليه، وجال فيهم بطعن وضرب، فأرادوا الفرار، فناداهم لن ينفعكم الفرار، إن فررتم من الموت أو القتل، فكم من فارس تجندل صريعاً وكم من أمير أحضروه إلينا أسيراً " .
" وأما غالب العسكر المخذول، فداسهم عسكرنا تحت حوافر الخيول؛ واستمر الحرب من أول النهار إلى بين الصلاتين، وصار حرب عظيم، وجرح سنان باشا " .
" وآخر الأمر بإرادة الله تعالى، ألا إن حزب الله هم الغالبون، وصارت عساكرنا غالبة ومنصورة، والعساكر المصرية مغلوبة مقهورة، وقالوا: أين المفر ؟ والذي سلم من سيوفنا، منهم من رمى بنفسه عن فرسه فقبضوا عليه، ومنهم من قطعوا رأسه وأحضروه إلينا، والمأسورون منهم عملناهم إشارات لنبلنا وغداء لسيوفنا، وصارت أبدانهم ورؤوسهم وخيولهم كيمانا " .
" وأقمنا بعد هذه المعركة في الريدانية أربعة أيام، بالسعد والإقبال، ثم انتقل ركابنا الشريف من الريدانية إلى جزيرة بولاق " .
" وكان قد فضل بقية سيوفنا من العساكر المصرية، فهربوا واجتمعوا، هم والسلطان طومان باي، وجمعوا العربان، والتموا نحو العشرة آلاف، ليلاً من نهار الثلاثاء خامس شهر المحرم الحرام سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة خفية، ودخلوا البيوت الحصينة، وحفروا حولها الخنادق، وستروا التساتير، واجتمعوا في الحارات، وأظهروا الفساد، وأبرزوا العناد، فعلمت عساكرنا المنصورة بهم، فربطوا الخيالة لهم الطرقات، لئلا ينهزم منهم أحد، وصاحت عليهم مماليكنا الينكشارية والتفكجية، وحملت عليهم حملة رجل واحد، ودخلوا عليهم إلى البيوت التي تحصنوا فيها، ونقبوا عليهم البيوت يميناً وشمالاً، وطلعوا على أسطحة تلك البيوت التي تحصنوا فيها، ورموا عليهم بالبنادق، والكفيات، واستمر الحرب بين عساكرنا المنصورة وبينهم ثلاثة أيام " .
" وفي يوم الجمعة ركب مقامنا الشريف، واشتد الحرب، وصار مثل " يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ، ومثل " يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه " ، فخربنا ما عملوه من التساتير والخنادق، فالتجئوا إلى بعض البيوت الحصينة، فحرقنا عليهم تلك البيوت التي التجئوا إليها، وبقوا في العذاب الأليم، وأرادوا الهروب فما لقوا لهم طريقاً إلا بحر النيل، فأرموا أنفسهم فيه، وغرقوا كيوم فرعون " .
" وفي هذه الثلاثة أيام يستمر القتال من الصبح إلى العشاء، وبعون الله تعالى قتلنا جميع الجراكسة، ومن انضم إليهم من العربان، وجعلنا دماءهم مسفوحة وأبدانهم مطروحة، ونهب عسكرنا قماشهم وأثاثهم وديارهم وأموالهم وبركهم ويرقهم، ثم صارت أبدانهم للهوام " .
" أما طومان باي سلطانهم، فما عرفنا هل هو مات أم بالحياة؛ وأطاعتنا بعون الله تعالى جميع العربان، والمشائخ والأكابر بمصر وأعمالها، والحمد لله الذي هدانا لهذا، والمسؤول من الله سبحانه أن يكون عدونا دائماً مقهوراً، وعسكرنا منصوراً، والداعي بدوام دولتنا مسروراً، إلى يوم النشور، آمين يا معين " .
" وبعد هذه الفتوحات العظمى، أردنا أن نعلم جميع رعايانا، سكان ممالكنا الشريفة، بذلك، ليأخذوا حظوظهم من هذه البشرى، ويبتهلوا إلى الله تعالى بالأدعية الصالحة بدوام دولتنا الشريفة، ويدقوا البشائر ويعلنوا التهاني، ويرموا بالبارود في القلعة المنصورة، ويعلموا بذلك أطراف البلاد ومقدميها، ليكونوا مسرورين بهذه البشرى، وكتب في أوائل المحرم، بمنزلة جزيرة بولاق، انتهى " .
وأعظم من هذا المرسوم، المرسوم الذي جهزه ملك الروم المذكور من مدينة تبريز، بعد أن كسر سلطانها الخارجي إسماعيل الصوفي وملكها، وهو :

" الحمد لله الذي أذل أعداءنا، وأجل أولياءنا، وأظفر بنيل المأرب رجاءنا، وجعل أيامنا بالأيامن مسفرة، ولياليها بغرر الميامن مقمرة، ومساعينا بالمحامد مثمرة، ومعاهد معادينا بقهر النقم مقفرة " .
" نحمده حمداً كثيراً على أن من علي بالفتح الأكبر والنجح الأزهر، والنصر الأشهر، واليمن الأنصر، والعز الأشهق الأسنى، والفوز الأتم الأنمى، والسعد الأحمد الأجدى، وهو الفتح الذي يفرح برؤياه مهاب الفتوح، وتلوح تباشير بشراه في لوح الدهر لكان مؤمن، فيتلقاها، بالوجه السافر والصدر المشروح " .
" ونصلي تصلية دائمة على ناسخ كل ملة، وفاسخ كل نحلة، المبعوث بعد امتداد من الفترة، واشتداد من الهترة، وانقطاع من الهداية والدلالة، واتساع من الغواية والضلالة، محمد المجتبى من أفخر القبائل، والمصطفى من أطهر الفضائل، وعلى آله وأصحابه الذين هم ولاة الخلق، ورتقة الفتق، وغرر السبق، وفتحة الغرب والشرق، منهم من رد ردة المرتدين من إسلامها، ومنهم من أزال أرجل الأكاسرة عن أسرتها، وتيجانها عن هامها، ومنهم الأشداء على الكفار، الأسداء إذا زاغت الأبصار، ومنهم الساجدون، والراكعون، ومنهم السابقون والتابعون؛ وسلم تسليماً دائماً ما هبت الصبا؛ واختلف الصبح والمسا " .
" وبعد، فإنا أرصدنا هذه المفاوضة الشريفة إلى الحضرة العلية للأعلمية والأهملية، والأورعية الأروعية، الأكملية الأفضلية، الأعدلية الأكرمية، والأفخمية الأعظمية، العونية الغوثية الغياثية، وهو الذي جمع المحاسن كلها، واستولى على المفاخر قلها وجلها، وألقت إليه المعالي مقاليدها، وأرجعت إليه أخبار المكارم أسانيدها، حامي الحرمين المكرمين، المبجلين المعظمين، كهف المظلومين، ملاذ الملهوفين، نصير الإسلام والمسلمين ظهير أمير المؤمنين " .
" أعز الله أنصاره؛ وضاعف اقتداره، وأيد دولته، وأجزل من الخيرات همته، ولا أخلى من نعمه رياضها ممرعة؛ وحياضها مترعة، وحدها .
.. .،. .. ها متمهد، وظلها ظليل، وحظها جزيل، ولا زالت الآمال به منوطة، ويده بالمكارم مبسوطة، وما برح لقوام المجد قواماً، وللزمان ابتساماً، ما قرت الأرض قرارها، وأبقت الأفلاك مدارها، تهدى إليه سلاماً، تشحن كتائب لطفه حواشي الحشا، ونواحي الصدور، وتسكر جموع الأسى وتكثر طلائع السرور، وتبدي لعلمه الكريم أن الرجل الجافي المدعو بإسماعيل الصوفي قد خرج من جيلان، واجتمع على الملاحدة وأحزاب الشيطان، فسار معهم إلى سروان، ودخله غضباً، وأوسعه نهباً ثم هجم أذربيجان عنوة، فنال منها حظوة " .
" ثم استولى على ممالك الشرق يوماً فيوماً، قد ناب من استلامهم خطة خراسان، التي هي سرة بلاد إيران ما تاب، وأصاب ديار البوارات ما أصاب، نزع الله الرأفة من قلوبهم، فنقلها إلى عدو لهم، وعذب بهم ما يريده من تعذيبهم، واشتعلت نار جملتهم في فحم ذنوبهم، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون، وأمدهم في طغيانهم يعمهون، رفعوا التكليفات، وحفظوا الشرعيات، وقد تعين الجهاد على كل مسلم، ولم يكن أحد يكون له هذا الحلم غير متألم، فيتصدى لدفعهم ملوك الإسلام، فأنقموا منهم وما بلغوا المرام " .
" من حارب هذا العدو الكافر، ما غُلب بل غَلب، ومن صادف ذاك الغوي الفاجر، ما سُلب بل سَلب، فعجز الناس وتبرأوا من اعتداد العدة والغدر جرى على كل لسان لكل قوم مدة، فأظلمت الآفاق من غياباتهم، وأشفق الإسلام من نكاياتهم، فنادى بلسان الحال كل قوم: أين المؤدون فرض الجهاد المتعين، وأين المهتدون في تهييج الرشاد المتبين " .
" فلما اقتربت الساعة التي قدر فيها رغم أنفه، وحان ظهور الآية التي جعلت سبباً لهلاكه وحتفه، ألهمنا الله أن نهتم لهذا الأمر الخطير، فإنه من أفرض الهام وأهم الفروض، واختال في صدورنا أن ننفرد في حمل عبء هذا القادم الباهظ بالنهوض، فقلنا إن هذه فضيلة خصنا الله بها، وأسعدنا بسببها، بل هي بلية، جلا علينا وجميع الجهات جموع الجهاد، واجتمع جم غفير " .

" فعبئت العساكر الإسلامية للتوجه إلى بلاد الشرق في زمن الربيع النضير، فعبرنا بعد الاستخارة لله تعالى في شهر صفر، ختم بالخير والظفر، من خليج قسطنطينية، حماها الله عن البلية، وكتبنا إليه كتاباً مستطاباً، متضمناً للنصيحة والموعظة، فأمرنا فيه أن يتوب من جرائمه وجرائره، ويستعفر لصغائره وكبائره، وبغير ما تعود في الأيام الماضية، والأعوام الخالية، من سوء الاعتقاد، وتعذيب العباد، والفعل اللئيم، والخلق الذميم، فقلنا: " لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذابٌ أليم " وأوضحنا المعالي المنيفة باللفظ الوجيز، فما وفق لذلك، والتوفيق عزيز " .
" فسرت مستعيناً بالله إلى دياره وبلاده، مصمم العزيمة على قتاله وجلاده، فمادت الأرض بحركتنا، وغامت السماء من غبرتنا، واضطربت السهول والوعوث والدغوث، وانبعثت الهمم وهجم البعوث، والعسكر في كل يوم يعدون ويغتدون، وفيما يجدون الطريق إليه من النكاية في العدو يمدون ويجيدون " .
" فلما بلغ السير إلى بلدة سيواس، صانها الله من الاندراس، عرضنا عساكرنا المنصورة، وكان عرضها مذكراً ليوم العرض، ومن شاهدها تلا: " ولله جنود السموات والأرض " ، فرأينا أن الأرض شاكية من إجحاف الجحافل، فانتخبنا منها الأنجاد، وجددنا الجدود، واستجدنا الجياد، وأعدنا ما وراء البحر بقية الأجناد " .
" ثم ارتحلنا منها في جنود محسورة وبنود منشورة، للعدو طالبا، وبالعزم غالباً، وللنصر صاحبا، ولذيل العز ساحبا، فنزلنا على بلدة أزرنجان فطار الخبر إليه، فطار قلوب من معه رعباً وطاشت، وخضعت أفئدتهم خوفاً من جيش الإسلام وجاشت " .
" وأرسلنا إليه منها كتاباً آخر، داعياً للطعن والضرب، مستدعياً منه المقارعة والحرب، ومن موضع آخر كتاباً رصيف المباني، مؤكداً للأول والثاني، وأردفنا رسولاً برسول، وألزمناه القتال بمعقول ومنقول " واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون " .
" فسرنا منها نحو سرير ملكه شهراً، وبدلنا ثياب العهود سرها جهراً، وخطبنا من الله الكريم بكر فتح، وجعلنا بذل المهج لها مهراً، وصار العدو المخذول في هذه الأيام يطوف حول القرى من قرية إلى أخرى، بحيث لا يعرف شأنه ولا يعلم مكانه " .
" فإذا بلغنا المنازل القريبة من بلدة تبريز، دعته الضلالة إلى المكابرة بحسه، وخطاره بنفسه، عين لجنوده، وثبت وفوده، وبل ندى جموعه، وصب عليهم ماء دروعه، فسار بكثره وقله، وجزئه وكله، وجاء والإدبار قائده، والخذلان رائده، موضعاً يسمى بخالدران؛ فاختاره لأن يكون معارك القتال، ومصارع الرجال، ومجامع الأبطال، ومطالع اللقاء، ومواضع الهيجاء، ومصالت الإقدام، ومثابت الأقدام، ومواقف الصفوف، ومصاف الوقوف، وأماكن البعوث، ومكامن الليوث، وقادها هنا تطرح الرؤوس، وتمسك النفوس، وتسفك الدماء، وتهلك الدهماء، ويسمح بالروح، ويصبر على اقتراح القروح، واجتراع الجروح " .
" وإذ قرع مسامعنا هذا الخبر، بذلنا الجهد. .. على مقابلتهم ومعاينتهم، فطوينا المراحل وقطعنا المنازل ذلك اليوم، فمرقنا وقت العصر على جبل منيع نرى منه خيامهم، وخلفهم وقدامهم، فضربت سرادقاتنا، وركزت أعلامنا، فحجز الليل بين الفريقين، وحجرت الخيل على الطريقين " .
" وكان الجمعان في تلك الليلة الظلماء على تعبئتهما، وإجابة داعي الموت بتلبيتهما، وبات الإسلام للكفر مقابلاً، والرشد للرفض مقاتلاً والهدى للضلالة مراقباً، والحق للباطل مجاريا، وهيأت دركات النيران، وهنأت درجات الجنان، وانتظر مالك، واستبشر رضوان " .
" فلما تجلى الصبح وعموده، وانهزم الليل وجنوده، وانتكست أعلامه وبنوده، نفر النفير غراب الغبار، وانتبهت في الجفون الصوارم وسقط النار، وكان اليوم يوم الأربعاء، وهو اليوم الثاني من شهر رجب المرجب " .
" وماجت خضارمنا، وهاجت ضراغمنا، وثارت غمائمها، سدت الأفق غمائمها، وترتبت أطلابنا على قلب وجناح، داعين للفوز والنجاح، وعين لكل أمير موقف لا يبرح عنه، ولا يغيب جمعه، ولا أحد عنه، فاتحدنا عليهم بهيئة مهيبة، وأبهة عجيبة، والتوفيق مسامرنا، والتأييد مؤازرنا، والتمكين مقارننا، والجد مكاثرنا، واليمين محاضرنا، والقدر مسامرنا، والظفر مجاورنا، والإسلام شاكرنا، والله عز وجل ناصرنا " .

" وقابلنا العدو والخدور في عدتهم وعديدهم، وقوتهم وحديدهم، بالسلاهب المجنبة، والقواضب المقربة، والصوائب المجعبة، عارضا لهامة ناير الغنامة، باشر الأعلامة، فسار عسكره، وثار عنتره، ونعرت كوساته، وصاحت بوقاته، وكانوا في زهاء ألف ألف أو يزيدون، ويكيدون وما يكيدون " .
" فلما أحس في نفسه عدم الاستطاعة من ضرب حسامنا، وسطوة عبيدنا وخدامنا، جعل جموعه فرقتين، وصفوفه شرذمتين، فعين لأحدهما قسم رأسه، وشكيمة بأسه، أميراً هو الحاكم للديار البكرية، المعروف بمحمد استراحالي، فأرسله على ميمنتنا البادة، وهجم بنفسه وجيشه ومطاعينه وشياطينه على ميسرتنا السادة، فتصادم الصفوف، وتزاحم الرجوف، وأطلقت الأعنة، وأشرعت الأسنة، وقامت الحروب بين أهل الحق، وبين الطائفة الجافية الفاجرة، وقد كانت لهم آيةٌ في: " فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة " .
" واشتد الهياج، وامتد العجاج، وتصافح الصفاح، وتشاجر الرماح، وتكاثر الجراح، واشتعل الضرام، وتطايرت السهام، تضايق المجال، وتسابقت الآجال، والتفت الساق بالساق، وتلاعبت الأسياف بالأكتاف، وخضبت الدماء الخناجر، وبلغت القلوب الحناجر " .
" وأما الطائفة التي أتت على الميمنة فقام أمير الميمنة في صدورهم، وأشرع الأسنة في نحورهم، وروى اللهازم من تامورهم، ودفع صولتهم، ومنع سطوتهم، وكسر حدتهم، فهزمهم بإذن الله، ولم يبق أحد من شريفهم وخسيسهم، حتى حز رأس رئيسهم " .
" وأما حال الميسرة فجاء عليه العدو المدبر برمته وكليته، وبذل جهده، واستفرغ ما في وسعه وقدرته، فحمل عليهم حمل الليث الحاذر، وسطا عليهم سطوة الأسد الزائر، لكن السيل إذا بلغ الجب الراسي وقف، والليل إذا انتهى إلى الصبح انكشف " .
" وتناوبت الحملات، وتناوبت الأسلات، والصفوف ما خرجت عن مقارها، ولا انزعجت عن محل قرارها، وواصل النبال الوصال، والنصال النبال، فثبت في وجوههم منا صف مرصوص البنيان، وأسرعوا إلى نحو تلك الذئاب ثعالب الحرصان، وقتل جم غفير من الغاوي، فملأت منهم دركات النيران، واستشهد منا جماعة استحلوا طعام الطعان، وساقهم خبا الجنان " .
" وكان أمير الميسرة مقروحاً بقروح عديدة، ومجروحاً بجروح مبيدة، فخرج عن مواضع الهيجا، واندرج بعد ساعة في زمرة الشهدا، والصالحين والسعدا، فما أثر في أحزابنا هذا النصب، ولا صدهم عن الطلب ذلك التعب " .
" فبرز الأمر العالي أن يمدهم جماعة من العلوجيين، وحزب من الغرباء وثلة من الآجلين، فلما نالهم المدد تسنت للإسلام مناهج، ووضحت للسعادة مباهج، وتألفت في الإقدام مقدمات ونتائج المناهج، والتأمت في مد الرحال مدارج، واتفقت حسنات، وحسنت اتفاقات، وكانت لنا كسرات، ولأعدائنا مساءات " .
" وساعدت الأقدار وتباعدت الأكدار، كلما حلوا ردوا وأرادوا، وكلما ساروا وشدوا أسروا وشدوا وناسبهم النشاب، فعادت أسودهم قنافذ، وسابقتهم السهام، فوسعت فيهم الخرق النافذ، واستعملت الكفيات، الصريزايات فمطرت عليهم البنادق والحجارات، " كصيبٍ من السماء فيه ظلماتٌ، ورعدٌ وبرقٌ يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت " .
" فصار حسب حالهم " ما ينظرون، إلا صيحةً واحدةً تأخذهم وهم يخصمون، فلا يستطيعون توصيةً ولا إلى أهلهم يرجعون " وحل بهم الصغار، والذلة والدمار، فأووا إلى جبلٍ ليعصمهم من طوفان الدمار " .
" فمن الله علينا بالفتح الجميل، وأيدنا من عنده بالنصر الجليل، فزلت أقدامهم، وولت أعلامهم، وانحل عقدهم، وانفك حدهم، وانتكس تدبيرهم، وانعكس تقديرهم، فما بقي من تلك الآلاف آحاد، وما نجا من هذه الأعداد أعداد، فعاد مجروحاً بجراحات مؤلمة في عدد يسير، عاجزين حائرين خائبين خاسرين " .
" وبعد ما رجعوا على هذه الحالة التي زيدت،، والصفة التي ذكرت، لم تثبت في بقعة أقدامهم، ولم تخفق لوقفة أعلامهم، بل رأوا النجاة من أيدي الرزايا، والخلاص من حبائل المنايا، والخروج عن الولايا، فخرجوا عنها هاربين، وللنجاة طالبين، وقطعوا المنازل، وطووا المراحل، وتركوا الدواب والرحال، وطرحوا الأحمال والأثقال، وعدوا فراسخ الفرار، وإن امتدت خطوة، وأيام الهرب، وإن طالت لمحة، وهذه حالهم، وشرٌ منا ما لهم، لا يحميه جار، ولا تأويه دار، وكل ذلك عاقبة الظالمين، والحمد لله رب العالمين " .

