الأحد، 26 فبراير 2023

ج3وج4.كتاب البصائر والذخائر أبو حيان التوحيدي

 

ج3وج4.كتاب البصائر والذخائر أبو حيان التوحيدي 
فتى عرضه عند أعدائه ... مصون وأمواله تبتذل
وأيامه دول للصديق ... وأفعاله في الأعادي مثل
فلو كان غيثاً لعم البلاد ... ولو كان سيفاً لكان الأجل
ولو كان معطى على قدره ... لأغنى النفوس وأفنى الأمل
يقال في الأثر: إن الإبل لحومها وألبانها شفاء.
قال الأصمعي: سمعت أبا عرارة يقول: من أكل سبع موزات وشرب من لبن الأوارك تجشأ بخور الكعبة.
قيل لإبراهيم بن سيار: هل رأيت شيئاً واحداً يشتمل على عامة الطيبات؟ قال: النحلة، والشاة: منها اللبن، والجذا، واللبأ، والزبد، والسلاء، ثم الجبن والمصل والرخفة واللوقة، والأقط والشيراز والكوامخ والمضيرة، والمصلية والكشكية والغربية وغير ذلك، كذا قال الجاحظ عن إبراهيم.
قال ابن الجهم: في محمد بن عبد الملك الزيات: السريع
ما أحوج الناس إلى مطرة ... تذهب عنهم وضر الزيت
فأجابه محمد:
قيرتم الملك فلم ينقه ... سواده شيء سوى الزيت
أنشد لأبي دلف: السريع
لست لريحان ولا راح ... ولا على الهجران نواح
بلى إذا أبصرتني قائماً ... فبين أسياف وأرماح
ترى فتى تحت ظلال القنا ... يقبض أرواحاً بأرواح
كان أشعب عند الحسن بن الحسن عليهما السلام، فدخل عليهما أعرابي أحمر العينين، مختلف الخلقة، متنكب قوسه وكنانته، فازدراه أشعب لسوء منظره، فقال للحسن: بأبي أنت، أتأذن لي أن أسلح عليه، فأخذ الأعرابي سهماً فوضعه في كبد قوسه ثم فوقه نحو أشعب وقال: والله لئن سلحت لتكون آخر سلحة سلحتها، فقال أشعب للحسن: أخذني يا ابن رسول الله القولنج.
شاعر: الوافر
وما قارورة ملئت عبيراً ... وكان المسك بعد لها ختاما
بأطيب من ثنايا أم عمرو ... إذا الأحلام أيقظت النياما
قيل لصوفي: كيف ترى ربك؟ قال: مستوراً عني بعلمه في، ومستصلحاً لي بتفضله علي.
قالت أعرابي: والله ما غمامة بكر، تدلت عليها الرياح في قفر، بأنقع للظمآن من ريق صخر.
قال الأصمعي: سمعت جعفر بن سليمان يسأل أعرابياً: ما بال الأرنب أحب إلى الصقر من الحبارى؟ قال: لأن الحبارى تكلح في وجهه، وتسلح على سبلته.
قيل لأعرابي: فلان يعيبك، قال: ذاك المائل عن المجد رجلاً، المطلي باللؤم وجهاً، ولكن قد ينبح القمر الكلب.
قال أعرابي وذكر شبابه قيل له: ثم مه، قال: ثم مللت راحة الصبا، وسقيت سلوة عن الهوى، وأعلم أن أغنى الناس من كثرت حسناته، وأفقرهم من قل نصيبه منها.
شاعر: الكامل
هذا الربيع كأنما أغصانه ... أبناء فارس في بنات الروم
بسط البسيطة سندساً وتبرقعت ... قلل المياه بلؤلؤ منظوم
والورد يحكي في ذرى أغصانه ... قضب الزبرجد نظمت بنجوم
في الأمثال: أنا الغريق فما خوفي من البلل ومنها: إن الدلاء ملاكها الوذم قال بعض الحكماء: لكل شيء آفة، وآفة العلم النسيان، وآفة الظرف الصلف، وآفة العبادة الفترة، وآفة الحديث الكذب، وآفة الشجاعة البغي، وآفة الحاجة الكبر، وآفة الحسب البطر، وآفة الحلم الذل، وآفة الجود السرف، وآفة القصد البخل، وآفة الحذق العجب، وآفة الجلد الفحش، وآفة المودة إخوان السوء، وآفة العقل الهوى، وآفة العفاف الضيق، وآفة الرأفة الجزع، وآفة الحياء البلادة، وآفة التواضع التصنع، وآفة اللطف الملق، وآفة الأنبساط عادة السوء، وآفة المداراة المداهنة، وآفة السرور البطر، وآفة الحزن التهالك، وآفة الغضب الغيظ، وآفة الإحسان التزكية، وآفة الأنتباه القنوط، وآفة الكسب الكد، وآفة الواعظ العنف، وآفة الموعوظ الملل، وآفة السائل الإلحاف، وآفة المسؤول الشح، وآفة الفقر الضراعة، وآفة الغنى الطغيان، وآفة الرأي الأستبداد، وآفة الأناة التفريط، وآفة السرعة العثرة، وآفة المشورة غش المستشار، وآفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ترك العمل بهما.
قال أعرابي: العاجز هو الشاب القليل الحيلة، الملازم للحليلة.

قال المأمون لعبد العزيز المكي: أليس قال الله تعالى " ما فرطنا في الكتاب من شيء " الأنعام: 38 قال: بلى، قال: فلقد قرأت القرآن فلم أجد فيه ذكر الجواسيس، فقال عبد العزيز: ألم تسمع قوله تعالى: " يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم " التوبة: 47، وهؤلاء ينقلون الأحاديث ويرفعون الأخبار.
شاعر: الطويل
ألا فأسقني والفجر يلمع في الدجى ... شراباً له في الدن عهد ثمود
كأن الثريا والصباح يكدها ... قناديل رهبان دنت لخمود
كأن حباب الماء في جنباتها ... وجوه عذارى في ملاحف سود
وللصبح سلطان على الليل قاهر ... يرحله عنا بغير جنود
من الأمثال:
أبشري أم خالد ... رب ساع لقاعد
قال عبادة المخنث لرجل كبير الأنف رآه عند المتوكل: يا أمير المؤمنين، لو كان له ملء أنفه دقيقاً لكان يكفيه وعياله سنة.
سمع مخنث رجلاً يقول: دعا أبي أربعة أنفس أنفق عليهم أربعمائة درهم، فقال: يا ابن البغيضة، ولعله ذبح لهم مغنيتين وزامر، وإلا فأيش أنفق أربعمائة درهم؟! شاعر: الخفيف المجزوء
هب لعيني رقادها ... وآنف عنها سهادها
كن صلاحاً لها كما ... كنت دهراً فسادها
وأرحم المقلة التي ... صرت فيها سوادها
سمع مخنث رجلاً يؤذن بأعلى صوته في مسجد صغير فقال له: يا هذا أذن على قدر مسجدك، ولا تعد طورك.
قال شيخ لفرفر المخنث: أبو من؟ قال: أم أحمد فديتك نظرت امرأة إلى مخنث في قطيفة فقالت: ويلي، مخنث في قطيفة؟! فقال: يا بظراء، لو كان لي مثل الكانون الذي بين فخذيك جلست في غلالة.
لما أفلت عمر بن هبيرة من سجن خالد مر بالرقة السوداء، فإذا امرأة من بني سليم على سطح لها تحدث جاراتها ليلاً وهي تقول: لا والذي أسأله أن يخلص عمر بن هبيرة مما هو فيه، فوقف عمر وقال لأصحابه: هل معكم شيء؟ فأتوه بمائة درهم، فصيرها في صرة فرمى بها كلها وقال لها: قد خلص الله ابن هبيرة مما كان فيه، فطيبي نفساً.
قيل لدغفل: من أشعر الناس؟ فقال: امرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا طرب، وزهير إذا رغب.
من أمثال العرب: وليس القدر إلا بالأثافي.
شاعر: الكامل
خافت سلوي وآنقطاع وسائلي ... فغدت بدمع سائل ومسائل
ورأت فتى كالسيف إلا أنه ... شخت الضلوع قليل لحم الكاهل
مثل الذبالة ضوءها لك معجب ... والنار تأكل جسمها من داخل
فضحكت مما قد بكاني حاسدي ... وبكيت مما قد رثى لي عاذلي
هبت ريح شديدة فقال الناس: قد قامت القيامة، فقال زبدة المخنث: هذه قيامة على الريق بلا خروج دجال ولا دابة الأرض ولا المهدي، نسأل الله بركة قدومه.
قيل لمخنث: ويلك، تناك في أستك؟! فقال: يا قوم فلي موضع غيرها؟! كان العباس يقول: الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس، ومن الذنب للمصر، ومن الحكم للمقر، وهو عندهم أرفع من السماء، وأعذب من الماء، وأحلى من الشهد، وأذكى من الورد، خطأه صواب، وسيئته حسنة، وقوله مقبول، يغشى مجلسه، ولا يمل حديثه؛ والمفلس عند الناس أكذب من لمعان السراب، ومن رؤيا الكظة، ومن مرآة اللقوة، ومن سحاب تموز، لا يسأل عنه إن غاب، ولا يسلم عليه إن قدم، إن غاب شتموه، وإن حضر حقروه، وإن غضب صفعوه، مصافحته تنقض الوضوء، وقرانه يقطع الصلاة، أثقل من الأمانة، وأبغض من الملحف الملزم.
قال أعرابي: أجمعوا الدراهم فإنها تلبس اليلمق، وتطعم الجردق.
قيل لأعرابي: ما السرور؟ قال: كثرة المال، وقلة العيال.
قيل لفيلسوف: فيم السرور؟ قال: في إيضاح حق قد ألتبس بباطل، وإزالة باطل قد جار على الحق.
قيل لصوفي: فيم السرور؟ قال في توحيد يقام شاهده، ومقام يصدق وارده.
أنشد ابن الأعرابي: الكامل
إني لألبسكم على علاتكم ... لبس الشفيق على العتيق المخلق
ولقد أرى ما لو أشاء عتبته ... فأصد عنه ببقيتي وترفقي
ليرى العدو قناتنا لم تنصدع ... ويكون ذاك كأنه لم يخلق
وإذا تتبعت الذنوب فلم تدع ... ذنباً قطعت قوى القرين المشفق

وسمعت أو نقلت إليك مقالة ... عوراء يطلقها صموت المنطق
نظر رجل إلى مخنث وهو ينتف لحيته فقال له: لم تنتف لحيتك وهي جمال وجهك؟ قال: يسرك أن يكون لأستك مثلها؟ قال: لا، قال: فشيء لا تحب أن يكون في أستك مثله أتركه أنا على وجهي؟! أدخل رجل علوي بيته قحبة، فلما أرادها قالت: الدراهم، قال: دعي عنك هذا ويحك مع قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: دع هذا، عليك بقحاب قم، هذا لا ينفق على قحاب بغداد.
ما أقبح النقص بالشريف!! كان جحا نائماً إلى جنب أمه، فضرطت فتشورت فقالت: يا بني رأيت رؤيا فيها رعد وبرق ودوي، فقال: يا أمي، إن صدقت الرؤيا مطرنا خرا.
شاعرة من العرب: المتقارب
ألم ترنا عزنا ماؤنا ... سنين فظلنا نكد البئارا
فلما عدا الماء أطواره ... وجف الثماد فصارت حرارا
وعجب عجيجاً إلى ربها ... رؤوس العضاه تنادي السرارا
وفتحت الأرض أفواهها ... عجيج الجمال وردن الجفارا
لبسنا لدى عطن ليلة ... على اليأس أثوابنا والخمارا
وقلنا: أعيروا الندى حقه ... وصبر الحفاظ وموتوا حرارا
فإن الندى لعسى مرة ... يرد إلى أهله ما أستعارا
فبينا نؤثل أحسابنا ... أضاء لنا عارض فاستطارا
وأقبل يزحف زحف الكسير ... سياق الرعاء البطاء العشارا
تغني وتضحك حافاته ... خلال الغمام وتبكي مرار
كأنا تضيء لنا حرة ... تشد إزاراً وترخي إزارا
فلما رأينا بأن لا نجاء ... وألا يكون قرا قرارا
أشار له آمر فوقه ... هلم فصار إلى ما أشارا
رئي جحا في جنازة أبي العباس النحوي وهو يقول: يا أبا العباس رحمك الله، في حر أمنا بعدك يا أبا العباس.
سرق رجل جملاً بالليل، فرفع إلى السلطان فقال له: لم سرقت؟ قال: كنت سكران، قال: فلم لم تأخذ كلباً؟ فقال: ما ميزت بين الجمل والكلب.
عطش جحا يوماً فقال لأمه: أسقيني ماء، فقالت: من أين أسقيك؟ اشرب من حافرك؛ وعطشت هي أيضاً يوماً فقالت: يا بني اسقني، فأراد أن يقول لها كما قالت له فقال: اشربي من حرك، يريد: من حافرك.
كان للشاعر المعروف بالدقيش أنف طويل وأسنان كبار، فقالت امرأته، أي شيء تشبه؟ قال: لا أدري والله، قالت: يشبه أنفك هذا الطويل وفمك وأسنانك كأنك والله ديك يطله في كوز في فمه قرطم، فقال لها: لعنك الله، أنا شاعر ولا أحسن هذا التشبيه.
دعا أبو سالم القاص يوماً على المنبر بنصيبين فقال: اللهم أمسخهم كلاباً، وأمسخنا ذئاباً حتى نقرض جلودهم.
زار رجل رئيسا، فقال الرئيس: يا جارية، هاتي لضيفنا المسكين السكر والشيرج وأصلحي الفالوذج، قالت: يا مولاي ليس عندنا سكر ولا عسل، قال لها: ويلك هاتي قطيفة إبريسم حتى ينام فيها، قالت: يا مولاي استعاروها، فقال الضيف: جعلت فداك، ما بين هذين رغيف وقطعة جبن.
نظر الفرزدق إلى جارية مليحة بالمدينة فقال لها: أيري في أستك، فقالت له: يا بغيض، ما يضرك أن تضعه في يدي فأضعه حيث أشتهي، فقال: قد وضعته في يدك، قالت: فإني قد وضعته في حر أمك.
قيل لطفيلي: كل من قدامك، قال: يا قوم، ترى هو ذا آكل من خلفي؟! وقع نحوي مرة في كنيف، فجاؤوه بكناسين، فكلمه أحدهما لينظر أهو في الحياة، فقال له النحوي: أطلبا لي حبلاً دقيقاً، وشدا شداً وثيقاً، وأجذباني جذباً رفيقاً؛ فقال أحدهما لصلحبه: أما أنا والله لا أخرجته، هذا في الخرا إلى الحلق وليس يدع الفضول.
أخذ الحكم بن أيوب الثقفي عامل الحجاج إياس بن معاوية في ظنة الخوارج، فقال له الحكم بن أيوب: إنك لخارجي منافق، ائتني بكفيل، فقال: ما أجد أعرف بي منك، فقال: وما علمي بك وأنا رجل من الشام وأنت من أهل العراق؟ قال إياس: ففيم هذا الثناء منذ اليوم؟! فضحك وخلى سبيله.

قال سديف في خطبته: قد صار فيئنا دولة بعد القسمة، وإمامتنا غلبة بعد المشورة، وعهدنا ميراثاً بعد الأختيار للأمة، واشتريت المعارف والملاهي بسهم اليتيم والأرملة، وحكم في أبشا المؤمنين أهل الذمة، وتولى القيام بأمورهم فاسق كل محلة؛ اللهم قد استجيد الباطل، وبلغ نهيته، وزخرف وليده، واستجمع طريده، وضرب بجرانه؛ اللهم فأتح له من الحق يداً حاصدة تبدد شمله، وتفرق أمره، ليظهر الحق في أحسن صورة، وأتم نورة.
قال إبراهيم بن أدهم: نظرت فلم أجد الخلق أتوا في أفعالهم إلا من ثلاثة أشياء: من الفرج بالموجود، والحزن على المفقود، والسرور بالمدح، لأن من فرج بالموجود حرص، والحريص محروم، ومن حزن على المفقود سخط، والساخط معذب، ومن سر بالمدح أعجب، والمعجب ممقوت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أنس: لو لم تكونوا تذنبون خشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك، قالوا: يا رسول الله، وأي شيء أكبر من ذلك؟ قال العجب.
مدح أبو مقاتل الضرير الحسن بن زيد بقصيدة أولها: الرمل
لا تقل بشرى ولكن بشريان ... غرة الداعي ويوم المهرجان
فكره الحسن ابتداءه ب لا تقل بشرى فقال: لو قلت:
غرة الداعي ويوم المهرجان ... لا تقل بشرى ولكن بشريان
لكان أحسن، لأن الأبتداء ب لا قبيح، فقال له أبو مقاتل: لا كلمة أشرف من التوحيد، وابتداؤه ب لا.
قيل لسقراط: متى أثرت فيك الحكمة؟ قال: مذ بدأت أحقر نفسي.
قال أبو بكر الدلال: رئي غزوان الضرير في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: الخفيف المجزوء
حاسبونا فدققوا ... ثم منوا فأعتقوا
قيل لزيد بن علي: يا ابن رسول الله، أما ترى فقيراً يستغني، وغنياً يفتقر، وشيخاً يبقى، وطفلاً يخترم، وأحوالاً هذه سبيلها خارجة عن العادة، فكيف ذلك؟ قال: نؤخذ في كل حال حتى لا نأمن في حال.
سمعت علي بن الحسين العلوي يقول: الموت طريق تستوي فيه الأقدام، ويسلكه المقصر والمقدام.
قيل لأعرابي: ما يغنيك؟ قال: السلامة في الدنيا، والكرامة في الآخرة.
نظر رجل إلى سقراط في ثياب لا تواريه فقال: أهذا سقراط واضع النواميس؟ وأكثر التعجب منه، فقال له سقراط: ليس علة نواميس الحق الكساء الجديد، ولا علة ناموس الباطل الكساء الخلق.
قيل لصوفي: خذ حظك من الدنيا فإنك فان عنها، قال: الآن آخذ حظي منها.
شاعر: البسيط
تباً لذي أدب يرضى بمعجزة ... لم لا يكون كباز فوق قفاز
يطوي الدكادك والعقبان معترضاً ... حتى يموت عزيزاً فوق معجاز
أو يستريح من الدنيا وساكنها ... فقد بلينا بدهر خائن خاز
ما للأديب به حظ ولا خطر ... والحظ فيه لصفعان وطناز
وقال أبو الحسن العامري الفيلسوف، وشاهدته ببغداد سنة ستين، وقد حضر مجلس أبي حامد المروروذي وتكلم في مسألة فقهية وهي تحليل الخمر، فاستطرفت كلامه في الفقه بألفاظ الفلاسفة، ثم شاهدته بعد ذلك سنة أربع وستين وقد صحب ركاب ذي الكفايتين، وله حديث مع الفلاسفة البغداديين، قال: القوة الشهوانية إذا أفرطت كانت شرهاً، وإذا نقصت كانت جموداً، وإذا توسطت كانت عفة؛ والقوة الغضبية إذا أفرطت كانت تهوراً، وإذا أستخذت كانت جبناً، وإذا اعتدلت كانت شجاعة؛ والقوة النطقية إذا أفرطت كانت جهرة، وإذا ضعفت كانت غباوة، وإذا توسطت كانت فطنة.
وسمعته يقول: الأسم والحد متطابقان أبداً، غير أن الأسم يدل دلالة مجملة، والحد يدل دلالة مفصلة.
وقال أيضاً: من عرف إنيته سلم من التعطيل، ومن عرف وحدانيته سلم من الشرك، ومن عرف نعوته سلم من التشبيه.
وسمعت صوفياً يقول: سيدي، علائقي منك تشوقي إليك، وعوائقي عنك تلهفي عليك.
وقال أعرابي لرجل: قربني إليك قطع مفازة وركوب أخرى، وملاطمة هواجر النهار ومراعاة نجوم الليل، ورميي بالنجب المناجي أثباج الليل الداجي.
الأثباج: جمع ثبج، والثبج وسط الشيء، والداجي: الساتر، ومنه دجا نور الإسلام أي حين سبغ وكثف، وكأنه عنى كثافة النظام.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أدري كيف أعامل أهل الكوفة، إن أرسلت إليهم مؤمناً ضعفوه، وإن أرسلت إليهم قوياً فجروه، قال المغيرة: يا أمير المؤمنين الضعيف إيمانه له وعليك ضعفه، والفاجر قوته لك وعليه فجوره، فولاه الكوفة.
أنشد لموسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب وكان شاعراً: الطويل
إذا أنا لم أقبل من الدهر كل ما ... تكرهت منه طال عتبي على الدهر
وأنشد لمسلم بن حذافة: البسيط
من ذا يندد بين الناس معذرتي ... إن رد جار أبي وهو مقتول
ينازع الطير في البطحاء حسوته ... فقال من جاز هذا غاله غول
فلست أسلم أوساً لامرىء أبداً ... حتى أرد وثغر النحر مبلول
أو أبلغ في أوس فيعذرني ... فيه الرجال إذا ما ينشر القيل
لمسلمة بن عبد الملك بن مروان: البسيط
لا شيء أحسن في الدنيا وساكنها ... من وامق قد خلا فرداً بموموق
كذاك ليس بها أشجى لذي نظر ... من عاشق هاضع قدام معشوق
نفسي الفداء لظبي بات يسعدني ... ليلاً على قبض أرواح الأباريق
قال بعض السلف: ضربة الناصح خير من تحية الشانئ، ولا فضل للمرائي بالود على مظهر الشنآن، والتواضع زيادة في الشرف، والعجز مرده إلى الخمول. إن عجز مالك عن المشتكي، أو دواؤك عن المريض، فلا تعجزن عنه برحمتك وعيادتك، فإن أدنى منازل الخيرات نصائح القلوب. قرب الهرم من الموت كقرب الثمرة اليانعة من السقوط عند هبوب الريح.
قال سقراط: الحسن الحق هوالعدل لأنه على كل حسن، والحسن كل معتدل، وكذلك الجور هو القبح أنه علة كل قبيح كذلك، والقبيح خارج عن الاعتدال.
قال ابن الأعرابي، قال وهب: في الجاردة سبع خلق جبارة: رأسها راس فرس، وعنقها عنق ثور، وجناحها جناح نسر، ورجلاهان رجلا حمار، وذنبها ذنب حيةن وبطنهان بطن عقرب، وصدرها صدر سبع.
قيل للجرذ القراد: كيف أصبحت؟ قال: كيف يصبح من يرجو آخر هذا؟ وأشار إلى القرد.
كتب سهل بن هارون إلى ذي الرياستين: إن للأمنية فرحاً يرجو من ولاة فرحها، ولأيامها دولاً فخذ حظك من دولتك فيها، ولدولها تصرفاً فتزود قبل أوان تسرفها، فإن تعاظمك ما أنبأتك عنه فانظر في جوانبها بأخذك الوعظة من جميع نواحيها، واعتبر بذلك الاعتبار على أنك مسلم مما سلم لك منها.
قال موسى بن قيس المازني، قلت لأبي فراس المجنون: أنت النهار كله ماش، أفنشكتي بدنك بالليل؟ فقال: المتقارب
إذا الليل ألبسني ثوبه ... تقلب فيه فتى موجع
فقلت: يا أحمق، أسألك عن حالك فتنشدني الشعر، قال: قد أجبتك يا ابن الزطية، فقلت: ألي تقول هذا وأنا سيد من صادات الأنصار؟! فقال: الطويل
وإن بقوم سودوك لفاقة ... إلى سيد لو يظفرون بسيد
ثم ضرط في ديه ولطم عينيه وقالك هكذا يكون الجواب المقشر.
قال بعض الأوائل: اعتد الزهد واقتنه فإن فيه راحة للبدن من النصب، وإعتاق للنفس من العبودية، وقطعاً للحسرة، وإذهاباً للندامة، وتخفيفاً للسأم؛ أما التواضع فليكن من الشيم المحبوبة عندك، فإنه يقربك إلى ربك، ويذهب عنح حسد الناس، ويوجب محبتهم وعطفهم. ولتكن سيرتك فيمن دونك من الناس الرأفة بهم، والرحمة لهم، والسد لما قويت عليه من فائتهم، وحب السعة في معايشهم، والسلامة لهم في أبدانهم، فإنك إذا فعلت ذلك عمهم جودك وخيرك.
قال أبو هفان: فلان أثقل م الموت على المعصية.
قيل لابن سوار الكاتب: إن غلامك قد امتهنك هذا الأسود، قال: بلى أنا قد امتهنته، عمدت إلى أكرم علق فيه فاستعملته في أقذر مدخل في.
دخل زهر المخنث حماماً فرأى شيخاً قد أنعظ، قال: فديتك ما لهذا قائماً؟ قال: ذكر صديقاً له بالعراق، قالك أفتأذن في تقبيله فقد انقطع الوفاء إلا منه.
كتب الرشيد إلى الفضل بن يحيى: أطال الله يا أخي مدتك، وأدام نعمتك، والله ما منعني من إتيانك إلا التطير من عيادتك، فاعذر أخاك، فو الله ما قلاك ولا سلاك، ولا استبدل بك سواك.