فأما من أسر فلم يكف أطناب الخيام لقيده وشده، وأما من قتل فلقد حصرت الألسن عن حصره وعده، فلم تقع عين إلا على أشلاء طريحه، وأعضاء جريحه، وأصابع مقصومة وأشاجع مفصومة وصدور مدصوصة، ونحور مبصوصة، وأجساد منصفة، وأعضاد منصفة، وصارت تلك المعركة بالدماء دارا، وعادت الغبراء حمراء، وجرت أنهار الدم النهر، وسقى بتلك الخبائث وجه الدين المطهر.
فقعدنا في ذلك المنزل يوماً آحدا ثم أصبحنا على عقبة سائرين محبورين، والوجوه سافرة، والألسن بأنعم الله شاكرة، والأنفس للألسنة مسامرة، والأقدام بالأقدار متظافرة متظاهرة، فحللنا بالطائر الأسعد، والمجد الأمجد، ببلدة تبريز.
وانحسمت الظلمة المستولية بمقدمنا العزيز، فطابت قلوب الرعايا، وبشرت من الله بما ظهر من ألطافه الخفايا، لما بدلوا من الظلمات نورا، وأعقبوا من الموت نشورا، فوجدناها بلدة أخربت فيها بقاع الخيرات ومساكن العباد، وعطلت المساجد، فجعل هذا الظالم بعضها اصطبلاً للدواب، بوعضها مسكناً للشراد والحداد، فأمرنا أن تعود كلها إلى وضعها القديم ويذكر فيها اسم الله الرحمن الرحيم.
فلما دخل يوم الجمعة أصبح الناس يقولون هذا يوم كريم ... موسم عظيم، يوم تجاب فيه الدعوات، وتصب البركات، فطوبى لمن عاش حتى حضر هذا اليوم، الذي انتعش فيه الإسلام وارتأس، من أفضل هذه ... فأشرف من هذا الجماعة، التي شرفها الله تعالى لتوفيق هذه الطاعة، امتلأ الجامع، واختلفت المجامع، وتوحشت الأبصار والمسامع، وغصت بالسابقين إليه المواضع، واجتمع الزاهد والعابد، وتوافد الراكع والساجد، والخاشع والواجد، والقائم، والقاعد، وعبد الأحد والواحد، وأبكى الحفاظ، فتلى التنزيل، وأسلى الوعاظ بحق الحق، وبطلت الأباطيل.
وصعد الخطيب المنبر فخطب وأنصتوا، ونطق فسكتوا، ووعظ في خطبته، وخطب بموعظته، وتلاها على مذهب أهل السنة وجماعتهم، وذكر الخلفاء الراشدين، والأئمة المجيدين، رضوان الله عليهم أجمعين، بالتعظيم والتبجيل على ترتيب خلافتهم، بعد أن لم يذكروا بالخير أمداً مديداً، وعهداً بعيداً، ورقت القلوب، وجفت الكروب، وتصاعدت الزفرات وتجددت العبرات، وصاح التوابون، وماج الأوابون.
فلما دعا بخلود أيام دولتنا، وإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ختم بقوله: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " ، ونزل وصلى بالمحراب، وافتتح باسم الله من أول الكتاب، فصلينا معه والصفوف على سعة المسجد بها متصلة، والأمة إلى الله تعالى بدوام نصرتنا مبتهلة؛ ولما قضيت الصلاة انتشرالناس، واستمد الإيناس، وطابت النفوس والأنفاس.
فنشكر الله شكراً كبيراً على أن جعل أيامنا للفتوح مواسم، وأوقاتنا للزمان مباسم، ومآثرها في ضحو المعالي خالدة، ومناقبنا على ممر الليالي أيدة، ونرجو من لطفه الخفي أن يجعل سعينا مشكوراً، ويجزينا في الآخرة جزاء موفوراً.
ولا خفاء في أن هذا الفتح الجليل العظيم، والصنيع الجليل الكريم، وفقنا الله به، أمر بتبييض الأيام السود، وأعاد الحسن المعقود، وأقر الخير في قراره، وأسقط لواء الشر بعد انتصابه، وأضحك وجه الإسلام، وبرد صدور الأنام.
فأصبح ولو كان الفتوح جسماً لحل منه محل الفؤاد، ولو كانت أرضاً لكان سماؤها ذات العماد، وهو جدير بأن تواردت نسبة البشرى واليسرى، وتدامت الكتب والأخبار على الأكارم والأقانيم، وسلاطين الأقاليم، سيما على حضرة من كان مقامنا الشريف، وثغره المنيف، وشرف الجوار، وتفاوت الدار، وكمال المودة التي تصفوا مشاربها عن الأقذار ومناهلها عن الأكدار، وتكتب آثارها بسواد الليل على بياض النهار.
فلهذا أسطرت في اليوم الثالث والعشرين من شهر رجب المرجب، لسنة عشرين وتسعمائة، من بلدة تبريز، هذه المكاتبة الشريفة، مبشرة بما أجده الله من الجد، وأنجز من الوعد، وأجزل من الوفد، وحلى وجه المؤمنين ببشراه بشرى، وملأ صدور الموحدين منا، وقلوب الملحدين ذعراً.

واختير لتبليغ هذه البشارة العظمى، على سبيل السرعة والاستعجال، إلى مقامكم العالي المفضال، الأميري الكبيري الأوحدي الأمجدي، الأخص المقربي، المؤتمني خير الدين، حضر رزقت سلامته، وحملناه من السلام، ما هو ألطف من الغمام، والله تعالى يديم لكم من عاداته أجملها، ونعمه أجزلها، ومنحة أكملها، ما بث الليل دجاه، ونشر الصبح سناه، وحسبنا الله ونعم الوكيل. انتهى من نسخة سقيمة.
وفي يوم الاثنين تاسعه فوض قاضي الأروام قضاء الحنابلة، إلى أخينا شهاب الدين بن البغدادي. وفي يوم الخميس ثاني عشره فوض أيضاً قضاء الصالحية، إلى صاحبنا كمال الدين الغزي، بعد أن ندبت إليه مرات، على يد القاضي شمس الدين الخيوطي.
وفي يوم السبت رابع عشره رفعت الزينة من دمشق، بعد أن حصل فيها مشقات لأجل الأسواق، مع كثرة ظهور المعاصي، ولكن بحمد الله هبط سعر القمح، وفي يوم الأربعاء ثامن عشره، في ثالث ساعة منه، نقلت الشمس إلى برج الحمل. وفي يوم الجمعة عشريه نودي بدمشق بأن أحداً لا يخرج من بيته من بعد المغرب، وصعب ذلك على الناس وتريبوا.
وفي يوم السبت حادي عشريه نودي بدمشق عن النائب، بأن أهل الحارات يحضرون ولا يتأخر أحد، فحضروا، ودركهم أمر زعرهم، وكتب أسماءهم الرجل الأزعر ومن تدركه. وفي يوم الخميس سادس عشريه فوض قاض الأروام قضاء ميدان الحصى، إلى صاحبنا الزيني بركات ابن قاضي زرع.
وفي يوم الثلاثاء ثاني ربيع الأول منها، وقع القاضي شمس الدين بن البهنسي بشمس الدين البقاعي، وكشف رأسه بمجلس عام، قابله الله تعالى بذلك، ولم يسهل على أكابر دمشق، لأمن البقاعي المذكور رجل معتبر من وجوه عديدة، أحدها دينه، وثانيها محبته للصلحاء، وثالثها كرمه لهم، ورابعها شيخوخته، وخامسها كونه صهر شيخ البلد السيد كمال الدين بن حمزة.
وفيه كان آخر الوقعات بين ملك الروم والجراكسة، وبها ملك مصر. وفي يوم الاثنين ثامنه ورد إلى دمشق أروام كثيرة، قيل إنهم نائب آمد وجماعته، ونائب الرها وجماعته، ومعهم هدايا لقاضي البلد الرومي، طردهم الخارجي إسماعيل الصوفي.
وفي يوم الثلاثاء تاسعه، وهو سلخ آذار، أوقف أخونا المحب جار الله بن فهد المكي، لشيخنا المحيوي النعيمي، على ما هم به من جمع ترجمة لسلطان الروم الملك المظفر سليم خان بن عثمان في منزله، ليمده بما يستعين به على ذلك، فقال له: قد أطريته في مواضع كثيرة، ولا قوة إلا بالله.
وقد وقفت على مؤلف لملا إدريس الرومي الحنفي، الذي نزل بالمدرسة الظاهرية الجوانية، لما كان الملك المذكور بدمشق، بعد اجتماعي به مرات لصحبة بينه وبين عمي، الكائن حينئذ بمكة المشرفة، وتردده إلى عندي بدرسي بالجامع الأموي، في سلطان الروم المشار إليه وسماه بفتح الممالك الإسلامية، وأشار في حروف هذه التسمية إلى سنة فتحها، وهي سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة بحساب الجمل، وختمه بأبيات، آخر مصراع منها التزم فيه ذلك أيضاً.
وفي يوم الأربعاء عاشره نودي بدمشق، أن بعد خمسة أيام الفلوس بطالة، وأنه ضرب فلوس جدد، وفي يوم الجمعة ثاني عشره طلع القاضي الرومي للناس بفلوس، كل واحد بثمن، والاثنان بربع، وهكذا، وأبطل الفلوس العتق بعد يومين، بمناداة أشهرها ثانيا.
وفي يوم الأحد رابع عشره نودي بدمشق، بأن بيوت الأمراء لا يخرب أحد منها شيئاً. وفي يوم الخميس ثامن عشره، كان خميس البيض. وفيه نودي أن لا يطلع أحد إلى المرشدية، بالقابون التحتاني، وفي يوم الجمعة تاسع عشره وردت مطالعة من المقدم ناصر الدين بن الحنش، أنه مر عليه من بيروت ثلاثة عشر مركباً للعثمانية متوجهة إليهم إلى القاهرة.
وفي يوم الثلاثاء سلخه نودي بدمشق من جهة الدفتردار، نوح الرومي، بأن لا يخرج أحد من بيته إلا بلبس سراويل عليه، ومن خرج بعد ثلاثة أيام بلا سروال، خصي، فاهتم الناس لذلك، ثم قيل لقاضي الأروام ذلك، فغوش على الدفتردار المذكور وخير الناس في لبس اللباس وعدمه.
وفي يوم الجمعة ربيع الآخر منها، عقب صلاتها بالأموي، صلي غائبة على الشيخ شهاب الدين بن شعبان الغزي، توفي بها، وهو آخر الذي عمل الذنوب العظيمة عند رأس سيدي نور الدين الشهيد، نور الله، ضريح محيي الدين الغزي.

وفي يوم الأربعاء ثامنه وردت أخبار مع عدة أناس، وصحبتهم مبشر الأروام، بأن ابن عثمان ملك الروم مسك له سلطان مصر طومان باي من البحيرة وجهز إليه.
وفي يوم الخميس تاسعه، وهو آخر نيسان، نودي بدمشق بالأمان والاطمان، وأن الملك المظفر سليم خان قد ملك، وأنه أفنى الجراكسة، وأنكم تزينون دمشق سبعة أيام فزينوا، ثم تحرر أن الملك المظفر المذكور أرسل إلى سلطان مصر ومان باي بالأمان، مع قضاة مصر الأربعة مشائخنا، وأمير من عنده، فحال وصولهم إليه قتل القاضي الحنفي ابن الشحنة وأخاه، وفر الباقون.
فبلغ الملك المظفر المذكور، فرحل إليه والتقيا بالقرب من دمنهور، في اليوم الثاني من ربيع الأول من هذه السنة، فكانت الكسرة على سلطان مصر، وفر هارباً، فمسكه أمير العرب الجبولي وأتى به إلى الملك المظفر المذكور، فرجع به إلى القاهرة، وشنقه على باب زويلة، وقت الظهر بوم الاثنين حادي عشر ربيع هذا، ويقال إنه انقطع به الحبل عندما شنق، وعيطت الخلق، فجدد حبل غيره وأعيد.
وثم جاء الملك المظفر المذكور إلى جامع الأزهر، وقرأ مولداً، وفرق دراهم كثيرة؛ وسمعنا يومئذ بأن ابن السلطان قانصوه الغوري، خلع عليه الملك المظفر المذكور، وأكرمه وأسكنه بتربة والده، وأن منزله الحسن سكنته الأروام، وبأنه لم يحترق من مصر إلا الشيخونية فقط، وقد كنا سمعنا أنه احترق منها ثلاث حارات: بين القصرين، والتبانة، وباب الرظومة.
وأنه توفي شيخنا العلامة البرهان بن أبي شريف الشافعي، والبرهان الطرابلسي الحنفي، والبرهان بن الكركي الحنفي الأشقر، والعالم شهاب الدين القسطلاني، والشيخ عبد الرحمن المقرىء الصالحي.
وفي يوم الأربعاء خامس عشره عاد الأمير على باك بن سوار إلى دمشق من مصر، متوجهاً إلى بلده مرعش، وتلقاه النائب فمن دونه، ودخل من طريق المزة، ونزل بالمرجة عند الميدان، وصحبته صبيان ونساء وجوار مسبيات في أسره، فتألم وبعضهم تسحب منه، فقعد ثلاثة أيام وارتحل.
وفي يوم الجمعة رابع عشريه صلي بالجامع الأموي، بعد صلاتها، غائبة على المشائخ الخمسة المتقدم ذكرهم قريباً.
وفي هذا اليوم رأيت شخصاً لابساً خلعة، فسألت: من هذا ؟ فقيل لي: هذا داود ابن سليمان، أحد أمراء التركمان، مسك نائب غزة دولتباي المتسحب من الملك المظفر سليم خان، وهو متوجه إلى الخارجي إسماعيل الصوفي، بالقرب من أرض حمص، ومعه جماعة، ووجد معه ثمانين ألف دينار، وجاء إلى دمشق يبشر الدفتردار نوح، والقاضي الرومي زين العابدين، والنائب ابن يخشى، فخلعوا عليه.
وفيه نادوا بعمارة الربوة، وأن من قدر على عمارة ملكه فليعمره، وإلا فليأت يأخذ ثمنه ليعمر باسم الخنكار، وكان لها مدة خراباً، ثم لم يتم ذلك.
وفي ليلة الأحد ثالث جمادى الأولى منها، وقع لإحدى زوجتي شهاب الدين بن المؤيد قضية بشعة، بمنزله بالقاعة، قبلي الصابونية.
وفي يوم الاثنين حادي عشره نودي بدمشق على المشمش الحموي، كل رطل بدرهم، وما دونه بثلاثة أرباع؛ وهذا اليوم هو أول حزيران، ثم نودي فيه على الخبز كل رطل بدرهم ونصف، وكل قنطار طحين ومل بمائة وثلاثين، وكماجة بمائتين إلا اثني عشر درهماً، ولم يرض الطحانون والخبازون بذلك.
وفيه خوزق شخص من منين، غربي المارستان القيمري بالصالحية، ولم يعهد قبل ذلك أنه خوزقه فيها أحد، خوزقة الصوباشي بنفسه، وقصد بذلك ردع زعر الصالحية، ثم وجه لكل حارة من حارات دمشق خازوقا ليفعل فيها ذلك، وسبب تخوزق هذا الشخص أنه ظهر أنه حرامي.
وفي غروب هذا اليوم طلع المهمندار إلى الصالحية، ورجع معه حاجب دمشق الكبير صنطباي إلى منزله، الذي النائب شهاب الدين بن يخشى ساكنه الآن، أتى بالأمان من عند المقدم ناصر الدين بن الحنش، فأمر النائب المذكور بسجنه بالقلعة، حتى يشاور عليه الخنكار، وأتى صحبته إلى دمشق أيضاً عريف الشاغور كان، ابن الزهر، فأراد أهل الشاغور قتله، ثم قبضوه وأتوا به إلى القاضي الرومي، فبعثه ومن معه إلى النائب فحبسه.
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشره خوزق كبير الحرامية زغيب، على باب المزابل، خارج باب الفراديس. وفي هذه الأيام كثر تحريض القاضي الرومي والدفتردار والنائب، على ضبط البلدان حول دمشق: والتفتيش على أصولها.

وفي يوم السبت سلخه أخبرني جمال الدين بن المبيض القدسي الواعظ، أن بمحلة القبيبات ولد قطٌ ذكر من دبره ثلاثة أولاد على شبهه وقط، في بيت أحمد بن أبي مهدي الدلال في الأطلس، بسوق الدراع، وأن شاهد ذلك نحو الخميس إنساناً، واستمروا ساعة في الحياة، ثم ماتوا، وهذا من العجائب.
وفي يوم الاثنين تاسع جمادى الآخرة منها، نودي بدمشق، بأمر النائب والقاضي الرومي، بأن يجتمع القضاة والعلماء والصلحاء غدا، بكرة الثلاثاء، تحت قبة نسر الجامع الأموي، فظن العوام سوءاً في سبب الاجتماع، ففي البكرة المذكورة حضر القضاة الثمانية المنفصلون والمتجددون وغيرهم إلى الجامع المذكور، وجلسوا تجاه محراب الحنفية، خلا هؤلاء القضاة، فجلسوا تجاه المقصورة، وفرقت ربعة الجامع عليهم، فقرأوا فيها ساعة، ثم تفرقوا، ولم يحضر زين العابدين القاضي الرومي، ولا شهاب الدين بن يخشى النائب، بل ولا أحد من الأروام.
وأما الذين جلسوا تجاه محارب الحنفية، فصعد على الكرسي هناك الشيخ بركات بن الكيال الواعظ، وعمل مجلس وعظ فيما يتعلق بالعدد، استطراداً علىالكلام على قوله تعالى: " وإذا سألك عبادي عني فإني قريبٌ " .
ثم أخبر ثلاثة أنفس وهم: الطحينة المؤقت، ومحمد الطواقي، ومحمد المدني، أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وأمرهم أن يذهبوا إلى بركات المذكور، ويأمروه بجمع الناس وأن يقرأوا ويدعوا للسلطان المظفر سليم خان بن عثمان، ثم يتوجهوا بعد ذلك إلى عند الشيخ محمد بن عراق بالصالحية، ويقرأوا أيضاً ويدعوا للسلطان المذكور .
فتوجه بركات المذكور إلى الصالحية، فلم يجد ابن عراق فيها، فأرسل إليه إلى قرية برزة، وكان قد قطن بها قريباً، فلم يأت: وغلب على رأي العقلاء أن هذه الرؤيا مصطنعة من ابن الكيال، وأنه بذل للرائين دراهم في مقابلة ذلك.
وفي يوم الجمعة ثالث عشره، وهو ثالث تموز، عقب صلاتها بالجامع الأموي، صلي غائبة على محدث مكة ومؤرخها الأصيل، عز الدين عبد العزيز بن فهد، والد أخينا المحب أبي الفضل محمد المدعو جار الله، الذي سافر من دمشق يوم السبت سابعه، لما سمع بوفاة والده. وفي هذه الأيام كثر المسافرون من مصر إلى دمشق، ومنها إلى القدس.
وفي يوم السبت ثامن عشريه توفي الأمير فارس المهمندار كان، ثم الترجمان عند النائب يومئذٍ، وكان لا بأس به. وفي يوم الأحد تاسع عشريه توفي نجم الدين عبد الرحمن بن الكمال البقاعي، فجأة، عن أبويه، وأخته توأم، وبنت صغيرة، وكان لا بأس فيه.
وفي يوم الاثنين مستهل رجب منها. رجع إلى دمشق من مصر نساء كثيرة من نساء أكابر الجراكسة، منهن زوجة سيباي نائب الشام كان، وبنتها بعد أن دخل عليها ابن السلطان قانصوه الغوري بمصر، ونزلن ببيت أمير يخشباي داخل باب الجابية؛ ومنهن سراري نائب حلب خير بك، ونزلت ببيت الخواجا ابن النيربي؛ ومنهن سورباي زوجة الغزالي نائب حماة كان وبقية نسائه، وأتين على المزة، ونزلن بالميدان الأخضر.
وفي يوم الثلاثاء ثانيه أطلع قاضي الأروام على مستند كرم لبعض الفلاحين، بأرض حبة عسال، ظهر له منه بعض الزور، ثم ابن الخيوطي حقق عنده ذلك، وكان الأصل بخط البدري حسين الأسطواني، وفيه من الشهود الحجيج المؤقت بالجامع الأموي، والجمال عبد الله بن الياسوفي، والشهاب أحمد الذنابي قاضي الناحية، الشهير بأبي أنف، والشمس محمد البعنوي، فجاء بهم وكتفهم بحبل، خلا حسين فشده، ثم ضربهم ضرباً مبرحاً، كل واحد منهم نحو المائة سوط، وأكثر على الحجيج، وبه ابتدئ؛ ثم كتفوا وسحبوا مشورين، فنادى عليهم من بيته إلى حبس باب البريد، فباتوا فيه تلك الليلة؛ وفي صبيحتها شفع فيهم الشيخ عبد النبي، فأطلقهم وفارق القاضي الرومي بين الحجيج وزوجته، بمقتضى أنه كان حلفه بالطلاق الثلاث قبل ذلك، أنه لا يشهد بدمشق في حجة.
وفي يوم الثلاثاء تاسعه قدم من مصر إلى دمشق الشيخ تقي الدين باكير الحلبي ثم الرومي، وقد تولى نظر الجامع الأموي؛ ونزل عند القاضي رضي الدين العزي من مدة، وأرسل إلى شمس الدين بن الشيخ حسن الصالحي، أن يكون نائباً عنه إلى أن يحضر.

وفي يوم الاثنين خامس عشره توفي الشاب السيد محمو د بن السيد الموقع قرب باب توما، وكان من الكرم على جانب عظيم، وتأسف الناس عليه. وفي يوم الخميس ثامن عشره دخل من مصر إلى دمشق نظام الدين الحيدري الشلبي المفتش دار، وشاع عند الناس أمور، منها الكشف عن المدارس.
وفي يوم الجمعة تاسع عشره نودي على لسان المتولي على الجامع الأموي، بالتوصية على معاليم مستحقيه جميعهم، وتشوشوا بسبب ذلك.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشريه نودي على الأشرفية، فضرب قانصوه الغوري بمصر كل أشرفي بستين، وضرب جمال الدين بستة وخمسين.
وفيه نودي بأن كل من له مستند على وقف جامع أو مدرسة أو مسجد أو تربة أو خانقاه، بحضره بعد أن يقيم حسابها عن سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة وتاليتها، فقام على من كان السبب في هذه المناداة، وهو نظام الدين المتقدم ذكره، النائب والقاضي الرومي والدفتردار، لم يسمع، وخاف أهل الأوقاف منه.
وفي يوم الجمعة سادس عشريه، وهو رابع عشر آب، كان عيد الجوزة. وفي يوم الثلاثاء تاسع عشريه توفي الخواجا الكبير أمير الحاج كان زين الدين بن النيربي، عن ابن، وابن أخ.
وفي يوم الأربعاء مستهل شعبان منها، نودي على الفلوس الجدد، التي ضربت باسم الملك المظفر سليم خان بن عثمان، كل ستة عشر فلساً بدرهم، بعد أن كانت كل ثمانية بدرهم، فذهب للناس مال كثير في ذلك. ولا قوة إلا بالله.
وفي ليلة الأربعاء ثاني عشريه احترقت حوانيت كثيرة، لصيق الجامع البردبكي، المعروف الآن بالجامع الجديد، من الشرق إلى عمارة الإخنائي، والربع فوقها، وطبقة ابن الجريرة خلف الجرن، الذي جدده هذه الأيام هناك، واستراح الناس من هذه الطباق، لما كان يحصل فيها من الفساد في الرفاقات، وطارت النار إلى صف حمام العلائي، وقف المدرسة اليونسية، بطرف الشرف الأعلى الشرقي، فاحترقت الطباق التي فوق وقف المدرسة المذكورة أيضاً، والدكاكين لصيقة من الشرق والغرب.
وفيه شاع بدمشق أن ملك الروم المظفر سليم خان بن عثمان ولى مصر لخير بك نائب حلب - وفي يوم الاثنين سابع عشريه كان عيد الزبيب، وهو آخر اثنين في شعبان، وفيه تستحب الصدقة لحديثٍ ورد، ويقال الكلمات الطيبات مائتي مرة، وحسبي الله ونعم الوكيل كذلك، لحديث ورد في كل منهما.
وفي ليلة الخميس سلخه وقع اختلاف في أن غداً من رمضان، فلم يشهد أحد فأطفئت قناديل مئذنة العروس بالجامع الأموي بعد إيقادها، ثم ثبت على بعض القضاة، فأعيدت وأصبح الناس صياماً.
وفيه زاد ناظر الجامع الأموي، التقي الرومي، فيه نحو الثلاثمائة وستين ضوءاً، ومن ذلك السنوبرة التي قبال المقصورة، ولم يوقد فيها قناديل قبل ذلك، وإنما كان يوقد فيها الشمع في الليالي المفردات، والذي حطها هنا الأمير أخشباي نائب القلعة وصفد وغيرهما.
وفي هذا اليوم نودي بدمشق بمرسوم من مصر، بأن يتأهب الناس للحج من الطريق المصري والغزاوي.
وفي ليلة، وكذا في يوم الجمعة ثانيه، وفي ليلة السبت ثالثه، دخل من مصر إلى دمشق جماعة من الجراكسة، منهم خشقدم خازندار سيباي، زوج امرأته من مدة.
وفي يوم الأحد رابعه نودي بدمشق أن لا يركب فرساً، ولا حماراً، ولا غير ذلك، نصراني، ولا يهودي، ولا سامري، ولا إفرنجي، في دمشق، ولا في مجامع الناس من ضواحيها.
وفي يوم الأربعاء سابعه جيء بالسيد الموقع ابن باعو الحلبي ثم الدمشقي، ميتاً محمولاً من البقاع، وكان توفي فيه بكرة يوم الثلاثاء، فغسل بمنزله عند حارة النصارى، داخل باب توما، وكان ابنه غائباً، فكفنه القاضي محب الدين ناظر الجيش، ودفنه عند الشيخ رسلان، فظهر أن عليه من الدين نحو العشرة آلاف دينار، وكان منهما بدنيا كثيرة، وكان تخومل من وقت توفي ولده المتقدم ذكره في رجب.
وفي يوم الجمعة تاسعه صلى على الشريف إبراهيم بن صالح، والله يتولى فعاله - وفي ليلة الأحد حادي عشره مات محمد المناديلي، ثم العطار، الذي كان يزعم أنه شريف، وليس كذلك.
وفي يوم الاثنين ثاني عشره دخل إلى دمشق من مصر قفل كبير، فيه أروام كثيرة، وأخبروا أن الخنكار واصل قريباً، وأنه خرج من بعدهم من مصر، يوم الخميس ثالث عشري شعبان، واشتهر في دمشق أنه قتل جماعة من جماعته، منهم الوزير الكبير يونس باشا في الخطارة، ووضعت الحوطة على مال يونس بدمشق، وأخذ للخنكار .

وفيه ورد مرسوم بعزل نظام الدين المفتش دار، المتكلم في الأوقاف، الذي كان جاء إلى دمشق لأجلها، فأخرج من سكنه الذي كان نازلاً فيه، وهو بيت القاضي المزلق، وهو كالضعيف المحمول - وفيه سافر ... الخنكار.
وفي يوم الخميس خامس عشره توجه الولوي بن الفرفور إلى ملاقاة الخنكار - وفي يوم الأحد ثامن عشره دخل من مصر جماعات من ... نودي بتعزيل الطرقات لأجدل دخوله، فعزلت، ثم أرسل الله المطر في اليوم المذكور.
وفي يوم الثلاثاء العشرين ... حادي عشريه، وهو سابع تشرين الأول ... من مصر إلى دمشق، في أبهة حافلة بخلق كثير، ونزل بالقصر الظاهري بالميدان الأخضر، بعد أن مر على جامع تنكز، وحطت العربات عند سيدي حماد، في البساتين، وتفرقت عساكره فيها وفي الجنينات والمزارع، ونصب سوقه تحت القلعة، ثم نادى بالأمان والاطمان، وشاع بدمشق أنه لا يقيم سوى ثلاثة أيام، ثم شاع غير ذلك.
وفي يوم الخميس الثاني والعشرين منه، تطلبت العساكر البيوت للنزول بها، فهجموا على النساء، وتضرر الخلق بذلك ضرراً زائداً، وتحقق بهذا أن الخنكار عزم على الإقامة بدمشق؛ فغلت الأسعار، وبيع رطل اللحم باثني عشر درهماً، والسمن بستة وثلاثين - وفيه نودي للمعمارية والحجارين والترابة أن يجتمعوا لعمارة المكان الذي ينزل فيه الخنكار.
وفي يوم الجمعة ثالث عشريه صلى الخنكار بالجامع الأموي الجمعة، وكان الخطيب الولوي بن الفرفور؛ ثم صلي على الشيخ الإمام العلامة عبد النبي المغربي الدمشقي المالكي، وكان توفي ليلة هذه الجمعة عند المغرب، ولم يصل الخنكار على أحد من الدمشقي سواه، وكانت له جنازة حافلة، حملت على الأيدي، وحضرها القضاة المنفصلين، خلا المالكي، فإنه كان قد توجه إلى مدينة غزة، ودفن عند شيخنا البرهان بن عون عند عبد الجبار بمقبرة باب الصغير.
وفيه نودي بدمشق أن تحضر عرفاء الحارات، ومع كل عريف ثلاثة أو أربعة أو خمسة من الأكابر، ويحصروا عدد البيوت، وتكتب أسماؤهم، فحضروا يوم السبت وفعلوا ذلك.
وفي يوم السبت رابع عشريه طلع الولوي بن الفرفور إلى تربة المحيوي بن العربي المشهورة به، وكانت تربة ابن الزكي، ومعه معلم السلطان شهاب الدين بن العطار وجماعة، وهندسوها لبناية جامع بخطبة بإشارة الخنكار.
وفي يوم الأحد خامس عشريه طلع الولوي بن الفرفور، وقاضي العسكر ركن الدين بن زيرك، واشتروا بيت خير بك، دوادار منشئ المدرسة الحاجبية، من مالكه رزق الله، بستة آلاف درهم، ليوسعوا به الجامع، وعين مشد من أتباعه على العمارة، وحط عنده عشرة آلاف دينار بسببها، وسكن بزقاق القرعوني بالقرب من العمارة المذكورة - وفيه وقع مطر كثير، فزاد تشويش الأروام على الناس في بيوتهم.
وفي يوم الاثنين سادس عشريه شرع في هدم المسجد الذي كان جدده شهاب الدين بن الصميدي، لصيق قبر المحيوي بن العربي، وطمت البحرة العميقة نحو رمحين، التي كانت قدامه، والخلاوي.
وفي بعد ظهر هذا اليوم، وكانت الأرض قد يبست، والسماء صاحية، والشمس طالعة، فغيمت السماء، وتراكم السحاب، ثم مطرت مطراً قوياً، بحيث أنه نزل التراب الأحمر والطين عن الأسطحة، ولم أعلم أني رأيت مثله، واستمر نحو سبع درجات، ثم طلعت الشمس وأصحت.
وفي يوم الثلاثاء سابع عشريه نودي بالحج من الطريق الشامي، وعين له أمير من الأروام، ومعه عسكر. وفي آخر هذا اليوم حصل برق ورعد شديد ثم برد ساعة، ثم انقطع.
وفي يوم الأربعاء ثامن عشريه خرج جان بردي الغزالي من دمشق، بجماعة كثيرة، إلى بلاد حوران. وفي يوم الخميس تاسع عشريه سافر جماعات من الأروام إلى بلادهم أدنة وغيرها، بإذن الخنكار لهم - وفي هذه الأيام انتقل قاضي القضاة زين الدين العابدين الرومي الحنفي، إلى بيت محب الدين الموقع، قبلي القيمرية الكبيرة.
وفي يوم الجمعة سلخه طالعت الأروام من القلعة سنجقاً أحمر، ليس عليه طراز، وفي رأسه هلال، شبه سنوبرة، من فضة مطلية بذهب، إلى الجامع الأموي، ونصبوه في الباب الأوسط من الأبواب الثلاثة التي تحت قبة النسر، على العادة في وضعه، وغيروا سنجق الجراكسة، وهو كان من حرير أصفر أطلس، بطرز مزركش، بشراًَ ريب، وهلاله من ذهب، شبه نعل المصطفى، وكن أكثر بهجة، وخرجت معه النقارات والمشعلين الملبسين على عادة الجراكسة.

وفي يوم السبت أصبح العيد الصغير، وسلم الناس على السلطان الملك المظفر سليم خان بن عثمان وهو بالميدان، قيل وصرف ملك الأمراء شهاب الدين أحمد بن يخشى أُغلى عن نيابة الشام، فسافر، قيل ونزل بالقابون الفوقاني قاصداً السفر.
وفي يوم الأحد ثاني شوال منها، طلع الخنكار إلى عند المحيوي بن العربي، ليرى ما هندس من العمارة، فأمر بشراء حمام الجورة، لصيق تربة المحيوي المذكور، وهو وقف عليها، ليوسع به الجامع المتقدم ذكره، فشري من الجمالي بن القرعوني الناظر عليه بمائة دينار، خلا قدريته، ثم فرق هناك دراهم كثيرة، وأنشد محمد الجعيدي وجوقة قصيدة مذيلة بخفيف، فرسم لهم بألف درهم، ثم ذهب إلى مقام برزة فزاره، ثم عاد إلى مخيمه.
وفي يوم الثلاثاء رابعه توفي حسن، أخو خصيص الخنكار حليم شلبي، ووضع في سحلية، وحمل إلى الصالحية في خلق كثيرة، منهم قاضي العسكر ركن الدين بن زيرك، وأعيان الباشاوات، وبعض رؤساء دمشق، وبعض فقهائها، ودفن عند رجلي المحيوي بن العربي إلى جانب الشيخ محمد البلخشي من الشمال، وفرق عنده دراهم كثيرة، واستمرت القراءة عنده سبعة أيام.
وفي يوم الأربعاء خامسه أتى قاضي العسكر إلى بعض الحارات، وطلب عرفاء الحارات ليطلب منهم من كل دار ما يفضل عن الرجل وعياله من القمح والشعير، ويعطي ثمن ذلك، فتريب الناس من ذلك، والحال أن المغل في البلاد والمخازن كثير.
وفي يوم الخميس سادسه انتقل السلطان الملك المظفر سليم خان بن عثمان من الميدان الأخضر إلى الدار التي كان سافر منها إلى مصر، المعروفة قديماً بدار سودون عبد الرحمن، ويومئذٍ بتنيم مملوك سيباي، وجعل قيسارية القواسين مطبخاً، كما كان فعل قبل سفره، والدهليز المبلط الذي من بيته إلى الحمام، قبلي المدرسة الخاتونية العصمتية، ممراً إلى الحمام المذكور، كما كان فعل قبل سفره أيضاً.
وفيه أخذ قاضي البلد زين العابدين بيتاً بالصالحية له ... مشداً على العمارة الخنكارية بها، ثم لم يتم ذلك. وفيه شاع أن الولوي بن الفرفور الشافعي تحول حنفياً، بواسطة تطلبه لكتبهم من النجم الزهيري والشمس بن البهنسي وغيرهما، والظاهر أن تطلبهم لأجل الأروام، لا لنفسه.
وفيه عزل القاضي شهاب الدين بن البغدادي الحنبلي عن قضاء الحنابلة، بسبب وقوع الشر بينه وبين المحضر. وفي ليلة الاثنين عاشره توفي الرجل الصالح، القارئ، الحسن، المجذوب في آخر عمره، شهاب الدين العرابي ثم الدمشقي، بمسجد النحلة، وهو في عشره السبعين.
وفي ليلة الثلاثاء حادي عشره نودي بدمشق بأن القفول والمسافرين يستمرون على عادتهم من غير اعتراض عليهم، وكان قبل ذلك نودي بخلاف ... الناس إبطال الحج من الطريق الشامي.
وفيه توفي الرجل الصالح المعتقد شيخ الزاوية الحيدرية، شمال التربة الجكمية، خليفة التركماني ثم الدمشقي ... جانب كبير ويلف عنقه بمئزر أسود. وفي يوم الجمعة رابع عشره تحقق أن الجح الشامي بطل، بعدم طلوع السنجق ... محمد بن ساعد، قال إن العربان مختلفون، ولم يمل الأخيضر فيخاف على الحج عن العرب ومن .... تحت كهف جبريل عن ولد صالح. وفي يوم السبت خامس عشره فوض قاضي القضاة الرومي للزيني بن الرجبي قضاء الحنابلة، عوضاً عن شهاب الدين بن البغدادي.
وفي يوم الأحد سادس عشره، وهو أول تشرين الثاني، توفي الشيخ المعتقد الصالح الصوفي عبد الهادي الصفوري ثم الدمشقي، بقبر عاتكة، ودفن شرقي شباك مسجد المحدثين، المعروف قديماً بمسجد داود، وحديثاُ بمسجد الطالع، بعد أن حفر له قبر بالصالحية شمالي السبكيين، عند قريبه الشيخ عبد الرحمن؛ وحضر جنازته السيد كمال الدين بن حمزة، وجلق من الصوفية وطلبة العلم، وتأسف الناس على موته.

وفي يوم الخميس العشرين منه توفي حليم شلبي خصيص السلطان، ويقال إمامه وشيخه، الذي كان السبب في عمارة الخنكار الجامع عند المحيوي بن العربي؛ وطلعت الأروام على مآذن الجامع الأموي، وأعلموا بموته على عادتهم، وصلي عليه، وعلى مقرئ مماليك الخنكار، بالجامع الأموي، الولوي بن الفرفور، وخلق خلفه من الأعيان وغيرهم؛ ثم حضر الملك المظفر سليم خان بن عثمان بالجامع المذكور. فأعاد الصلاة عليهما ثانياً الولوي المذكور إماماً، وصلى الملك المذكور عليهما خلفه، ثم حملا إلى الصالحية، ومشى معهم إليها قاضي العسكر ركن الدين بن زيرك، وخلق لم نشاهد مثلهم؛ وحملوا حليم شلبي في سحلية على أيدي العسكر، وشاشاه عليها، ودفن إلى جانب الشيخ محمد البلخشي، من القبلة بتربة المحيوي المذكور؛ وأما الجنازة الأخرى فدفنت بالبعد منه إلى جهة الشمال، وفرق ثمة دراهم وكذا، بالجامع الأموي.
وفيه توفيت زوجة الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، بنت الخواجا بن المزلق، وهي التي بنت الحمام لصيق بيتها بزقاق المدرسة الطيبة، تجاه تربة زوجة نائب الشام تنكز، ودفنت بتربتهم شرقي مسجد الذبان.
وفي ليلة الثلاثاء ثالث ذي القعدة منها، شرع في عمارة قبة على المحيويي بن العربي، فحفروا عدة قبور وخشاخيش، وبنوا مكانهم أساساتها، وفعلوا ذلك ليلاً خوفاً من كلام الناس، وظناً منهم أن ذلك لا يطلع عليه أحد. وفي يوم الأربعاء رابعه أشيع عزل الدفتردار نوح الذي بدمشق.
وفي يوم الجمعة سادسه حضر الملك المظفر سليم خان بن عثمان في المقصورة بالجامع الأموي، وأغلقت عليه وعلى أعيان من معه، ثم خطب الولوي بن الفرفور، ثم صلى صلاة الجمعة على طريقة الحنفية من سرعة الانحطاط من القومة من الركوع، والقومة من السجود الأول، فلما فرغ منها قام للتنفل على قاعدتهم فتيقن جمع من الشافعية، ومنهم شيخنا المحيوي النعيمي، انتقاله لمذهبهم ولا قوة إلا بالله.
والناس في شدة من أمور، منها غلاء الأسعار في كل نوع، ومنها الطرح على كل نوع، ومنها الطرح على كل حارة قدراً معلوماً يؤخذ منهم من القمح، ومنها نزل الأروام عليهم في بيوتهم في هذا الشتاء.
وفي يوم السبت سابعه جلس قاضي وقاضي زاده البلد الرومي زين العابدين بمشهد عروة، المعروف الآن بمشهد الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، بالجامع الأموي، وعندهم الجمال بن القرعوني الصالحي، والولوي ابن بنت الخمراوي، والشمس بن منعة، وجماعته، وجاؤوا بديوان الجيش إلى عندهم، وبالشيخ حسن البيتليدي صاحبنا ليكشف لهم ما يرمونه منه، ونادوا أن من كان عنده نظر وقف فليحضر لنحاسبه عن سنتين، فحضر بعض الناس، فمسكوا مكاتيب أوقافهم، فنفرت منهم الناس وضجوا، وخصوصاً من قاضي البلد، فإنه تقصد أذى الناس وبهدلتهم، ثم أكدوا النداء ثانياً وثالثاً.
وفي يوم الأحد ثامنه بعث هؤلاء ورقة إلى المحيوي النعيمي بالحضور إليهم، ومعه مصنفه الذي لخصته، المسمى بتنبيه الطالب والدارس على بيان مواضع الفائدة كدور القرآن، والحديث والمدارس، فحضر فرآهم يريدون الكشف عن الأوقاف من مصنفه، فقال لهم: إنما العادة إخراج قوائم كشف الأوقاف التي كانت عند فلان وفلان إلى آخر وقت، فقالوا قد أحضرناهم، فقال لهم: في ذلك كفاية، فقالوا: أرنا مصنفك، فلم يخرجه لهم، وأنما أخرج لهم أسماء المدارس مجردة في ورقة.
وفي يوم الخميس ثاني عشر توفي الشريف العباسي الحموي أحد ناظري المدرسة العذراوية، بعد أن جاء من حماة، والحال أن الشريف عبد الرحيم العباسي الحموي، جاء من مصر مع الخنكار في زي الأروام، وهو نازل عند القاضي رضي الدين الغزي.
وفي يوم الجمعة ثالث عشره توفي المعلم ابن لمبزوة الطحان، وكان لا بأس به، يحب أهل الخير ويقف في خدمتهم. وفي يوم الاثنين سادس عشره توفيت الشيخة الصالحة المصنفة صاحبة النظم الفاق أم عبد الوهاب بنت الباعوني، ودفنت بأعلى الروضة، والحاجة الصالحة المعتقدة زوجة ابن العم البدري بن قنديل، أم أحمد بنت الصلخدي، ودفنت بمقبرة باب الفراديس.
وفي يوم الأربعاء ثامن عشره بعث خلفي المحب ناظر الجيش الشمس بن السجان، وخلف المحيوي النعيمي المحب بن سلطان مشهد الجبرتية، فسألنا عن أسماء جماعة من واقفي المدارس، فأخبرناه بغالب مراده، لأجل إثبات الأوقاف للمدارس عند قاضي الأروام زين العابدين.

وفي يوم الاثنين ثالث عشريه دخل إلى دمشق شخص مقيد من تحت بطن فرسه، يقال إنه من جواسيس الخارجي إسماعيل الصوفي، مسك فأخبر أن كشافة الصوفي المذكور وصلت إلى قرى آمد، واتقعت مع كشافة أمير آخور الملك المظفر سليم خان بن عثمان، وكل منهما كسب من الآخر، فقرطوا عليه، أخبر بأن قرجمد أحد باشات الصوفي عزم على التوجه إلى آمد، وأرسله يحبس له البلاد.
وفي يوم الثلاثاء رابع عشريه شرعت الأروام في قراءة سورة الأنعام، تحت قبة النسر بالجامع الأموي، قبلي المصحف المؤيدي الذي بيدي، وغالباً كنت أقرأ فيه وهم تحتي يقرأون، وإذا وصلوا إلى بين الجلالتين دعوا على الصوفي المذكور، واستمروا على ذلك أربعين نهاراً، وهم نحن الثلثمائة وستين نفساً، وأرسلوا إلى مدرسة أبي عمر بالصالحية يقرأونها كذلك.
وفي يوم الاثنين سلخه أقيمت العواميد الأربعة بجامع الخنكار، الذي جدده عند تربة المحيوي بن العربي، بعد أن جيء بهم على عجل من إيوان اصطبل دار السعادة، الذي كان بناه جان بلاط في حال نيابته دمشق، ويقال إن جان بلاط أتى بهم من تربة الملك الزبال، من محلة تربة باب الفراديس. وفي هذه الأيام عزل القاضي تقي الدين القاري عن نظر الحرمين، وتولاها بركات الواعظ.
وفي يوم الجمعة رابع ذي الحجة منها، ركب قاضي حلب، زاده، وقاضي البلد، زين العابدين الرومي، والقاضي محيي الدين بن يونس الحنفي المعزول، والولوي ابن بنت الحمراوي، إلى الصالحة للكشف على مدارسها، وبدأوا من الجسر الأبيض بالماردانية، واجتمعت بهم عند الجامع الجديد، ودخلت معهم إليه، وذكرت لهم أنه عامر، فكتبوه في الأوقاف العامرة، ثم ذهبوا وتركتهم.
وفي يوم الثلاثاء ثامنه، وهو يوم التروية، ثبت عند القاضي زين العابدين الرومي، أنه يوم عرفة، بشهادة خمسة أنفس على رؤية هلال ذي الحجة، ولم يكن بالسماء غيم، فأنكرت عليه إثبات هذا الشهر بهذا القدر، فإن مذهبه مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه في ذلك، أنه لا بد من شهادة جمع، واختلفوا في عدتهم، فأقل ما قيل فيهم إنهم ثلاثون، كما نقله الفخر الزيلعي.
ثم صعد الملك المظفر سليم خان بن عثمان إلى الصالحية، ورأى ما بني من الجامع الذي امر ... وفرق ثمة خمسين ألفاً عثمانياً - وفي يوم الأربعاء ... وأرسل الخنكار إلى ... وأشعلت لأجله الثريات، والسنوبرة تحت قبة النسر، والسراج بباب الجامع الشمالي، ثم فرق ثمة مائة وخمسين رأساً من الغنم، وعشرين جملاً مذبوحين، ورأت الناس حينئذٍ عموداً من نور على المئذنة الشرقية بالجامع المذكور، فقال بعضهم: هذا ملك، وقال بعضهم: هذا استخدام مع الخنكار، وشاع ذلك عند الوزراء والباشاوت وأرباب الدولة، ثم تحرر أنه دخان بعض الحمامات القريبة منها، عقد عليه السحاب وضربته الشمس فظنوه نوراً، والله أعلم.
وكانت الأضحية في هذا العيد قليلة، من الغنم والمعز والبقر، ولم توجد من الجمال، والناس في شدة من غلاء الأسعار، ونزول الأروام عليهم. وفي هذا اليوم توفي الرجل الصالح، مؤدب الأطفال بمسجد كاووز، بميدان الحصى، عبد العظيم بن إبراهيم العطار ثم الكيال، والمبارك أبو عبد الله الأخفافي أخو المرحوم برهان الدين القيراطي.
وفي يوم الخميس حادي عشره ذهبت إلى عند شيخنا علي أحمد، مدرس ديار بكر، الحنفي، وهو نازل عند قاضي زاده تلميذه، ببيت ابن المزلق، فعيدته، وقال لي: إن رأيت أن أركب معك إلى قاضي العسكر الكبير، ليقررك فيما تختار من تداريس مدارس الحنفية وأنظارها، ولو كان عمك القاضي جمال الدين بن طولون، مفتي دار العدل الحنفي، هنا لذهبت معه إلى الخنكار، ليعينه في قضاء دمشق، عوضاً عن قاضي البلد زين العابدين، فإنه غير مقيم فيها، ولكني متشوش بسبب غيبته في مكة؛ فقلت له: حتى أستخير الله تعالى في ذلك؛ ثم قال لي: وإن شئت ألزمت قاضي العسكر المذكور بتعيينك لخطابة جامع الخنكار، وإمامته، والتدريس به، إن قرر به مدرساً، وذا أنسب لك، لقربك منه، مع عدم منازع لك في ذلك، لقلت له: إن الخيرة فيما يختاره الله تعالى.