وكتب أيوب بن غسان: الخير مرغوب فيه، والكريم مكثور عليه، ومن عود شيئاً طلبه، ومن فتح عليه باب قرعه، والأوائل بالأواخر، وكما قيل: الفواتح بالخواتم، والتعرض للمعروف أوجب من البر فيه، لأ، الحظ فيه أوفر، والنعمة أعظم، فاخترنا لك أعلى الدرجتين، وأحظى الحظين، ودعوناك إلى رب صنيعك، وتثمير نعمتك.
احفظ فصول الكتاب فإنها نافعة في الفهم مرة والبلاغة مرة.
لمنظور بن فروة: الطويل
إذا أنت أكثرت المجاهل كدرت ... عليك من الأخلاق ما كان صافيا
فلا تك حفاراً بظلفك إنما ... تصيب سهام الغي من كان راميا
كان سقراط يتشرق في الشمس على ظهر الحب الذي يأوي فيه، فوقف عليه الملك فقالك يا سقراط، ما الذي منعك من إتياننا؟ فقال له: الشغل أيها الملك بما يقيم الحياة، فقال الملك: لو أتيتنا كفيناك، فقال له سقراط: لو علمت أني أجد ذلك لزمتك ما لزمتني الحاجة إلى ذلك، فقال له الملك: فسل حاجتك، قال: حاجتي أن تزيل عني ظلك فقد منعتني المرفق بالشمس؛ فدعا له بكسى فاخرة من الديباج وغيره ويذهب، فقال له سقراط: وعدت بما يقيم الحياة، وبذلت نعيم الأموان، ليس لسقراط حاجة إلى حجارة الأرض وهشيم النبت ولعاب الدود؛ الذي يحتاج إليه سقراط معه حيث يتوجه. فقال مزاح كان مع الملك: لقد حرمت نفسك نعيم الدنيا أيها الرجل، قال سقراط: وما نعيم الدنيا يا هذا؟ قال المزاح: أكل اللحمان، وشرب الخمر، والمناكح والملابس، فقال سقراط: ليس بمستنكر أن يكون نعيم الدنيا هذا عند من رضي بمشابهة الدود من نفسه، وأن سجعل بظنه مقبرة للحيوان، ويؤثر عمارة الفانية على الباقية.
كاتب: أما بعد فإن خير الناس الواصل لمن قطعه، وشرهم القاطع لمنوصله، وقد وصلناك فقطعتنا، وقطعناك فلم تصلنا.
وقال الشاعر: الطويل
إذا ا،ت لم تشرب مراراً على القذى ... ظمئت، وأي الناس تصفو مشاربه
قيل لرجل كان يسرف في الجماع: إنا نخاف عليك العمى، فقال: قد وهبت بصري لذكري.
شاعر: الطويل
وقد يقرض الشعر البكيء لسانه ... وتعيي القوافي المرء وهو خطيب
مطرود بن عرفطة، جاهلي: البسيط
إن سلولاً عراك الموت عادتها ... لولا سلول لمستنا أبابيلا
الضاربون إذا خفت نعامتنا ... والقائلون إذا لم نحسن القيلا
والضامنون لمولاهم غرامته ... لا زال واديهم بالغيث مطلولا
سمع شاهك المهنث رجلاً يصف الكرفس فقال: لأيش يصلح؟ قال: لفتح لاسد، فقال: لا كان الله لك، أنا إلى سد الفتح أحوج.
أنشد ليحيى بن عروة بن الزبير: الطويل
أشرتم بلبس الخز لما لبستم ... ومن قبل ما تدرون من فتح القرى
قعوداً بأبواب الفجاج وخيلنا ... تسامي سمام الموت تكدس بالقنا
فلما أتاكم فيئنا برماحنا ... تكلم مكفي لمن كانقد كفى
قيل لعبد الله بن يعقوب: ما تشتهي أ، تكون؟ قال: أشتهي أن أكون دابة تأكل الليل والنهار.
دعبل: الكامل
أما الهجاء فدق عرضك دونهوالمدح فيك كما علمت جليل
فاهذب فأنت طليق عرضك إنه ... عرض عززت به وأنت ذليل
كتب ابن المعتز إلى عبيد الله بن سليان: علم الوزير - أعزه الله - بذهائر الأجر يغنيني عن ترغيبه فيه، وسبقه إلى الصبر يكفيني تذكيره به، لكن لولي الوزير - أيده الله - مواضع إن أخلاها دخل في جملة المضيعين لحقه، اللاهين عما عناه.
أنشد: الهزج
وقلبي بك مسغول ... وعقلي بك قد زالا
لقد ألسني الدهر من الأحزان سروالا
ومذ فارقت من أهوى ... لقد لاقيت أهوالا
أرى ليلي قد طال ... ويومي فيك قد حالا
قال عبد الله بن الزبير في وصف الدنيا: إن تقبل لا آخذها أهذ الأشر البطر، وإن تدبر لا أبك عليها بكاء الخرف المهتر.
قال رجللأحول: بلغني أنكم ترون الشيء شيئين، وكان بين يديه ديك، فقال: كيف لا أرى هذين الديكين أربعة؟! قال بعض السلف: صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متكئاً.
أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: لا تقتل السامري فإنه جواد.
قال الزيدي: النثيثة: ذكر الرجل بعد موته بما أتى من قبيح وحسن، وأنشد: الطويل

وما كنت مبتاع الحياة بسبة ... ينثي بها عاراً علي بنو سعد
أنشد ثعلب: الطويل
وما وجد مغلول بصنعاء موثق ... بساقيه من ماء الحديد كبول
قليل الموالي مسلم بجريرة ... له بعد نوبات العشاء أليل
يقول له الحداد أنت معذب ... غداة غد أو مسلم فقتيل
بأكثر مني لوعة يوم راعني ... فراق حبيب ما إليه سبيل
وأنشد أيضاً: الطويل
حفرنا على أضغان بكر بن وائل ... ببطن فليج والأسنة متح
وقد غضبوا حتى إذا ملأوا الثرى ... رأوا أن إقراراً على الضيم أروح
أنشد اليزيدي: الرجز
إن كنت تدري ما المخبآت ... فما لطاف الطي مدرجات
لهن منهن قلنسيات ... وهن للأثقال حاملات
يعني الأصابع.
يقالك إذا ألقي الزيتون أو خشب التين على النار وفي البيت آدر اشتدت القرقرة في خصيتيه.
قال أبو القاسم علي بن عيسى الوزير: حدثني أبو الفرج قدامة بن جعفر قال: كنت مروياً في أمر آيته أو أذره، فأنشدت في المنام إنشاداً: الطويل
فلا تكن النفس التي نيط أمرها ... بنفسين نفسي تائق وعزوف
كتب المختار بن أبي عبيد إلى الأحنف بن قيس ومن قبله: أما بعد، فإن الأحنف مورد قومه سقر، حيث لا يستطيع لهم الصدر، وإني لا أملك ما خط القدر؛ وقد بلغني أنكم تكذبونني، وقد كذبت الأنبياء من قبلي، ولست بخير من كثير.
الجوع والجود والنسناس والقسقاس والغرث والسغب واحد.
العرب تقول: نعوذ بالله من طئة الذليل.
وقال: يقولون بيني وبينهم شجنة، أي وصلة ورحم.
ابن الأعاربي: أتى النخط - هو بالخاء المعجمة - أي الناس؛ وزرم: إذا انقطع؛ ورزم: لم يبرح.
أنشد الشعبي: الطويل
وما زلت في ليلى لدن طر شاربي ... إل اليوم أبدي إحنة وأداجن
وأضمر في ليلى لقوم ضغينة ... وتضمر في ليلى علي الضغائن
سمعت السيرافي يقول: إياك أن تنشد: طر شاربي، لإن طر قطع، ومنه الطار والطرار، ومنه طرة الغلام وطرة الثوب، فأما طر - بالفتح - فمعناه نبت، يقال: طر وبر الناقة إذا بدا صغاره وناعمه.
وقال الشعبي: لا يكون الرجل سيداص حتى يستعمل بيتي الهذلي، قيل: وما هما؟ قالك قوله: الطويل
وإني للباس على المقت والقلى ... بني العم منها كاشح وحسود
أذب وأرمي بالحصى من ورائهم ... وأبدأ بالحسنى لهم وأعود
قال ابن الأعرابي: يقال فلان قموص الحنجرة، أي كذوب.
وقال أبو عبيد في غريب الحديث: أول خلفك، أي آسكت.
سمعت نحوياً يقولك " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً " طه 132 لا يحوز جزم نسألك، وكذلك قوله تعالى " فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك " النساء: 84، فلو جزم بطل المعنى، وذلك أن الجزم يدل على أن من أمر اله بالصلاة لا يسأله رزقاً، والله تعالى يسأله رزقاً قبل ذلك وبعده، وكذلك في القتال.
قال خلف الأحمر: قلت لابن كبشة بنت القبثري: ما الهلباجة؟ قال: فتردد في نفسه من خبث الهلباجة ما لم يستطع أن يخرجه بحرف، فقال: الهلباجة الأحمق المائق القليل العقل الخبيث الذي لا خير فيه ولا عمل عنده، وبلى: يستعمل وعمله ضعيف، وضرره أشد من عمله، ولا يحاضرن القوم، وبلى: يحضر ولا يتلكم.
قال يعقوب: سمعت رجلاص من قيس وآخر من تميم يقولان: قعدت في الظل ألتمس الرائحة، يريد بها الراحة.
حط السعر وانحط إذا فترن ونزا إذا غلا.
قال ابن الأعرابي في النوادر: قال قوم من أهل الشام لعلي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - يثورون ما عنده في عثمان: إن عثمان نافق، قال: لا، ولكنه ولي فاستأثر، وجزعنا فأسأنا الجزع، وكل سيرجع إلى حكم عدل.
العرب تقولك أغضى فلان على أثارة غضب، أي بقية. يمتي يمدد، وكأن متى منه.
العرب تقول: هذا قرة لعي أي ثقيل، أهذ م الوقر، والوقر: الحمل، والوقر - بالفتح: ثقل في الأذن، والوقار: رزانة الجسم وسكون الأطراف ووقع الطائر.
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الجياف؛ كأنه يطلب الجيفة وهي الميت.
فرانق: هو البريد؛ رجل فرانس: يفرس كل شيء، النون زائدة.
شاعر: الطويل

ولست بقوال لمولاي إن حبا ... هلكت ولا إن ضافك القوم أفرد
لست بقوال لذي الزاد أبقه ... فإنك إلا تبق زادك بنفد
لعبد الرحمن بن الحكم في أخيه مروان: الوافر
ألا من مبلغ مروان عني ... رسولاً والرسول من البيان
فلو كنا على مهل سواء ... جريت وأنت مضطرب العنان
ولست بواجد طرداً لحر ... كإلصاق به طرق الهوان
في الحديث أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أيضر الغبط؟ قال: نعم، كضر الشجر الخبط. الغبط شقيق الحسد، وقد فصل بينهما ما لا بيان من ظاهر اللفظ عليه، وذلك أنه قيل: الحسد هو أن تتمنى زوال نعمة صاحبك حسب، والغبط أن تحب مثل نعمته لنفسك من غير زوال مالصاحبك.
يقال: ما البغط، وما الخبط، وما العبط، وما الربط، وما السبط، وما اللبط، وما الزنط، وما الهبط.
أما الغبط فكأنه من غبط يغبط إذا فرح، ومنه الغبطة وهو مهاية الفرح، وفي الألفاظ المحفوظة أن السرور والحبور والغبطة والبجة الجذل والفرح والارتياح على معنى واحد.
وأما خبط الشجر فضربك إياه بالعصا لينتثر الورق، والخبط: المنتثر منه.
وأما العبط فأخذك الشيء طرياً، ومنه: اعتبط فلاهن إذا مانت على شبابه. والعبيط الدم اطري، ومنه الخبر: لو كانت الدنيا دماً عبيطاً لكان قوت المؤمن فيها حلالاً. ومنه اعتبط الناقة إذا نحرها من غير علة بها.
وأما الربط فالشد، والرباط مثله، والرباط: المكان الذي تربط فيه الخيل للغزو والسفر.
وأما السبط فيقال: شعر سبط إذا كان غير مفلفل، والكلام السبط: المتلاحم الأجزاء، المتفق التأليف، الذي لا تنبو طباعك عنه، ولا تقشعر أذنك منه.
فأما اللبط فمن قولك: لبط به، إذا خبل به، كأنه صرع من الشيطان أو ضرب من الجنون.
وأما الزنط فتضعضع الحال، يقال: زنط أمر بني فلان.
وأما الهبط فالهبوط، وهو النزول، وهبط عليه الملك أي نزل.
شاعر: الطويل
والله لو أني اخاصم حية ... إلى فقعس ما أنصفتني فقعس
إذا قلت مات الداء بيني وبينها ... أتى حاطب منهم لآخر يقبس
فما لكم طلساً إلي كأنكم ... دئاب الغضا والذئب بالليل أطلس
وقد جعلت بعد التمرس قامتي ... وحسن القري مما تقولون تمرس
القامة: البكرة، والقري: جمع الماء في الحوض؛ تمرس: ينشب الحبل بين الخطاف والبكرة؛ يقول: فسد ما كان بيني وبينكم.
شاعر: الطويل
ما بال من أسعى لأجبر عظمه ... حفاظاً وينوي من سفاهته كسري
أعود على ذي الذنب والجهل منهم ... بحلمي ولو عاقبت غرقهم بحري
أناة وحلماً وانتظاراً بهم غداً ... فما أنا بالواني ولا الضرع الغمر
أظن صروف الدهر والجهل منهم ... ستحميلهم مني على مركب وعر
الم تعلموا أني تخاف عرامتي ... وأن قناتي لا تلين على الكسر
وإني وإياكم كمن نبه القطا ... ولو لم تنبه باتت الطير لا تسري
سمعت السيرافي يقول: وتر قوس النداف هو الكسل، والقوس منفحة؛ وقال غيره: القوس مجراف والوتر مصب.
شاعر: الوافر
لعمر أبيك ماخلقي بوعر ... وما أنا بالدني ولا المدني
قال زياد بن أبيه: إن تأخير جزاء المحسنين لؤم، وتعجيل عقوبة المسيء دناءة، والتثبت في العقوبة ربما أدى إلى سلامة منها، وتأخير الإحسان ربما أدى إلى ندم لا يمكن صاحبه أن يتلافاه لما فرط منه.
قال عبيد الله بن زياد لحارثة بن بدر الغداني: مابك؟ قال: ركبت الأشقر فلجلج بي في مضيق، قال: لو ركب الأشهب لم يصبك هذا عنى حارثة شرب الخمر، وعنى عبيد الله اللبن.
يقال: الفيج: السذاب، والفيجن أيضاً.
رجل نومة: كثير النوم، فأما النومة فالخامل؛ في الخبر: خير الناس يومئذ النومة.
سمع ابن السكيت عند المتوكل جارية تغني: الكامل
أسليم إن مصابكم رجلاً ... أهدى السلام تحية ظلم

فلتحققه بالإعراب شغل عن تأمل عجز البيت وحكم على صدره، فقال: هذا خطأ، والصواب أن تقولي: رجل، وزعم أن خبر إن، فلم تلتفت الجارية إليه وأقامت على قولها وما علمها أستاذها، ونصرها غيره من الندماء وحاكموها إلى أبي عثمان المازني، فأمر المتوكل بإشخاصه من البصرة على البريد، فأحضر وذكر له البيت، فأعلمهم أن الوصاب مع الجارية، وأن خبر إن في ظلم والتقدير: إن إصابتكم رجلاً أهدى السلام ظلم، والرجل منصوب بالمصدر وهو من صلته؛ فأجيز على ذلك ألفين، ووهبت له الجارية جملة اخرى.وبسبب هذا الخبر قال الكرماني في شخوص أبي عثمان المازني: السريع
أقول لما جاءني حمله النح ... و والنحوي قد أشخصا
ألجأنا الدهر إلى جاهل ... بحذفنا من جهله بالحصى
العود يوناني، صنعه أصحاب الهندسة على هيئة طبائع الإنسان، فإن اعتدلت أو تاره على الأقدار الشريفة جانس الطباع فأطرب، والطرب رد النفس إلى الحال الطبيعية دفعة؛ هذا كله من كتاب أدب النديم لكشاجم.
وصف رجل رجلاً عند رئيس فقال: والله لقد نهض فما انفتل ولا انخزل، ولقد خطا فما ارمد ولا اعطوط، ولقد سلم فما جأر ولا نأم، ولقد جلس فما دنا ولا نأى.
قوله: ارمد: استع في الخطو، والجأر: الصوت في تضرع واستكانة، والنئيم: دون الرنين.
ودخل رجل على بعض العلماء، فأومأ إلى موضع يجلس فيه، فعدل عنه إلى جهة اخرى، وكانت العين تقع هناك على ما يجب ستره، فقال له: اجلس بحيث أجلستك فإني أعلم بعوار منزلي.
جميل: الطويل
لعمر ابنة الضمري بثنة إنني ... إذا الشيء ولى مدبراً لصبور
وإني عن الماء الذي يجمع القذى ... إذا كان طرقاً آجناً لصدور
وقال كشاجم، قال رجل من الأدباء: إذا رافق السماع من الشارب ما ذكا عرفه، وعذب على اللهوات طعمه، وأخلص من شوائب العكر جرمه، وناب عن مرقص الآل شعاعه، وتحلى بزي العقبان لونه، وكان المنادمون عليه إخواناً ألباء، وخلاناً أدباء، مساميح الأخلاق، كرام الأعراق، قد أذكتهم المعرفة، وأدبتهم الحكمة وكان الغرض في الشرب غير الإفراط المؤدي بإكثاره إلى النوازل، لتعديل الطبائع، وإياثر المنافع، ونفي الخلاف، وغيجاب الائتلاف، وحسم السخائم، ونبذ النمائم، على وجه سماء، وصبو هواء، وصفو ماء، وخضرة كلأ، من كف بارع الظرف، ساحر الطرف، فائق الوصف، مصيب الخدمة، ذكي الفطنة، صادق الكمال، واصل الحبال، كأنه خوط بان، أو جدل عنان، كان نهاية الحبور، وغاية السرور.
وصف آخر السماع فقال: من فضيلته انه يبعث مع التنائي على الأشجان، ويحدو على التلهي في موضع الأحزان، ويؤنس الخلو الوحيد، يسر العاشق الفريد، ويبرد غليل القلوب، ويثير من خواطر الفتيان خطرة ليست من الملاهي لغيره، يسري رقها في أجزاء الجسد فيهيج النفس، ويقوي الحس. وحق من أمتعك بسماعه، وأشركك في أخص لذاته، وسوى بينك وبينه في استماع نغمة من لعله يغار عليه من ظله، ويحسد قميصه على مماسة جلده، أن تجعل ثوابه على هذه التكرمة، وجزاءه على هذه المقة، والاتنامة غض طرفك عن الجهة التي تلي الستارة، والناحية التي تأتي منها النغمة، حتى لا يكون باطن الستارة بأخفى عنك من ظاهرها، وأن تعظم من حرمتها ما صغره غيرك.
هذا كلام كشاجم.
جميل: الكامل
وذكرت بثنة أن عرفت ديارها ... إني لبثية واصل ذكار
زعمت بثينة أن حبي كاذب ... جهلاً وأني مازح غدار
لو تعلمين وقبل ما جربتني ... فالعلم ينفع والعمى ضرار
لعلمت أني للمغيبة حافظ ... للسر منك وأنني بصار
إلا أنلك فسوف يعذر طالب ... يا بثن فيك وقصره الإعذار
ولقد عملت على التكاليف التي ... تشقي القلوب ويغلب المقدار
كان البوشنجي في دعوة بخراسان مع أصحابه، فمد صوفي من أصحابه يده إلى جام فيه الخبيص وهور الصومعة من السكر، فقال له البوشنجي: ارفق قليلاً حتى تبلغ من ناحيتك إليها، فقال الصوفي: أيها الشيخ، أملي أقصر من أن أحدث نفسي ببلوغ ذلك المكان، فبكى قوم من لفظه، وضحك قوم من ملحته.
تقول الفرس: مطرة في نيسان خير من ألف شان.