وفي ليلة الجمعة ثاني عشريه وقع مطر كثير، ثم أصحت إلى أول يوم السبت، فوقع أيضاً مطر كثير، بحمد الله. وفي يوم السبت المذكور، وهو ثالث عشره، عزل القاضي شهاب الدين الرملي من نيابة القضاء، وسبب عزله، فيما قيل، عجزه عن الذهاب إلى دار الحكم، بسب أوجاع تعتريه في رجليه، وعزل معه ولده الأكبر عن الشهادة، وولى عوض شهاب الدين المذكور البرهاني بن الإخنائي، وعوض ولده الشمس الكفتي.
وفي هذا اليوم دخل إلى دمشق فيلان، وقط زباد، أهداهم خير بك نائب الخنكار بمصر، منها إليه. وفي يوم الأحد رابع عشره عزل الخنكار للدفتردار الكبير محمد الحقير، كبير نظام الدين، وسجنه بالقلعة الدمشقية، وأخذ موجوده. وفيه عين قاضي زاده النظام، إلى التوجه إلى الديار الحلبية، لتحصيل الغلات منها، لأجل مجيئه إليها.
وفي يوم الأربعاء سابع عشره عين قاضي العسكر الكبير ركن الدين بن زيرك، النازل ببيت الولوي بن الفرفور، له لخطابة الجامع الخنكاري، الذي أنشأه عند المحيوي بن العربي، وهو إلى الآن لم يفرغ أول مرة.
وفي يوم الجمعة تاسع عشره نودي بالصالحية أن أهلها الكبار والصغار يحضرون إلى عند الصوباشي، لأجل فريضة تفرض عليهم، وقدرها على كل شخص أشرفي، فتشوش الناس بسبب ذلك، وقيل هذا يسق العثمانية في بلادهم، على كل شخص في كل عام، ووجه إلى سائر الحارات، وجميع المملكة، حتى القاهرة بذلك.
وفي ليلة السبت العشرين منه توفي القاضي شهاب الدين الرملي، المعزول قريباً عن نيابة القضاء، ودفن بمقبرة باب الصغير، ولم يدخل محراب الجامع الأموي أحسن قراءة منه، وحزن الناس عليه.
وفي يوم الأحد ثامن عشريه أعطى الخنكار للأمير محمد بن قرقماس، النيابة على بيروت، وعلى صيدا، والتقدمة على بلاد البقاع، وما والاهما، مما هو في تقدمة الأمير ناصر الدين بن الخنش، وما كان زاده للأمير ناصر الدين المذكور على ذلك، من إقطاع الأمرية الكبرى، وذخيرة ابن السلطان، وإقطاع نوى، وشاع أن الخنكار عزم على التوجه إلى هذه البلاد البقاعية، للقبض على الأمير ناصر الدين المذكور، وعلى من عنده من الجراكسة الفارين.
وفي يوم الاثنين تاسع عشريه توجه الخنكار من جهة القبيبات، ليلاً على الشمع الموكبي بيد الأنكشارية، ولحقه غالب عسكره، وأربع عربات، للقبض على الأمير ناصر الدين بن الحنش.
سنة أربع وعشرين وتسعمائةاستهلّت والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عبد الله محمد بن المستمسك بالله أبي الصبر يعقوب العباسي، وهو قد وجّه مرّسماً عليه من مصر إلى إصطنبول في البحر؛ وسلطان مصر والشام وما مع ذلك ملك الروم المظفر سليم خان بن يزيد محمد خان بن محمد خان بن مراد خان بن محمد خان بن أبي يزيد، وهو الذي قبض عليه الطاغية تيمورلنك، وقد تقدّم ذكر نسبه إلى عثمان، وبيان عثمان هذا من هو؛ وقد كان نائبه بدمشق شهاب الدين أحمد بن يخشى أوغلي، فعزله، وإلى الآن لم يولّ لها نائباً، وسيأتي أنه ولّي بها نائباً جان بردي الغزالي، وقاضيه بها زين العابدين بن الفنري الرومي الحنفي؛ ونائبه من الحنفية شمس الدين بن البهنسي، ومن الشافعية البرهاني بن الإخنائي، ومن المالكية شمس الدين الخيوطي، ومن الحنابلة الزيني بن الرجيحي؛ ونائب القلعة حمزة الرومي.
وفي يوم الأربعاء مستهلّ المحرم منها، ذكر لي شيخنا المحيوي النعيمي: قد اختلّت قاعدة يوم صومكم، يوم نحركم، يوم رأس سنتكم، فإن الصوم كان يوم الخميس، ويوم الأربعاء المذكور هو ثالث عشره كانون الثاني.
وفي يوم الثلاثاء سابعه دارت أعجام يندبون الحسين، رضي الله عنه، في أسواق دمشق، وطلعوا إلى الصالحية، ومعهم سنجق، وباسوس مملوء دراهم، فصاحت صوفية دمشق، وذهبوا إلى القاضي زين العابدين الرومي، وأخبروه بهذه البدعة، فأمر بالقبض عليهم، ففتّشوا عليهم، فرأوهم في سوق جقمق، فربطوهم وجاؤوا بهم إلى القاضي المذكور، فأمر بكسر سنجقهم وضربهم، فخرجوا هاربين.
وفي يوم الأربعاء ثامنه، وهو آخر الأربعين، ورد جماعة من الأروام قصّاد، قيل ومعهم رؤوس من عسكر الخارجي إسماعيل الصوفي، وشاع منهم عنه أنه هرب مخذولاً، وذهبوا إلى الخنكار ليخبروه بذلك، وهو بشقحب.

وفي يوم الجمعة، يوم عاشوراء، أخبرت أن الخنكار لما خرج من دمشق، نزل ومن معه بالبلد المشهور بالدار والجنية، وأنه مكث بها عدة ستة أيام، ثم رحل منها ونزل بمنزل الأمير ابن القوّاس بشقحب، وأنه بها إلى الآن؛ وأن الأمير ناصر الدين بن الحنش رئي ومعه خلق كثيرة، وهم سائرون بالجولان.
وفي هذا اليوم وصل إلى دمشق كتب الحاج المصري، وأن أميرهم كان ناظر الخاص التركي، وأن الوقفة كانت يوم الأربعاء وموافق لقاعدة يوم صومكم، يوم نحركم، يوم رأس سنتكم. - وفي هذه الأيام نودي بألا يسافر أحد إلى البلاد الحلبية.
وفي يوم السبت حادي عشره رجع الخنكار من شقحب إلى دمشق، وتحرّر أن الأمير ناصر الدين بن الحنش هرب منه، وأن الأمير ابن طربية حضر عليه وجماعته.
وفي الأحد ثاني عشره ورد من اصطنبول إلى دمشق الأمير بريّ باشا، وقيل لأجل نيابة دمشق، وليس كذلك، بل ليقيمه في أوائل ديار بكر، لأجل الخارجي إسماعيل الصوفي؛ وهو مزوّج بقريبة القاضي علاء الدين بن الفيقي الأسمر، فتعرّف به وخلّص له نظر المارستان النوري من يد ملاّ علي الرومي، ثم ساعد ملاّ على بعض الباشاوات فبقي على نظره، وأعطى نيابة النظر للقاضي علاء الدين المذكور.
وفي يوم الاثنين العشرين منه، وهو أول شباط، وضع منبر الجامع الجديد، الذي رسم الخنكار ببنائه بالصالحية، على تربة المحيوي بن العربي، عقيب قدومه من مصر. - وفيه رسم ببناء تكية شمالي الجامع المذكور. - وفي يوم الخميس ثالث عشريه طلع خام الخنكار إلى المصطبة السلطانية، عند القابون الفوقاني.
وفي يوم الجمعة رابع عشريه ركب الملك المظفر سليم خان بن عثمان وجاء إلى الصالحية، ودخل جامعه المذكور، وصلّى الجمعة، وخطب به الولوي بن الفرفور، وكان معه قاضيا العسكر، والوزراء، والدفتردار، وخلق كثير، حتى إن غالب أسواق دمشق قفلت في هذا اليوم، وهرعت الفقراء والشحاذون والنساء رجاء الصدقة عليهم.
ثم رجع الخنكار إلى منزله عقب الصلاة، وهذه الخلق داعية له، وقد همّ على الرحيل من دمشق، ثم جلست النساء بالجامع المذكور، والرجال بالمارستان القيمري، وفرّق على كل منهم جراباً من فضّة دمشقية، ما بين أربعة، وستة، وعشرة، وعشرين، وثلاثين، ويقال إنه أعطى الخطيب نحو العشرة آلاف درهم، وكاد الناس أن يقتل بعضهم بعضاً من شدة الزحام، وكان طبخ ناظر الجامع الأموي، حينئذٍ التقي باكير، وقد أعطى نظر الجامع المجدد، والتكية أيضاً، عدة ألوان من الطعام، فلم يأكل الخنكار منها شيئاً، وأكل من دونه، وقيل سبب عدم أكله أنه استقل الطعام، وكان القصد تكثيره .
وفي عصر هذا اليوم صلى صلاته في الجامع المجدد المذكور، الخطيب المذكور .
وفي عشيته ندبني ناظره التقي باكير إلى الصلاة فيه، فامتثلت أمره وشرعت في الصلاة من المغرب، فقرأت فيها قوله تعالى: " ماكان للمشركين أن يعمروا مساجد الله " الآية .
وفي يوم السبت خامس عشريه أتى بجمال كثيرة، حملت من مطبخ الخنكار وغيره أحمالاً كثيرة، وخرجوا إلى المصطبة المذكورة .
وفي يوم الأحد سادس عشريه قبض على المحبي ناظر الجيش، معتقلاً على سبعين ألف دينار، قيل إنها مقتطعة عنده للسلطان الغوري، بعد أن أخرجت عنه المدارس التي كانت بيده، فأخذ نظر العزية البرانية النجمي بن الزهري، ونظر العذراوية الولوي ابن بنت الحمراوي، ونظر المقدمية الجوانية الشمس بن الأكرم، إلى غير ذلك، وسلم لمصطفى باشا أحد الدواوين .
وفيه ربط شخص من الأروام في حبل،، مربوطاً في دابة، وطيف به ظاهر دمشق مسحوباً، ثم إنه خوزق تحت القلعة في بطنه، واستمر يتحدث إلى العشاء، فجاء المشاعلي فذبحه حتى مات، ولم ير أبشع من هذه القتلة، ويقال سببها أنه قتل أستاذه وأخذ ماله .
وفيه قيل عين الشهاب بن المؤيد الشاهد، والتقي بن عبد المحسن الفلكي، للسفر مع الخنكار، وقدر لأولهما في كل يوم خمسين درهماً، ولثانيهما ثلاثين، ثم لم يتم ذلك .
وفيه سمح للمقطعين بإقطاعهم، ولأرباب الوظائف الأهلية بها .
وفي يوم الاثنين سابع عشريه طلع الخنكار من دمشق مخرجاً حسناً إلى المصطبة المذكورة؛ بجماعة كثيرة، وسخرت الناس في مسك الخيل وغيرها، ومنهم التقي بن البطائني، وتضرروا بسبب ذلك .

وفيه شرع في الجباية على كل شخص أشرفي داخل البلد، ولم تؤخذ على هذا المنوال، بل عدت الأشخاص وما يطلع عليهم على حساب كل منهم أشرفياً، ثم وزعت الجملة على الأشخاص على قدر مراتبهم في الغنى والفقر والتوسط بينهما، وأشيع أن الصالحية عفي عنها بسبب المحيوي بن العربي، ولم يؤخذ ... منها .
وفي يوم الأحد ثالث صفر منها، خوزق الخنكار بالمصطبة ثلاثة عشر نفساً من خزنداريته وبوابيه، بسبب فقد مال من خزانته، واختلفا في قدره، فقيل ألفا درهم ومائتان، وقيل ألفا قبرصي .
وفيه حضر من مصر دوادار النائب بها خير بك، إلى دمشق .
وفي يوم الاثنين رابعه، وهو خامس عشر شباط، نودي بدمشق والخنكار بالمصطبة بأن لا يبقى أحد بدمشق، بعد يوم الثلاثاء، من الأروام، بل الكل يسافرون، وتوعد من يخفي أحداً منه .
وفي يوم الثلاثاء خامسه فوض الخنكار نيابة دمشق لجان بردي الغزالي، ومعها من بلاد المعري إلى عريش مصر، على مال معين، قيل قدره مائتا ألف دينار وثلاثون ألف دينار، وأضاف أمر الجراكسة، بدمشق من الحجوبية والكبرى والثانية، ودوادارية السلطان، وأمرة ميسرة، وغير ذلك من الأمريات، إليه .
وفي ليلة الأربعاء سادسه أرسل الخنكار لجان بردي الغزالي المذكور، لكشف أخبار الخارجي إسماعيل الصوفي، الذي قيل إنه أرسل للخنكار هدية عدة ثمانية عشر قطعة من المعادن الخاصة، وأنه يطلب الصلح، هكذا قيل .
وفي يوم الخميس سابعه ركب الخنكار من المصطبة وأتى إلى حمام الحموي، غربي مسجد القصب، ودخل بجماعة معه، فاغتسلوا وحلقوا، ثم خرجوا وركبوا ورجعوا إلى المصطبة .
وفي يوم الجمعة ثامنه فوض الخنكار قضاء دمشق لولي الدين ابن قاضي القضاة شهاب الدين ابن الفرفور، بعد أن شاع أنه صار حنفياً، وجعلت القضاة الأربعة من تحت يده، وكذا القضاة من غزة إلى حمص، فأقر نواب الحكم الأربعة بدمشق على حالهم، وهم ابن البهنسي من الحنفية، وابن الإخنائي من الشافعية، وابن الخيوطي من المالكية، وابن الرجيحي من الحنابلة .
وفي يوم الأحد عاشره رجل الخنكار من المصطبة متوجهاً إلى بلاده، وتوجه معه الولوي بن الفرفور مودعاً، والمحبي ناظر الجيش معتقلاً، وكذا نائب صفد طربية، وحاجب دمشق الكبير صنطباي، بعد أن أطلقا من القلعة يوم الثلاثاء خامسه للتأهب للسفر؛ ثم إنه بلغني أن الولوي والمحبي المذكورين ترافعاً، وجعل على كل منهما عشرة آلاف دينار .
وفيه تحرر أن جان بردي الغزالي إنما سبق الخنكار لتأهبة الضيافة له على حمص .
وفيه دخل جماعة من الأروام الحجاج إلى دمشق .
وفي يوم الخميس رابع عشره سافر حريم ابن السلطان قانصوه الغوري، الذي تزوج بنت نائب الشام سيباي، إلى اصطنبول، ولا قوة إلا بالله .
وفي يوم الأربعاء عشريه دخل من مصر إلى دمشق نحو خمسمائة أنكشاري من مماليك الخنكار، ونزلوا بالمصطبة لاحقين به .
وفيه بلغني أن المقدم ناصر الدين بن الحنش رجع إلى بلاده، وأن جماعة من عنده ذهبوا لملاقاة النائب جان بردي الغزالي، ليشفعوا له في الاستمرار على عادته. وفي يوم الخميس حادي عشريه نودي بدمشق بأن زعر كل حارة تلاقي ملك الأمراء جان بردي الغزالي غدا يوم الجمعة.
وفي بكرة يوم الجمعة ثاني عشريه دخل دجان بردي المذكور، راجعاً من توديع الخنكار، إلى دمشق، وتلقته الأمراء الباقون بدمشق، وشباب حاراتها، لابسين العدد، وقدامه الأنكشارية ورماة النبدق، وعدتهم نحو الخمسمائة، وهو لابس زي الأروام، ونزل عند الشامية البرانية؛ وأمر بعمارة دار السعادة واصطبلها، فشرعوا في ذل عجلاً، ثم نادى مناداة حسنة بأن لا ظلم ولا عدوان، وأن رؤوس النوب والنقباء ومشائخ الحارات بطالون.
وفي يوم السبت ثالث عشريه دخل من مصر إلى دمشق أحد المقدمين من الجراكسة، أزبك الناشف، وقد شفع فيه ليلحق الخنكار، وصحبته أنسباي الحاجب، وقانصوه العادلي. وفي يوم الأحد رابع عشريه نودي بدمشق، عن النائب الغزالي المذكور، بأن لا يبيت أحد من الأروام وخدامهم بدمشق، ومن خالف جاز شنقه.

وفي يوم الاثنين خامس عشريه فوض النائب وظيفة الحسبة العلاء الدين بن القصيف على مال. وفي يوم الجمعة سلخه نقلت الشمس إلى برج الحمل، وهو أول الربيع، واللحم قليل ورطله باثني عشر درهماًُ، والخبز ما بين ثلاثة إلى أربعة، والزيت باثني عشر درهماً، والشيرج بنحوه، والدبس والأرز بثمانية.
وفي ليلة الأربعاء ثاني عشره أعيد دق الواحدة والاثنتين والثلاث على الطبل الذي رتبته الست خاتون في القلعة، وعلى أبواب البلد، بعد أن كان أبطله الخنكار، ظناً منه أن ذلك من يسق الجراكسة، وإنما هو من يسق الأكراد، وفيه نفع عام لأهل البلد وضواحيها، وفرح الناس بذلك سيما العباد.
وفيه زال المسجد الكائن في الشارع قدام بابا جامع الخنكار، الذي أنشأه عند تربة المحيوي بن العربي، وشبابيك التكية، أنشأه أيضاً، ويعرف بمسجد ابن سعد الحلواني، ومن شرطه فيه أن يكون إمامه حنبلي المذهب، هده مشد العمارة الخنكارية ليتوسع قدام بابها، وهد معه الدكان والطباق وقفه إلى جنبه، وحسنت للمشد المذكور أن يجعل مكان بقعته صفة احتراماً له، وتكون معدة للصلاة على الجنائز، فإن مذهب أبي حنيفة أنها لا تدخل إلى الجوامع، وهو مذهب الخنكار المنشئ للعمارة المذكورة، فلم يفعل وصارت من جملة الشارع، وكان ابتدئ في هدمه من يوم الجمعة ثامنه.
وفي يوم الخميس ثالث عشره دخل أصلان، دوادار النائب، راجعاً إلى دمشق وصحبته، مشائخ كثيرة من شيوخ البر، بهدايا كثيرة لأستاذه. وفي يوم السبت خامس عشره عزل علاء الدن القصيف من الحسبة، وفوضت لشهاب الدين المصري، الضامن لغالب خانات دمشق، التي للأطعمة.
وفي يوم الأحد سادس عشره أعيد علاء الدين بن القصيف إلى الحسبة، وكبر عليه جماعة من أعوان المعزول. وفي يوم الاثنين سابع عشره عاد قاضي البلد الولوي بن الفرفور من توديع الخنكار، وقد وصل معه إلى حلب، إلى دمشق في موكب عظيم، وقدامه الشهود وقدامهم الأنكشارية، وخلفه النائب وعسكره، وأتى إلى دار السعادة، وقرئ مرسومه بها، ثم توجه إلى منزله.
وفي يوم الخميس عشريه، كان أول نيسان وهو خميس البيض. وفي يوم الجمعة حادي عشريه سافر النائب إلى البلاد البقاعية. وفي يوم السبت ثاني عشريه وقف شهود ... الولوي بن الفرفور وسألوه ....
..... دار العدل من الشافعية، وعمي القاضي جمال الدين بن طولون مفتي دار العدل المذكورة من الحنفية، ولذا لم أصلها بجامع الخنكار التي ... مع أنه شرط في كتاب وقفه، أن تصلي فيه هذه الصلاة، ويشعل الجامع على عادته في رمضان من الثريات وغيرها، وأن يطبخ في التكية في ... كعادة ليالي الجمع.
وفي يوم الخميس سادس عشريه، وهو ثاني أيلول، وقع النائب بجماعة من أهل اليسق، قولاً وفعلاً كالمحضر. وفي يوم السبت عشريه سافر النائب إلى المرج ثم رجع ثاني يوم.
وفي يوم الثلاثاء تاسع رمضان منها، كان عيد الزبيب. وفي يوم الأربعاء عاشره ورد مرسوم شريف خنكاري، لنائب الشام جان بردي الغزالي، فيه إشارة إلى توليته على الجامع الأموي على جاري العادة في أيام الجراكسة، من أن يكون ناظره نائب الشام، كائناً من كان، وعزل ناظره التقي باكير الرومي.
وفي يوم الخميس حادي عشره نودي بدمشق للنائب بالتولية على الجامع المذكور، ونيابة النظر للأمير علاء الدين بن طالوا، وأن لا يشتكي على أحد من سكان وقفه، ولو كان من الشرع، إلا من باب النائب، وأنكر هذا في المناداة.
وفي يوم الجمعة ثاني عشره، عقب صلاتها، صلي غائبة على الشيخ عبد القادر الدشطوطي المصري، توفي بها، وعلى شيخ الصلاحية عبد الرحمن بن جماعة المقدسي، توفي به، بحضور النائب بالمقصورة بالجامع الأموي .
وفي ليلة الاثنين النصف منه، صلى النائب صلاة التراويح بالجامع الأموي، ثم قرأ بعدها الجلال بن البصروي مولداً باسمه، وحضره القضاة والأعيان، وتأثر التقي باكير الناظر المنفصل من ذلك، وعزم على التوجه إلى الروم، فأرسل النائب يخادعه في ذلك، فلم يلتفت إليه، ثم إنه اختشى منه، بسب أن المتولى على البلاد الشامية من قبل الخنكار بري باشا أرسل له مرسوماً، بأنه على جاري عادته في النظر على الجامع المذكور، فصرف له من مال الجامع في كل شهر ألف درهم إلى حين سفره.