يقال: جزاك الله والرحمة خيراً، والرحم أيضاً؛ وغذا قلت: جزيت الرحم - بالنصب لا غير.
يقال: أقرد الرجل إذا سكت ذلاً، وأخرد إذا سكت حياء.
قال إسحاق بن حنين، قال سقراط: الجهل بالفضائل عدل الموت.
قيل لسقراط: إن الكلام الذي قلته لأهل مدينة كذا لم يقبل، فقال: ليس يكربني ألا يقبل، وإنما يكربني ألا يكون صواباً.
وقيل له: من الفاضل؟ قال: الفاضل في الطبقة العليا الذي يبتغي الفضائل من تلقاء نفسه، والفاضل في الطبقة الدنيا هو الذي يتحرك لها إذا سمعها من غيره، ومن أخطأه الأمران فهو الساقط الدنيء.
قال فيلسوف لابنه: دع المزاح فإنه لقاح الضغائن.
ثيل لفيلسوف: لم كان الحياء في الصبي أحمد من الخوف؟ قال: لأن الحياء يدل على خوف، والخوف على جبن.
قال سيبويه: زعم الخليل أن الذين قالوا: الحسن والحارث والعباس إنما أرادوا أن يجعلوا هو الشيء بعينه، ولم سجعلوه مسمى، ولكنهم جعلوه كأنه وصف له غلب عليه، ومن قال: حارث وعباس فهو يجريه مجرى زيد.
قال أعرابي لابنه: اسكت يا ابن الأمة، فقال: والله إنها لأعذر منك لأنها لم ترض إلا حراً.
قال كشاجم: أما الرئيس ذو الملك والأمر النافذ فلو كان السكر أو ما قاربه حلالاً لا اختلاف فيه لكان عليه خاصاً حراماً، لأن البادرة منه إلى نفسه، وعثرته لا تستقال، وأمره لا يراجع، وأنه يقهر ولا يقهر ويحجر ولا يحجر عليه، وقلماسمعنا بحادثة فظيعة، وغدرة قبيحة، وسطوة عظيمة، استجازها ملك، وجناها على نفسه، أو على نديمة وحميمه وسائر من يخصه من لحمته وبطانته إلى على سكر، ثم يقع عليه بعد ذلك الندم والسدم، ويلحقه ما لا يتلافاه من العار والشنار.
وممن تهيأ ذلك عليه من ملوك الجاهلية جذيمة بن مالك الدوسي صاحب الحيرة الذي ذكره وندمانيه متمم بن نويرة في مرثيته أخاه، وذلك بقوله: الطويل
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن سيتصدعا
فلما تفرقنا كأنس ومالكاً ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
وكان من خبره في السكر أنه كان ملكاً شديد الحمية، عظيم الأفنة والغيرة، فرغب عن النساء لهذه العلة، فلم يكن له زوجة يسكن إليها، ولا ولد تقر به عينه، فاتخذ جذيمة النديمين المضروب بهما المثل واصطفاهما وعاقرهما دهراً طويلاً، ولم يمللهما ولا آثر عليهما سواهما، حتى طرأ عليه رجل من لخم يقال له عدي، جميل الوجه، ظريف اللسان، حسن العبارة، كثير الما، فلما رأى هيئته وسمع منطقه أحب منادمته، فنادمه، وأشرف جذيمة على الشراب سروراً باللخمي، فلما تبين له ذلك خطب إليه أخته، وذكر أنه لم يقصده إلا لذلك، فزوجه إياها، وساق اللخمي المهر من وقته واستشهد ذينك النديمين على الترويج، ودخل عليهل فواقعها فعلقت منه عمراً الذي قيل له: شب عمرو على الطوق؛ وأصبح فخرج إلى شوارع الحيرة فلم تمر به ناقة ولا جمل إلا نحره، ودفع إلى أربابها أثمانها، وفرق على الصدار والوارد لحومها. وركب جذيمة يعقب ذلك، فلما رأى اللحام مقسمة والدماء مهراقة سأل عن السبب، فأخبربه، فصار إلى أخته فوقف بالباب آخذاً بعضادتيه ثم قال: الخفيف
حدثيني وأنت لا تكذبيني ... أبحر زنيت ام بهجين
أم بعيد فأنت أهل لعبد ... أم بدون فأنت أهل لدون
فقالت: بل زوجتني ونديماك شاهدان على ذلك، فسألهما فشهدا، فاضطغن ذلك عليهما. وتخوف عدي ان يحتال عليه فنجا ولحق بأهله. ثم أن جذيمة سكر أيضاً كسكرة ليلة التزويج فتل ندمانيه ودفنها بباب الكوفة، وبنى عليهما قبرين وسماهما الغربين؛ وكان له يوما بؤس ونعيم، فإذا خرج يوم البؤس فلقي بباب الكوفة غريباً قتله، وغرى قبريهما بدمه، فلذلك سميا الغريين، وما زالا على حالهما إلى ظهور الإسلام.
ومن ملوك بني أمية الوليد بن يزيد بن عبد الملك، فإنه لم يزل يهمل الأمر ويصبح سكران حتى انتشر أمره، واضطرب حبله، فقتل. وقد أجمعوا أن الرشيد لم يأمر في جعفر بن يحيى بما أمر إلا بعد أن أثمله الشراب.
قيل لفيلسوف: ما أسرع ما أجاب الناس إلى طاعة الإسكندر، قال: ذاك لما ظهر لهم بسرعة من حسن سيرته.
بايت المفضل الضبي المهدي، فلم يزل يحدثه وينشده حتى جرى ذكر حماد الراوية، فقال المهدي: ما فعل عياله ومن أين يعيشون؟ قال: من ليلة مثل هذه كانت مع الوليد بن يزيد.

قيل لفيلسوف: أين مسكن الخير ولاجود؟ قالك أنفس الحكماء.
قال إسحاق بن حنين، قال سقراط: ما أصعب في الشهراني أن يكون فاضلاً.
وكان سقراط يقول: ما اخترت أن تحيا به فمت دونه.
دخل خالد بن صفوان على هشام بن عبد الملك في يوم شديد الحر وهو في بركة فيها مجالس من السرو كالكراسي، فجلس على بعضها مؤتزرا بمنديل ناوله إياه الغلام، فقال له هشام: يا خالد، رب خالد قد قعد مقعدك هذا، حديثه أحلى من جنى الشهد - قال خالد: يريد خالد بن عبد الله القسري - قلت: ما يمنع من إعادته إلى ما كان عليه؟ قال: هيهات، أدل فأمل،وأوجف فأعجف، ولم يدع لراجع مرجعاً، ولا لعودة موضعاً، ألا أخبرك يا ابن صفوان؟ قلت: إن شاء أمير المؤمنين، قال: ما بدأني بسؤال حاجة قط حتى أكون المبتدئ بها، قلت: فذاك أحرى أن تعيده إلى منزلته، فقال: الطويل
إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد ... غليه بوجه آخر الدهر تقبل
ثم قال: حاجتك؟ قلت: أزاد في عطائي عشرة دنانير، فأطرق ثم قال: فيم؟ وعلام؟ وبم؟ ألعبادة أحدثتها؟ أم لبلاء أبليته أمير المؤمنين حسن، أم لأي شيء يا ابن صفوان؟ إذن يكثر السؤال ولا يحتمل بيت المال، فقلت: وفقك الله يا أمير المؤمنين وسددك، فأنت كما قال أخو خزاعة: الطويل
إذا المال لم يوجب عليك عطاءه ... صنيعة قربى أو صديق توامقه
منعت وبعض المنع حزم وقوة ... فلم يفتلتك المال إلا حقائقه
قال خالد: فلما صرت إلى البصرة قيل لي: ما حملك على تزيينك الإمساك لأمير المؤمنين؟ قلت: أحببت أن يمنع غيري فيكثر من يلومه.
لأبي دهبل: الطويل
سللن سيوفاً من عيون قواتل ... ولم أر سيفاً تنتضيه المحاجر
وقفنا لتجديد العهود وبيننا ... دموع وأنفاس وداء مخامر
أبت زفرات البين أن نكتم الهوى ... فتظهر ما تطوى عليه الضمائر
وما بحت لولا الدمع بالوجد كله ... ولكن يوم البين تبلى السرائر
وقال فيلسوف: العفو أصل حسن السياسة.
دخل ابن المعذل على عيسى بن جعفر بن المنصور وقد بنى قصره على نهر ابن عمر بالبصرة على النيل، فاراد منه أن يصف بناءه فقال:أعز الله الأمير، بنيت أحسن بناء، بأوسع فضاء، وأخصب فناء، على أصفى ماء، وأغذى هواء، وبين صراري ورعاء، وحيتان وظباء؛ فقال: والله لكلامك أحسن من بنائي، ووصله وخلع عليه.
قال رجل لأعرابي بحضرة قوم يتخاصمون: أما ترى أجيج اليوم؟ قال: إن ضجيج القوم أشد من أجيج اليوم.
قيل لأعرابي: ما أعددت لحالي فقرك والغنى؟ قال: الذي أعددته لحفظ الغنى هو الذي أعددته لصرف الفقر.
كتب عبد الله بن عباس إلى عبد الملك بن مروان لما خرج محمد ابن الحنفية إلى الشام: إنه خرج إليك رجل منا، لا يبدأك بالشر ولا يمالئ على الظلم، يتحرى الحق ولا ينوي الباطل، فاحفظنا فيه. فأجابه عبد الملك: ما أسرني لصلة رحمك وحفظ توصيك، وكل ما سألت مفعول، وكل ما هويت متبع.
معنى قوله: يتحرى الشيء أي يطلب حراه أي مكانه وفناءه، يقال: نزلت بحراه وذراه وكنفه وعقوته؛ وأما ما مالأت فلاناً فإن السيرافي سأل أهل المجلس يوماً عنه فقال بعضهم: ما ملأتهم نفسي ولاملأوني، فكأنه مفاعلة من المء، فقال: قاربت، ولكن معناه الصحيح: ما دخلت في ملإهم، وإنما قيل للمإ الملأ لأنهم يملأون العين جهارة والنفس جلالة.
لما مات قرد زبيدة ساءها ذلك، فكتب إليها ابو هارون المعلم: أيتها السيدة، إن موقع الخطب بذهاب الصغير المعجب كموقع السرور من نيل الكبير المفرح، ومن جهل قدر التعزية عن التافه الخفي عمي عن حال التهنئة بالجليل السني، فلا نقصك الله الزائد في سرورك، ولا حرمك قدر هذا الذاهب من صغيرك وكبيرك؛ قال: فأمرت له بمال؛ قال: فكان أبو هارون يقول: رحم الله كل قرد.
سمعت لغوياً يقول: الغضار: خشب مشهور، والنضار جمع نضر، وهو الذهب.
سمعت شيخاً من النحويين يقول: ليس في كلام العرب فعل يفعل من المضعف إلا في شده يشده، وعله يعله، وهره يهره، ونم الحديث ينمه.
يقال: حرى يحري أي نقص، وأحراه الله: نقصه.
شاعر: الطويل
فما ضاعني تعريضه واندراؤه ... علي وإني بالعلا لجدير
ألم تر للنشوان يشتم أسرتي ... وإني به من واحد لخبير

أي ما حركني، والنشوان: الخفيف الجسم.
والنيطل: الداهية، والنيطل: الدلو، والناطل: مكيال الخمر، والضغيل: صوت مص الحجام؛ التياز: القصير العريض؛ والزردق: صف؛ ومعنى قول العرب: رابت الفرس أس سقيته اللبن، وفي الأمثال: إن من القرف التلف، أي في بعض ما تقارف يكون الحذر؛ الطاهي: الطابخ، يقال: طها يطهو طهوت وطهيت.
قال أحمد بن أبي خيثمة: أول من سمي في الإسلام أحمد، أبو الخليل، والخليل فرهودي، والفراهيد: صغار الغنم، وكان الخليل يحج سنة ويغزو سنة حتى جاءه الموت.
قال إراهيم بن سيار: ما أحسنن ما قال الخليل: بحسب امرئ من الشر أن يرى من نفسه فساداً لا يصلحه، ومن علم بفساد نفسه علم بصلاحها، وأقبح التحول أن يتحول المرء من ذنب إلى ذنب من غير توبة منه وإقلاع عنه.
قال الخليل: كان يقال: من أساء فاحسن جعل له من نفسه حاجزاً يردعه عن مثل إساءته.
قال إبراهيم الحراني: كان البصرة أربعة من النحويين أصحاب سنة، وسائرهم قدرية: الخليل وأبو عمرو بن العلاء ويونس والأصمعي.
قال محمد بن سلام: حدثنا يونس النحوي قال، قلت للخليل: ما بال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنهم تؤام واحدة وعلي كأنه ابن علة؟ فقال: من أين لك هذا السؤال؟ فقلت: أريد أن تخبرني، قال: على أن تكتم عني ما دمت حياً؟ قلت: أجل، قال لي: تقدمهم إسلاماً، وبذهم شرفاً، وفاقهم علماً، ورجحهم حلماً، وكثرهم زهداً، فحسدوه، والناس إلى أمثالهم وأشكالهم أميل.
وقال الخليل: من الأبواب ما لو نشاء أن نشرحه حتى يستوي في عمله القوي والضعيف لفعلنا، ولكنا نحب أن يكون للعالم مزية.
قال النضر: حدثني الخليل قال: أتينا أبا ربيعة الأعرابي، وكان من أعلم من رأيت، فإذا هو على سطح، فسلمنا عليه فقال لنا: استووا، فبقينا متحيرين، فقال لنا أعرابي بجبنه: إنه يقول: ارتفعوا، فاستخرجها الخليل من قول الله تعالى: " ثم استوى إلى السماء " البقرة: 29 أي ارتفع، فصعدنا، فقال:هل لكن في خبز فطير، ولبن نجير، وماء نمير؟ فقلنا: لا، قال: سلاماً، فبقينا حائرين، فقال الأعرابي: إنه سألهم متاركة، لا خير ولا شر، فاستخرجها الخليل من قول الله سبحانه " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً " الفرقان: 63.
قال الخليل: النحو للسان بمنزلة الطعام للأبدان.
وقال أيضاً: إن لم تعلم الناس ثواباً فعلمهم لتدرس بتعليمهم علمك، ولا تجزع من تفرع السؤال فإنه ينبهك على علم ما لم تعلم.
لصخر بن الجعد الخضري: الوافر
ولست بنائم إلا نزوراً ... ولا مستيقظاً إلا مروعا
وإنك لو نظرت فدتك نفسي ... إلى كبدي وجدت بها صدوعا
أرجي أن ألاقي آل كأس ... كما يرجو ذوو السنة الربيعا
لعبد الحميد بن سعيد المساحقي: البسيط
إني وإن قيل لا يحمى له غضب ... إذا غضبت كأني الحية الذكر
يذكي القراع إذا قورعت من غضبي ... ناراً تأجج ما يطفى لها شرر
ألوى المريرة صرام لخلته ... رحب الذراع بما يأتي وما يذر
لا يستكين لما يأتي به حدث ... كأنه عند ما يرمى به حجر
قال بعض السلف: لا تغتر بطول السلامة مع تضييع الشكر، ولا تعمل بنعمة الله في معصيته، فإن أول ما يجب لمهيديها ألا تجعلها ذريعة إلى مخالفته، واعلم أن كفران النعمة بوار، وقلما اقشعت نافرة فرجعت في نصابها، فاسترجع شاردها بالتوبة، واستدم راهنها بكرم الجوار، واستفتح باب المزيد بحسن التوكل، ولا تحسبن أن سبوغ ستر الله غير مقلص عما قليل إذا أنت لم ترج لله وقاراً.
قيل لابن عون الزاهد، وقد جرى ذكر الأرزاق: يا أبا عون، ما تتمنى منها؟ قال: إني لأستحيي أن أتمنى عليه ما قد ضمنه.
دخل الأوزاعي على المهدي فقال له: إن الله قد آتاك فضيلة الدنيا وكفاك طلبها، فاطلب فضيلة الآخرة فقد فرغك لها.
قال الأصمعي: دخلت على الخليل وهو جالس على صحير صغير، فقال لي: تعال اجلس، فقلت: أضيق عليك، فقال: مه! الدنيا بأسرها ما تسع متباغضين، وإن شبراً في شبر ليسع متحابين.
قال النضر، قال الخليل:الأيام ثلاثة، معهود ومشهود وموعود؛ فالمعهود أمس، والمشهود اليوم، والموعود غد.

قال نصر بن علي، قال الخليل: الرجل بلا صديق كاليمين بلا شمال.
وقال الخليل، وقد قيل له: إن استفساد الصديق أهون من استصلاح العدو، قال: نعم كما أن تحريق الثوب أهون من نسجه.
قال الرياشي، قال الخليل: ما غلب جدل إلا جاء جدل آهر فغلبه، وما شيء أضر على الأديان ولا أفسد بين الإخوان من الجدل.
قال بعض السلف: الغناء نوح إبليس حين خرج منها.
وقال بعض السلف: لسان الإنسان مثقاله الذي يوزن به.
قال أعرابي: رجز
ما أقرب الخير من السلامة
ما أقرب الشر من الندامة
ما أولع الحاسد بالملامة
كاتب: ما أحوجك إلى أخ كريم الأخوة، كامل المروة، إذا غبت خلفك، وإذا حضرت كنفك، وإن لقي صديقك استزاده لك، وإن لقي عدوك كفه عنك، وإذا دانيته ابتهجت، وإذا اباثثته استرحت.
لأبي دلف الخزرجي في ابن عباد: الرمل المجزوء
يا ابن عباد بن عبا ... س بن عبد الله حرها
تنكر الجبر وقد أد ... خلت في العالم كرها
قيل لجعفر بن محمد إن هشام بن الحكم يقول إن البارئ جسم، فقال: أخطأ، اما علم أن الجسم والجسم يتفقان، والشيء والشيء يفترقان، لأن الجسم اسم لكل محدود، والشيء اسم لك لموجود.
شاعر: الوافر
أراك فلا أغض الطرف كي لا ... يكون حجاب رؤيتك الجفون
ولو أني نظرت بكل عين ... لما استوفت محاسنك العيون
قال بعض الزهاد: من أطعمه التراب أكله التراب.
كاتب: عرفني وقتاً أوافيك فيه جالساً، لا تزاحمني الألسن فيه على محادثتك، ولا الأعين على النظر إليك، لأقضي وطر الود، وآخذ بثأر الشوق.
وصف الخليل بن أحمد أرضاً حمد مشتريها رأيه: البسيط
ترفعت عن ندى الأعماق وانخفضت ... عن المعاطش فاستعنت بسقياها
فاعتم بالطلح والزيتون أسفلها ... ومال بالنخل والرمان أعلاها
وصار يحسده من كان يعذله ... ولائم لامفيها قد تمناها
أبا معاوية اشكر فضل واهبها ... وكلما جئتها فاعمر مصلاها
قال المبرد، قال المازني، قال الأصمعي: رأيت الخليل يأخذ كتب أبي حنيفة فينظر فيها، فقلت له: كيف تراه؟ فقال: أراه يأخذ الحق فيمسخه.
قد دل الخليل بهذا على اختلاله، لأن الفقه ليس من شأنه، وأبو حنيفة يجل عن مثل هذه الحال.
قيل للكرخي: لم لا تضع لنا كلاماً في الأصول على مذاهب المتكلمين؟ قال: أخاف التقصير وأكره النقص، فإني رأيت الجبائي وقد ألم في كتبه بشيء من الفقه فبدت سوءته، وأمل الحاسد الوقيعة فيه.
قيل لفيلسوف: كيف الله؟ قال: باطن لكنه لا يخفي، وظاهر لكنه لا يرى.
شاعر: البسيط
تقول لي وكلانا يوم فرقتنا ... نوعان أدمعنا در وياقوت
أقم بأرضك هذا العام قلت لها ... كيف الثواء وما في منزلي قوت
وما بأرضك قوم أستعين بهم ... إلا بخيل فمملول وممقوت
فايتعبرت ثم قالت فالإياب متى ... فقلت إن ربيع العام موقوت
قال بعض المتقدمين: الكتاب إذا كثر جده ثقل، كما انه إذا كثر هزله استخف.
من كتاب أدب النديم لكشاجم: كان عبد الملك بن مروان ولى بشراً الكوفة ووجه معه روح بن زبناع الجذامي وقال: يا بني، روح عمك والذي لا ينبغي أن تقطع أمراً دونه لصدقه وعفافه ومحبته لنا أهل هذا البيت، وقال لروح: اخرج مع ابن أخيك، فخرج معه حتى قدما الكوفة. وكان بشر ظريفاً أديباً، يحب الشعر ولاسمر والسماع والندام، فراقب روحاص واحتشمه وقال: أخاف أن يكتب روح إلى أمير المؤمنين بأخبارنا فتقبل منه، وإني لأحب من الأنس والاجتماع ما يحبه الشباب، ولكنني أتجنب ذلك لمكانه، فضمن له النديم كفاية أمره ورده إلى عبد الملك من غير سخط ولا لائمة، فسر بذلك بشر ووعده مكافأته عليه بأعظم الحباء.
وكان روح غيرواً، إذا خرج عن منزله أقفله وختمه بخاتمه حتى يعود فيفضهم بيده، فأخذ الفتى دواة ثم أتى منزل روح ممسياً، فوقف بالقرب منه مستخفياً، فخرج روح إلى الصلاة، فتوصل الفتى إلى أن دخل الدهليز فكمن تحت درجة فيه، وعاد روح ففتح الباب وأغلقه من داخله، فلم يزل الفتى يحتال ويتلطف به حتى وصل، فكتب على حائط في أقرب المواضع من مرقد ورح: البسيط

يا روح م لبنيات وأرملة ... إذا نعالك لأهل المغرب الناعي
إن ابن مروان قد حانت منيته ... فاحتل لنفسك يا روح بن زنباع
ولا يغرنك أبكار منعمةفاسمع هديت مقال الناصح الداعي
ثم رجع إلى مكانه من الدهليز فبات به، فلما أصبح روح خرج إلى الصلاة، فتبعه الفتى متنكراً وخرج. وكان روح قبل خروجه أقفل على الموضع الذي كتب فيه الفتى، فلما عاد إلى الموضع وأسفر الصبح تبين الكتاب، فراعه وأنكره وقال: ما هذا، فوالله ما دخل حجرتي إنسي سواي، ولا حظ لي في المقام بالعراق، ثم نهض إلى بشر فقال: أوصني يما أحببت من حاجة أو سبب عند أمير المؤمنين، قال: أو تريد الشخوص يا عم؟ قال: نعم، قال: ولم ذاك؟ هل أنكرت شيئاً أو رأيت قبيحاً لم يسعك المقام عليه؟ فقال: لا والله، بل جواك الله عن نفسك وعن سلطانك خيراًن ولكن أمر حدث ولا بد لي من الانصراف، فأقسم عليه أن يخبره فقال: إن أمير المؤمنين ميت إلى أيام، قال: ومن أين علمت ذلك؟ فأخبره بخبر الكتبا، فقال بشر: أقم فإني أرجو ألا يكون لهذا حقيقة، فلم يثنه شيء، وصار إلى الشام، وأقبل بشر على الشراب والطرب. فلما لقي روح عبد الملك أنكر امره وقال له: ماأقدمك؟ ألحادثة حدثت على بشر أم لأمر كرهته؟ فأثنى على بشر وقال: بل حدث أمر لا يمكنني ذكره حتى نخلو، فقال عبد الملك: إذا شئتم. وخلا بروح فأخبره بقصته وأنشد الأبيات، فضحك عبد الملك حتى استغرب وقال: ثقل مكانك على بشر وأصحابه حتى احتالوا لك بما رأيت، فلا ترع.
ووفي بشر لنديمه بما وعده، وزاد ما كان منه في أمر روح في حاله عنده ومكانته منه.
قال الجاحظ في فصل من رسالة إلى محمد بن عبد الملك الزيات: حاجتي والله أن أخف على قلبك، وأن أحلو في صدرك، ولربما ميلت بين ألا تكون على قلبك مني مؤونة، وبين أن أكون عندك من الأوفياء الساترين، فأجدني إلى تلك أميل مني إلى هذه.
فصل لأبي عثمان أيضاً: والكتاب يحتاج مع صحة أديمه، وكرم جوهره، وبراءة ساحته، وسلامة ناحيته، إلى شفيع في قلب المكتوب إليه وإن لم يكن هناك شفيع ولا دليل، فالكلام كله يحتمل التوجيه والتصريف، والتوهم والظنون.

وقال في فصل آخر: سألت - أبقاك الله - أن أصف لك فلاناً: اعلم أني دخلت على رجل ضخم فدم، غليظ اللسان غليظ المعاني، عليه من الكلام أشد المؤونة، وفي معانيه اختلاف ليس شيء منه يؤاتي صاحبه ولا يعاونه، بل لا يتاركه ويسالمه حتى يرى إرادته في شق ولسانه في شق، وحتى يظن ان كلامه كلام محموم أو مخمور، وأن كل واحد من هذا يقطع نظام المعالي، ويخلط بين الأسافل والأعالي؛ وكنت كأني رجل من النظارة، وكان يظن الظن ثم يقيس عليه، وينسى أن بدأه كان ظناً، فإذا اطرج ذلك لهواتسق جزم عليه، وحكاه عن صاحبه حكاية المستبصر في صحة معناه، ولكنه كان لا يقول: سمعت، ولا رأيت، فكان كلامه إذا خرج مخرج الشهادة القاطعة لم يشك السامع أنه إنما تجلى ذلك عن سماع قد امتحنه، ومعانية قد قهرته. ورأيته يزعم أن منكراً أفضل من نكير، وأن يأجوج أفضل من مأجوج، وأن هاروت خير من ماروت، حتى زعم أن الجانب الأيمن أفضل من الجانب الأيسر، واعتل ان الكبد للشق الأيمن؛ فقلت له: فإن الطحال للشق الأيسر، فقال: الكبد أرفع منزلة من الطحال، فقلت: فإن الفؤاد الذي هو سيد الأعضاء مركب في الجوف مما يلي اليسار دون اليمين، فهذه فضيلة لليسار على اليمين، فانقطع. ورخجت عنه، فلما رجعت إلى منزلي وردت علي رقعة مكتوب على عنوانها: هذه مسائل من فقر الحكمة ومكنون علم الفلسفة، وفككتها فإذا فيها: خبرنا عن تعادي الأضداد، وحركات الكون والفساد، إذا استحوذت على الأجرام الجسمية، فتلاشت قوى الطبيعة، هل يكون للحركات العنصرية أعراض بدنية أم جواهر وهمية وأعيان عقلية؟ وخبرنا عن النواميس الخفية والشرائع الإلهية: هل لهما أسرار طبيعية أو رسوم عقلية؟ فلما وردت علي ونظرت فيها، علمت أنه لم يتأت له هذا الكلام إلا بخذلان الله تعالى، وأن ا؛داً من أهل إقليم بابل لا يطرد له حبة من الكلام المحال ما يطرد له، وأيقنت انه قد نسي أنه أنفذ الرقعة إلي، وأنه لا يذكر شيئاً مما كتب، فرجعت عليه سائلاً، والتمست الإجابة منه، فوقع تحت كل مسألة مما قد كتبت إليك منه: مسألتك هذه لها وجهان، فإن أردت باب اليقين فلا، وإن أردت من باب التصور فنعم.
قال الأصمعي، قال أبو هلال الراسبي، قال أبو الصهباء - يعني صلة بن أشيم: طلبت الرزق في مظانة فأعياني، إلا رزقي يوماً بيوم، وغن امرءاً يرى هذا ولايعلم أنه قد خير له لعاجز.
قال ابن عباس: قلت لهند بن أبي هالة، وكان ربيباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلعل أن تكون أثبتنا به معرفة، قال: كان بأبي وأمي طويل الصمت، دائم الفكر، متواتر الأحزان، إذا تكلم تكلم بجوامع الكلم، لا فضل ولا تقصير، إذا حدث أعاد، وإذا خولف أعرض وأشاح، يتروح إلى حديث أصحابه، يعظم النعمة وإن دقت، ولا يذم ذواقاً، ويبتسم عن مثل حب الغمام.
جاء سلمان يخطب امرأة من قريش ومعه أبو الدرداء، فذكر سلمان وسابقته في الإسلام وفضله، فقالوا: أما سلمان فما نزوجه ولكن إن أردت أنت زوجناك، فتزوجها أبو الدرداء، فلما خرج قال: يا أخي قد صنعت شيئاً، وأنا أستحي منك، وأخبره، فقال له سلمان: أنا أحق أن أستحي منك، أخطب امرأة كتبها الله لك.
قال عبد الله بن عمر: المؤمن أكرم على الله من الكعبة الحرام.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، ما رددت في شيء أنا فاعله ما ردتت في قبض نفس المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولايزال عبدي يتنفل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيداً، إذا دعاني أجبته، وغذا سألني أعطيته، نصح إلي فنصحت له، وإن من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ذلك،ن وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إمانه إلا السقم، ولو أصححته أفسده، ذلك أني أدبر عبادي بعلمي، إني عليم خبير.
هذا الحديث كما ترى، وله نظائر، ومتى حملته على صرف المتكلمين ونقد الناقدين تعذر متنه، وتحللت عراه، وانفتق رتيقه، وإن توسعت قليلاً في مجازه وقاربت في تأويله، وعاد عليك نافعه وسقط عنك ضاره.

قال سهل بن زيد، قلت لموسى بن عمران الخلقاني، وكان امرأ صدق زاهداً: أبشر يا أبا عمران، إن هذا الضيق الذي أنت فيه يأتيك من الله بسعة رزق، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أتروني أخاف ان يحبس الله عني الرزق؟ والله لأنا بالدفقة تدفق في صدري من الدنيا يكون فيها فساد ديني وقلبي أخوف من أن يحبس الله عني الرزق.
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من فتنة العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع، ومن العلماء من يخزن علمه ولا يحب أن يوجد عند غيره، فذلك في الدرك الأول من النار؛ ومن العلماء من يكون في عمله بمنزلة السلطان، فإن رد عليه شيء من قوله أو تهوون بشيء من حقه غضب، فذلك في الدرك الثاني من النار؛ ومن العلماء من يجعل حديثه وغرائب علمه لأهل الشرف واليسار ولا يرى أهل الحاجة له أهلاً، فذلك في الدرك الثالث من النار؛ ومن العماء من استفزه الزهو والعجب فإن وعظ عنف، وإن وعظ أنف، فذلك في الدرك الرابع من النار؛ ومن العلماء من ينصب للفتيا فيفتي بالخطأ، والله يبغض المتكلفين، فذاك في الدرك الخامس من النار؛ ومن العلماء من يتكلم بكلام اليهود والنصارى ليتعزز علمه، فذلك في الدرك السادس من النار؛ ومن العلماء من يتخذ علمه مروءة ونبلاً وذكراً في الناس، فذلك في الدرك السابع من النار.
عليك بالصمت فبه تغلب السلطان.
إياك أن تضحك من غير عجب، أو تمشي في غير أرب. هذا بكلام الحسن البصري اشبه.
قال أنس: إن عمر رضي الله عنه قرأ: " وفاكهة وأباً " عبس: 31 فقال: هذه الفاكهة قد علمنا، فما الأب؟ ثم وضع يديه على رأسه وقال: إن هو لهو التكليف، وما عليك يا ابن أم عمر ألا تعرف ما الأب؟! هذا طريف، إن عمر فوق ما ظن به الراوي؛ عمر رضي الله عنه يوزن به بشر كثير لسعة علمه وحلمه وفضله، واللغة لسانه وليس عليه نصب في معرفتها ولا مشقة. والأب: يقال للبهائم بمنزلة الفاكهة للناس، ويقال: هو المرعى.
قال عبد الله بن مسعود: إن في طلب الرجل الحاجة إلى أخيه فتنة، إن أعطاه حمد غير الله، وإن منعه ذم غير الذي منعه.
قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد تزودت زاداً، وابتعت راحلة، وقضيت لبانتي - أي حاجتي - أفأرتحل إلى البيت المقدس؟ فقال له علي: كل زادك، وبع راحلتك، وعليك بهذا المسجد - يعني مسجد الكوفة - فإنه أحد المساجد الربعة، ركعتان فيه تعدلان عشراً فيما سواه من المساجد، والبركة منه إلى اثني عشر ميلاً من حيثما أتيته، وقد نزل فيه من أسه ألف ذراع، وفي زاويته فار التنور، وعند الأسطوانة الخامسة صلى إبراهيم عليه السلام، وقد صلى فيه ألف نبي وألف وصي، وفيه عصا موسى نوح، وفيه مسير جبل الأهواز، ويحشر فيه يوم القيامة سبعون ألفاً ليس عليهم حساب ولا عذاب، ووسطه عرى روضة من رياض الجنة وفيه ثلاث أعين: عين من لبن وعين من دهن وعين من ماء جانبه الأيمن ذكر، وجانبه الأيسر فكر، ولو يعلم الناس ما فيه من الفضل لأتوه حبواً.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الكوفة كنو الإيمان، وجمجمة العرب، وهم رمح الله الأطول.
قال مطرف: وجدت ابن آدم بين ربه وبين الشيطان، فإن اختاره الله نجا، وإن خلى بينه وبين الشيطان غلب عليه.
وشتم ديوجانس رجل فسكت عنه، فقيل له: لم لم تغضب حين شتمك؟ فقال: كفاه مسبه له أنه يشتم ولا يشتم.
وكان يقول لتلامذته: محصوا خطاياكم بالصدقة، وأيامكم بالرحمة.
وقال سقراط: ينبغي أن يكون كلامك بالليالي حيث لا يتكون أعشاش الخفافيش؛ قال: أراد الخلوة وأن لا ينظر في أمر الهيولانيات.
قال الجاحط: وإنما يستريح البدن من كد تعب الروية إلى برد اليقين، ولولا تأميل الراحة لتضاعف ثقله، ولقطع الجهد سبب صابحه من معاودته، ولو كان ذلك تدبيراً لما جعل الله تعالى الليل سكناً والنهار مسرجاً، بل إن الأغلب على طبائع البشر حب الكفاية واستثقال الرواية وسرعة السآمة.
وقال: الأرض وإن كانت حرة، والفرس وإن كان كريماً، والزمان وإن كان معتدلاً، فلا بد له من تعهد، ولاينتفع بالماء الساكن في الأرض، ولا بالذهب ما لم يستخرج، ولا بالعلم ما دام مكنوناً.
وقال أبو عثمان أيضاً: وكيف أنساك وأنا إن رأيت حسناً ذكرتك مشبهاً، أو قبيحاً ذكرتك به مبايناً.

وقال: السيد من أورى ناره، وحمى ذماره، ومنع جاره.
وقال: الحمار إن أطلقته ولى، وغن أوقفته دلى، كثير الروث، قليل الغوث، سريع إلى العرارة، بطيء في الغارة، لايحلب في إناء، ولا ترفأ به الدماء، ولا تمهر به النساء.
وقال أبو عثمان: بقتك فيل وحصانك جبل.
وقال أيضاً: جماع الخير يجول بين الثناء والدعاء، فالثناء للدنيا والدعاء للآخرة.
قال واعظ: إني لأخشى أن ياتيك أمر الله بغتة، واحذ الإملاء فهو أوقى مغبة، وأثبت في الحجة، لأن تعمل ولا تعلم خير من أن تعلم ولا تعمل، لأن الجاهل العامل لم يؤت من سوء نية، ولا استحفاف بربوبية، ولا هو كمن قهرته الحجة، وأعرب له الحق مفصحاً عن نفسه فآثر الغفلة به والخسيس من الشهوة على الله، فأسحمحت فنسه عن الجنة، أسلمها بالأيدي لعقوبة. فاستشر عقلك، وراجع نفسك، وادرس نعم الله عليك، وتذكر إحسانه إليك، فإنه مغلبة للحياء، ومردعة للشهوة، ومشحذة على الطاعة، وقد أظل البلاء، وكأن قد كفكف عليك غرب شؤبوبه، وجوائح سطوته إن لم تستكف ذلك بسرعة النزوع، وطول التضرع، ودوام البكاء، والندم في أعقاب الزلات، واعتقاد الترك لها، والمعاودة في شيء منها.
تحاكم إلى الإسكندرية رجلان من أصحابه فقال لهما: إنما الحكم يرضي أحدكما ويغضب الآخر، فاستعملا الحق يرضيكما جميعاً.
أحضر بين يدي الإسكندر لص فأمر بصلبه فقال: أيها الملك، فعلت ما فعلت وأنا كاره، قال: وتصلب أيضاً وأنت للصلب كاره.
قيل لصوفي: ما الذي تطلب؟ قال: أطلب الراحة في الدنيا، قيل: فهل وجدتها؟ قال: قد وجدت أني لا أجدها.
وتكلم رجل رث الهيئة بين يدي الإسكندر بكلام حسن، فقال: الإسكندر: ليكن حسن ثوبك موافقاً لحسن منطقك، فقال: أيها الملك، أما الكلام فأقدر عليه، وأما الكسوة فلا أقدر عليها؛ فخلع عليه.
وقام بين يدي الإسكندر خطيب فخطب وأطال، فزبره وقال: ليس حسن الخطبة بحسب طاقة الخاطب ولكن على طاقة السامعز خطب رجلان إلى دميانوس بنته، وكان أحدهما فقيراً والآخر غنياً، فاختار الفقير، فسأله الإسكندر عن ذلك فقال: لأن الغني كان جاهلاً فكان يخاف عليه الفقر، والفقير كان عاقلاً فكان يرتجى له الغنى.
قال الأصمعي: وصفت أعرابية قومها فقالت: كانوا والله لرحى الحرب ثفالاً، ولقدرها جفالاً، وللأعداء نكالاً، وفي الندى أزوالاً، وعلى الخصوم ثقالاً، أنحى عليهم الدهر بشفرتيه فأطفأ جاحمهم، واقتص ناجمهم، وطمس آثارهم، وأباد غضراءهم، فأصبحت المنازل دراسة، والأعلام طامسة، وبذلك جرت عادة الدهر.
قيل لرجل: إن أباك كان فقيراً فأثرى، فكيف كان سيرته؟ فقال: كان في مسكنته تقياً نقياً، وفي غناه رضياً سرياً.
وأخبر ابن الأعرابي أن لصين من الأعراب تصدياً لجارية ترعى غنماً، فقال أحدهما لصاحبه: اشغلها عني، فحفر حفرة ودخلها وتغطى بالثمام وأخرج متاعه قائماً، فنظرت إليه فقالت:أطرثوث ولا رملة، أذؤنون ولا عضاه له؟! ثم بركت عليه لتقضي حاجتها، فاطرد الآخر الغنم، فلما فرغت من أمرها التمست الغنم فإذا هي قد بعدت، فتبعتها، وخرج الآخر من الحفرة فعارض صاحبه فاطرد الغنم فذهبا بها.
وقال ابن الأعرابي، قال أبو صخر الكناني: وقف أعرابي على قوم من الحاج فقال: بدء شأني، والذي ألجأني إلى مسألتكم، أن الغيث كان قد قوي عنا، ثم تكرفأ السحاب، وشصا الرباب، وادلهم سيقه، وارتجس ريقه، وقلنا: هذا عام باكر الوسمي، محمود السمي، ثم هبت له الشمال، فاحزالت طخاريره، وتقزع كرفئة متياسراً، ثم تتابع لمعان البرق، حيث تشيمه الأبصار، وتحده النظار، ومرت يد الجنوب ماءه، فقوض الحي مزلئمين نحوه، فسرحنا فيه المال فكان وخماً وخيماً، فأساف المال، وأضف الحال، فبقينا لا تيسر لنا حلوبة، ولا تنسل لنا قتوبه، وفي ذلك يقول شاعرنا: الطويل
ومن يرع بقلا من سويقة يغتبق ... قراحاً ويسمع قول كل صليق
أي يسمع العذل يقولون قد نهيناك. أما قوله: قوي: أي احتبس، يقال: الثمام شر ما احتبس تكرفأ: ذهب، وشصا: ذخب، الرباب: المطر، والوسمي: أول مطر يسم الرض، والسمي: جمع سماء، واحزألت: تفرقت، تشيمه البصار: تدركه، ومرت - خفيفة - استخرجت، فقوض الحي أي تفرقوا، ومنه تقوض الحي، ومنه تقوض الخباء إذا حط.

قال ابو نوفل: قتل الحجاج ابن الزبير وصلبه على عقبة، فجعلت قريش تمر به والناس، حتى مر به عبد الله بن عمر فوقف عليه فقال: السلام عليك أبا خبيب، أما والله لقد نهيتك عن هذا وكنت عنه غنياً، أما والله لقد كنت ما علمتك صواماً قواماص، وصولاً لرحم، والله إن أمة أنت شرها لأمة صدق؛ قال: ثم نفذ، فبلغ الحجاج موقفع فبعث إليه ثم استنزله ثم أمر به فألقي في قبور اليهود، ثم بعث غلى اسماء بنت أبي بكر بعد ما عميت أن تأتيه فأبت، فقال: لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك، فقال: والله لا ىتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني، قال: أروني سبتي، فأخذ نعليه وجعل يتوذف حتى دخل عليها فقال: كيف رأيتني فعلت بعدو الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليكآخرتك، وقد بلغني أنك كنت تعيره وتقول: يا ابن ذات النطاقين، فقد ولاله كنت ذات نطاقين، أما أحدهما فكنت أرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر رضي الله عنه طعامهما من الذباب، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا يستغني عنه، فبأي ذلك ويلمك تعيره، وقد سمعت رسول الله حروف يقول: في ثقيف كذاب ومبير؟ أما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه.
قال الحسن: أوحى الله إلى آدم: أربع هن جماع لك ولولدك، واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة بيني وبينك، وواحدة بينك وبين الناس؛ أما التي فتعبدني ولا تشرك بي شيئاً، وأما التي لك فعملك آجرك به أفقر ما تكون إليه، وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء وعلي الإجابة، وأما التي بينك وبين الناس فاصحبهم بالذي تحب أن يصحبوك به.
قال مجاهد: لما أمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج قال: يا رب كيف أقول؟ قال: قل يا أيها الناس أجيبوا ربكم، قال: فوقرت في قلب كل مسلم مؤمن. ولو قال: أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس والروم، ولكنه قال: أفئدة من الناس.
قال أبو هريرة: مثلت الدنيا على طائر، فالبصرة ومصر الجناحان، والشام والجزيرة الجؤجؤ، واليمن الذنب.
قال القاسم بن محمد: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إن في حجري أيتاماً لهن إبل ولي إبل، فماذا يحل لي من ألبانها؟ فقال: إن كنت تبتغي ضالها، وتهنأ جرباها، وتلوط حوضها، وتسقي عللها، فاشرب غير مضر بنسل ولا ناهك في حلب.
قال أبو صالح، قال أبو هريرة: اللسان ترجمان، والعينان مسلحة، والأذن قمع، واليدان الجناحان، والرجلان بريد، والطحال ضحك، والكبد برد، والكلية مكر، والرئة نفس، والقلب الملك، فإذا صلح القلب صلحت الجوارح، وإذا فسد فسدت.
قال سفيان بن عيينة، قال أبو حازم: اشتدت مؤونة الدنيا، فما تمد يدك منها إلى شيء تطلبه إلا وجدت عليه فاجراً قد سبقك، وأما مؤونة الدين فما تجد أحداً يعينك عليه.
وقال ابن أبي زياد: جاء ثعبان فحال بين الناس وبين الطواف، فدعا أهل مكة فجاء طائر أظل نصف مكة حتى اختطف الثعبان فرمى به في البحر.
قال الحسن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الناسلم يؤتوا في الدنيا شيئاً هو خير لهم من اليقين والمعافاة، فسلوهما الله عز وجل.
قال الحسن: صدق والله نبي الله؛ باليقين طلبت الجنة، وباليقين هرب من النار، وباليقين أديت الفرائض، وباليقين صبر على الحق، وفي معافاة الله خير كثير، قد والله رأيناهم يتقاربون في العافية فإذا نزل البلاء تباين القوم.
قال الحسن، قال غزوان بن زيد الرقاشي: لله علي ألا يراني ضاحكاً، حتى ألحق بالله عز وجل.
قال مغيرة: كنت كثير الضحك فلم يقطعه عني إلا قتل زيد بن علي.
لما احتضر معاذ قال: قد كنت أخشاك وأنا اليوم أرجوك.
قال عبد الله بن أبي الهذيل: إن كان أحدهما ليبول فيتسمح بالتراب مخافة أن تقوم الساعة.
قيل لأعرابي: ما أضنك بالخمر؟ قال: سبحان الله، كيف لا أضن بها وهي تسرج في عيني نورها، وفي سرورها.
قال العتبي: كان معاوية يقوم لرجل من أهل الشام، وكان شيخاً مسناً قد بلغ التسعين، فقيل له: أتقوم لهذا؟ فقال: إن فيه شبهاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أقوم للنبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر أعرابي شيبه فقالك كنت أنكر البيضاء فصرت أنكر السوداء.
قال ابن الأعرابي: أنشدني عبد الله بن شبيب: الكامل
من يأمر القوام بعد قبيلة ... درجوا وتوبع بينهم من واقف