وفي صبيحة هذه الليلة داروا بالمحمل دورة دمشق، ومعه خيول ملبسة، وهجن مكورة، وجمال مرحلة، ورجالة مدرعة في مهيع عظيم، وخرج من دار السعادة، وعاد إليها ومعه السنجق، وهما على هيئتهما في أيام الجراكسة، غير أنه مكتوب عليهما اسم سلطان الروم الملك المظفر سليم خان بن عثمان، وجلس نائب الشام جان بردي الغزالي في الشباك الكبير، من شبابيك حرم جامع يلبغا، المطل على تحت القلعة، وجيء بجمل المحمل إلى قدامه فبرك على ركبتيه، ثم نهض كأنه يقبل الأرض له، ثم ذهب إلى الدورة المذكورة.
وفي هذا اليوم نادى النائب على الأشرفي الحلبي بخمسين درهماً، وكان بأربعة وستين وفتضرر الناس بسبب ذلك.
وفي يوم الخميس ثامن عشره، بدار العدل، بحضرة النائب، ثبت الطلاق الثلاث على خشقدم من زوجته أم بنت ملك الأمراء، المرحوم سيباي، وفرق بينهما بعد شر كبير بضربه لها، ثم في المجلسي ادعى الخواجا ابن نكار، الذي كان من خواص سيباي، أن له ديناً على زوجها المتوفى سيباي، فقال النائب: إما أن توفي الدين المذكور، وإما أن تبيع الدار التي خلفها، غربي التربة الشادبكية، بالقنوات، لوفائه.
وفي يوم الجمعة تاسع عشره أعاد قاضي البلد الولوي بن الفرفور، للشمس بن البهنسي، إلى نيابة القضاء، شريكاً للتاج بن القصيف، بعد وزن ثلاثة آلاف درهم لمعيده.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشريه وصل إلى دمشق أولاق مبشراً، بأن أحد باشات الخنكار أخذ قلعتين من بلاد الخارجي إسماعيل الصوفي، وهما قلعة الحديثة وقلعة العانة، مع ما والاهما، فدقت البشائر، ونودي بالزينة في دمشق، واستمرت خمسة أيام.
وفي يوم الأربعاء رابع عشريه اطلع النائب على خزانة ماله، واستفقد منها ثلاثة آلاف دينار، فمسك بعض أخصائه وضربه، فقر على جماعة، فأخذ الذهب منهم، ثم شنقهم مع اثنين كانا في الحبس، في يوم واحد، وهو يوم الخميس ثاني شوال الآتي، وعدة المشنقين ثمانية.
وفي يوم الخميس خامس عشريه رجع دوادار النائب، أصلان، من سفره، الذي كان سافره لأجل أخذ مال من البلاد، لأجل مشاة تخرج مع الوفد إلى الحجاز الشريف.
وفي ليلة السبت سابع عشريه حضر النائب التراويح بالجامع الأموي، وعنده قاضي البلد الولوي بن الفرفور، فصلوها عجلاً. وفي صبيحتها صعد الشاب المسمى بمعروف الحشري، على الكرسي العالي بالجامع المذكور، وتكلم على ختم البخاري، ولم يحضره قاضي البلد المذكور، بل بعث له خلعة على عادة القضاة قبله.
وفي يوم العيد، وهو يوم الأربعاء مستهل شوال منها، توفي الشيخ المفيد نور الدين المصري، المؤذن بعمارة الخنكار بالصالحية، وفي البيمارستان النوري، ودفن عند سيدي بلال، بمقبرة الباب الصغيرة، وفي يوم السبت حادي عشره، وهو سادس عشره تشرين الأول، وقع بدمشق المطر الجديد وقت العصر.
وفي يوم الجمعة سابع عشره خرجت إحدى زوجات النائب، ومعها ولدها منه، منصور، للحج، خروجاً حافلاً في عدة محفات. وفي يوم السبت ثامن عشره خرج الوفد من دمشق، وأميره دوادار النائب الكبير أصلان، وقاضيه قاضي جلجولية وغيرها، شمس الدين بن بليبل اللدي الشافعي.
وفي يوم السبت خامس عشريه رجع أردبش، دوادار النائب سيباي المرحوم، من مصر إلى دمشق. وفي يوم الاثنين سابع عشريه، وهو أول تشرين الثاني، سافر النائب إلى الصيد. وفي ليلة الأربعاء تاسع عشريه رجع إلى دمشق.
وفي ليلة الجمعة مستهل ذي القعدة منها، توفي الرجل الصالح محمد العربيلي الأعمى، كان حفظ القرآن بالتربة الركنية العمدية المنجكية، وكان يركب الفرس ويدور بها في دمشق وضواحيها كالبصير، من غير قائد، وهو غريب.
وفي يوم الأربعاء سادسه كان النائب مشغولاً بأمر الجامع الأموي، فأبطل من مؤذنيه نحو الثلاثين، ووصى أن لا يعطي المدرسين غير المباشرين شيئاً، ومنع العلاء بن طالوا من أخذ معلوم نيابة النظر، وفي يوم الخميس سادسه وصل نائب قلعة دمشق الجديد، محمود، من عند الخنكار، مكان نائبها حمزة المتوفى، وتلقته القلعية فقط.

وفي يوم الأربعاء ثالث عشره أذن الولوي بن الفرفور، قاض البلد، لشهود المراكز بدمشق، أن يشهدوا في أي مكان أرادوا، بشرط أن ما دون المائتين لا يسق عليه، وما فوقها عليه اليسق، ولا .... يوم الخميس رابع عشره ركب القاضي المذكور إلى عند النائب، فأكد عليه إطلاق الشهادة للشهود على جارلي عادتهم ... المناداة بإبطال اليسق، وكل شيء على عادته، ففرح الناس بذلك، ولله الحمد، ثم بلغ ذلك القاضي المذكور، فقفل المحكمة، وهي المدرسة الجوزية، وتفرقت قضاتها والشهود.
ثم في يوم الجمعة خامس عشره ركب القاضي إلى عند ... أمر المحكمة على جاري عادتها، فقال: أنا لم آمر بإبطالها، وإنما أمرت بإطلاق الشهادة للشهود على جاري عادتهم، ثم سأل القاضي للنائب في المناداة بأن ... جاري عادتها، فنودي بذلك، وعادت إليها القضاة وجماعتها من الشهود والمحضر والرسل، واستقر أمرها وأمر البلد على أن من أراد إثبات ورقة يزن ... وهو ستة وعشرون، وفي زواج الكبر ستة، وفي زواج الثيب أربعة ومن لا يثبت لا يسق عليه، وإنما يرضى شهوده.
وفي يوم الاثنين ثامن عشره توفيت ناظرة المدرسة العصرونية، بكرة بنت القاضي ابن منعة، وزوجة القاضي شمس الدين ابن الشيخ عيسى الفلوجي، وحماة القاضي أبي اليمن بن الخيضري، ودفنت بالروضة، شرقي صفة الدعاء.
وفي يوم السبت مستهل ذي الحجة منها، سافر النائب من دمشق إلى البرية، قاصداً عمارة البلاد، إلى أن يأتي الحاج فيلاقيه. وفي يوم الجمعة سابعه، عقب صلاتها بالجامع الأموي، صلي غائبة عل الشيخ الإمام شهاب الدين العلماوي، توفي بعلما، ثم أنزل الله المطر فضلاً منه ورحمة.
وفي يوم الاثنين عيّد الناس، وهو ثالث عشر كانون الأول، والناس في شدة من الغلاء في كل شيء، فاللحم الرطل منه باثني عشر درهماً، والخبز بنحو الأربعة.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره وصل من عند النائب الخبر بأن مرحلاً وصل إليه من عند الحاج، وأخبر بأن العرب آل دغيم وقفوا للحاج بعد أن حملوا من تبوك عند مقابر القلندرية، وقصدوا أن يحيلوا بين الحاج وبين الأخيضر، فتحاربوا هم وإياهم نهاراً، ثم انتصر الحاج عليهم، وأخذوا منهم ثلاثة من أعيانهم، وعدة من الخيل، بسب رماة البندق التي معهم، ويقال عدتهم مائة، ثم توجهوا إلى الأخيضر سالمين، فدقت البشائر لذلك بدمشق.
وفي يوم الأربعاء الحادي والعشرون منه، جاء الخبر من عند النائب، بأن إمامة الأمير محمد ناظر اليونسية، الساكن بالعذراوية، توفي ودفن عند بعض الأولياء. وفي يوم الثلاثاء خامس عشريه قاضي البلد، الولوي بن الفرفور، للزين بن الجواعي، من نيابة القضاء، ثم أخذ يسعى عنده في قضاء الحنابلة بصفد إلى أن وليها ....
سنة ست وعشرين وتسعمائةاستهلت والخليفة أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عبد الله محمد المستمسك بالله أبي الصبر يعقوب العباسي، وهو مقيم بإصطنبول، وسلطان مصر والشام وما مع ذلك ملك الروم أبو النصر سليم خان بن عثمان، وهو ببلاده، ونائبه بدمشق جان بردي الغزالي، وهو الآن غائب عنها في ملاقاة الحج، وجاء الخبر أنه بالكرك، ونائب الغيبة عنه بها شاد بك، المتولي على جهات دوادار السلطان من قبله، والقاضي بها الولوي بن الفرفور، ونوابه من الحنفية التاجي بن القصيف، والشمس بن البهنسي، ومن الشافعية البرهان بن الإخنائي، والعلاي بن حمص، ومن المالكية الشرفي عاسم، وربما لقبه بعض الشهود بالشمس بن جبران، والعلاي البشنيني، ومن الحنابلة الزيني بن الرجيحي، ونائب القلعة الأمير محمود الرومي.
وفي يوم السبت ثاني المحرم منها، شاع بدمشق أن المتولي على العمارة الخنكارية، أبو الفتح المكي، قتل هو وجماعته بين بيروت وطرابلس، وقيل بالمدرج بالقرب من بوارش بالبقاع، قتله المكاشف عليه من جهة النائب، وقيل بإذنه، واشتفى خلق من المناحيس بقتله. وأظهر قاضي البلد نفسه في التكلم على العمارة المذكورة، بالمساعدة في مصالحها.
وفيه مسك نائب الغيبة، محمد المصري، استادار قاضي البلد، فأرسل يشفع فيه، فلم يطلقه، وجاء به بنفسه إلى بيت القاضي وسلمه له، فخلع القاضي على نائب الغيبة حينئذٍ خلعة، قيل إنها تساوي مائة دينار .

وفيه بلغني أن نائب الغيبة رمى على أهل مسجد القدم ستمائة دينار، وعلى أهل داريا الكبرى ألفي دينار ومائتي دينار، بسبب يهودي جاء مع القفل المصري، فلما قرب من داريا فارقه مسرعاً إلى دخول دمشق، فقتل قبل أن يدخلها، وكان معه مال له صورة، حتى إن الذين قتلوه خمسة، وطلع لكل منهم ألفا دينار، غير ثيابه وأثاثه.
وفي يوم السبت تاسعه جاء عمر الإسكاف بالعتيبة، المتصوف، إلى عند المحيوي بن العربي بجماعته، وهم معظمون له، فذكر، ثم أخذ يفسر الخواطر على طريقة الشيخ علي بن ميمون، متشبهاً به، وليته لم يفعل ذلك، فإنه رجل عامي، بخلاف الشيخ علي فإنه عالم عامل. وفيه قتل الزعر شيخ باب الجابية بن قديدار، عند باب داره، غربي مسجد هشام.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره دقت البشائر بدار السعادة، بسب أنه جاء الخبر من عند النائب، بأنه كبس على أمير العرب جفيمان، وهو نازل على معان، فجاءه النذير، ففر هو وأعيان جماعته وحريمهم إلى الجون، فنزل بالبرية، وظفر النائب بضعفة جماعته وبعض جمال وغنم، ثم عزم النائب على الرجوع على الكرك إلى الرملة، فيجلس هناك إلى أن يأتي الحاج، وقد جاءه الخبر مع العربان الطائعة بأنهم بخير، وأنهم مرخصون .
وفي يوم الخميس رابع عشره سافر قاضي البلد للدورة على بلاده، بعد أن زار الباب الصغير، ولم يزر المحيوي بن العربي كما هو عادة الأروام عد سفرهم، وتوجه على مسجد القصب، وعلى وسطه خنجر لطيف وسيف مسقط، وأقام المحيوي بن يونس عوضاً عنه في عرض الأوراق، وصهر خير بك نائب مصر، قازان غر الجركسي، في التكلم على العمارة الخنكغارية، مع مشاورة البرهان بن الأخنائي نائبه.
وفي يوم الجمعة ثاني عشريه صلى غائبه بالجامع الأموي على العلامة شس الدين محمد بن النجمي الحنفي، توفي بمكة ولم يخلف بعده فيها مثله علماً وعملاً. وفي يوم الاثنين خامس عشريه دقت بشائر دمشق، بسبب وصول كتاب من النائب من بيت المقدس، بالتهنئة بسلامة الحاج.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشريه وصل إلى دمشق، ومر علينا بالصالحية، الأمير يوسف سنان الرومي، جاء متكلماً على البلاد البقاعية، وما انضاف عليها، عوضاً عن حسن باك، ومعه نحو المائة رمح، وقدامه نحو العشرين بندقانيا، ولا قاه الأمير إسماعيل بن الأكرم، والأمير أبو بكر بن طالوا، ونزل بالمرجة.
وفي يوم الأربعاء سابع عشريه وصلت كتب الحاج، وفيها أن هذه الحجة كانت طيبة لحصول الرخص والأمان بالطريق ومكة المشرفة، وأن الوقفة كانت يوم الجمعة، ولكن كان في الجمال رائحة.
وفي يوم الجمعة تاسع عشريه صلي بالجامع الأموي غائبة على الصالح عز الدين بن حمزة بن الشيخ إبراهيم الدسوقي، توفي بالبقاع، وكانت العادة أن لا يصلى غائبة بهذا الجامع إلا على الأعيان من العلماء والصوفية، ولكن صلي عليه لأجل خاطر أخيه القاضي محب الدين محمد، المتكلم على الأيتام والغياب، من قبل قاضي البلد، على أن مذهب من يرى صحة صلاة الجنازة على الغائب، وأن يصلى على كل أحد سواء أكان من الأعيان أم من غيرهم، ولهذا كان الشيخ شهاب الدين بن قرا الشافعي، تغمده الله برحمته، يصلي كل ليلة بعد العشاء صلاة الجنازة بالنية على كل غائب عن البلد توفي، فيما حكاه لنا عند تلميذه شيخنا المحيوي النعيمي.
وفي هذه الأيام رمى نائب الغيبة على أهل حارات دمشق الخارجة عنها دراهم، على كل حارة ألف درهم، ولبغضه لأهل الصالحية جعل عليها ثمانية آلاف، بسبب المبشر بسلامة الحاج قبل ذلك، ليعطيه إياها، ولم نعلم وقع في دمشق هذا قبل هذه المرة، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم السبت مستهل صفر منها، وصل إلى دمشق، عن طريق الصالحية، دوادار النائب الثاني قانم، الذي كان أرسله قبل ذلك إلى الروم بالخيل للخنكار، وعلى يديه مطالعات بالتضرر من الأمير حسن باك المولى على البلاد البقاعية وما انضاف إليه، فعزله الخنكار، وولى عوضه الأمير سنان، وقد تقدم ذكر ذهاب الأول إلى الروم وإتيان الثاني فيها، وأخبر أنه واصل إلى أستاذه خلعة من الخنكار، على يد بواب السلطان المقول له قبجي الخنكار.
وفي يوم الأحد وصل البواب المذكور إلى دمشق من طريق العنابة، وكان هو والدوادار الثاني آتيين جملة، ولكن افترقا من حمص فسبق أحدهما الآخر بيوم. وفي يوم الأربعاء خامسه وصل أوائل الحاج إلى دمشق.

وفي يوم الخميس سادسه جاء الخبر بأن قاضي البلد وصل إلى قرية جمع، التي هي من جملة إقطاعه، من أعمال صيدا، وأرسل ابن عمه قاضي قضاة الحنفية كان، البدري حسن بن ... الجلال بن البصروي خوشكاشه، السيد الصلتي القصير، إلى صيدا يوم السبت مستهله، وأمرهم أن ينزلوا عند قاضيها من جهته، وأن يمنعوا من يتكلف له شيئاً من المأكل، إلى أن يحضر إلى عندهم يوم الاثنين ثالثه، فذهبوا إلى صيدا وفعلوا ما أمرهم به.
فلما كان في أثناء يوم الاثنين المذكور، وصل غالب المشاة الذين كانوا معه إلى صيدا، وأخبروا بأن القاضي المذكور ركب من قرية جبع المذكورة من يوم السبت المتقدم ذكره، وتوجه إلى بيروت فمر عليها من خارج، ثم توجه إلى نهر الكلب، فلما وصل رد المشاة المذكورين إلى أهليهم، وتوجه إلى طرابلس قاصداً الدفتردار إن لحقه توجه معه إلى الروم، وإلا تلاحق به.
فلما علم نائب صيدا ذلك مسك المشاة المذكورين، ثم استحكاهم، فلم ير لهم ذنبا، فأطلقهم إلى أهليهم فذهبوا، قيل وفقد منهم ثلاثة أنفس، وكان جملة هذه المشاة فلاحو قرية دمر خلف جبل قاسيون، فوصلوا إلى بلدهم يوم الخميس المذكور وأخبروا بذلك.
وأما ما كان من امر ابن عم قاضي البلد البدري، فإنه تضاعف في صيدا، وأما ما كان من أمر الجلال ابن البصروي، والسيد الصلتي القصير، فإن نائب صيدا أرسل معهما مشاة مرسمين عليهما، ووجهما إلى أستاذه النائب، وهو الآن على ما قيل نازل على العرجاء بالقرب من الرملة، وذهب مع قاضي البلد إلى الروم نائبه العلاي بن حمص، والشيخ معروف الحشري.
ولم يعلم السبب في ذهابهم إلى الروم تحقيقاً، وفي غالب ظن الناس العقلاء أنه خوفاً من النائب على روحه، فضلاً عن ماله وجماعته، وكان له نحو السنة يتأهب لذلك، من اشتراء هدايا تناسب بلاد الروم وإيجار جهاته مدة سنتين فأكثر، وتخييط قماش لنفسه ولجماعته، يناسب لبس الأروام، وغير ذلك، وهو متستر في ذلك، وعند بعضهم أن السبب في ذهابهم، أن النائب كان كتب للخنكار، أن قاضي الحنابلة الشرفي بن مفلح، دفع في القضاة عشرة آلاف دينار، وأوعد النائب على تمام هذه الكتابة بألفي دينار.
وفي هذه الأيام جاء الجواب مع دوادار النائب الثاني، التيوس، إلى النائب، في أمر القاضي، وأنه من أراد أن يوليه فليوله، ويحاسب قاضي البلد، فهرب خوفاً من ذلك، وقيل إن السبب في ذلك أن القاضي الهارب كان كتب مطالعة للخنكار بالشكاية عليه، فمسك بعض جماعة النائب القاصد الذي معه هذه المطالعة، وأخذها منه وقتله، وجهزها للنائب، فعلم القاضي المذكور، فهرب خوفاً من ذلك.
وفي يوم الجمعة سابعه توقف قاضي الحنفية كان، المحيوي بن يونس، في العرض عن قاضي البلد الهارب، وامتنع نوابه من الحكم، خلا ابن جبران، فإنه لتجاهيه بالنائب لم يمتنع، وأرسل المحيوي المذكور إلى النائب يعلمه بذلك ويستأذنه في العرض من قبله.
وفي يوم السبت ثامنه وصل إلى دمشق من الروم، نائب دمياط الرومي، قاصداً بلده، وأخبر أن قاضي العسكر ركن الدين بن زيرك قد توفي، وأن أوائل عسكر الخنكار قد توجه إلى بلاد الشرق، وأن في عزم الخنكار يتبعه، وأنه صرف قاضي البلد بالرستن بين حمص وحماة، متوجهاً إلى الروم، فسأله عن سبب ذهابه، فقال: اشتياقاً لوجه الخنكار، فقال له نائب دمياط المذكور: لعل نائب الشام شوش عليك، فقال: لا، وأثنى على نائب الشام خيراً، والله أعلم بما في قلبه.
وفي أواخر هذا اليوم وصل قاضي القضاة كان، البدري بن الفرفور، إلى منزله وهو بخير. وفيه اجتمع الجلال بن البصروي، والسيد الصلتي القصير، بالنائب بالمنية، فلام الجلال المذكور على ما وقع منه، فاعتذر بأنه ما خرج مع القاضي الهارب إلا لملاقاته، وأعرض عن السيد المذكور.
وفي هذا المجلس جاء ابن بنت حامد من صفد للحضور على النائب، بسب شكية ناظر الجيش بصفد عليه، فهدده، النائب بكلمات، فشفع فيه الجلال المذكور، فقال له النائب، اشفع أولاً في نفسك، فإن ذنبك أعظم من ذنبه، فسكت، واستطال النائب على ابن حامد كعادته في حق الفقهاء، ولم يوقره لعلمه واعتقاد الناس فيه وسلفه الطاهر، ولا قوة إلا بالله.