كانوا دعائهم قومهم وعمادهم ... وملاذ غارمهم مأوى الخائف
أخذوا بغرة طائر غروا بها ... سبب جرى لهم بحتف حاتف
لم يبق من آثارهم وعيونهم ... عين تؤمل ذات شفر طارف
لم يبق من آثارهم وعيونهم ... عين تؤمل ذات شفر طارف
والدهر ذو صرف يشب فأهله ... وصحابه موصولة بمتالف
لا تجزعن من الزمان وريبه ... واصبر لذلك صبر حر عارف
قال الأصمعي: دخل مالك بن هبيرة السكوني على معاوي فأدناه وقربه، وكان شيخاً فانياً حسن الجسم، فخدرت رجله فبسطها، فقال له معاوية: ليت لنا يا ابا سعيد جارية لها مثل ساقك، فقال: يا أمير المؤمنين، ولاساق متصل بمثل عجيزتك، فقال معاوية: البادئ أظلم.
قال الأعمش: دخل رجل داراً فسرق طستاً، فلما خرج رأى عل باب الدرا نفراً، فالتفت إلى الدار فقال: إن لم يشتر بسبعة أبيعة بستة؟ يوهمهم أنه دفع إليه ليبيعه.
قال أسقف فارس: لو أنشر من مات لأخبر أكثرهم أنه مات بشماً.
شاعر: الكامل
الحرص عون للزمان على الفتى ... والصبر نعم العون للأزمان
لا تجزعن فإن دهرك إن رأى ... منك الخنوع أمده بهوان
وغذا رآك وقد نصرت لصرفه ... بالصبر لاقى الصبر بالإذعان
سمعت السيرافي يقول: شواية كل شيء ضعفه، وأشويته: أطعمته الشواء، والشوي: الشاء.
وسألت السيرافي عن قوله " قائماً بالقسط " آل عمران: 18 بم انتصبت قائماً؟ قال: بالحجال، قلت: أين الحال؟ قال: لله تعالى، قلت: أيقال لهل حال؟ قال: غن الحال هي للفظ لا لمن يلفظ بالحال عنه. ولكن الرحمة لا تستوفي حقيقة المعنى في النفس إلا بعد تضوع الوهم. هذه الأشياء صناعة تسكن إليها النفس ويقنع بها القلب.
قال رجل لابن المقفع: أنا بالصديق آنس مني بالأخ، فقال: صدقت، الصديق نسيب الروح والأخ نسيب الجسم.
سألت السيرافي عن قولهم وبررت إذا قالوا: صدقت وبررت، فقالك صدقت صدقاً نافعاً كأنك لم تصدق صدقاً بحتاص، ولكنك وصلته بالبر، والراء مكسورة في بررت.
سمعت ابن خضر الكاتب البغدادي يقول: قال أبو عبد الله الواساني الرئيس في مجلسه: إنا - ذرية محمد حروف من بطن فاطمة عليها السلام - سعدنا بشفاعتها لأن الله حفظ فرجها، فقال ابن رزام المتكلم: أعز الله الشريف، فمن ذا الذي يقول: إن حواء زنت؟! شاعر: الوافر
غدا ناعيك حين غدا بخطب ... يبث الشيب في رأس الوليد
ويقعد قائماً يخشى حماه ... ويبعث للقيام حبى القعود
وأضحت خشعاً منه نزار ... مركبة الرواجب في الخدود
قال أعرابي: ما رأيت عيناً أخرق لظلمة ليل من عينه، ولا لحظاً أشبه بحريق النار من لحظه، له طرة كطرة السيف إذا غضب، وجرأة كجرأة الليث إذا حرب.
وصفت الخنساء أخاها فقالت: لقد كان كريم الحدب، واضح الجدب، يأكل ما وجد، ولا يسأل عما فقد.
كاتب: إن للظلم دائرة بكل ذي حذر على غرر، وتمنع كل وارد عن الصدر، وتقحم كل آمل على أجل، وتقضي لكل آمل على وجل.
هذا والله الكلام العزيز الجانب، المصون العرض، الجليل القدر، يعمل والله في القلب عمل الغيث في الجدب، وليس في كل قلب، ولكن في القلب الذي قد فطر على الخير، وحبب إليه الأدب، وظهر من أدناس الجهل، وكل محلاً للتوفيق، وأهلاً للملاطفة.
خطب أعرابي فقال: الحمد لله رب العالمين، ولا إله إلا الله خلافاً على الجاحدين، وصلى على محمد خاتم النبيين، وإن أحق ما استمع له كلام رب العالمين، قال الله تعالى " وأنكحوا الأيامي منكم والصالحين م عباطم " النور: 32.
شاعر: الوافر
تبدل بالمطامع منه يأساً ... وبالضرع القناعة فاستراحا
فلا طمع ينازعه بكوراً ... ولا أمل ينازعه رواحا
سمعت أعرابياً بفيد يقول: ستساق إلى ما أنت لاق.
وقال أعرابي: من أفاده الدهر أفاد منه.
شاعر: السريع
يا أيها السائل عن حال من ... أصبح في عسر وإفلاس
لا تسأل المعسر عن حاله ... واسأل لمن ألجا إلى الناس

قال ثابت البناني للحسن: إنك تريد الحج وأنا أريد، أفأصحبك؟ فقال الحسن: دعنا نتعايش الله، إني أكره أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه.
قال أبو مجلز: قلت لرجل مديني: كيف صار الثقيل اثقل من الحمل الثقيل؟ قال: لأن الحمل الثقيل يشارك الجسد في حمله، والرجل الثقيل تنرد الروح بحمله.
ركب يزيد نهشل بعيراً له: فلما استوى في غرزة قال: اللهم إنك قلت " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " الزخرف: 13، اللهم إني أشهدك أني له مقرن، فنفر البعير وتعلقت رجله في الغرز، والبعير يجمز به، حتى مات.
حدثت بهذا الحديث أبا حامد المروروذي فقال: إن بعض خلعاء أصحاب الحديث قال يوماً وهو فيجماعة من طلاب الحديث يمشون إلى شيخ للرواية عنه: امشوا قليلاً قليلاً، فإن طالب العلم يمشي على أجنحة الملائكة ما دام في طلب العلم حتى لا يتكسر الجناح، متهزئاً بهذا الحديث، فعثر عثرة عرج منها عند هذا الكلام.
فحدثت بهذا الحديث ملأ من الصوفية والغرباء والجوالين في الآفاق، السائحين في الدنيا، الحافظين للعبر، المقتبسين للأدب، فقال شيخ منهم - وكان من مصر: لهذين الحديثين عندي ثالث: كان بالمغرب ورواق، وكان معروفاً بالإلحاد لظاهر مجونه، وإفراطه في جنونه، فكتب مضحفاً في ستة أيام، فتعجب الناس منه، فقال له رجل: في كم كتبت هذا؟ قال: " في ستة أيام وما مسنا من لغوب " ق: 38، فحشت يده. هذا لفظ الشيخ، ومعناه يبست، والحشيش منه ليبسه، فأما ما رطب فهو كلأ.
والبحث عن هذا الفن صعب لأن بعضه يقع اتفاقاً، وبعضه يقع استحقاقاً، والاعتبار يجمعهما، وإن كانت الحقيقة لا تميزهما، والأولى بالمرء المتحرج أن يهجر اللعب بالله جل وعلا، وبالإهيته وبكلامه وأفعاله، فإن الله عز وجل لا يغفل عما يقال، ولا يحفى عليه ما يفعل، ومن علم أنه بعينه طال صمته، واشتد فرقه، وقل إعراضه، واتسعت عبره، وكان من وراء الزاد للمعاد، وغذا كان جميع ما تتقلب فيه كظل المتفيء وحلم الراقد إلا ما جعله الله سلماً غليه، ورفداً في نيل ما لديه؛ ما أحوجنا إلى محاسبة أنفسنا، والأخذ لها منها قبل عطبها وبوارها.
قيل لبعض الأغنيا: ما أحسن القمر!! قال: إي والله، خاصة بالليل.
قيل لحاتم الأصم: على ما بنيت أمرك؟ قال: على أربع خصال: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فلم أهتم به، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعملت أن الموت يأتيني بغتة فأنا مبادره، وعلمت أني بعين الله في كل حال فاستحييت منه.
حدثنا بعض أصحابنا قال: رأيت بدوياً يخاصم رجلاً من الحاج بالكوفة عند منصرف الناس، فقيل له: أتخاصم رجلاً قد حج؟ فقال على البديهة: الطويل
يحج ليكما يغفر الله ذنبه ... ويرجع قد حطت عليه ذنوب
والتقى ناسكان بالموقف فقال أحدهما لصاحبه: ما تبغي ها هنا؟ قال: الزيادة، قال: يا هذا، ما كان لك في رؤية هذا المكان من الفوائد، ما أغناك عن طلب الزوائد؟! قال القناد وقد نظر غلى بعض أصحابه: يا هذا ليس كل من ينفذ نفذ، ولا كل من حصل وصل، ولا كل من وقف بالباب صار من الأحباب.
قال بعض الواعظين: ثلاث هن أسرع فيالعقل من النار في يبيس العرفج: إهمال الفكرة، وطول التمني، والاستشراء في الضحك. إن الله لم يخلق النار عبثاً، ولا الجنة هملاً، ولا الإنسان سدى، فاعرف نزق العبودية، وعجز البشرية، فكل زائد ناقص، وكل مقيم شاخص، وكل قرين مفارق، وكل غني محتاج، وإن عصفت به ريح الخيلاء، وأبطره العجب، وصال على الأقران، لأنه مدبر مقهور ومبتئس، إن جاع سخط المحبة، وإن شبع بطر النعمة، ترضيه اللمحمة فيستشري مرحاً، وتغضبه الكلمة فيستطير شفقاً حتى تتفسخ منته، وتنتقض مريرته،وتضطرب فريصته، وتنسد عليه حجته.
كاتب: كتابي - جعلت فداك - من غربة في غير صحبة، وعن خيبة في طول غيبة.
كتب هاشمي إلى يحيى بن خالد: علمي بمودتك يمنعني من استحثاثك، ورضى إخائي بك يشكو إليك تقصيرك، وأملي فيه يصبرني على تأبيك.
وقال ملك لصاحب ملك آخر: أطلعني على سر صاحبك وانج بنفسك، فقال: إلي تقول هذا، وما ذاق أحد كأساً لا مذاق لها أمر من الغدر؟ والله لو حول ثواب الوفاء إليه لما كان فيه عوض منه، ولكن سماجة اسمه وبشاعة ذكره ناهيان عنه.
قال كشاجم في كتاب النديم: ندام النظراء أنعم وأرق، وندام العظماء أجل وأشرف.

يقال: خمس يورثن الفقر: الأكل على الجنابة، والادلاك بالنخالة، وتقليم الأظافر بالأسنان، ونتف الشيب، ونومة الضحى.
لو وصل هذا الأدب بعلله وأسبابه لكانت النفس إليه أسكن، والعمل به أكثر، والمصير إليه أسرع، وما أكثر ما يرسلون هذه الأمور إرسال الجاهل بما يقول!! شاعر: الوافر
فإن يك صدر هذا اليوم ولى ... فإن غداً لناظره قريب
قال فيلسوف: المقادير لا تدفع بالمغالبة، والأرزاق المكتوبة لا يزيد فيها الشرة والمكالبة.
دخل أبو العباس العطافي إلى بعض القصاص وقد أخذ القاص في غزاة خيبر فقال: بارك الله عليك، ما أحسن ما تؤدي كلام منصور بن عمار! وحضر القطيعي مع قوم جنازة، فنظر إلى أخي الميت فقال: أهذا الميت أم أخوه؟ فانقلب المأتم ضحكاً.
خرج إسحاق بن مسلم العقيلي مع المنصور إلى مكة فأمعن في السير وطوى المراحل، فقال إسحاق: إنا ق هلكنا يا أمير لمؤمنين، فما هذهالعجلة؟ قال: نخاف أن يفوتنا الحج، قال: فاكتب إليهم ليؤخروه عدة أيام.
قال أبو العيناء: كنت بحمص فمات لجار لي بنت، فقيل له: كم كان عمرها؟ قال: لا والله لا ادري، ولكنها ولدت أيام البراغيث.
قال أبو سالم القاص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كانت هند بنت عتبة حين لاكت كبد حمزة أحارتها إلى جوفها ما مستها النار؛ فقال المبردي: اللهم أطعمنا من كبد حمزة.
قال بزرجمهر: الركون غلى الدنيا مع ما نعاين من الموت جهل، والتقصير في احسن الأعمال إذ عرفنا فضيلة الثواب عجز، والطمأنيية إلى أحد قبل الاختبار حمق.
خرج رجل في ابتغاء الرزق فأعيا في طلبه، فجلس مستريحاً مقابله حائط، فقرأ فيه: الكامل
لما رأيتك قاعداً مسقبلي ... أيقنت أنك للهموم قرين
هون عليك وكن بربك واثقاً ... فأخو التوكل شأنه التهوين
طرح الذى عن نفسه في رزقه ... لما تيقن أنه مضمون
فرجع إلى بلده.
سمعت شيخاً من أهل الكوفة يقول: الزعزعة: شرب الريق من الفم، والصعصعة: التفريق.
كاتب: الحمد لله الذي حقق أملي فيك، وصدق ظني بك، وذكر المنة لك علي، وجعلك مولى الصنيعة وسبب المكرمة في، فلم يسبقك احد إلى الإحسان إلي، ولم يحاصك في الإنعام علي، ولم تتقسم الأيادي شكري فهو لك موفر عليك، ولم يخلق وجهي فهو بك مصون جديد، ولم يزل ذمامي مضاعاً حتى رعيته، وحقي مبخوساً حتى قضيته، فأنصفتني من دهر طالما ظلمني، وأخذت بيدي من العثرة، وأبعدتني من الصرعة، وسررت الولي الودود، وأرغمت بي العدو الحسود، ورفعت أملي بعد انخفاضه، وبسطت رجائي بعد انقباضه، وأمطت خمي وقويت منتي، فلست أعتد يداً إلا منك، ولا أعرف معروفاً إلا لك، ولا أوجه رغبة إلا إليك.
أعرابي: البسيط
إن كنت جاهلة فاستخبري خبري ... هل أصدر الأمر لا يسطاع بالحيل
وهل أرد شبا خصمي محاسمة ... يلقى الألد حجاج الخصم بالجدل
شبا كل شيء: حده، والحاسمة: القاطعة، والألد: الشديد الخصومة، يقال: فيه لدد وله مدد.
سعيد بن حميد: الكامل المجزوء
لا تعتبن على النوائب فالدهر يرغم كل عاتب
واصبر على حدثانه ... إن الأمور لها عواقب
والدهر أولى ما صبر ... ت له على كدر المشارب
فلكل خالصة قذى ... ولكل صافية شوائب
كم فرحة مطوية ... لك بين اثناء النوائب
ومسرة قد أقبلت ... من حيث تنتظر المصائب
قال المفضل: كانت العرب تقول: لا تشتر خمسة من خمسة: فرساً من أسدي، ولا جملاً من نهدي، ولا عنزاً من فهري، ولا عبداً من بجلي، ولا حماراً من إيادي.
لما قتل العباس بن الحسن الوزير ببغداد، دفع ابنه محمد أبو جعفر، وكان أديباً، إلى خراسان، فقال: الهزج
لئن أصحبت منبوذاً ... بأقطار خراسان
وموقوذاً نبت عن لذ ... ذة التغميض أجفاني
ومحمولاً على الأصع ... ب من إعراض سلطاني
ومحصوصاً بحرمان ... من الأعيان أعياني
وصرف عند شكواي ... من الآذان آذاني
ملقى بين أظلاف ... وأخفاف توطاني

ومكلوماً بأظفار ... ومدوماً بأسنان
كأن القصد من أحدا ... ث ازماني إزماني
فكم مارست في إصلا ... ح شاني ما فرى شاني
وعاينت خطوباً جر ... رعتني ماء خطبان
أفاد الشيب فودي ... وأفناني وأفناني
أغصتني بأرياقي ... لدن إيراق أغصاني
ونادتني إلى من ه ... و عني عطفه ثاني
سوىأني أرى في الفض ... ل فرداً ما له ثاني
ولو أنصفت ما أبع ... دني فضلي بل ادناني
كأن البخت إذ كش ... ف عني كان عطاني
وهل ينفعني جدي ... وتشميري وإدماني
إذا الجد تحدان ... ي والحد تعداني
وكل بالذي في شم ... ن أرداني أرداني
سأستنجد صبري إن ... ه من خير أعواني
واسترفد عزمي إن ... ه والحزم سيان
وانضو الهم عن قلبي ... وإن أنصب جثماني
وأقضي بنجاء إن قضاء الله نجاني
إلى أرض جناها من ... جنى جنة رضوان
غلى أرضي التي أرضى ... وترضيني وترضاني
هواء كهوى النفس ... تصافاه صفيان
رقيق الآل كالآل ... وفيه أمن إيمان
رخاء كرخاء فر ... ج الكربة عن عان
وماء مثل قلب الصب ... ب مرتاعا بهجران
فإن سلمني الله ... وبالصنع تولاني
وأخلى ذرعي الدهر ... وخلاني وخلاني
فإني لا أعود الده ... ر ما عاد الجديدان
إلى الغربة حتى تغ ... رب الشمس بشروان
فإن عدت لها يوماص ... فسجاني سجاني
وله من أبيات يهجو رجلاً أبخر: الهزج
سفت نتنا سوافيك ... إذا سيقت سوافيكا
وأطراف المساويك ... تجلت عن مساويكا
فما جارحة فيك ... لنا أجرح من فيكا
قيل لمدينية: أيهما أحب غليك النيك أم التمر؟ قالت: التمر ما أحببته قط.
جامع رجل قصير امرأة طويلة، فلما قبلها خرج متاعه من بطنها، فقالت له: نحن والله في طرائف، كل ما ربحناه من فوق خسرناه من أسفل.
رأى مزبد خاتماً من ذهب في يد جارية فقال لها: ناوليني خاتمك أذكرك به، قالت: هذا ذهب وأخشى أن تذهب، ولكن خذ هذا العود فعسى أن تعود.
شيع أبو العلاء المنقري جنازة أحمد بن يوسف الكاتب فظل يبكي، وكان مكتحلاً فسال كحله على وجهه، فنظرت إليه امرأة فقالت: سخنت عينك، كأنك والله مطبخ يكف، أيش هذه السماجة؟! فأضحك أهل الجنازة.
أدخل الجماز قحبة، فلما ركبها لم ينتشر عليه، ففي حركته ضرط فخجل، فقال لها: بالله لك زوج؟ فقالت له: لو كان لي زوج لم أدعك تخرا علي.
وقالت أخرى لآخر لم ينتشر عليه: لو كان لي زوج لم أدعك تجعل حري طنبوراً تضرب عليه، لأنه كان يدلك أيره على شفريها.
سمعت امرأة بغدادية تقول لجارتها وهي تصف رجلاً: لعنه الله، إذا أطبقفمه كأنه جحر مشنج، وغذا فتحه كأنه كس مفحج.
أنشد أبو دلف مسعر بن مهلهل الخزرجي: الهزج
تركت اللحم للإفلا ... س والدشة والضيق
فقالوا بل تثوبون ... بظن غير تحقيق
ولو مر بنا ماني ... أكلنا على الريق
قال ابن عبدوس في كتاب الوزراء كان عمرو بن ميمون بن حاتم يتقلد ديوان الخاتم للمهدي، فخرج يوماً متوكئاً على عصا، فلقيه محمد بن سالم اليماني، وسالم كاتب هشام بن عبد الملك، وكان محمد في كتاب المهدي، فقال لعمرو: ما عصام هذه بعضا موسى، فقال عمرو: ولا الوادس الذي اغتصبه أبوك بالأردن أيام هشام بالوادي المقدس.
الجواب يجب أن يتقى، ففيه ما يعمل عمل السم.
رأيت رجلاً من العلماء قال لأبي حامد المروروذي: هل شاهدت عبد ال بن زياد النيسابوري صاحب المزني في بغداد؟ قال: نعم، قال: فإني ما رأيتك عنده، يغض منه، فقال أبو حامد: إنك لو رأيتني لكان خيراً لك.

قال العتيبي: قال عبد الملك بن مروان لزفر بن الحارث: ما بقي من حبك للضحاك بن قيس؟ قال: ما لا ينفعه ولا يضرك، قال: لشد ما أحببتموه يا معاشر قيس: قال: أحببناه ولم نواسه، ولو كنا فعلنا أدركنا ما فاتنا منه، قال: فما منعك من مواساته يوم المرج؟ قال: الذي منع أباك مواساة عثمان يوم الدار.
وهذا أيضاً جواب مر.
قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول لرجل: جنبك الله الأمرين، وكفاك شر الأجوفين، وأذاقك البردين الأمرين: الفقر والعري، والأجوفان: البطن والفرج، والبردان: برد الغنى وبرد العافية.
شاعر: الطويل
لنا جلساء ما نمل حديثهم ... ألباء مأمون غيباً ومشهدا
يفيدوننا من علمهم علم من مضى ... وحكماً وتأديباً ورأياً مسددا
بلا كلف يخشى ولا سء عشرة ... ولا نتقي منهم لساناً ولا يدا
فإن قلت أحياء فلست بكاذب ... وإن قلت هم موتى فلست مفندا
قال بعض النساك: عجبت ممن لا يملك أجله كيف يملك أمله، ومن يعجز عن دفع ما عراه كيف له الأمان مما يخشاه.
شاعر: الطويل
وإن امرءاً دنياه أكثر همه ... لمستمسك منها بحبل غرور
مر تميم الداري يوماً بأصحابه فقال: كيف أصبحتم؟ فقالوا: أصبحنا نرجو ونخاف، فقال: والله ما أدري ما رجاء قوم لا يتحملون ما يكرهون لما يرجون، وما أدري ما خوف قوم لا يدعون ما يشتهون لما يخافون.
شاعر: الوافر
سكون النفس يعقبه راء ... وحرص النفس يدني للهوان
وليس بزائد في الرزق حرص ... وليس بناقص منه التواني
إذا ما الله سبب رزق عبد ... أتاه في التنائي والتداني
قيل لصوفي: أين حط العارفون رحالهم؟ قال: حيث ناجاهم الحق وبدا لهم.
سأل أعرابي قوماً فحرموه فقال: اللهم اشغلنا بذكرك، وأعذنا من سخطك، فقد ضن خلقك على خلقك بروقك، ولا تشغلنا بما عندهم عن طلب ما عندك.
العرب تقول: فلان نقي الجيب، عفيف الإزار، طيب الحجزة.
كان أبو ذر يقول: يا أيها الناس، إني لكم ناصح، وعليكم شفيق، صلوا في الليل لوحشة القبور، وصوموا في الهاجرة لحر يوم النشور، وتصدقوا مخافة يوم عسير، وحجوا لعظيم الأمور.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إياكم واتباع الهوى، وطول الأمل، فإن اتباع الهوى يبعد عن الحق، وطول الأمل ينسي الآخرة.
قال عطاء السلمي: اللهم ارحم غربتي في الدنيا، ومصرعي عند الموت، ووحشتيفي القبر.
يقال: ما رؤي فاطمي أنصح لعباد الله من زيد.
كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: إن قوماً لزموا سلطانهم لغرماء بحق الله عليهم، فأكلوا بخلافهم، وعاشوا بأليسنتهم، وخلفوا الأمة بالمكر والخديعة والخيانة، وكل ذلك في النار، ألا فلا يصحبنا من أولئك أحد ولا سيما خالد بن عبد الله وعبد الله بن الأهتم، فإنهما رجلا بيان، وإن بعض البيان يشبه بالسحر، فمن صحبنا فلخمس خصال: فأبلغنا حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ودلنا على ما لا نهتدي إليه من العدل، وأعاننا على الخير، وسكت عما لا يعنيه، وأدى الأمانة التي حملها منا من عامة المسلمين فحيلا به، ومن كل على غير ذلك ففي حل من صحبتنا والدخول علينا.
قال سفيان بن عيينة: قال أمير المؤمنين لأبي حازم: أوصني، قال: هين يسير، لا تأهذن شيئاً إلا بحقه، ولا تمنعن شيئاً من حقه، قال: يا أبا حازم، من يطيق هذا؟ قال: من طلب الجنة وهرب من النار.
أنشد اليزيدي: الخفيف
ويصاد القطا فينجو سليماً ... بعد يأس ويهلك الصياد
ومثله لابن الجهم: الكامل
كم من عليل قد تخطاه الردى ... فنجا ومات طبيبه والعود
قال الأصمعي: ما تطلي به المأة عينها من الزعفران عند الولادة يقال له الدمام، ويقال للذي تصلح به القدر وتطلى: الدمام، ويقال للناقة: قد دمها الني دماً إذا ملأها الشحم.
قال: والنغض إشارتك برأسك إلى فوق، وإذا عوجت فمك من احد شقيه وأخرجت له صوتاً فهو مض، وأنشد: الرجز
سألتها الوصل فقالت مض ... وحركت لي رأسها بالنغص
قال ثعلب: الطل: إبطال الحق، والضهل: تصغيره، والطفشل من الرجال: لضعيف الأحمق.
وأنشد أبو خليفة الجمحي قال، أنشد التوزي: الطويل