===========

ج4. كتاب : مفاكهة الخلان في حوادث الزمان ابن طولون


وفي يوم الثلاثاء حادي عشره ورد كتاب من النائب لقاضي الحنفية كان، المحيوي بن يونس، في الإذن له في العرض عن قاضي البلد الهارب، وأن نوابه على عادتهم في استمرار الحكم.
وفي هذا اليوم وجد السيد أحمد الجرايحي، الذي كان ترجماناً عند الدفتردار نوح، ثم ولي أستادارية النائب، ثم عزل، ثم ولي التكلم على خاص النائب، مقتولاً بالخنق بالقرب من تربة قجماس، داخل دار السعادة، إلى جهة الشرق، وقيل أن الدوادار للنائب أدخله إلى دراه، وفعل به ذلك، ثم رماه هناك بإذن أستاذه، لكونه من جهة الأروام، واستراح الناس منه لنحسه، وشكروا النائب على ذلك.
وفي يوم الجمعة رابع عشره دخل النائب إلى دمشق راجعاً من ملاقاة الوفد الشريف، وقدامه محمله، وقريب أمير العرب الذي أخذ الحاج في العام الماضي، الملقب بجغيمان، ويدعى قريبه هذا بزويعر، راكباً على جمل، وفي رقبته زنجير، وإلى جانبه على جمل آخر عبد جغيمان المذكور، وفي رقبته زنجير أيضاً، وهو من الموصوفين بالشجاعة، وقدامهما نحو العشرة من العرب مشاة، وفي زنجير ثالث، وأسمع غوغاء دمشق لزويعر هذا غليظ ما يكره، ولولا حرمة النائب رجموه بالحجارة.
ولبس النائب في دخوله هذا خلعته، التي جاءت من الخنكار على يد دواداره والبواب المتقدم ذكرهما، وهي تمساح على أحمر مذهبة، في موكب حافل، ثم إن النائب دخل إلى اصطبل دار السعادة، والمحمل إلى دار السعادة، ثم نادى بالأمان والاطمان. وفي هذا اليوم صلي غائبة بالجامع الأموي على قاضي القضاة كمال الدين بن قاسم، توفي بالقاهرة.
وفي هذا اليوم أيضاً نادى النائب بالحماية والرعاية، لجهات قاضي البلد الهارب إلى الروم، وفيه شاع أن النائب عين المحب الدسوقي، وشاد بك، الذي كان نائب الغيبة عنه، للذهاب خلف قاضي البلد الهارب، ليأخذا بخاطره، ويراده إن أمكن رده.
وفي يوم السبت خامس عشره أطلق النائب جغيمان المذكور، بعد أن ضمنه الأمير ابن بقر عند النائب، وأرباب الدولة. وفيه وصل أولاق من الروم بطلب المتولى على العمارة الخنكارية، أبي الفتح المكي، وأوراقه، وقد تحقق قتله وجماعته، ورحمه الله تعالى، فبطل الطلب.
وفي يوم الأحد سادس عشره فتح بيت أبي الفتح المذكور، وأبيعت حوائجه، ولم يظهر فيها كتاب وقف العمارة الخنكارية، تعاطى هذا البيع المتولي عليه الآن من قبل قاضي البلد الهارب، بمرسوم من النائب، وهذا مؤكد لأنه كان قتله بإذنه، والحال أنه له ولدين، أحدهما بمصر مقيماً، ولا قوة إلا بالله.
وفي هذا اليوم كبس النائب على طائفة الأكراد الأغراب بدمشق، وغالبهم ساكن بمحلة قبر عاتكة، بعد أن كان نادى لهم بالرحيل من دمشق، لما قيل عنهم أنهم هم الحرامية الدائرون بدمشق ليلاً في هذه الأيام، قيل وشوش على... نائب الغيبة عنه، في حال غيبته المتقدمة قريباً، ثم رضي عليهم في هذا اليوم وأطلقهم.
وفي يوم الاثنين سابع عشره شنق النائب الأمير حمزة بن والي الحجر، قيل بسبب أنه كان أرسله قبل أن يدخل إلى دمشق، لما بلغه هروب قاضي البلد، إليه ليتألف خاطره ويرده، فجاء في هذا اليوم ورد له جواباً غير شافٍ، ونسبه إلى العصيان.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره جاءت كتب القاضي الهارب إلى جماعته ونوابه، بالتوصية على ما هم فيه، وإلى النائب بالتوصية على جهاته، وأنه إنما ذهب إلى الروم بمرسوم جاء إليه، ففرح النائب بذلك، ولكنه كان قد جهز أولاقاً بسببه.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشره عزل القاضي محب الدين بن الخيضري عن التكلم على جهات القلعة من جهة النائب، وأعيد إليها ابن حمدان المنفصل عنها، وفي يوم الاثنين رابع عشريه وصل مرسوم الخنكار إلى النائب، بإعادة يسق نجم الدين المحضر الرومي، على يد صبية، وهو الآن مقيم بطرابلس، فرسم النائب بإعادته على رغمه، وكان حصل الخير بتبطيله.
وفي يوم الأربعاء سادس عشريه ارتجف أهل الصالحية رجفة عظيمة، بسب أن دوادار النائب أصلان، طلع إلى العمارة الخنكارية، وضيفه عريفاها ابن الفلي، وعبيد بن الطويل، وذهب إلى بيت القاضي أمين الدين بن عبادة، ورآه وقال له: اخله، فإن النائب يريد أن يطلع إلى الصالحية ويسكن بها، وقال لأهل حارته، ولسكان بين القاضي كمال الدين بن الخطيب، وبيت الأمير يونس بن مبارك، ولجيرانهما: اخلوا هذه البيوت لجماعة النائب، ثم عاد إلى المدينة.

فركب الأمين بن عبادة إلى النائب واستشاره في أنه إذا لم يجد له بيتاً بالصالحية، هل ينتقل إلى المدينة أم لا ؟ فقال له النائب: استمر في بيتك، وقال: إنما قصدي بذلك التضييق على هذه الحرامية التي تؤذي في الصالحية، ظناً منه أنهم هم الجماعة الزعر الهاربون.
وكان في غيبته قد نزلت الحرامية على الشهاب بن السفراني، وهم ساكن ببيت ابن العمّ البدري بن قنديل، بسلم من جهة زقاق الخواجا إبراهيم، وأخذوا له من قماش بدنه نحو الثلاثين زيقاً، ووفايته لزوجته بنت الخواجا شهاب الدين بن سليمان، كلها مصاغات، ما بين أساور ذهب، وخلاخيل ذهب، وحلق ذهب، وغير ذلك.
وفي حضوره قبل هذه الرجفة بيومين، قد نزلوا على المعلم محمد العجمي، وهو ساكن ببيت المحبّ بن الدورسي، بسلم أيضاً من جهة زقاق قاضي الحنابلة النجمي بن مفلح، وأخذوا له علبة فيها خمسمائة دينار، وثياب بدنه وبدن زوجته.
ثم إن النائب كان أرسل إلى المقدّمين القريبين من الصالحية، كالمقدّم عمر بن العزقي، والمقدّم ابن يوسف، والمقدّم ابن شيخ القطن، فطلبهم بحضرة الأمين بن عبادة، وقال لهم: أريد منكم هذه الحرامية التي تسرق بالصالحية، فإنه بلغني أنهم يألفون بلادكم، ووضعهم في الترسيم، ثم عاد الأمين ابن عبادة إلى الصالحية، وسكن روعة أهلها.
وفي يوم الخميس سابع عشريه سافر القاضي محب الدين بن الدسوقي إلى حلب، بعد أن جاء، وهو راكب للسفر، إلى عند المحيوي بن العربي، وزاره، وجاء إلى عندي فودّعته، وأمرت بالأذان خلفه اتباعاً للسنة.
وكان معه قاصد من النائب، بمرسوم منه إلى القاضي البلد الولوي بن الفرفور، لاستعطاف خاطره، والصلح بينه وبين النائب ورجوعه، وقد قيل إن نائب حلب وقاضيها، ردّا القاضي المذكور من أنطاكية إلى حلب، بمرسوم وصل إليهما مع ساع من النائب بتعويقه، وهو الآن مقيم بحلب معوقاً.
وفي يوم الجمعة ثامن عشريه وجد بالبئر الذي تحت الصوابية، على حافة الطريق، امرأة مخنوقة وفي آذانها حلق من فضّة، ولم يعلم من أين هي، ولا من فعل بها ذلك، فدفنت وأهل الصالحية خائفون من رمية بسببها.
وفي السبت سلخه هرع الغوغاء إلى باب كيسان على عادتهم، وهو أول يوم ذهبوا إليه، وحصل فساد عظيم. - وفي هذه الأيام اختفى شيخ التكية حسين، ولم يعلم حاله، فقيل ذهب إلى الروم، وقيل غير ذلك، وأقام النائب عوضه بوّاب العمارة الأمير بهادر كان.
وفي يوم الأربعاء رابع ربيع الأول منها، وصل أولاق بطلب ريّس الطب شمس الدين بن مكّي إلى حلب، ليعالج قاضيها زين العابدين، وجاء معه أربعة آلاف درهم يتحّوج منها، والباقي له، فدفعها إلى الريّس، وسافر ثاني يوم يوم الخميس خامسه.
وفي يوم الجمعة سادسه شنق النائب رجلاً كان محبوساً في حبس باب البريد، فلعب مع رفيقه فيه بالطاب والدك، فحنق عليه منه، فضربه بالقصب فمات، فأخبر النائب بذلك، فرسم بشنقه.
وفي يوم الأحد ثامنه بلغني أنه نودي بدمشق من قبل النائب، بأن من أراد إرسال مطالعة على يد قاصد إلى أي بلد كان، لا بد من عرضها على ريس السعاة، وتضرّر بعض الناس من ذلك. - وفي هذه الأيام شاع أن قاضي البلد الولوي بن الفرفور الهارب، تزوّج بحلب بامرأة كاتب السرّ ابن أجا، المتوفى إلى رحمة الله تعالى.
وفيها همّ النائب في عمل بوّابات خارج دمشق، وكان قد فرغ من عمل بوّابة شرقي جامع تنكز وحمّامه، الذي خربة في هذه الأيام، وجعله بستاناً مع البيوت دائرة، وجعل عليها جلد جاموس، منها بوّابة غربي الجامع المذكور، متّصلة بجداره القبلي، ومنها بوّابة قبلي الحمام الناصري بالقرب من بابه، وجعل لها مرامي، ومنها بوابة شمالي جامع يلبغا الجلال، ومنها بوّابة قبلي جامع الحاجب بسوق صاروجاً، ومنها بوّابة شمالي جامع جراح، متصلة بتربة يزيد، وغير ذلك.
وزعم النائب أن السبب في بناء هذه البوّابات التضييق على الحرامية، التي كثرت في هذه الأيام، وقال: أنا ضيّقت عليهم البرية، وقصدي أن أفعل ذلك بدمشق، وقيل غير ذلك.
وفيها تبيّن أن هذا الشهر كان يوم الاثنين أوّله. - وفي يوم الثلاثاء تاسعه شاع بدمشق أن زين العابدين بن الفنري، الذي كان قاضياً بدمشق ثم تولى قضاء حلب، توفي إلى رحمة الله تعالى بحلب.

وفي ليلة الخميس حادي عشره، بعد العشاء، جاء بشخص حموي، من جيران عريف الحارة الشرقية من صالحية دمشق، إليه، وقال له: الشهاب الصفراني يطلبك حتى يخبرك عن بعض الحرامية التي ... قد بناه، فذهب معه فلما انفرد به في الزقاق الضيق بها، بطش به فقتله وهرب، فاستفاق على ذلك امرأة مكتسحة وبه رمق، فجاءت هي... والصلاح الباعوني، وأشهدوا عليه أنه قتله صبية، ثم علم أهل تلك الحارة الغربية بذلك، فعزلت حوائجها، وأخبطت الصالحية من الشرق خبطة هائلة.
ثم ذهب أكابر الصالحية، كالقاضي أمين الدين بن عبادة، مع عريف حارتها الغربية عبيد، آخر الليل، إلى النائب، وأخبروه بما وقع، فاغتاظ بسبب ذلك، ثم قال: حيث علم قاتله ادفنوه، وتتبعوا غريمه ثم أرسل بكرة النهار يوم الخميس نادى في الصالحية بالأمان؛ والله لطف بأهل الصالحية، حيث علم القاتل، وإلا كان النائب حصل منه الضرر لأهلها، لأن له أياماً يتهددهم.
وفي هذا اليوم حضر الأزعر خليل بن سوار على النائب، على يد المحبي بن الخيضري، ولم يكلمه، وكان حضر قبله ابن الزهري، على يد بعض حاشية النائب.
وفي هذا اليوم وصل أولاق، وأخبر أن علي باك يبن سوار أوغلي، طلع من مدينة مرعش للصيد، فظفر على المدينة أعداؤه من جهة المقتول قريبة علي دولات، وقيل معهم الأمير ابن رمضان، فملكوها وقتلوا ولده وسبوا حريمه وأخذوا بركة، فبلغه ذلك، ففر إلى قلعة زمنطوا وتحصن بها، فسر النائب بذلك في الباطن كما ظهر من تلاميح كلامه.
وفي ليلة الجمعة ثاني عشره قرأ النائب مولداً، قرأه له بركات بن الكيال الواعظ، واستطرد فيه إلى الكلام على قوله تعالى: " يأيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبينوا " " وعلى قوله تعالى: " فمن عفا وأصلح " " فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " ، ثم أنشد بعده الريس أبو الخير الصغير، ثم محمد الجعيدي.
ثم سئل النائب هل يهدي في صحائفه، أم في صحائف السلطان المظفر سليم خان بن عثمان، فأمر بأنه يهدي في صحائف أستاذه السلطان الأشرف قايتباي.
وحضر هذا المولد أمير كبير الرومي، المتكلم على البلاد البقاعية وما أضيف إليها، وكان جالساً عن يمين النائب، والقضاة كالمحيوي بن يونس، والشرقي بن مفلح، والتقي القاري عن يساره.
ولما ابتدأ السماط كان حاضراً الغلام مشهور المنشد، فلم يمكنه الوصول إليه فتحيل على ذلك، فأخذ في الإنشاد، فالتفت النائب، وقال: ما لهذا ينشد هذا الوقت، فقيل له ليتوصل إلى السماط بالتفطن له، فناداه النائب وأجلسه عليه. وفي هذا اليوم شنق النائب إسماعيل زعيزيرة، والي الصالحية كان، لأجل حرام طلع عليه.
وفي يوم الأحد رابع عشره، قيل عمل النائب على المقطعين سبعة آلاف دينار، بسبب أنه مرات عديدة يخرج إلى العربان ولم يخرجوا معه.
وفيه وصل إلى دمشق من بلاد العراق التمارة ولهم على الدرب نحو الخمسين نهاراً، ولم تأكل جمالهم فيها شيئاً سوى المرعى، ومعهم بهار كثير، كنيل وفلفل وزنجبيل، ومعهم أيضاً شاشات وقماش كثير، وأخبروا إن إسماعيل شاه بن حيدر الصوفي الخارجي، ليس له خبر في أطراف بلاده من هذه الجهة الشامية والرومية.
وفي يوم الاثنين خامس عشره سافر دوادار النائب الثاني، من دمشق إلى حلب، لأجل عود قاضي البلد الهارب إلى دمشق، لاحقاً بالمحب بن الدسوقي، قيل وجيء له بكتاب وقفها، وفيه أن النظر فيها الآن لحاكم المسلمين بدمشق، وأن الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون أفتى بأنه النائب، وأقام لها متكلماً عنه من جهته، وكذا على جامع تنكز، وأقام له العزيز رمضان الحنفي متكلماً عنه، وكلاهما تحت نظر قاضي البلد المذكور.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشره وصل ماء نهر يزيد، وقبله بيوم نهر ثورا، وفيه تأخر نهر بانياس، ولها تسعة وعشرون نهاراً مقطوعة، لأجل تعزيلها وإصلاحها، ولم يبطئوا بها البطاء الكلي كما في العام الماضي، فإنها تمت أربعين نهاراً، ولم يسرعوا بها إلى على العادة القديمة، فإنها كانت نصف شهر، ولم تهرع الخلق يوم قطع هذه الأنهر عل العادة إلى الربوة للفرجة، لأنه كان يوماً هرياً بارداً.

وفي يوم الخميس ثامن عشره وصل جماعة من مصر إلى دمشق، وأخبروا أن العرب السوالمة وردوا مصر ليمتاروا منها، فكبسهم نائبها ومسك منهم سبعة إمارة، وأخذ موجودهم، ثم سلخهم بباب زويلة، وولى عوضهم، ثم أذن للشاميين في جلب البقر من مصر إلى الشام، وصحبوا هذه الجماعة معهم منها، فوجدوا الناس محتاجين إليها، وخصوصاً البلاد البقاعية، فإن في هذه الأيام كثر موت البقر .
وفي يوم الجمعة تاسع عشره ركبت درابزين في طول قامته بباب على الغزالية، بقرنة الجامع الأموي الغربية الشمالية، وفكت درابزينها، التي أحدثت قريباً في طول ذارع.
وفيه أمر النائب بتوسيط أحمد الحموي، قاتل عريف الحارة الشرقية بالصالحية، ابن الفلي، بالمصلى شمالي الجامع المظفري بها، ولا أعلم أحداً وسط بها قبل ذلك، وذلك بعد أن مسك من قارا وجيء به، وهرعت الغوغاء معه من دمشق إلى المصلى المذكور، وهو يشتم الخلق ويسبهم، وذلك ببركة والد ابن الفلي، فإنه كان صالحاً من أهل الحديث، وجماعة شيخنا البرهان الناجي.
ولكن في ليلة الأحد حادي عشريه رئي منام حسن الموسط المذكور، وقص على شيخ الحنابلة الشهاب الشويكاتي، وكان ردم في خشخاشة عند مغارة الجوع، من غير غسل وصلاة عليه، فذهب الشيخ الذكور إليه وأخرجه منها وغسله وصلي عليه ودفن بالروضة.
وفي يوم الأحد المذكور حضر ولد أمير العرب القاضي نعيمان، وهو شاب حشم، على النائب بالأمان، عوضاً عن والده، على يد الأمير ابن بقر، والأمير زويعر، وخلع عليه النائب.
وفي يوم الاثنين ثاني عشريه حضر عند النائب شيخا سكيك من الرفضة، وبينهما عداوة، فأراد الصلح بينهما، وحلف عليهما فأبيا، وطلبا الشنق، فشنقهما. وفيه رمى النائب رمية محمد المصري، معلم خان السلطان، خارج باب الجابية، بالقباقبية العتيقة، شمالي الجامع الأموي، وهو الذي كان نبه الأروام على مكس القمح، فإنه كان بطل من نحو مائتي سنة، فأعادوه، وكان ضمن هذه المعلمية في كل نهار يحمل من الأموال، وصار يقاسم الجلابة في أرزاقهم .... الله البلاد والعباد ......
.... له مدة ضعيف وثقل لسانه منه مع ما بينه وبين أخيه من الشحناء. وفي يوم الاثنين ثاني عشره نودي لعبيد بن الطويل بأنه عريف الصالحية، في الحارتين الشرقية والغربية، عن إذن الذي أقامه النائب متكلماُ عليها، عوضاً عن دوادار السلطان نائب الكرك أرزمك قريباً، بعد وفاة المتكلم عليها كان، شاد بك، في يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الآخر المتقدم، وكان نودي لهذا المتكلم الجديد بالدوادارية المذكورة بدمشق، يوم الاثنين خامس عشري ربيع الآخر المذكور، على ما بلغني الآن.
وفيه شاع أن النائب وقع بينه وبين أمير العرب جغيمان، فأرسل سرية إلى أميرهم ملحم، فاقتتل الأميران يوماً كاملاً، وقتل بعض جماعة النائب، ثم فر جغيمان، هارباً، وأرسل النائب يطلب بقية عسكره ليركب عليه.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشره ذهب بقية عسكر النائب من دمشق إليه، حتى المماليك الكتابية. وفي يوم الجمعة سادس عشره فوض قاضي البلد للعلامة شمس الدين بن الخيوطي المالكي، القضاء في المحكمة. وفي يوم السبت سابع عشره مات ولد للقاضي شمس الدين المذكور، وهو شاب لطيف زوجه قريباً، وتألم الناس له.
وفي يوم الأحد ثامن عشره وصل إلى دمشق من الروم نائب القلعة الجديد القصاب أحمد، ودخل القلعة بغتة، وهو شيخ رومي، كان نائب قلعة قيسارية نحو الثلاثين سنة، على ما قيل، وتوجه المعزول منها إلى النائب.
وفي يوم الاثنين تاسع عشره كانت زفة ختان الوالد محمد بن الأزعر أحمد بن قبعية، الحائك في الكتان، وكانت هائلة، عزم والده فيها الشباب من حارات دمشق وضواحيها، كالشاغور، والقبيبات، وكفر سوسيا، والمزة والقابون وبرزة، وحرستا، واجتمعوا بالصالحية عند الجامع المظفر بالعدد الكاملة، والأقمشة المفتخرة، وأعارتهم الحكام عدة خيول ملبسة، قيل سبعة، وجاءت الحراستة معهم بنقرهم ملبسين، وعمل بعض الحياك له نولاً محمولاً على دابتين، ينسج فيه.