بنفسي من لا أستطيع لقاءه ... على حالة إلا قلبي خائف
ومن حبه داء ومبذول نفعه ... شفاء ومن دون الشفاء متال
وأنشدني: الطويل
لا تعذلينا في الزيارة إننا ... وإياك كالظمآن والماء بارد
يراه قريباً صافياً غير أنه ... تحول المناي دونه والراصد
قال ابن الأعرابي: الهسر يكون في الخير والشر، والأرق لا يكون إلا في المكروه.
قال أبو محلم، حدثني رجل من قريش قال: مررت بحي من العرب وأنا حاج، فرأيت فيهم جارية كأنها مهاة، قد برعت جواري الحي، فسألت عن أبيها فدللت عليه،فأتيته فانتسبت إليه فأكرمني ورفعني، ثم خطبتها إليه وبذلت له مهراص سنياً يرغب في مثله، فقال: يا ابن أخي، لقد ذكرت شرفاً شامخاً، وبذلت بذلاً سنياً، ولكن الغريبة عن قومخا أمة لمن انتقلت إليه، ومستذلة فيمن حلت فناءه، لبعد ناصرها، وغيبة حماتها، وما اغتربت منا امرأة قط، ولو أمكن ذلك لكنت أول راغب؛ فقمت من عنده، فأقبل علي رجل في إثر رده إياي فقال: يا ابن أخي، لست أول من رد عن هذه الجارية، أما سمعت قول الشاعر فيها: البسيط
يظل خطابها ميلاً عمائمهم ... كأن أنضاءهم أنضاء حجاج
لها أب سيد ضخم وإخوتها ... مثل الأهلة لا يستبهم هاجي
قال أبو محلم في قول الراجز: الرجز
أما تاره وإلى آستوائها ... وحسنها في العين وامتلائها
لا ترهب الذئب على أطلائها ... وإن أحاط الليل من ورائها
يعني نخلة.
قال عمر بن شبة: أنشدني العريان: الطويل
فإنك لا تدري، فلا تعر جانباً ... من المبتغى: أي الأمور المساعف
فيا ري كره جاء من حيث لم تخف ... وميسور أمر في الذي انت خائف
وما الناس إلا كالسيوف خاتلافهم ... فكل محلى الجفن والبعض قاطف
قال عمر بن شبة: أنشدني عبد الملك بن الوليد من ولد الحجاج ابن يوسف، وكان طفيلياً في البصرة، وكان أدياً شاعراً: الكامل المجوء
لا تحتشم دا القري ... ب ومنزل الفظ مريد
واهجم على هذا وذا ... ك هجوم شيطان مريد
وادخل كأنك خابز ... بيديك جردقة الثريد
وإذا دخلت مخففاً ... فاحمل كحملات الأسود
واختك ثرائدهم ولا ... تكفف عن اللحم النضيد
ودع الحياء فإنما ... وجه المطفل من حديد
كان الباقر عليه السلام يقول: سلاح اللئام قبح الكلام.
قال المبرد: أنشدنا دعبل في أبي سعد المخزومي: الرمل المجزوء
أنا بشرت أبا سع ... د فأعطاني بشاره
بأب صيد له بالأم ... س من دار الإماره
كل يوم لأبي سع ... دعلى الأنساب غاره
فهو يوماً من تميم ... وهو يوماً من فزاره
خزمت مخزوم فاه ... فادعاها بالإشارة
قال المبرد: أنشدت لأبي العتاهية: الوافر
لقد نهج الطريق إليك قصداً ... فما أحد بريدك يستدل
إذا ورد الشتاء فأنت شمس ... وإن ورد المصيف فأنت ظل
قال محمد بن علي الباقر رضي الله عنه لأصحابه: أيدخل أحدكم يده في كم صاحبه فيأخذ حاجته من الدراهم والدنانير؟ قالوا: لا، قال: لستم بغخوان إذن.
أنشد الأخفش لحداد بسر من رأى: البسيط
مطارق الشوق في قلبي لها أثر ... يطرقن سندان قلب حشوه الفكر
ونار كير الهوى في الجسم موقدة ... ومبرد الشوق ما يبقي ولا يذر
كيف اصطبار امرئ لاقى على مضض ... من زبرة الهجر ما لم يلقه بشر
قد أنحلت كلبات الشوق مهجته ... إذ قفل باب الرضا عن خرمه عسر
قال أبو الفرج الصفهاني في بيت الأعشى: البسيط
نازعتهم قضب الريحان متكئاً ... وقهوة مزة راووقها خضل
أنه عنى الحديث.
قال زيد بن علي: الداعي إلى الله بغير عمل كالرامي بغير وتر.
قال ابن الأعرابي: سأل ابن ميادة أيوب بن سلمة المخزومي حاجة فلم يحمده فقال: الطويل
ظللنا وقوفاً عند باب ابن أختنا ... وظل عن المعروف والجود في شغل

للشام الطاعة والطاعون، وللعراق النعمة والشقاق، وللبادية الصحة والشقوة.
قال مسلمة بن عبد الملك: ما ركب الناس مثل بغلة قصيرة العذار طويلة العنان.
يقال: لم يمت قوم في سفر عطشاً إلا وهم على ماء.
يقال: إذا كان فقه الرجل حجازياً، وسخاؤه عراقياً، وطاعته شامية، فقد كمل.
قال: حمى خيبر، وطحال البحرين، ودماميل الجزيرة، وطواعين الشام.
قال ابن عباس: الكوفة مثلها مثل اللهاة في البدن، يأتيها الماء ببرده وعذوبته، ومثل البصرة مثل المثانة، يأتها الماء بعد تغيره وفساده.
شاعر: الكامل
تحت المحاجر أعين دعج ... من فوقهن حواجب زج
وافين مكة للحجيجفلم ... يسلم بهن لمسلم حج
قال بعض أهل الهند لبعض ولاة الحرب: احذر عدوك على كل حال: احذر مواثبته إن قرب، وغارته إن بعد، وكمينه إن انكشف، واستطراده إن ولى، ومكره إن انفرد.
قال الحسن: جربنا وجرب لنا المجربون، فلم نر شيئاً أنفع وجداناً ولا أضر فقداناً من الصبر: به تداوى الأمور ولا يداوى هو بغيره.
سألرجل علياً عن عثمان رضي الله عنهما فقال: خذله أهل بدر، وقتله أهل مصر، غير أن من نصره لا يستطيع أن يقول: خذله من أنا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول: نصره من هو خير مني؛ والله ما أمرت به، ولا نهيت عنه، ولو أمرت لكنت قائلاً، ولو نهيت لكنت نصراً، واستأثر عثمان فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع.
قال أبو حامد عند هذه الحكاية: إن أمر عثمان ليس بمشكل، ولئن أشكل لقد جل خطبنا، فما خفي أشد من خفائه، قيل له: كيف لك؟ قال: لأنه لا يخلو من أن يكون فارق الدين فلا مرية في خروجه من الإمامة لو أتى بما فيه تأويل، فلا يستحق به القيل من القائل، ولا الخذل من الخاذل. قيل له: إن الصحابة لم تقث عنه إلا لإعضال القضية وخبث الحال، قال: إن الصحابة لا ينبغي أن تعقد عن موعظة الإمام وتنبيهه وإعانته وتقويمهورده إلى الرشد، وإعادته إلى القصد، فإن جمح به المنكر وصد عن سواء السبيل فعليها خلعه والاستبدال به، والمصيبة فيها إن قعدت عن نصرته إن كان مظلوماً، أو حين لم تعظه ولم تخلعه حين كان مظنوناً، أعطم من المصيبة فيه، وإن كان لا تأويل فيما أتى ولا وجه لما ارتكب، فكيف ولا شيء مما قنم عليه إلا وفيه باب واسع فيه التأويل، وفقه صحيح المخرج بالاعتبار؟ وكان يقول في هذا المعنى كلاماً كثيراً يتصل بأصول السياسة وآدابها، وأحكام الشريعة وتأويلاتها، وعلى قدر ما تعين في ذلك أرويه وأكتبه إليك، على أن معرفة الحقائق في سيرة قديمة ذات أحوال مشتبهة من الصعب العسير.
ذكر أعرابي قوماً فقال: لا يؤمنون بغيب، ولا يعفون عن عيب.
قال ابن أم كلاب: الطويل
صفاً صلدة عند الندى ونعامة ... إذا الحرب أبدت عن نواجذها الثعل
قال ابن الأعرابي: كان أعرابي إذا أوى إلى فراشه قال: اللهم إني أكفر بك لما كفر به محمد، وأومن بكل ما آمن به محمد، ثم يضع رأسه.
يقال في أمثال العرب: نعم كلب في بؤس أهله.
قال ثعلب عن ابن الأعرابي، قال أبو البيداء: ما طلعت الجوزاء إلا جدت علينا السباع، قال: وقبل طلوعها هي ساكنة هادئة.
أنشد اليزيدي: الطويل
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بأسفل واد ليس فيه أراني
وهل آكلن ضباً بأسفل تلعة ... وعرفج أكماع المديد حواني
أقوم إلى وقت الصلاة وريحه ... بكفي لم أغسلها بشنان
وهل أشربن ماء الحفيرة شربة ... على عطش من سور أم أبان
وأنشد اليزيدي: الكامل
يوكون ذنباً للسلوب سنامها ... حتى يعض بساقها المأثور
يقول: سمنها دعا إلى نحرها فهو ذنبها.
وأنشد اليزيدي أيضاً: الطويل
وقومي وإن شارعتهم حومة الردى ... أمر جناباً من جناب القبائل
قيا ابن أبي لا تغترب إن غربتي ... سقتني بكأس الضيم ماء الحناظل
وما يرأب الصداع المهم لقومه ... من الناس إلا كامل وابن كامل

سمعت أبا النفيس الرياضي يقول: واشوقاه إلى قوم عقدوا قلوبهم بالله، وتابوا من ذنوبهم لوجه الله، وأحبوا إخوانهم في ذات الله، واعتمدوا في مصارفهم على الله، وطلبوا منازلهم عند الله، وتابوا قارئين لكتاب الله، وظلوا عاملين بأمر الله، ورضوا في السراء والضراء عن الله، فنالوا الراحة والمنى. أيها السامع، الدنيا قنطرة والجواز عليها سلامة، والآخرة دار القرار والوصول إليها كرامة، المفتون من اغتر بدنياه، والمغبون من فاته مولاه، متى تعون وأنتم لا تسمعون، ومتى تسمعون لا تحضرون، ومتى تحضرون وأنتم لا تزهدون، ومتى تزهدون وأنتم لا ترغبون، ومتى ترغبون وأنتم لا تعرفون، ومتى تعروفن وأنتم لا تؤمنون، ومتى تؤمنون وأنتم لا توقنون؟ مالي لا أرى شمائلكم تنثني شوقاً وارتياحاً، ما لي لا أرى عيونكم تدمع مساء وصباحاً، ما لي لا أرى ألوانكم مصفرة من البعادة، ما لي لا أرى قلوبكم تحن إلى الزهادة، ما لي لا أرى أعمالكم تخلص، ما لي لا أرى قلوبكم تحن إلى الزهادة، ما لي لا أرى أعمالكم تخلص، ما لي لا أرى آمالكم تنقص؟ أظنكم مطرودين من باب الله، أجدكم مخيبيب مما عند الله، لقد خاب من ليس له عند الله نصيب.
جحظة: الكامل المجزوء
لما حجبت بباب دا ... رك والدهور لها تشاكل
أشرعت سير حميرتي ... وعلمت أنك كنت تاكل
قال بنان الطفيلي: عصعص عنز خير من قدرباقلي.
لبعض الكلبيين: الطويل
فقالت بحق الله إلا أتيتنا ... إذا كان لون الليل شبه الطيالس
فجئت وما في النوم نقصان قدرها ... وقد نام عنها كل وال وحارس
فبتنا بليل طيب نستلذه ... جميعاً ولم أقلب بها كف لامس
قيل لأشعب: كيف ترى أهل دهرك؟ قال: يسألوننا عن أحاديث الملوك ويعطون عطاه العبيد.
قال بنان: صلاح الأمر في خصلة: الطعام لايؤكل إلا على شهوة.
وقيل له: أي الطعام أطيب؟ قال: ما اتسع صدر صاحبه.
قال بعض الأغبياء لصاحب رمان مقد: رمانة مبرسمة لرجل حامض.
قالبنان: كان ابن عمر إذا فرغ من طعامه قال:الحمد لله الذي رزقنا وجلعنا نشتهيه، فرب من يقدر عليه لا يشتهيه.
أنشد ثعلب: البسيط
راحوا ورحنا على آثارهم أصلاً ... محملين من الأحزان أوقارا
كأن أنفسنا لم ترتحل معنا ... أو سرن في أول الحي الذي سارا
قال زيد بن علي لرجل: إنما نفسك واحدة فإذا خسرتها فبم تعتاض عنها؟ قالت الفرس: أفعال الناس وأحوالهم تنقسم خمسة وعشرين قسماً: خمسة بالجد، وخمسة بالختيار، وخمسة بالعادة، وخمسة بالجوهر، وخمسة بالنسب؛ فاما التي بالجد فالحياة والأهل والولد والمال والمملكة؛ وأما التي بالاختيار فالطب والنجوم والفلسفة وافثم والأجر؛ وأما التي بالعادة فالأكل والنوم ولاجماع والمشي والأعمال الصعبة؛ وأما التي بالجوهر فالمحبة والعداوة والخلق والشقاء والاستقامة؛ وأما التي بالنسب فالعقل والدهر والمنطق والحسد والجمال.
أنشد: الكامل
وجزعت يوم فراقكم يا سادتي ... من ذا ليوم فراقكم لا يجزع
سمع الوشاة ببيننا فتغامزوا ... ليت الوشاة ببيننا لم يسمعوا
واهاً لقلبك والهوادح ترفع ... والعيس تحدى والمآقي تدمع
فتوقدت أنفاسنا وقلوبنا ... كل إلى كل يحن ويرجع
قال إسحاق الموصلي: أوصى بعض العرب ابنه فقال: يا نبي، كن كالضب ولا تكن كالجراد، فإن الضب يلتزم جحرة فلا يفارقه، وإن الجارد يسرح فيأكله كل شيء.
قال واعظ: احذر إلف قرين السوء، واذكر الموت، وأدم فيه الفكرة، فإن من لم يعتبر بما رأى لم يعتبر لما لم ير.
أنشد ابن الأعرابي: البسيط
كم لمت نفسي إذ أنفقت في سرف ... وكم أخذت فما اسطيع اقتصد
وأنشد: المنسرح
أصبح وجه الزمان قد قلبا ... وبان معروفه فقد ذهبا
ونكس الدهر فرق لمته ... فأصبح الدهر رأسه ذنبا
وأنشد: البسيط
خلائق المرء في الدنيا تزينه ... وما يزينه طول ولا عظم
قد يخلق المرء والمرآة معجبة ... وقد يسود الفتى في كشحه هضم

كاتب: يحتاج الكاتب البليغ إلى تجنب العويص، والطرق المستوعرة، والألفاظ المستكرهة، وتلزيق المتكلفين، وتغليق أصحاب الأهواء والمتكلمين.
قال أعرابي: أين أعز الظفر عند المنافسة من المنع عند غضب الدالة.
قال ابن السماك: الغرباء في الدنيا الذين يصلحون إذا افسد الناس، كأننا عما يراد بنا نيام.
العيش حلو الدر مر الفطام.
يغيب المرء في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد، وقد فارق الأحباب، وسكن التراب، وواجه الحساب، غني عنا خلف، وفقير إلى ما قدم.
قال بعض الخطباء: نحن أمراء الكلام، فينا وشجب أعراقه، ولنا تعطفت أعصانه، وعلينا تهدلت ثماره، فنجني منه ما احلولى وعذب، ونترك منه ما املولح وخبث.
قال خطيب آخر: لا مرحباً بقلوب متغاوية وآذن غير واعية، يحفزها الطمع التافه عن موعظة الواعظ، كالنعام المجفل يراع لأول ناعق، ولا يرتد لأول رادع.
قال أعرابي: الدنيا إعلان وإسرار، وإقبال وإدبار، وإحلاء وإمرار.
قال اليونانيون: إفراط الأنس مقدمة الجرأة.
قوة العزم بنيل البغية.
جهل اعلل يوث الحصر، أي الجهل بمعرفة المعاد يؤدي إلى الانقطاع.
تمكن الذعر يدبر الخير جهل القدر يعقب بطراً وخوراً.
أمنك عدوك بغيته.
عادة الصمت تورث عياً.
اللجاجة تسلب الرأي.
الخفة تسلب البهاء.
الحدة تورث الندم.
صديق عدوك حربك.
الضمير على الصمير شاهد عدل.
من ظفر بالجد التذ ومن ظفر به الجد تعب.
رب فوت درك.
من أبطره الغنى أذله الفقر.
من لان إذا خاف وعتا إذا أمر فلا ناصر له.
الحزم آلة الظفر.
ثمرة الأمن التفريط.
آلة الرئاسة سعة الصدر.
الإسراف في النفقة مقدمة ذل الفقر.
من اتسولى عليه الضجر رحلت عنه الراحة.
ضوع اللفظ يحلل الحقد.
ليس بحي من لم يوثق بعهده.
قال سقراط: إذا أرادت العامة منازل الخاصة حسدتها عليها وتمنت أمثالها.
هذه نوادر كلام اليونانيين، وقد رم في هذا الكتاب ويمر ما إذا جمعته وأفردته، زادك حسنه، وانثالت عليك فائدته؛ فخذ منها ومن غيرها كل حسن بهيج، نفعلك الله بالعلم، وبصرك بالهدى.
قال محمد بن سلام: مدح عبيد الله بن قيس الرقيات عبد الله بن جعفر فأسنى له العطية وأجرى عليه وعلى بغلة له، فقال لوكيل عبد الله: قد نفد علف البغلة، فعرف عبد الله ذلك فدعا بكيس فيه دنانير فجعل يعدها، فطرب ابن قيس على صوتها، فأعطاه ألف دينار وقال: أتراها تكفي لعلف بغلتك؟ قال الجماز: سندية دب إليها مولاها بالليل سراً من امرأته، فلما أصبحت كنست البيت وقالتك يا مولاي، أين أضع هذا التراب؟ فكشف الرجل عن أيره وقال: على هذا يا ستي.
أدخل رجل قحبة في شهر رمضان، فلما دفع فيها وأراد ان يقبلها حولت وجهها، فقال لها: لم لا تقبليني؟ فقالت: بلغني أن القبلة تفطر الصائم.
نظرت امرأة إلى رجل قد بال وهو يدلك أيره في الحائط فقالت: يا عمي ارفق بسلعة عزيزي.
سمعت امرأة مؤذناً يؤذن قبل طلوع الشمس ويقول: الصلاة خير من النوم، فقالت: النوم خير من هذه الصلاة.
أدخل رجل قصير أيره على امرأة طويلة، فكان إذا قبلها خرج أيره من بطنها، وإذا أدخل عليها قصر عن تقبيلها، فقالت له: حبيبي، لا يستوي لك عملين في عمل، إذا ذهبت تسوي دروند الباب خرج المفتاح من الغلق.
قال مزبد لامرأته: ماالذي يعجب النساء من الرجال؟ قالت: شدة الرهز وقلة العجز.
من المروءة مجانية النساء لقلة وفائهن، وضعف عقولهن، وتلون أخلاقهن، وقذر أحوالهن.
أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرذفاً أبا بكر، فكان الرجل يلقى أبا بكر فيقول: من هذا بين يديك؟ فيقول: يهديني السبيل، يعني الحق.
أطال قوم العيادة عند بكر بن عبد الله فقال: المريض يعاد، والصحيح يزار.
قدم معاذ بن جبل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبو بكر: ارفع حسابك، فقال: أحسابان: حساب من الله وحساب منكم؟ والله لا علمت لكم عملاً أبداً.
شهد رجل عند سوار فقال له: ما صناعتك؟ قال: مؤدب قال: فإنا لا نجيز شهادتك، قال: ولم؟ قال: لأنك تأخذ على تعليم القرآن أجرة، قال: وأنت تأخذ على القضاء بين المسلمين أجرة، قال: إني أكرهت على القضاء، قال: أفأكرهت على أخذ الرزق؟ قال: هلم شهادتك، وأجازها.

شهد قوم عند ابن شبرمة على قراح فيه نخل فسألهم: كم في القراح من نخل؟ قالوا: لا نعلم، فرد شهادتهم، فقال له رجل منهم: أنت تقضي في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة فكم فيه من أسطوانة؟ فأجازهم.
دق رجل على عمرو بن عبيد الباب فقال: من هذا؟ قال: أنا، قال: لست أعرف في إخواننا أحداً اسمه أنا.
عمل سهل بن هارون كتاباً يمدح فيه البخل وأهداه إلى الحسن بن سهل، فوقع على ظهره: قد جعلنا ثوابك عليه ما أمرت به فيه.
قيل لعبد الله بن جعفر وهو يماكس في درهم: تجود بما تجود وتماكس في هذا؟ فقال: ذاك ما لي أجود به، وهذا عقلي بخلت به.
قيل لخالد بن صفوان: لم لا تنفق مالك فإنه عريض؟ قال: الدهر أعرض منه.
لبس ابن أبي دواد طيلساناً جديداً، فزال عن منكبه فقال: ما أحسن أن ألبس الجديد، فقال له أبو العلاء: إن كنت لا تحسن أن تلبسه فإنك تحسن أن تلبسه؛ فوهبه له.
قال معاوية لابن عباس: لم لا تشير على ابن عمك - يعغني علياً عليه السلام - بكذا وكذا؟ قال ابن عباس: إن ابن عمي يرى ما يرى، وليس هو ممن يرى له، فيرى ما يرى.
نظر إلى كثير راكباً ومحمد بن علي يمشي، فقيل له: أتركب وأبو جعفر يمشي؟ فقال: هو أمرني بالركوب، فأنا بطاعته في الركوب أفضل مني في عصيانه بالمشي.
دخل الشعبي الحمام وفيه رجل حاسر، فغمض عينيه، فقال له الرجل: يا شيخ، متى ذهبت عينك؟ فقال: مذ أبدى الله عورتك.
ركب كسرى والموبذ يسامره، فراثت بغلته فعلم أن الملك قد علم فقال كسرى: يا موبذ، ما الذي يستدل به على حمق الرجل؟ قالك أن يعلف دابته في الليلة التي يركب في صبيحتها مع الملك وهو يريد أن يسايره، قال: لهذه الفطنة قدمك آبائي.
ساح أعرابي لعبد الله بن جعفر: يا أبا الفضل، فقيل له: ليست بكنيته، قال: إن لم تكن فإنها صفته.
نشاب وحمد قالا، قال عبد الله بن عمر، إن إبليس قال: أي رب، إنك كنت أخرجتني من الجنة من أجل آدم، وإني لا أسطيعه إلا بتسليطك، قال: فا،ت مسلط، قال: أي رب زدني، قال: لا يولد له ولد إلا ولد لك مثله، قال: أي رب زدني، قال: صدورهم مساكن لكن وتجرون منهم مجرى الدم، قال: أي رب زدني، قال: " وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما بعدهم الشيطان إلا عروراً " الإسراء:64.
قال آدم: أي رب، إنك قد سلطت علي إبليس، وإني لا أمتنع عليه إلا بك، قال: لا يولد لك ولداص إلا وكلت به من يحفظه من قرناء السوء، قال: أي رب زدني، قال: الحسنة عشر أمثالها وأزيد والسيئة واحدة قال. أي رب زدني، قال باب التوبة مفتوح ما دام الروح في الجسد، قال: أي رب زدني، قال: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقطنوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً " الزمر: 35.
قال مطرف بن عبد الله: لو كانت الدنيا لي فأخذها الله مني بشربة ماء يسقيني يوم القيامة كان قد أعطاني بها ثمناً.
قال ابن شهاب، قال أبو حازم الأعرج: إن العلماء كانوا فيما مضى من الزمان يبلغون بعلمهم ما لا يبلغ أهل الدنيا بدنياهم، وأهل الدنيا تبع لأهل العلم على علمهم، حتى جاء هذا الزمان فصار أهل العلم اليوم تبعاً لأهل الدنياعلى دنايهم، لاتباع أهل العلم غياهم، وزهدوا في العلم لإضاعته عندهم.
هذا - أيدك الله - آخر الجزء الثالث، وقد حوى من فقر البلغاء، ونوادر الأدباء، ومحاسن النساك والحكماء، ما أسال الله أن ينفعك به، والرابع يتلوه على رسمه؛ فوسع بالك للفهم والتفهم، والبيان والتبين، فإن مزيتك على جميع ما عداك إنما هي بهذه الموهبة الشريفة، والنعم السابغة، ومتى قضيت حق الشكر عليها، امتريت الزيادة إليها، وكنت محفوظاً برعاية القلب، مستوجباً لحميد العقبى، مرقى إلى الدرجة العليا، إن شاء الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
ربي أعن بمنك
الجزء الرابعاللهم، عليك أتوكل وبك أستعين، وفيك أوالي، وإليك أنتسب، ومنك أفرق، ومعك أستأنس، ولك أمجد، وإياك أسأل لساناً سمحاً بالصدق، وصدراً قد ملئ بالحق، وأملاً منقطعاً عن الخلق، وحالاً مكنونها يبوئ الجنة، وظاهرها يحقق النعمة والمنة، وعاقبة تنسي ما سلف، وتتصل بما يتمنىن ويتوكف.

وأسألك اللهم كبداً رجوفاً خوفاً منك، ودمعاً نطوفاً شوقاً إليك، ونفساً عزوفاً إذعاناً لك، وسراً ناقعاً ببرد الإيمان بك، ونهاراً مشتملاً على ما كسب مرضاتك، وليلاً حاوياً لما أزلف لديك.
أشكو إليك اللهم تلهفي على ما يفوتني من الدنيا، وانقيادس في طاعة الهوى، جاهلاً بحقك، ساهياً عن واجبك، ناسياً لما تكرر من وعظك وإرشادك، وبيانك وتنبيهك، حتى كأن حلاوة وعدك لم تلج أذني، ولم تباشر فؤادي، وحتى كأن مرارة عتابك ولائمتك لم تهتك حجابي، ولم تعرض كل أوصابي. إلهي، إليك المفر من دار منهومها لا يشبع، ومسهومها لا ينقع، وطالبها لا يرتع، وواجدها لا يقنع، فالعيش عندك رقيق، والأمل فيك تحقيق.
اللهم كما ابتليت بحكمتك الخفية التي أشكلت على العقول، وحارت معها البصائر، فعاف برحمتك اللطيفة التي تطاولت إليها الأعناق، وتشوفت نحوها السرائر. اللهم واجعل طريقنا إليك أمماً، ونجنا من الشيطان الرجيم، وخذ معنا بالفضل الذي هو إليك منسوب، وعنك مطلوب، وافطم نفوسنا من رضاع الدنيا، والطف بنا بما أنت له أهل، إنك على كل شيء قدير.
اللهم قدنا بأزمة التوحيد إلى محاضر طاعتك، واخلطنا بزمرة المخلصين لذكرك، واجعل إجابتك لنا من فضل ما تفضل بكرم عفوك، ولا تجعل خيبتنا عليك من قبل جهلنا بقدرك، وإضرابنا عن أمرك، فلا سائل أفقر منا، ولا مسؤول أجود منك. اللهم احجز بيننا وبين كل ما دل على غيرك بلسانك، ودعا إلى سواك ببرهانك. اللهم انقلنا عن مواطن العجز مرقياً إلى شرفات العز، فقد استحوذ الشيطان، وخبثت النفس، وساءت العادة، وكثر الصادون عنك، وقل الداعون إليك، وذهب الراعون لأمرك، وفقد الواقفون عند حدودك، وخلت ديار الحق من سكانها، وبيع دينك بيع الخلق، واستخزئ بناصر مجدك، وأقصي المتوسل بك.
اللهم فأعد نضارة دينك، وأفض بين خلقك بركات إحسانك، وامدد عليهم ظل توفيقك، واقمع ذوي الاعتراض عليك، واخسف بالمقتحمين في دقائق غيبك، واهتك أستار الهاتكين لستر دينك، والقارعين أبواب سرك، والقائسين بينك وبين خلقك.
أسألك اللهم أن تخصني بإلهام أقتبس الحق منه، وتوفيق يصحبني وأصحبه، ولطف لا يغيب عني ولا اإيب عنه، حتى أقول إذا قلت لوجهك، وأسكت إذا سكت بإذنك، وأسأل إذا سألت بأمرك، وأبين إذا بينت بحجتك، وأقرب إذا قربت يتأنيسك، وأبعد إذا بعدت بإجلالك، وأعبد إذا عبدت مخلصاً لك، وأموت إذا مت منتقلاً غليك. اللهم فلا تكلني إلى غيرك، ولا تؤيسنس من خيرك.
هذا - أبقاك الله - الجزء الرابع، وبالله ألوذ من شيء آتيه مجتهداً في نيل مدحك، ثم أستحق به غاية خجرك. وإنما رققت هذه الرقة لأن هذا الجزء قد استهدفت فيه لثلب الثالب، وعتب العاتب، لما فيه من النوادر الملهية، والألفاظ السخيفة، والمعاني المهجورة، وإن كان في أثناء ذلك وخلاله، من الحكم البالغة، والحجج الدامغة، والألفاظ الحرة، والمرامي البعيدة، ما يلزمك معه أن تهب إساءتي لإحساني، وتتغمد خطائي لصوابي؛ ولئن كانت السيئات يحبطن الحسنات، إن الحسنات يذهبن السيئات. فهذا عذري وهذاك عتبك، ومتى تجاذبنا أهدابهما، وتنازعنا أسبابهما، كان لنا مقال ومجال، لتصرف التأويل بين دعواي وبينتك، واعتراض الاحتمال عن شبهتي وحجتك. على أني لو رأيت للبيان سوقاً، وللعلم أهلاً، وللحكمة طلاباً، وللأدب محبين، وللعلم مقتبسين، أنفت من هذا الاعتذار، وانصرفت عن هذا التزوير، لأني ما جمعت لك في هذا الكتاب إلا ما اجتناه من عقله أكبر من عقلي، واختياره أبلغ من اختياري، ونقده أحسن من نقدي، وذيله في التجارب أطول من ذيلي، وإنما لي ما تلقطته من أقوالهم بعد التحرير والتقرير، وبين التكرير والتفسير، ولم أنفرد فيه إلا برسالة أشرت بها على تقصيري عند من إن كان أكثر أدباً مني فإنه يوفيني حقي، ثم يأخذ بيدي متفضلاً علي.
وإنما مددت جناح هذا الفصل لأنني سمعت بعض من ليس له من العلم إلا الدعوى يقول: وما في جمع ملح الناس ونوادرهم من علامة الفضل، ودلالة الأدب، وصواب الاختيار حتى يقال: ما قصر أبو حيان في كتاب البصائر: نقد واختار، ونقل وامتار، واعترض وطالب، ودعا ورقق، واعتذر وقرب، واحتج وانتصر، ومن هذا الذي يعجز عن مثل هذا، بل من هذا الذي لا يزيد عليه ولا يأتي بخير منه؟

واعلم - فديتك - أن هذا الكلام لا يولده إلا حسد بعد معرفة بحسن العيب، أو جهل قبل استشفاف الغيب، وأي ذلك كان، فما لي في ورده أرب، ولا لي على فاعله سلطان. بلى، أسأل المنصفين من الأدباء، والمبقين على الإخوان، أن يذكروني بصواب ما أصبت فيه منه قبل أن يذكروني بخطأ ما أخطأت فيه. ولعلهم إذا افتحوا هذا الباب، وتتبعوا هذه المعاملة، أن يشغلهم الأول عن الثاني، ويحملهم على حسن الضمير، وجميل القول، ولسان الصدق، ومحمود الثناء؛ على أن الخصم متى كان الهوى مركبه، والعناد مطلبه، فلن تفلح معه، ولو خرجت اليد بيضاء وانقلبت العصا حية؛ وإذا كنت عندك أيها القارئ المنصف، والناظر المتعرف على ما يحسن بك، فما أبالي أن يفوتني ما أحبه لنفسي، لأن هواي يخدم هواك، وطاعتي تطلب رضاك، ومن واصل حبيبه أين يجد العاذل فيه موقعاً؟ وبعد، فاعلم - أي على رغم الحاسد - أن هذا الجزء قد اجتمع على محاسن تهليك عن السماء إذا ازدانت بمصابيحها، وعن الأرض إذا اقتانت بقيصومها وشيحها، فإنها مواريث عقل ممدود الشعاع على الأولين والآخرين،والعقل به يصح الصحيح ويسقم السقيم، وبمفارقته يهلك الهالك ويجور السائر، فإن كان قد امتزج بهذه المحاسن ما خالف منوال العقل، ونسيج الحق، فذاك لتتبين به حسن الحسن، وقد قيل: والشيء يظهر حسنه الضد؛ وهذا كله، وإن كان منظوماً في سلك واحد، فإن العاقل يميز الطيب من الخبيث، والحق من الباطل، والهزيل من الجد، ويتحلى بالأحسن، ويتخلى من الأقبح، ولو لم يكن جمهوره معروضاً عليه، ولا جمعه مسوقاً إليه، لخيف أن يكل مع أحد الضربين، ويثقل مع أحد الحزبين، فقد لوطف هذا الإنسان وهو لا يدري، وقد يرضى المرء وهو كاره، ويصنع للإنسان وهو عائب، وهل لرضى أنشأه التجني مدى يبلغ، أو غاية تدرك، أو آخر يعلم؟ دع - أيدك الله - هذا كله، فلو هديت لرشدي ما أطعت الهوى وخضت في هذه الخطبة التي لا عائدة لها ولا فائدة فيها، وخذ فيما أخصك به مرشداً، وألقيه إليك ناصحاً، وأباثك به متعللاً: اعلم أنا في دهر الإحسان فيه من الإنسان زلة، والجميل غريب، والخير بدعة، والشفقة ملق، والدعاء حيلة، والثناء خداع، والأدب مسألة، والعلم شبكة، والدين تلبيس، والإخلاص رياء، والحكمة سفه، والقول هذر، والإطراق ترقب، والسكوت نفاق، والبذل مكافأة، والمنع حزم، والإنفاق تبذير. فانج بنفسك إلى الله الذي يحرسك وأنت حالم، ويستأنيك وانت ظالم، ويدعوك إلى حظك وأنت شامس، ويعطفك على مصلحتك وأنت حائس، ويطلف بك وأنت عائف، ويؤمنك وأنت خائف، ويهديك وقد ضللت، وينعضك وقد زللت، ويقويك وقد كللت، وينشطك وقد مللت، أفيجحد من هذا إحسانه، أم يجفى من هذا نظره، أم يهرب عمن هذا عطاؤه، أم يستزاد من هذا ابتداؤه، أم تعشق الدنيا جهلاً بمن هذا معروفة؟ لا والله، ولكن لج بهذا الإنسان طغيانه، وأرخة في يده عنانه، فجرى طلق الجموح، ثم أن أنين المجروح، حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً.
فخذ أيها السامع حذرك، واعلم أن ربك بالمرصاد، وأنت منه على ميعاد، واعلم أن أخذه أليم شديد، وإنما يملي لك لتزداد إثماً، ويستدرجك من حيث لا تعلم. وإذا ولج هذا الكلام سمعك، ووقر في صدرك، وتغلغل في فؤادك، وبلغ حاشية روحك، فاندب نفسك، وابك أيامك، وتلهف على ماضي عمرك، وكفكف عبرات عينك، واخل بشجوك وأشجانك، وأبك على تفريطك، فإذا قضيت من ذلك كله وطرك، فعسى الله أن يراك فيعذرك.
ثم ابدأ قبل كل دقيقة وجليلة بطي الأمل وتقصيره، واقمع غربة بحلول الأجل وتكديره، واعلم أنك متى ظفرت من أملك بالقصور، انتظم أمرك، ورجي خيرك، وكان الله كافلك وناصرك؛ ثم ثن تقصير الأمل ببعض الدنيا، ومقت ما زينها في عينك، وحلاها في نفسك، وخبل عليها سلطان عقلك، وغض دونها طرف يقينك؛ ثم ثلث بهجران المتشاغلين عن مهلك، والمزينين لشهوتك،والمتناولين في مرادك، فإن الناس لم يؤتوا في دنياهم إلا من الناس، إن الناس شر من الأفاعي والجرارات والعقارب والسباع. ومتى أحببت أن تعرف حقيقة ما أقول، عرفت عن كثب بلا تعب. ولقد ذكرت في هذا المكان مسألة جرت بحضرة فاضل حضرته فوعيتها، ولعلها تقتضي مكانها من هذا الموضع، فتعلم أن السلامة من السباع الضارية والأفاعي العادية أكثر:

رأيت رجلاً سأل أبا عبد الله الطبري عن الحكمة في خلق الله تعالى الحية والعقرب والأسد، مع ما فيها من الضرر الظاهر والأذى القاهر، فقال أبو عبد الله: حدثني أيها الرجل مذ كم لسعتك عقرب أو لدغتك حية أو افترسك أسد؟ قال: ما أذكر شيئاً من هذا مذ كنت، قال: فمتى عهدك بمن عابك واغتابك، وسبعك وكتم محسانك، ونشر إساءتك، وسعى في هلاكك، وعزم في تلفك، وبذل على فنائك، وسهر في عطبك؟ قال: أقرب عهد، قال: فإن كنت عرفت الحكمة هناك فسقها إلى مسألتك، وإن كنت جهلتها هناك وسلمتها لخالقك فاجهلها هنا وسلم لخالقك. ثم اقبل على السائل فقال له: الدين النصيحة؛ إياك أن تقول فيما بث الله في العالم، وخزنه في هذا الفلك، وطواه من هذا الخلق: لم وكيف؟ فإنك توكل فيه إلى نفسك، وتعجز عن حقيقة ما استأثر به العالم بك؛ فسكت الرجل.
أتيت بهذا الحديث توكيداً لما سلف في ضمن الكتاب، فانتبه لما أوعيتك وأوحيت إليك؛ نعم، واعلم أن الرابعة فيها تمام الوصية: الزم العلم على هدي الصالحين، فلن يخليك الله من يده، ولا أخلاك من رفده إن شاء الله.
قال سيبويه: زعم الخليل أن الذين قالوا: الحسن والحارث والعباس إنما أرادوا أن يجعلوا هو الشيء بعينه، ولم يجعلوه سمي به، ولكنهم جعلوه كأنه وصف له غلب عليه، ومن قال: حارث وعباس فهو يجريه مجرى زيد، وأما ما لزمته الألف واللام ولم يسقطا منه فإنما جعل الشيء الذي يلزمه ما يلزم كل واحد من أمته؛ فأما الدبران والسماك والعيوق وهذا النحو فإنما يلزم الألف واللام من قبل أنه عندهم هو الشيء بعينه. فإن قال قائل: أيقال لكل شيء صار خلف شيء دبران، ولكل شيء عاق عن شيء عيوق، ولكل شيء سمك وارتفع سماك؟ فإنك قائل له: لا، ولكن هذا بمزلة العدل والعديل، فالعديل ما عادلك من الناس، والعدل لا يكون إلا للمتاع وغيره، ولكنهم فرقوا بين البناءين ليفصلوا بين المتاع وغيره، ومثل ذلك: بناء حصين وامرأة حصان، فرقوا بينالبناء والمرأة، وإنما أرادوا أن يخبروا أن البناء محرز لم لجأ إليه، وأن المرأة محرزة لفرجها. ومثله الرزين من الحجارة والحديد، والمرأة رزان، فرقوا بين اما يحمل وبين ما ثقل في مجلسه فلم يخف، وهذا أكثر من أن أصفه لك في كلام العرب. وقد يكون الأسمان مشتقين من شيء والمعنى فيهما واحد، وبناؤهما مختلف، فيكون أحد البنائين مختصاً بشيء دون شيء ليفرق بينهما، فكذلك هذه النجوم اختصت بهذه الأسماء وكل شيء جاء قد لزمه الألف واللام فهو بهذه المنزلة، وإن كان عربياً نعرفه ولا نعرف الذي اشتق منه؛ وإنما قلنا ذلك لأنا جهلنا ما علم غيرنا، أو يكون الآخر لم يصل إليه علم وصل إلى الأول المسمي؛ وبمنزلة هذه النجوم الأربعاء والثلاثاء، وإنما يريد الرابع والثالث، ولكها أخبارها كأخبار زيدوعمرو.
لما نزل بهشام بن عبد الملك الموت جعل ولده يبكون حوله فقال: جاد هشام عليكم بالدنيا وجدتم عليه بالبكاء، وترك لكم ما جمع وتركتم عليه ما اكتسب، ما أعظم منقلب هشام إن لم يغفر الله له!! قال يحيى بن اليمان؟ رأيت رجلاً بات أسود الرأس واللحية شاباً ملء العين، فنام ليلة فرأى في منامه الناس قد حشروا، وإذا بنهر من لهب النار، وإذا بجسر يجوز الناس عليه يدعون بأسمائهم،فإذا نودي الرجل أجاب فنجا أو هلك؛ قال: فدعي باسمي فدخلت في الجسر، فإذا كحد السيف يمور بي يميناً وشمالاً، قالك فأصبحت أبيض الرأس واللحية.
قال بعض السلف: الحسن الخلق قريب عند البعيد، والسيء الخلق بعيد عند أهله.
قال بزرجمهر: في البطيخ عشر خصال: هو ريحان، وتحية، وفاكهة، وأدم مقنع، وخبيص مهيأ، ودواء للمثانة، وغسل للغمر والزهومة، ومذهب لرائحة النورة عند الاستحمام، وكوز لمن عسر عليه آله الشراب، وهاضوم للثقيل من الطعام.

قال عبد الرحمن بن سمرة: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت البارحة عجباً، رأيت رجلاً من أمتي أتاه ملك الموت عليه السلام ليقبض روحه فجاءه بره بوالديه فمنعه منه؛ ورأيت رجلاً من أمتي قد سلط عليه عذاب القبر فجاء ضوءه فمنعه منه؛ ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين، فجاءه ذكر الله تعالى فخلصه منهم؛ ورأيت رجلاً من أمتي يلهث عطشاً، كلما ورد حوضاً منع منه، فجاءه صيام رمضان فأرواه منه؛ ورأيت رجلاً من أمتي، والنبيوت حلقة حلقة، كلما أتى حلقة طرد، فجاءه اغتساله من الجنابة فأخذ بيده وأجلسه إلى جنبي؛ ورأيت رجلاً من أمتي بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة وهو يتسكع في الظلمة، فجاءه حجه وعمرته فأخرجاه من الظلمة وأدخلاه النور؛ ورأيت رجلاً من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه، فجاءت صلة الرحم فقالت: يا معشر المؤمنين كلموه، كان واصلاً لرحمه، فكلمه المؤمنون وصافحوه فكان معهم؛ ورأيترجلاً من أمتي يتقي النار وشررها بيده ووجهه، فجاءته صدقته فكانت ظللاً على رأسه، وستراً على وجهه؛ ورأيت رجلاً من أمتي قد أخذته الزبانية من مكان، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فخلصانه من بينهم، وجعلاه مع ملائكة الرحمن؛ ورأيت رجلاً من أمتي جاثياً على ركبتيه، بينه وبين الله تعالى حجاب، فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده وأدخله على الله عز وجل؛ ورأيت رجلاً من أمتي قد هوت صحيفته قبل شماله، فجاءه خوفه من الله عز وجل فأخذ صحيفته فجعلها في يمينه؛ ورأيت رجلاً من أمتي قد خفت مزازينه، فجاء القرآن فثقل موازيته؛ ورأيت رجلاً من أمتي قائماً على شفير جهنم، فجاءه رجاء الله فاستنقذه؛ ورأيت رجلاً من أمتي قائماً على الصراط يرعد كما ترعد السعفة في يوم ريح عاصف، فجاءه حسن ظنه بالله عز وجل فسكنت رعدته ومضى على الصراط؛ ورأيت رجلاً من أمتي يزحف أحياناً ويحبو أحياناً ويتعلق أحياناً، فجاءت صلاتهفأقامته على قدميه ومضى على الصراط؛ ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة، كلما انتهى إلى باب منها أغلق دونه، فجاءت الشهادة - شهادة أن لا إله إلا الله - صادقاً من نفسه ففتحت له الأبواب فدخل فيها.
هكذا أصبت هذا الحديث والثقة رواه لي، وما أحي لأحد أن يسرع لرد مثل هذا، فإن العقل لا يأباه والتأويل لا يعجز عنه، وهو محمول على المثل، وفي المثل إيضاح المعاني في النفس، وأفشارة إليها بقوة الحدس، ومتى أحب السامع أن ينتفع به لم يضره وهي الإسناد وتهمة الرواة، وإنما عليك قبول ما لا ينتفي من العقل، ويستمر على حكم العدل، ويلائم أساس الشريعة ومبنى الدين. ألهمنا الله تعالى الحق، واستعملنا بالصالح من العلم، إنه قدير منان.
شاعر هجا ابن الزيات فقال: المتقارب
ألم تر كيف استدار الفلك ... فبعض تعالى وبعض هلك
فأضحى نجاح به عالياً ... وأخزى الإله ابن عبد الملك
بكى الزيت والرطل حزناً له ... وكانا يتيهان لما ملك
يقال إن معلم أنو شروان ضربه يوماً بلا ذنب، وكان يأخذه بأن يمسك الثلج في يده حتى تكاد كفه تسقط، فآلى أنو شروان إن ملك ليقتلنه، فلما ملك هرب مؤدبه، فجعل له الأمان، فأتاه فقال: لم ضربتين ظلماً؟ قالك لتعرف حقد المظلوم إذا ظلمته، قال: أحسنت، فالثلج الذي كنت تعذبني به؟ قال: ستعرف ذلك. فغزا أنوشروان بلنجر فأصبحوا في غداة باردة فلم يقدر أصحابه على توتير قسيهم، فوترها لهم وقاتل وظهر، فعرف ما أراد مؤدبه.