ونزلوا من الصالحية، خلا النول المذكور، على درب الشبلية، وداروا دورة دمشق على باب الجابية، ثم الشاغور، ثم الشيخ رسلان، ثم السبعة، ثم مسجد القصب، ثم حارة المزابل، فوقع بينهم وبين أهلها بسبب أن من في الزفة قيسية، وأهل هذه الحارة يمينة، وبينهما من العدواة ما لا يخفى، فجرح بعض ناس، ولولا لطف الله حصل، بوقوف نائب الغيبة ثمة، لحصل شر عظيم، فحال بينهما، ثم عادوا إلى الصالحية على طريق الجسر، ومعهم الطبول والزمور والمغاني والمخايلة وغير ذلك.
وفيه شاع أن النائب أبطل الكشف على الأوقاف، وعدم التقدم للتعرض لها، حمده الناس على ذلك. وفيه شاع أن ولد سلطان مكة وصل إلى مصر، وألبسه نائبها خير بك خلعة، وعزل لأجله نائب جدة وولي غيره، وتبين أن ما أشيع قريباً من قبل الولد المذكور، والنائب المذكور، غير صحيح. وفيه شاع أن في البحر بين بيروت ودمياط أخذ خمسة مراكب من الأرز بمن فيها، أخذتهم الفرنج.
وفي يوم الخميس ثاني عشريه ولي قاضي البلد للكمال البقاعي القضاء، بحارة مسجد القصب، على مبلغ مائة دينار، كما قيل، وانحر منه القاضي عز الدين بن حمدان لقربه منه.
وفي يوم الجمعة ثالث عشريه جهز قاضي البلد هدية للنائب، وقد قرب مجيئه، وقيل إنه نازل على شقحب، على يد ناظر الأيتام محب الدين الدسوقي، وجماعة من صبيانه، منهم ابن قرا. وفي يوم السبت رابع عشريه عادت الجماعة التي فيهم ابن قرا، وتأخر ناظر الأيتام عند النائب، بتعويق النائب له.
وفي يوم الأحد خامس عشريه جاء شخص أعجمي إلى نائب الغيبة بثلثمائة دينار، ودفعها له، وذكر له أن له ابن أخ أراد تأديبه، فكان فيه منيته، فسمح له بدفنه، فما جاؤوا ليغسلوا بقيسارية سوق السلاح، وقف العمارة الخنكارية، وجدوا الصبي مذبوحاً، فتوقفوا في تغسيله، وروجع نائب الغيبة في ذلك، فطلب الأعجمي المذكور وقبض عليه، وأخذ موجوده وأودع في الحبس، قيل وطلع موجوده عدة أحمال قماش، بها أحجار فضة، فأتلف الأعجمي، وتحدث أن سبب ذبحه على ما قال الأعجمي، أنه أطلع على شخص يفعل به، وظهر للناس أن الصبي حر، وإنما كان عمه هذا أخذ مال أبيه، فكان يطالبه به كل وقت، فاختشى منه، فبادر إلى قتله، ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الاثنين سادس عشريه سافر قاضي البلد لملاقاة النائب. وفيه بلغني أن عبيد بن الطويل، شيخ الصالحية، شرع في عمارة الربوة، بإشارة نائب الغيبة ومناداته لذلك، وكان لها مدة خمس سنين خراباً، وقد نودي بعمارتها في هذه المدة عدة مرات ولم تعمر.
وفي يوم الأربعاء ثامن عشريه رجع النائب إلى دمشق، ودخل دخولاً حافلاً، وقدامة قاضي البلد بعيداً، وأنكر ذلك، فإن العادة أن القاضي الكبير يكون إلى جانب النائب، وقدام القاضي المشار إليه نوابه عن بعد، ومعهم على ما قيل ناظر الأيتام المحب الدسوقي.
في يوم الخميس تاسع عشريه سلم نائب القلعة الجديد على النائب، وأهدى له هدية حافلة، منها على ما قيل صحن من ذهب، وخمسة من فضة، وخمس سلطانيات من فضة أيضاً، وثلاث شربات رومية، فسر بذلك. وفيه أهدي النائب لقاضي البلد بغلة.
وفي يوم الجمعة مستهل جمادى الآخرة منها، صليت بالجامع الأموي صلاة الجمعة، فرأيت قبيل الصلاة أبا بكر الملقب بسراق الحشمة، صبي الشيخ محمد بن عراق، النجار بمكة كان، يسير بين صفوف المصلين، وهو لابس لبساً عجيباً، من مسابح معلقة عليه، ورمح بيده، ومئزر أخضر على رأسه، بغدقة طويلة، وخلفه شخص على رأسه دائرة، بها قصاصة من جوخ ملون، مدلاة على ظهره وكتفيه ووجهه، وفي يد أبي بكر هذا كراسة وهو يقرأ كلاماً، زبدته أنه لا ينبغي للفقيه الإنكار على الصوفية، لأن أمورهم وراء طور العقل، فلم يعجبني حاله وأنكرته في نفسي، وفي الجامع مثل شيخ البلد السيد كمال الدين بن حمزة، والقضاة والصوفية، فلم ينكر أحد منهم ذلك، وبعد الصلاة عاد إلى مثل ذلك، ومعه أناس ينشدون، ودخل إلى حلقة الذكر للسشيخ حسين الجناني، فوقعوا به ضرباً، وكفى الله المؤمنين القتال.

وفي يوم السبت ثانيه سافر النائب إلى المرج، قبل ليميز الخيل التي يريد أن يرسلها قوداً للخنكار، ولم يبت سوى ليلة الأحد فقط، ورجع بكرته. وفي يوم السبت هذا طلع الشيخ بهاء الدين بن سالم، ومعه جماعة، إلى العمارة الخنكارية بسفح قاسيون، للسلام على والد نجم الدين الرومي المحضر كان، ... يوم الاثنين الذي قبل هذا اليوم قد جاء من عند والده محضراً إلى دمشق، ثم جاء شخص من أولاد ابن مزهر كاتب سر مصر كان، وسلم عليه.
وفي هذا اليوم توفي والد الولد ظهير الدين البقاعي العدل شمس الدين، وكان لابأس به محباً للعلم وأهله، ولديه حشمة، توفي بغتة، رحمه الله. وفي يوم الثلاثاء خامسه فوض قاضي البلد لعلاء الدين بن القصيف الحنفي القضاء بالشاغور، على مبلغ مائة دينار .
وفي يوم الأربعاء سادسه شرع العم جمال الدين بن طولون في حضورات مدارس الحنفية، فحضر في العذراوية أصالة، وفي القصاعين نيابة عن البدري بن الفرفور. وفي يوم الجمعة ثامنه صلى غائبة بالجامع الأموي على العلامة شمس الدين محمد الكردي، وعلى الصالح شمس الدين محمد المؤدب، الشافعين الحمويين، توفيا بحماة، رحمهما الله تعالى .
وفي يوم السبت تاسعه حضر العم والشيخ نجم الدين بن الزهيري في المقدمية البرانية بالصالحية، ودرس الشيخ نجم الدين. وفيه قبض النائب على مباشري الجامع الأموي شمس الدين بن الزحلي وجلال الدين بن العامل، بشكاية قاضي البلد عليهما، بسبب أنه أراد أن يأخذ من مال الجامع ما كان يأخذه قاضي البلد المنفصل الولوي بن الفرفور زيادة عما بيده، قبل ذلك، فتوقفا في ذلك وما نعاه، وأكد الشكاية عليهما نائبه القاضي جلا الدين البصروي، بسب أن وظائف ابن الجابي، مباشر الجامع كان، قد صارت إلى ولده، واضمحل حالها فاستنزله عنها، وأراد أن يأخذ من الجامع مثل ما كان يأخذ ابن الجابي المتوفى إلى رحمة الله تعالى، فرافعاه في ذلك.
وفيه قبض النائب على عز الدين ولد شيخنا شمس الدين بن رمضان، أخي زوجة شمس الدين بن الزحلي المتقدم ذكره، وكان أقامه النائب متكلماً على القجماسية، ثم على جامع تنكز والناصريتين، بسبب شكاية بعض المستحقين عليه، ومساعدة إمام النائب الغزي عليه، فوقع به بكلام فاحش سيء، وسلم الأولين للدوادار الكبير، وطلب منهما عشرة آلاف دينار، والأخير لابن الجباوي، أحد المباشرين، ليعمل حسابه، وأخرج نظر القجماسية والإمامة بها عنه لإمامة الغزي، وسلم جامع تنكز والناصريتين للدوادار، وأجر وقفهم لمعلم دار الضرب اليهودي.
وفي يوم الأحد عاشره هدد فأذعنا بألفي دينار، فلم يرض النائب، وعمل حساب الثالث على حسب التحمل عليه، فوقف عليه من الجهات المذكورة ثمانية عشر ألفاً، فأودع في سجن باب البريد عليها.
وفي ليلة الاثنين حادي عشره، بعد العشاء، طلب الدوادار المباشرين المذكورين، وأحضر المشاعلية، وأراد قتلهما، وعريا لذلك، فاشتريا أنفسهما بألفي دينار، مائتي دينار للنائب، وثلاثمائة للدوادار، وثلاثمائة أخرى من الدنانير لبقية المباشرين، فأخرهما. وفي بكرة هذا اليوم شدا للعلاي بن طالوا على المبلغ المذكور، وأخذا يسعيان فيه .
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشره جاء من جركس قريب النائب، ويقال إنه ابن عمه، وأنه أكبر منه بسنة، من طريق بعلبك، وتلقاه النائب إلى المزة، وألبسه خلعة، ودخلا جميعاً، وأكرمه.
وفي هذا اليوم حضر العم والشيخ نجم الدين بن الزهيري في الماردانية والمرشدية، ولم يدرس بهما، أما الماردانية فامتنع مدرسها الشيخ حسين المشرقي ثم الرومي بجاه النائب، وفي الحقيقة أن الدرس بيد البدري حسن بن الشيخ عيسى ناظرها، من الحضور لجهله وقصده استيعاب مالها، ومنع أبناء العرب منها.

وأما المرشدية فلغيبة ناظرها الشمس بن منعة، وبيده غالب التدريس، وعادة العم أن يدرس فيها، ولم يحضروا في هذا العام سوى المدارس المذكورة، وباقيها معطل، إما لخراب وقفها كالركنية، وإما لاستيلاء الحكام عليه كالظاهرية الجوانية، وإما لكون مدرسها صار من الأغراب كالمقدمية الجوانية، فإن مدرسها ملى عبد الرحيم المشرقي الرومي، وقد استوعب متحصلها، وكالخاتونية العصمتية والشبلية البرانية، فإن مدرسهما حمزة المشرقي الرومي، وقد استوعب متحصل الأولى، وأما الثانية فاستوعبها ناظرها قاضي البلد والكريحانية، فإن مدرسها ملى أحمد المشرقي الرومي، قد استوعب متحصلها وفر هارباً، على غير ذلك من الأسباب.
وفي يوم الأربعاء رابع عشره مات شعبان الموله، ولغالب الناس فيه اعتقاد، ويظهر لي أنه عجيب الحال، وجيء له بأكفان عدة خمسة، فكفن بها، ودفن عند الشيخ خليل المولة، شمالي اصطبل دار السعادة، من جهة بابه، عند ضريحه من جهة القبلة؛ وكان الشيخ خليل هذا من متوله الميت المذكور.
وفي ليلة الجمعة سادس عشره قرأ النائب مولداً بالاصطبل المذكور، وكان القارئ له محمد الجعيدي المؤذن بالعمارة الخنكارية؛ وختن أولاده الثلاثة الصغار وهم جانم، ويزبك، وأما الكبير وهو مرزى فإنه كان مختوناً، وحضر القاضي الكبير ونوابه والسيد كمال الدين، وغالب أعيان البلد، وذبح ثمانين رأساً من الغنم، وعدة من غيرها.
وفي يوم الجمعة هذا ختم الولد عبد الوهاب بن الإسكاف، المؤذّن الحنفي، القرآن بالسبع، على شيخنا محمد الضرير القبيباتي، ثم الشاغوري إمام الباشورة، بحضور السيد كمال الدين في المقصورة بالأموي عقيب الصلاة، ودعيت للحضور عندهم فحضرت ذلك.
وفي هذا اليوم رأيت الشبّاك الكمالي بمشهد النائب، والإيوان الغربي والشرقي، قد أصلح رخامهما، وذهب طرزهما، وذهب المحراب بالشبّاك، فعل ذلك ناظر الجامع الأموي، وهذا الشبّاك والإيوانان به، وهو السيد أكن، نيابة عن النائب، ثم ذهّب طرز الإيوان الشمالي.
وفي هذا اليوم حمل من مدينة بعلبك حمّالان متعاقبان الأول عبد الرحمن بن الطرائف والثاني عمر بن العريسة المصري، على رأس كل منهما أربعون رطلاً من ... إلى الصالحية بكرة يوم الأحد ثامن عشره وهرعت الغوغاء إلى لقياه إلى الصوابية، ثم ذهبوا معه وهو يزرع أرضاً يمشيها، فذهب إلى جبّ الكلب، ثم إلى داريا وغير ذلك، وحطّ بعد العشاء ليلة الاثنين عند الشيخ رسلان.
ووصل الثاني إلى الصالحية أيضاً يوم الاثنين تاسع عشره، وهرعت عصبته إلى لقياه إلى المكان المذكور، ودخلوا دمشق في حفلة والنساء في كل مكان تنقطه الدراهم، فحصل ما زرعه غريمه، وزاد عليه، من عند الشيخ رسلان إلى عند الست خولة، رضي الله عنها، ثم ذهب الحمّالان إلى النائب فخلع عليهما.
وفي يوم الثلاثاء العشرين منه، أطلق العزّ بن رمضان من حبس باب البريد، على مبلغ مائة دينار، ثم إنه نزل عن نصف نظر المدرسة البلخية لشريكة شمس الدين بن السجان الحنفي، وكان قد استنزل عنه قريباً للزيني عبد الباسط بن الديوان، وأعيد إليه إمامة القجماسية، بمساعدة العمّ له في ذلك، وكان غالب أذاه من قاضي البلد.
وفي هذا اليوم حكى لي الأخ نجم الدين بن الزهيري، أن قاضي البلد في هذه الأيام وقع بمعين الدين بن عباس الحنفي، ضرباً وسبًّا وسحباً، ولم يذكر لي السبب.
وفي يوم الخميس ثاني عشريه قبض النائب على ترجمان الإفرنج، الجعبري، وولد الأمرد، بعد هرب الكبير إلى الوادي التحتاني، ومسكه وأهانه، وأودع بحبس باب البريد، ولم يودع عند ولده ببيت بوّاب دار السعادة، باصطبلها، ونهب بيته وأخذ موجوده؛ ويقال طلع عنده ثلثمائة وستون قطعة من قماش بدنه، ما بين جوخ عال وصوف وغيرهما، وكان عند النائب من المقرّبين، فصار من المبعدين، وقيل إن السبب في ذلك شكاية زوجته عليه بأنه يعرض على المسلمات للفرنج، ثم عمل عليه مصلحة للنائب بخمسة آلاف دينار، غير ما أخذ منه من النهب وأطلق.

وفي يوم الثلاثاء سابع عشريه نقلت الشمس إلى السرطان، فكان أول الصيف. - وفي يوم الأربعاء ثامن عشريه وجدت بنت مذبوحة بمغارة عند تربة السبكيين، وهي في العمر نحو خمس سنين، وكان السبب في ذلك أخذ حلق بأذنيها، وخلاخيل برجليها، واتهم بذلك شاب مولّه، يعتقد فيه الصلاح، وهو بعيد منه، يقال له محمد بن القصيفي، فمسك ونهب بيته، وأخذت حوائج والدته، ثم تكلم في أمره عمه الشاهد بباب دار السعادة، وقد وقع في الزور مراراً، فأطلق، ولا قوّة إلا بالله.
وفي هذا اليوم حضر العمّ وجماعة الحنفية المدرسة البركانية، فوجدوا بإيوانها الشمالي عدّة خيل مربوطة، وهناك نازل رجل من المدعيين الشرف بالمدينة النبوية، فأنكروا ذلك، فركب وذهب إلى النائب وشكا عليهم، فأرسل النائب قاصداً للعمّ بأنه لا يحضر هناك حتى يسافر هذا الرجل، ولا قوّة إلا بالله.
وفي هذه الأيام نزل القمح، بعد أن كان الكيل الدمشقي منه بسبعين إلى ثلاثين درهماً، فأبيع الرطل الخبز المعروك بثلاثة، بعد أن كان بسبعة، والماوي بدرهمين، بعد أن كان بخمسة واللحم بعد أن كان الرطل منه بأربعة عشرة، وثلاثة عشر إلى ثمانية دراهم، وسرّ الناس بذلك، ولله الحمد.
وفي يوم الأحد ثاني رجب منها، راح النائب إلى قرية الفيجة، قيل ليجهّز قراصياً منها إلى نائب مصر خير بك. - وفي يوم الاثنين ثالثه، عشيّة، عاد إلى دمشق. - وفي هذا اليوم جاء مرسوم من حلب من عند الدفتردار، الذي كان بدمشق، وقد عزم على التوجّه من حلب إلى الروم، بالاستمرار في التكلّم على العمارة الخنكارية بصالحية دمشق، للأمير غضنفر؛ وأشيع موت التقي باكير، الذي كان متكلماً عليها ثم عزل بأبي الفتح المكي، ثم أعيد إلى التكلم عليها، بمدينة قرنوة عند أولاده؛ ثم مدج الأمير غضنفر يده في العمارة المذكورة وقطع أسطال المرتّبين بها من غير أرباب الوظائف، وخيّر المقرئين بها.
وفي يوم الثلاثاء رابعه قبض النائب على إبراهيم البقاعي، وعبد الرزاق بن الضياء، وهما المتكلمان على الخانقاه الغزّية بالجسر الأبيض، ورسم بشنقهما على باب الخانقاه المذكورة، وقيل إن عبد الرزاق هرب، ثم شفع فيهما قاضي البلد، وأودع إبراهيم البقاعي في الحبس ثم أطلق.
وفي هذا اليوم شاع أن الأمير زين الدين بن علاق، الذي كان متكلماً عن المرج ثم هرب إلى اليوم، فأعطاه الخنكار إقطاعاً بحماة وعاد إليها، قتل بها، وقيل إن نائب دمشق أرسل أليه أمير المرج الآن ابن مقدوه الكردي، فقتله ثم عاد خفية، ثم إن نائب حماة قتل عبد الرزاق بن ناظر الجيش، وعلاء الدين بن سامة، والكخية ابن العبيسي، وكانوا قدموا قبل ذلك إلى دمشق وأكرمهم نائبها ثم عادوا؛ وقيل لأنهم عاملوا على هذا المقتول، وقتل بمرسوم ورد فيهم بسبب شكاية نائب حماة المعزول عليهم، وهم من أعيان حماة.
وفي يوم الخميس سادسه وقع النائب بالعلاّمة شهاب الدين بن الخيضري بكلام شيّء، بسبب شكاية جيران المدرسة المنكلامية عليه، بأنها خراب تأوى إليها الكلاب، وهو متكلم عليها يأكل وقفها، ثم رسم بشنقه، ثم أودع في الترسيم، ثم شفع فيه وأطلق.
وفي يوم السبت ثامنه طلع النائب إلى الأسعدية بمحلّة الفواخير، فضيّفه أهل الصالحية بها، فأعجبته، فأرسل خلف المتكلم عليها الشهاب بن المؤيد، ورام شراء النصف منه، فأذعن، وقال: إن النصف الوقف يكون لك متكلماً، والنصف الملك لي؛ فقال النائب: إنما أريد أن أعمر هنا قصراً بأربعة آلاف دينار، النصف عليّ، والنصف عليك؛ فما وسعه إلا أن خرج عنها كلها له بمبيع حكمي، خوفاً من الشهاب المذكور، فإنه الآن المشار إليه في ترتيب المستندات العجيبة الحالات.
وفي يوم الخميس ثالث عشره، وكان موسم الحلاوة، وأبيعت الرطل بستة عشر درهماً، وكان عادة هذا الموسم في أول خميس من رجب فغيّرت إلى الثاني، فسبحان من لا يتغيّر.
وفيه بلغني أن النائب عاد إلى الأسعدية، وأن الشيخ الصوابية عبد الرحمن أرسل له لبناً وخبزاً فأعجبه،، فعوّضه بحمل لأجل مضار الماء، ثم أم النائب بهدم رواقها ليبني عوضه قصراً، فشرع في ذلك .

وفي يوم السبت خامس عشره شنق النائب شيخ الغزلانية بالمرج، عيسى بن الطويل، بسبب ما قيل إنه من جهة الأمير زين الدين بن علاق، المتقدّم ذكر قتله بحماة. وفي يوم الخميس خامس عشريه شرع في جباية من الصالحية رميت عليها. وقدرها اثنا عشر ألف درهم، وقيل بسبب ضيافة النائب في الأسعدية، ولا قوّة إلا بالله.
وفي يوم الجمعة سادس عشريه ورد كتاب من غزّة، مجهّز من الخواجا بركات ابن القاضي المالكي بدمشق كان، أرسله من مكّة المشرفة، وفيه أن الفرنج جاءت إلى قرب جدّة في ستة وثلاثين مركباً، وأن أهل مكّة في خوف منهم، ثم بلغني أن نائب مصر جهّز لهم عسكراً، فهربوا منه وحصل الأمن.
وفي يوم الاثنين مستهلّ شعبان منها، وهو سادس عشر تموز، بلغني أن النائب ضرب القاضي محبّ الدين بن منعة، وسجنه بحبس باب البريد، وكان له أياماً في الترسيم عنده، بسبب الأوقاف التي تحت يده، كتربة نمشاً، وكان ضربه يوم الأحد سلخ الشهر الماضي، ثم أطلقه على أن يعمر التربة المذكورة، هو وشركاؤه فيها، وهي شمالي الإسكافية، ولصيق البهائية من جهة الغرب.
وفي يوم الخميس رابعه نودي للحاج بالتوجّه على الدرب الشامي، وكان سنجقه قد طلع من أول الثلاثة شهور في كل يوم جمعة، ونصب بجامع بني أمية، في الباب الأوسط، تحت قبّة النسر، على العادة، وأن أميره في العام الماضي جان بلاط نائب غزّة. وفي هذا اليوم وصل إلى دمشق ونزل بالمرجة.
وفي يوم السبت سادسه وصل قاصد القاضي الشافعي، وهو ناظر جامع حلب، الرومي، وقدّم هديته للنائب، وهي تساوي خمسمائة أشرفي، على ما قيل، منها عشرون ثوباً من الصوف، ومنها عشرة أنكورية، وعشرة ستعشرية، ومنها أربعة أبدان فرو، ومنها اثنان سمّور، واثنان وشق، وانسرّ النائب لذلك.
وفي يوم الاثنين ثامنه، عند انفضاض الموكب، أمر النائب للقضاة بالجلوس، ثم أخرج، القاصد المذكور، قائمة فيها أسماء جهات القاضي الشافعي الولوي بن الفرفور، قاضي حلب الآن، ملكاً ووقفاً، فقرئت على القضاة والنائب، فنازع قاضي البلد في بعض جهات من الوقف، فقال له القاصد: يدنا إلى أن تبيّن طريقاً شرعياً في خروجها؛ ثم رسم النائب له بتسلّم الجهات المذكورة، خلا ما في يده، وهو الشامية البرانية، وجامع تنكز والناصريّتين، والشركية، فإنها استمرّت، قال ليعمرها.
وفي يوم الأربعاء عاشره وصل من الروم إلى دمشق محيي الدين بن علاء الدين، متكلّماً على العمارة الخنكارية بسفح قاسيون، على عادته القديمة، عوضاًَ عن المقتول بقرية بوارش من البقاع، العلامة أبي الفتح المكي، وانفصل الذي كان متكلّماً عليها الآن بطريق النيابة، الأمير غضنفر، وكيل الخنكار بدمشق، وكان لا بأس به.
ثم إن التقيّ باكير نزل من المصطبة السلطانية إلى الجامع الأموي، وسلّمت عليه به، ومعه المتكلم على الجامع المذكور؛ ثم إنه اجتمع بالنائب وقدّم له مرسوماً بالتكلّم على العمارة والجامع المذكورين، وظهر منه أنه لا يسلّم له الجامع، ثم عاد إلى المصطبة واستمرّ بها ستة أيام، هو وحريمه لعدم تيسّر بيت له بدمشق، ثم انتقل إلى الصالحية، ونزل ببيت الشمس بن البانياسي، تجاه حرم الحاجبية.
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشره صلّي غائبة بالجامع الأموي على العلامة شهاب الدين بن أحمد بن أغمش الحموي الشافعي، توفي بحماة. وفي ليلة الاثنين خامس عشره، وهي ليلة النصف من شعبان، أوقدت قناديل العمارة الخنكارية، والجامع الأموي، جميعها، كما جرت به العادة في هذه الدولة الرومية، ولكن لم توقد مآذنهما إلا في هذه الليلة.
وفي هذا اليوم أشيع أنه ظهر بجسر الحديد رجل يدعى علي الخولي، وقيل إنه من ذرية الولي بالشرقية سيدي منصور، وهو عامي يعمل آلات الخيل ونحوها وادّعى أن جدّه جاء إليه في المنام المرّة بعد الأخرى، وأمره بإظهار نفسه ونفع الناس، ثم قال في المرّة الأخيرة: إن لم تفعل بعد هذه المرّة قتلتك، فأصبح يدّعي أنه يقيم المقعد، ويقوّم الأكتع ونحو ذلك، فهرعت الغوغاء عليه واعتقدوا فيه، وغالوا في أمره، وخصوصاً لما أرسل النائب خلفه، وأظهر الاعتقاد فيه بواسطة أمير الشرقية ابن بقر، المقيم بدمشق الآن، وفيه عادة حسنة وهو أنه لا يأخذ من أحد شيئاً ولو كان قليلاً، ثم اختفى أمره.

وفي يوم الاثنين تاسع عشريه أدير المحمل دورة البلد، بجمال مكوّرة وخيول ملبّسة، وقدّامه القاضي ابن جبران ابن المالكي، وقد ولي قضاء الركب، وفي آخر هذ اليوم ثبت على البرهاني بن الإخنائي أن أول شعبان كان الأحد، وأن عدته كملت، فتروح الناس ليلة الثلاثاء وأصبحوا صياماً.
وفي يوم الخميس ثالث رمضان منها، وصل إلى جامع بني أمية أحمال حصر مصرية، عدة اثنين وعشرين حملاً، أهداها له الأمير جانم الحمزاوي، دوادار نائب مصر خير بك، وقيل إن النائب بدمشق كلمه فيها لما توجه إلى الروم، وقيل إن مغرومها سبعمائة دينار، وتكلف عليها ثلاثمائة دينار أخرى حموله.
وفي يوم الجمعة رابعه فرشت هذه الحصر بالجامع وأزيلت العتق البردية، وكانت قد امتلأت بقاً، وفرقت على الجوامع والمساجد، وكفت هذه الحصر الجدد لجميع الجامع، حرمه ولواوينه، وكثر الدعاء للأمير جانم.
وقد قرب تكمله زخرفة الجامع كله من تتميم الطراز بدواوينه، والإعادة على الطرز داخله، وقد كان أرضيته بنفسجي فعملت أسود، وتتبع جميع الرخام داخلاً وخارجاً فأصلح ما تخرب منه، وذهب ودهن ما يجتاج إلى ذلك، حتى الدركاتين بباب البريد وباب جيرون، والعضائد الأربع تحت قبة النسر، وجليت أبواب الجوامع قشطاً، فصارت كالذهب، وكذالك رأس الشعلتين وسط الصحن.
ودهنت جميع العواميد داخله، واحد أخضر وواحد أحمر عميق، وقد كانت بيضاء من صخر، وكتب رأسها ببياض على سواد، وكانت مكتوبة بذهب على لازورد كم أيام قاضي القضاة نجم الدين بن حجي، ولما فعل ذلك أنكر ذلك عليه، واستفتى عليه، كما ذكر ذلك أخوه المؤرخ شهاب الدبن بن حجي في تاريخه.
وجلوا نحت الكباش على رؤوس هذه العواميد بالقصدير، وكانت بياضاً عل أصل خلقتها، وكذلك فعل بعواميد الدركاتين، وليتهم لم يدهنو ا أبدانها فإنها زردوريات، فاندمجوا بالدهان، وأما عواميد الصحن كله فلم يتعرضوا لها، وكذلك دهنوا درابزين مئذنة العروس التحتاني، والفوقاني، وكلس رأسها.
وكذلك دهنوا النقسيه تحتها، وكذلك تتبعوا رخام مشهد علي، المشهور الآن بمشهد النائب، وطرزه، وجددوا ما يذهب به، وكذلك الشباك الكمالي به، وطليت أعمدته بالفضة، وقيل إنه غرم على هذه الزخرفة ثمانون ألفاً من مال الجامع بإشارة النائب.
وفي هذا اليوم بلغني أن النائب عزل مباشري الجامع هذا، ولم يترك به سوى نائبه السيد، وولد شيخنا البرهان بن الكيال الكبير.
وفيه ألبس النائب خلعة للنجم بن الماتاني، أحد عمال مدرسة أبي عمر، وزف بطبل وزمر بالمدينة والصالحية، والمشاعلي قدامه ينادي له بالتكلم على أوقاف المدرسة المذكورة، مع السيد الذي أقامه النائب قبل ذلك متكلماً عليها، عوضاً عن ابن زريق، واسمه محمد الحسيني، وكان اضمحل حال هذه المدرسة في أيامه، وأبيع كثير من أوقافها، وصار لا يخبز لها إلا كل شهر مرتين أو ثلاث، وصارت خلاء وبها مخازن للأكالين من تكية السلطان سليم بن عثمان، فلم شعثها النجم المذكور.
وفي يوم السبت خامسه سمعت بالعنابة، أن سامرية دفنت من خمسة أشهر بمقبرة باب شرقي، نبش قربها وأخذت بتابوتها، وكان قبل ذلك نبشت أربع مرات، وفاق عليهم الحرس عليها، فلما بلغ الحكام ذلك بلصوا هؤلاء الحرس، والسبب في ذلك ما كان عليها من القمصان الحرير المطرزة، واللطيشات المذهبة، وغير ذلك، كما هو عادة السمرة في أمواتهم.
وفيه رأيت الظاهرية الجوانية كلها قد كلست، وذهب قبر واقفها، فعل ذلك النائب لاستيلائه على أحسن وقفها، وفيه كمل تكليس الأتابكية بالصالحية، مع إصلاح مئذنتها وتكليسها، فعل ذلك ناظرها الشمس البقاعي، خوفاً من النائب.
وفي يوم الأربعاء تاسعه وصل مبشر إلى النائب، بأن الخنكار وصل مرسومه إلى نائب حلب، بأن يستخلص من قاضيها الولوي بن الفرفور ثمانين ألفا دينار، يشنق قاسم المغربي أحد جماعته على باب بيته، فبلغه الخبر فهرب، وكان هذا النائب الذي جاءته البشارة هو الشاكي عليه، والسبب في ترتيب هذا المال على القاضي المذكور.
وفي يوم الخميس عاشره أمر النائب لجماعة الأروام عنده بقتل كلاب دمشق، وقد رأيتهم حوالي اصطبل دار السعادة مقتولين، بعضهم بالسيف، وبعضهم بالبندق والرصاص، وبعضهم بالجوبات الخوكانية، ولم يستوعبوا بدمشق.

وفي ليل هذا اليوم أمر النائب لإمام الحنفية الجامع الأموي، أمين الدين بن عون، بأن يتروح بالمقصورة ليلة، والشيخ تقي الدين القاري الشافعي ليلة، وفعل ذلك وتركت التراويح بمحراب الحنفية، ولم يسهل ذلك على متعصبي الشافعية، والسبب في ذلك أنه كان يحصل لبعض المأمومين اشتباه في صلاته من التكبير خلف الإمامين، حتى أن بعضهم صلى الترويحة خمس ركعات، فذكر ذلك للنائب، فأشار بما ذكرنا.
وفي يوم الجمعة حادي عشره عاد إلى دمشق، ماراً إلى مصر من الروم، الأمير جانم الحمزاوي دوادار خير بك نائب مصر، وقد أدى القود للسلطان، وصلى الجمعة بالجامع الأموي على الحصر التي أهداها له، ووصل معه والي شلبي، الذي كان رفيق الدفتردار نوح بدمشق، قبل ذلك متوجهاً إلى مصر، لأجل تغيير النقدين اللذين صارا على أنواع.
وأخبر أن شخصاً واصل إلى دمشق بتغييرهما فيها أيضاً، وأن السلطان سأل عن سبب الثمانين ألف دينار، التي على قاضي حلب الآن، الولوي بن الفرفور، فقيل إنها دين عليه لشهاب الدين بن بري، فقال: هل له وارث ؟. فقيل: نعم، فقال: لا حق لنا عنده، والأمر إلى ورثته، وبطل المرسوم؛ وما قيل من شنق قاسم المغربي مكذب، والخنكار لا يلتفت إلى مثل هذا، ثم سافر هو والأمير جانم بكرة يوم الأحد ثالث عشره.
وفي يوم الاثنين رابع عشره وصل إلى النائب قاصد، وأخبره عن محمد بن ناظر الجيش، الشهير بابن بليبل الجلجولي، أنه قتله مقدّم بلاد نابلس المعزول، المدعو بتوبة، بقصر قرعون بمدينة نابلس، وقتل معه الديوان شهاب الدين الطرابلسي، الذي كان كاتباً على مدرسة سيباي حال عمارتها، وشخصاً سامرياً، ولو وجد ناظر الجيش نفسه لقتله، فإن بسببه كانت الكبسة على هؤلاء، ولو وقع لاستراح الناس منه لكثرة تفضيلة للظلم، فاغتاظ النائب وعيّن لبلاد نابلس في الحال خازنداره في عسكر، وأمره أن يقتل أعيان نابلس، وكل من ينتمي إلى المقدّم المذكور.
وفي يوم الثلاثاء نصفه توفي والد نجم الدين محضر باشا، الذي قدم من أيام، ودفن بمرج الدحداح، وأرسل إلى ولده بطرابلس، وهو الآن يحضرها بنفسه، وفي دمشق بنائبه، فقدم في سلخ هذا الشهر لأجل التركة، وقدّم للنائب تقدمه فقبلها، ثم لم يره وجهاً لأجل اليسق.
وفي يوم الخميس ثامن عشره قدم من الروم إلى دمشق، السيد علي بن السيد عمر الفيقي، ابن أخي القاضي علاء الدين الفيقي الأسمر الحنفي، ونزل عند عمّه، ثم اجتمع بالنائب وقدّم له مرسوماً بتغيير النقدين، وقد صاروا سبعة أصناف، الأشرفية وغلب غليها الزغل وجعلها صنفاً، وكذلك الدراهم، فأمره بالنزول في بيت الولوي بن الفرفور، فنزل به.
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشريه جمع النائب التجّار بدمشق، مع السيد علي المذكور، واستشارهم في تغيير النقدين، فلم يوافقوا عليه، لعلمهم بأن غرضه في ذلك، وكبوا إلى الخنكار جواباً بأن ذلك فيه ضرر على الناس، وليس بدمشق ذهب ولا فضّة ليعملا شيئاً.
وفي يوم الجمعة خامس عشريه خنق النائب، بحبس باب البريد، ترجمان الإفرنج الجعبري الذي تقدّم أنه نهب بيته بسبب شكايته للسيّد علي المذكور، وإشلائه عليه عنده، وتشّفعه به في أن يردّ إليه بعض ماله، فقيل إنه أظهر عليه محضراً، فيه أنه أرسل إلى إسماعيل شاه الصوفي بعض آلات حرب من دمشق، والظاهر أنه مصطنع، وأظهر أنه قتله لأجل ذلك، وقتل معه في الحبس المذكور خنقاً خمسة أروام، قيل إنهم مسكوا في رمضان مع بنت خطأ، وهو يشربون الخمر.
وفي يوم الخميس مستهلّ شوال منها، عيّد الناس، وتوقّف السيد كمال الدين بن حمزة، وإمام الجامع الأموي التقيّ القاري، والشيخ بهاء الدين بن سالم من الشافعية، وشيخ الحنابلة شهاب الدين الشويكاتي، وابن عمّه زين الدين الطيبي فلم يعيّدوا وقالوا: لأن الشهود الذين شهدوا بأول شعبان غير عدول، فلم تكمل العدّة، ولم ير الهلال، ثم عند العصر شهد خمسة أنفس من الدباغة برؤيته، فأفطروا ولله الحمد.
وفي يوم الاثنين خامسه شنق النائب خمسة: ابن الأمير ابن ساعد، وابن ابنه، وابن شيخ بلاد نابلس إسماعيل، واسم هذا الولد أحمد، وشيخ قرية لوبية منها، ورومي قيل إنه قتل نصرانياً.

وفيه عاد السيد علي المذكور إلى الروم، وفيه بلغني أن قاضي البلد فوّض القضاء للقاضي شمس الدين بن البهنسي، ولنقيب الأشراف تاج الدين الصلتي، نيابة، يوم السبت ثالثه.
وفيه مررت بمحلة باب الجابية، فرأيت عمل هناك مركز للقاضي شرف الدين الزنكلوني المصري الشافعي، الذي قتل والده السلطان قانصوه الغوري، بسبب معاكسته له في فتوى، وقد كان هذا القاضي ولاه قاضي البلد قضاء ميدان الحصى، في يوم السبت حادي عشرين رمضان المتقدم، قبيل هذا الشهر، ثم ذهب إلى تلك المحلة، فلم يحصل إقبال له من أهلها، فتحول في هذه الأيام إلى هذا المركز المذكور، بالقرب من منزله، فإنه بالسيبائية، ولم يقل إلا بجاه النائب، وهو ممن يتظاهر بالبلص.
وفي يوم السبت سابع عشره سافر محمل الركب الشريف، وقاضية كما قدمنا ابن جبران المالكي، وأميره جان بلاط نائب غزة من جهة الغزالي، وهو كان أمير الركب في العام الماضي على الطريق المصري، وسار به في هذا العام على الشامي، على جاري العادة، واستمر يومين على قبة يلبغا، ثم سافر.
وسافر معه نقيب الجيش العلاء بن طالوا، وصهره شيخ الحنفية عمي جمال الدين بن طولون، وشيخ الحنابلة أخونا شهاب الدين الشويكاتي، في ركب عظيم، قال الأقدمون لم نر ركباً من سبعين سنة أعظم من هذا، وخصوصواً الأغراب الحلبيين والحمويين والأروام.
وفي يوم السبت رابع عشريه سافر الحج من المزيريب. وفي يوم الأحد عاد مودعوه من هناك، وأخبروا أنه أبيع الكيل الطحين بخمسين درهماً، وأن ما أشيع عنهم من التنكيد، بسب مسك جماعة النائب أمير العرب ملحم، وحطة في قلعة عجلون كذب، وأنه سافر بالحج ابن جغيمان أمير العرب، ثم جيء بأمير العرب ملحم مربوطاً إلى النائب، فأودعه في حبس باب البريد.
وفي يوم الجمعة سلخه جيء برؤوس إفرنج إلى دمشق مع جماعة من أهل بيروت، وأخبروا أن يوم الأربعاء ثامن عشريه طلع من البحر إلى عند عين البقر هناك، هؤلاء الفرنج، في زي الأروام، وراموا أخذ ميناء بيروت، ففاق عليهم المسلمون واقتتلوا، فقتل من المسلمين نحو مائة، ومن الإفرنج نحو الأربعمائة، وهرب الباقون، وقد كانوا جاؤوا في تسعة مراكب منها خمس برشات، والباقي أغربة.
وفي يوم الجمعة المذكور أخبرت أن محب الدين الكركي، موقع نائب الشام سيباي، الذي عمر الحمام قبلي القيميرية بغرب، داخل دمشق، وكان دائراً من أيام اللنك، وبني إلى جانبه داراً له معظمة، توفي فجأة يوم الأربعاء ثامن عشريه أيضاً.
وفي يوم الجمعة المذكور أيضاً أخبرت أنه وصل أولاق، بالحوطة على تركة يونس العادلي، ناظر الحافظية والفارسية والصابونية.
وفي يوم السبت مستهل ذي القعدة منها، وصل إلى دمشق خمسة أحمال من رؤوس الفرنج المقتولين بساحل بيروت، وفرقت على الحارات، مثل الصالحية، ميدان الحصى، والقبيبات والشاغور، وحارة النصارى، وحارة اليهود عند بستان القط، وحارة السمرة فوق العنابة، واستمرت إلى أن أكل غالبها الكلاب، وتحرر أنه قتل من المسلمين خمسة أنفس، ومن الإفرنج خمسمائة وستة وثمانون نفساً، وأن عدة المراكب أربعة عشر، وأنهم نزلوا بثلاثة صناجق وثلاثة طبول.
وفي يوم الأحد ثانيه سافر النائب إلى بيروت، ليأخذ سلب الإفرنج المقتولين، ويتفقد أبراج ذلك الثغر من السلاح، وفي يوم الثلاثاء حادي عشره توفي المعلم عبد الكريم بن دواد، المدعو بشريم، الوراق، وكان آخر المعلمين القدماء في هذه الصنعة، ولديه دين وصلاح ومحبة للصوفية، فجأة، ودفن غربي الروضة بسفح قاسيون.
وفيه توفي العلامة تقي الدين بن أبو بكر بن أبي خالد الشافعي، وكان كتب على الشامية ثم تسبب بالشهادة في مركز المؤيدية، فجأة، عندما جيء به إلى البيمارستان النوري، ودفن عند الشيخ نصر بباب الصغير.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشر وصل أولاقان من الروم، وجهزا إلى النائب. وفي يوم الجمعة رابع عشره شاع بدمشق أن سلطان الروم سليم خان بن عثمان توفي إلى رحمة الله تعالى.

وفي ليلة السبت خامس عشره عاد النائب إلى دمشق بغتة، وشاع أنه عزل الأمير سنان الرومي من بلاد البقاع، وما انضاف إليها، وولاها المقدم أحمد بن المقدم ناصر الدين بن الحنش، لما وصل إليه الأولاقان المذكوران، ومعهما مرسوم بموت سلطان الروم سليم خان، وشاع أنه توفي في تاسع شهر شوال منها، وأن ولده سليمان تولى سابع عشر الشهر المذكور، فيكون بين موت السلطان وتولية ولده سبعة أيام.
وفي يوم السبت المذكور وصل إلى دمشق الأمير سنان، وسلم على النائب فأكرمه، ثم لاح له منه عين الغدر، فذهب إلى القلعة وحذر أهلها من النائب، فأصبحت يوم الأحد سادس عشره مقفولة، وقد فك الجسر قدام بابها الكبير الشرقي، فرام النائب أخذها منهم بالمخادعة فلم يمكنه .
وفي ليلة الاثنين سابع عشره شرع في حصارها، ومعه شباب أهل الحارات من الشواغرة والصوالحة والحصوية وغيرهم، وجماعة القلعة القدماء من أيام الجراكسة، فعند ضحوة النهار الكبرى من اليوم المذكور، ملكها بالحيلة، وهي أنه شاغلهم بالقتال من عند بابها المذكور، مع الرمي عليه بسبقية نصبت شمالي العادلية الصغرى، وأرسل جماعة، ومعهم المعلم أحمد بن العطار، ففكوا شباك النهر عند أسفل سلم الطارمة، وقد كان قطع ماؤه وليس بخندق القلعة ماء، ودخلوا من النهر إلى القلعة.
فلم تستفق الأروام إلا وهم على رؤوسهم، فسلموها، وكان نحو المائة والخمسين مع ما فيهم من الفقهاء والصوفية، وقتل منهم اثنان وامرأة، قيل قتلها زوجها ذبحاً خوفاً من الفسق بها، ومسك أربعة وستون، منهم نائب القلعة، وأطلق الباقون.
ونهب بيوت الجميع ودكاكينهم، وما عندهم من ودائع الحجاج، وأخذ النائب جواري نائب القلعة، وقتل من أهل الحارات ثلاثة، قيل منهم شيخ القبيبات، وجرح خلق كثير، ثم دخل النائب القلعة وأظهر لبس الجراكسة من التخفيفات والكلوتات، وأبطل لبس الأروام من العمائم والقفطانات.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره ولي النائب أحد جماعته المقرقع مدينة حماة وذهب إليها في هذا اليوم. وفي أمر بإبطال التكية، التي أنشأها سلطان الروم سليم خان بن عثمان، عند ابن العربي، فبطلت وختم عليها وعلى حواصلها، ثم أرسل وأخذ ما فيها من القمح، وهو مائة وستون غرارة، ومن السمن والعسل، والزيت، والطحين، والحطب، والحلل، والزبادي، والمغارف، وغير ذلك، ثم وصي عليه .... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

-الي هنا ---------------------------