قال كشاجم في كتاب أدب النديم: كان ينادم إساحاق بن إبراهيم جوهري من جلة التجار ووجوههم، حتى خص به ولطفت منزلته عنده، ولم يكن احد يتجاوزه، وكانت فيه آلة ومعه أدب يستحق به الحظوة؛ قالك وإنه لمعه ذات يوم والكأس محثوثة والستارة منصوبة، إذ وصف للمتوكل فص كبير جليل القدر منقطع الشبيه كان قد وقع إلى هذا الجوهري، فورد توقيعه إل إسحاق بإحضار الرجل ومطالبته بالفص ومناظرته بالثمن. فلما نظر في التوقيع دعا بالجلادين والسياط، وأمر بتجريد الرجل فقال: أيها الأمير ما قصتي؟ فلم يذكر شيئاً حتى نصبه بين العقابين، فكاد السوط أن يأخذه، فلما علم انه قد رهب، ولحقه من الرعب والهيبة ما أنساه الدالة والندام قال له: فص عندك من حاله وقصته كيت وكيت، قال: أحضره، فليأمر الأمير بإطلاقي حتى آتي به، قال: لا سبيل إلى ذلك، فدعا بداوة وقرطاس وكتب هو في احال إلى ثقته في منزله، وتقدم إليه بالتوجيه بالفص، فأحضره، وجعله إسحاق في منديل، وختم عليه وانفذهخ، ثم قام بنفسه إلى الرجل فتولى حل وثاقه بيده واعتنقه، وخلع عليه من فاخر كسوته وقالك لم يكن يجب في حق السلطان إلا ما رأيت، ولو لم أفعل ما فعلته لما أمنت دالتك، ولا كنت أراك تخرجمثل هذه العقدة النفسية، وكان يلحقني من إنكار أمير المؤمنين ما يفسد حالي وحالك، فسكن الرجل إلى عذره وقبله، وجرى معه على أجمل عادته.
قال العتبي عن ابنعيينة: كثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل العيون، ودواء العيون ترك مسها.
قال عبد المهيمن بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال: كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما حلتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزين بهما في يوم عيد أو وفد إن قدم عليه: أبو بكر عن يمينه، وعمر عن شماله، رضي الله عنهما.
قال أبو حازم، قيل لعلي بن الحسين رضي الله عنهما: كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كمنزلتهما اليوم وهما ضجيعاه.
قال أبو العيناء: حدثني حجاج بن نصير قال: سمعت إبراهيم بن عبد الله بن حسن في يوم عيد يخطب فقال: اللهم إن هذا يوم أنت ذاكر فيه آباء بأبناء بآباء، فاذكرنا عندك بمحمد صلى الله عليه وسلم.
سمعت الناشئ سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وقد قيل له: ما تقول فيما ترويه الناصبة من قول علي رضي الله عنه أنه قال على منبر الكوفة: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، فقال: الخبر صحيح، فاشرأب الناس إليه،وتريثت أنا أيضاً متعجباً، فقال الناس: زد ي البيان، قال: نعم، إنما أشار إلى هذه الأمة الضالة الفاسقة المرتدة، وكان أبو بكر خير هؤلاء ولم يكن خير من عرفتم، فاستحسن أصحابه هذا التأويل وهشوا له.
لعن الله من سب أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عمرو بن مسعدة لابن سماعة التيمي: صف لي أصحابك، قال: ولا تغضب؟ قال: لا، قالك كانوا يغارون على أفخوان كما تغارون على القيان.
وقال أبو العيناء، حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن سليم عن أبه عن جده قال: قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام ومعه عبد الرحمن ابنعوف أو عبيدة وهما على حمارتين قريبتين من الأرض، فتلقاهما معاوية في كبكبة حسناء، فثنى وركه فنزل وسلم بالخلافة، فلم يرد عليه، فقال عبد الرحمن أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أحضرت الفتى فلو كلمته، قالك إنك لصاحب الجيش الذي الذي يقدمك؟ قالك نعم، قالك مع شدة احتجابك ووقوف ذوي الحوائج ببابك؟ قال: أجل، قال: ولم ويلك؟ قال: لأنا ببلاد يكثر فيها جواسيس العدو، فإن لم نتخذ العدو والعديد استخف بنا وهجم على عورتنا، وأنا بعد عاملك فإن وقفتني وقفت، وإن استزدتنس زدت، وإن استنقصتني نقصت، قال: والله لئن كنت كاذباً إنه لرأي أريب، ولئن كنت صادقاً إنه لتدبير مصيب؛ ما سألتك عن شيء قط إلا تركتني في أضيق من رواجب الفرس؛ لا آمرك ولاأنهاك. فلما انصرف قال أبو عبيدة أو عبد الرحمن: لقد أحسن الفتى في إصداره إصدار ما أوردت عليه، قال: لحسن إصداره وإيراده جشمناه.
قال العتبي: سمعت أبي يقول: سئل شريك عن النبيذ، فقال: اشرب منه ما وافقك، ودع ما جنى عليك، وذمه إذا ذم الناس، ولا تنصره فبئس المنصور والله.
قال ابو العيناء، حدثنا محمد بن عائشة عن أبيه عن ابن عباس أنه قال: كانت ضربات علي مبتكرات ليس فيهن عوان.

وقال العتيبي: تحدث شريك بن عبد الله يوماص في دار المهدي بفضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأكثر، فلما قام قال له رجل من الكوفيين: يا أبا عبد الله، جئت اليوم بالدر بهذه الأحاديث، قال: وكيف لا أحدث عن رجل كان يشبه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ فقال الكوفي: عجبت أن تأتي بخير.
قال كشاجم: كان عيسى بن جعفر الهاشمي يطيب نفسه بشيء قبل مواكلة الرشيد، فكان الرشيد يلسه عليه ويذمه منه ويبكته به، فمن ذلك أنه قال في بعض العشيات لجماعة من جلسائه: قد اشتهيت أن آكل في صبحة غد هريسة، وتقدمت باتخاذها وألا يختلط بها غيرها، فاعلموا على البكور، وأجمواشهواتكم ووفروها على الهريسة. وكان بعضهم ملازماً لعيسى خاصاً به، فغلس إلى منزله ليركب معه، ولم يكن يحجب، فتنكر له الحاجب ورام محاجزته عن الدخول، فدفع في صدره ودخل، فألفى عيسى جالساً بن يديه بقية من شمعة قد ملأ سيلانها الطست، وطبق كبير عليه طيفوريتان عظيمتان إحجاهما مملوءة من الهريسة وفي الأخرى ثلاث غضارات صينية فيها مري ودار صيني وفلفل ورقاق ملطف لا يفضل عن الكف، وهو يأخذ الرقاقة فيملؤها ثم يمرها على تلك الغضارات ويزدردها؛ قال، فقلت له: أنسيت - أعزك الله - ما اتفقنا عليهعند أمير المؤمنين؟! قال: لا تعجب فهذه الطيفورية الثالثة؛ فأمسكت يده وجذبت الطبق فاخرته، وأجبرته على غسل يده، وركبنا فوافينا الرشيد على حصيرة الصلاة حين انثنى من صلاته وهو يستتم تسبيحه، وروائح الهريسة قد ملأت الدار، فقال: لقد أبطأتما، ودعا بالطعام فأحضر، فاندفع عيسى يأكل كأنه لم يأكل شيئاً منذ أيام، فلم أتمالكأن ضحكت، فقال أمير المؤمنين: مم ضحكت؟ فقلت: لخبر عيسى، فقال: هاته، فقلت: كان منأمره كيت وكيت، قال: أتراني أشك في أنه يفعل ذلك؟ لو لم يأكل قبلنا لأكلني وأكلك.
وقال كشاجم: وأخبرت عن قاضيين ظريفين من آل حماد، وكانا متجاورين، أن أحدهما وجه إلى الآخر في غداة باردة يدعوه إلى أكل الهريسة ويقول: إنها قد أحكمت ف التنور منالليل، فرد الرسول وقال: قل له قد عققتني ولم ترد بري لأن حكم الهريسة ان يدعى إليها من الليل، فرجع الرسول فقال: ارجع فقل له: قد ذهب عليك الصواب، ليس كل الهوايس يسلم ويجي طيباً فلم أدعك إلا بعد أن تبينت طيبها وصلاحها، فنهض إليه.
وقال كشاجم: وحدثني رجل م أقاربي أنه كان يقوم في مجلس الواثق في رسم نديم، وكان صغير السن دوين المراهق، فلم يكن لذلك يلحق فيالجلوس بمراتب ذوي الأسنان، وكان ذكياً مأذوناً له في الإفاضة مع الجلساء في كل شأن يخوضون فيه، ويتكلم بك لما سنح ويعتلج في صدره من مثل سائر وجواب مسرع، فقال الواثق يوماً - وكان من شدة الشهوة للطعام والنهم على الحالة المشهورة المتعالمة - : ما يختار من النقل؟ فبعض قال: نبات السكر، وبعض قال: رمان، وبعض قال: تفاح، وبعض قال: قصب السكر ينضح بماء الورد ويمص، وقال آخر وقد أخرجته الفلسفة إلى البغض: ملح نفطي، وقال آخر: صبر،تحققاً بمذاهب النبيذيين وتجلداً على سورة الشراب ومرارة النقل، فقال: ما صنعتم شيئاً، فما تقول أنت يا غلام؟ فقال: خشكنانج مشبر، فوافق ذلك إرادته وقرع به ما كان في قلبه، فقال له الواثق: أصبت وأحسنت، بارك الله عليك، فكان ذلك أول جلوسه.
قال أعرابي: الحرب مأيمة، أي تؤيم النسا، أي تجعلن أيامي. والأيم من النساء امراة لا زوج لها، وكذلك من الرجال: من لا امرأة له؛ فأما الأيم: الحية؛ وأما الأيام - مخففة - فالدخان على بيت النحل. وفي الدعاء: ما له آم وعام أي جعله الله تعالى بلا امرأة وأحوجه إلى اللبن، ويقال: عمتإلى اللبن أي اشتهيته؛ فأما عمت فمعناه سبحت.
قال شيخ م أهل الأدب: الاسم ينقسم ثلاثين قسماً، وهذه الأقسام خمسة عشر جنساً، كل جنس له ضد، وتعدادها انه ينقسم إلى: معرب ومبني، وظاهر ومكني، ومعرفة ونكرة، وإنسي ومبهم، وعربي وعجمي، وذكر وأنثى، وممدود ومقصور، وعامل وغير عامل، ومشتق وغير مشتق، ومضارع وغير مضارع، ومعتل وصحيح، وزائد وناقص، ومنصف وغير منصرف، ومفرد ومضاف، ومدعم ومظهر؛ فهذه أقسام الأسم.
أنشدنا أبو سعيد السيرافي قال: أنشدنا أبو علي ابن الأعرابي لنفسه: الوافر
إذا كان الززير أبا الجمال ... ومحتسب البلاد الدانيالي

عن الأيام عد فعن قليل ... ترى اليام في صور الليالي
وأنشدنا أبو سعيد، قال أنشدنا أبو حفص ابن حمدون لابن عمه أب محمد ابن حمدون النديم: الوفار
خذوا مال التجار وسوفوهم ... إلى وقت فإنهم لئام
وليس عليكم في ذاك إثم ... لأن جميع ما جمعوا حرام
وقال لنا أبو سعيد: كان ابن السراج يملي في مجلس كانت له في أيام الآحاد كتاباً أسماه المواصلات، فانتهى إلى ابب فيه ذم التجار، فأنشدته أنا بيتاص كنت سمعته من غيره وهو: الكامل
ما للتجار وللسخاء وإنما ... نبتت لحومهم على القيراط
فكتبه وجعله في الكتاب؛ هذا لفظ أبي سعيد.
قال محمد بن زكريا الطبيب في كتاب له: هل يكون حكيماً من وجد طريقين فسلك أبعدهما وأوعرهما؟ مع كلام طويل، وهذا إنما يشير به إلى ما فعل الله عز وجل بخلقه في هذه الدنيا بالتكليف والأخطار والتعريض، فأبجابه الحارث الوراق في كتاب أفرده لمناقضته بأن قال: نعم يجوز ذلك، ومثاله أنا قد نجد الحكيمما بيننا إذا كان ذا نعمة واسعة ومال كثير وقد يكون له الولد الذي لا يملك غيره والذي ليس له أحد أعز عليه من فيسلمه إلى التجار ليتعلم البيع والشراء، ويسلمه في الصرف ليتعلم النقد، في غير ذلك من الصناعات، فيلقحه في ذلك من النصب والتعب ما يجل عن الوصف، ويتجاوز حد المقدار، يريد بذلك ان يعلم ولده حفظ المال والقيام به لئلا يضيعه متى ملكه إياه فيفتقر، فإذا تعلم وتخرج فوض إليه أمره، ودفع إليهماله، وقد كان قادراً أن يدفع إليه المال من غير أ، يؤدبه ويخرجه ويتعهب ويؤدي، غير أنه يخاف أن دفعه إليه قبل التأديب ان يضيعه ويتلفه، ورجا أن يكون إذا دفعه إليه بعد التأديب ان يحفظه فيزول الفقر عنه، وتتسع عليه نعمته، فسلك به أوعر الطريقين وأطولهما وأشدهما شمقة، فكان بذلك حكيماً غير سفيه، ومصيباً غير مخطئ، وهذا بين والحمد لله. هذا - أيدك الله - لفظ الحارث الوراق.

واعلم ان ابن زكريا والحارث الوراق جميعاً قد خبطا خبط عشواء، ودلاً على قلة المعرفة بأسرار افلهية وأحكام العبودية: أما ابن زكريا فمعترض، والعبد أحقر من أن يعترض على مولاه، وأما الحارث فمتكلف ما حط الله عنه؛ وبيان ما أقول أن الحارث أوضح المعنى الذي أدلى به خصمه بالمثال الذي نصبه، والمثال مردود الأوصل فاسد الأساس، لأن الوالد إنما سلك بودله أوعر الطريقين لعجزه عن سلوك الطريق السهل به، فكان الحزم عنده هذه يقتضيه عقله والنظر له بطباع رحمته أن يبلغ في اجتلاب مصلحته واكتساب منفعته غاية ما يقدر عليه، ويجد سبيلاً إليه، وليس هكذا الأمر في الله عز وجل وعبده، لأن الله عز وجل قادر على إيصال المنافع والمصالح إلى عبده من حيث لا ينصب عبده ولا يخاطر بنفسه، فإن توهم أنه لا يقدر فهذا هو الكفر الصريح،وإن قيل هذا مقدار ما يملكه وغاية ما أصلح العبد به صار العيان جاحداً لهذه الدعوى، والضرورة دافعة لهذه الحجة، فقد جاء م هذا التنقير ا، الوالد بحكم الشفقة بما تجد نفسه من الرقة في باب ولده لا يجد مزيداً على ما أقدم عليه، وما هكذا ربك، فإنه مالك كل شيء وقائم على كل شيء؛ فإذا كان اعتراض ابن زكرياتحكماً بمن استأثر بأحكامه واستبد بأسراره وأعمى عين القلب عن إدراك ما علا عليه وأحاط به، فقد باء بسخط من الله ومأواه جهنم، إلا أن ينزع عن هذه العقيدة، ويطمئن إلى الله عز وجل في صلاح ما جهله، وإتقان ما أشكل عليه؛ وهكذا يقال للحارث الوراق: أنت من أين لك أن أفعال الله الذي خلق الخلق مقيسة إلى أفعال الخلق؟ وأن الذي يستحيل ها هنا يستحيل هناك؟ ومتى أوحي إليك بأن تمثيلك وقيايك ونظرك ميزانت بين الله تعالى وبينك تزن به جميع ما يبدو من إلهك وخالقك ومصورك ورزازقك؟ وإنما وهي ركن الدين وكثرت سنة المبتدعين بأمثالك الذين بسطوا ألسنتهم فيما طوى الله عز وجل عن ملائكته وأنبيائه وأوصياء أنبيائه وعن أحبابه وأصفيائ؛ إنك أيها الحارث لو ذقت حلاوة مناجاة إليهك، أو لو عرفت هول المطلع الغائب عنك، أو لو هبت سلطان ربك، لما فرغت نفسك للهذيان، ولا أعملت علمك بالظنون، ولا وقفت مع قال وقيل، إن لهذا لهو الإفك المبين والضلال القديم. خف الله عز وجل خوفاً يشغلك بتلافي ما سلف من سيئاتك، وإصلاح ما فسد من عمر، ودع عنك فإن كان كذا كان كذا، ولو جاز كذا جاز كذا؛ إن ابن زكريا لا ينهزم بتبكيتك، وإنك لا تصير إلى ما تهدى به في وجهك، فارجع عنه إذن إلى الله عز وجل الذي لو ناقشك الحساب، لا ستحققت العذاب، ودع محمد بن زكريا وضرباءه في غوايتهم فسيعلم الكفار لمن عقبى الدار.
قال أعرابي بفطرته وعنجهيته: لما كان الله تعالى عن حلى خلقه عاطلاً، كان القياس إليه باطلاً؛ صدق والله.
قال عبيد الله بن قيس الرقيات: الكامل المجزوء
شطت رقية عن بلا ... دك فالهوى متشاعب
وعدت نوى عنها شطو ... ن في البلاد وجانب
واستبدلت بي خلتي ... إن النساء خوالب
ولقد تبدلنا بها ... حيا فأنعم راغب
إن البلاد معارف ... ومصارف ومذاهب
دعها وقل في ما عنا ... ك وللخطوب نوائب
هل يبلغن بني ربي ... عة عن أخيهم راكب
ناج على قطرية ... هادي التعسف دائب
إني وفي الدهر الجدي ... د عجائب وتجارب
بدلت بعد بني ربي ... عة والزمان يعاقب
جيران سوء بينهم ... شطر الزمان عقارب
يستأسدون على الصدي ... ق وللعدو ثعالب
وكذلك الأبدان من ... ها نازح مقارب
والدهر فيه لمن تف ... كر عبرة وعجائب
إن يستطيوا يأكلو ... ك وهم لديك أقارب
حاشا رجال فيهم ... لأذى الصديق تحانب
إني امرؤ لايطبي ... ودي الخليل الكاذب
حسن الخليقة والسجي ... ة ما استقام الصاحب
وهنأته سلمي وأع ... لم بعد كيف أحارب
نحن الصريح إذا قري ... ش قام فيها الناسب
من سرها وأرومها ... إذ للأروم مراتب

عندي لجام للرجا ... ل وعدة وكلالب
من ألقه في رأسه ... يلحح عليه القاتب
ويلن له ويسق إلي ... ه كما يساق الجالب
قال المبرد: كنت عند عيسى بن شيخ فاستأذنته فقال: حدثني بحديث حتى آذن لك فقلت: حدثنا شعيب بن صالح قالك تزوج رجل امرأة كسلانة، فكانت لا تنتف شعرتها ولا تحلقها كسلاً، وكانت تمسح يدها من كل شيء بشعرتها، فعجنت مرة عجيناً رقيقاً ومسحت يدها بشعرتها ونامت وشمت الفرأة رائحة العجين فجاءت فجعلت تأكل ما على شعرتها من العجين حتى شبعت ثم ذهبت، فلقيها الجرذ فقال لها: من أين جئت؟ قالت: يا أبا الأغر، من بيت الرخاء، قال: وما القصة؟ قالت: نام الطحان فأكلت من العجين حتى شبعت، قالك فدليني على الطريق، قالت: الزم هذه المحجة، فإلى أن بلغ الجرذ جف العجين على شعرتها، فجاء الجرذ ليأكل من الجعين فنتف منها شعرة، فضرطت، فولى الجرذ هارباً، فلقيته الفرأة فقالت: ما خبرك؟ قال: ويحك انتبه الطحان فرماني بالقفيز فكاد يدق ظهري، فضحك عيسى وخلع عليه وضحكن جواريه خلف الستارة وقلن: اكتب يا أبا العباس حديث الطحان.
قيل لسائل كان يقرأ القرآن: ألا تستحي تسأل بالقرآن؟ قال: اسكتوا فوالله لو جتم كما أجوع لبعتم جبرائيل وميكائيل فضلاً عن القرآن.
وقف سائل على باب فقال: يا أهل الدار، فبادر صاحب الدار قبل أن يتم السائل كلامه فقال: صنع اله لك، فقال السائل: يا ابن اللخماء، أكنت تسمع كلامي عسى جئت أدعوك إلى دعوة.
وقف سائل على باب دار فقال: يا أهل الدار الصالحين، فقال صاحب الدار: أولئك بطرسوس، فقال السائل: يا طالبي ما عند الله، فقال صاحب الدار: أولئك خرجوا إلى مكة، فقال السائل: فمن أنتم يا بني القحاب؟! وقف أعرابي على باب فسأله فأجابه رجل: ليس هناك أحد، فقال السائل: إنك لأحد لو جعل الله فيك بركة.
قال الجماز: سمعت سائلاً يقول: من يعطيني قطعة حباً لهند حماة النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال، وكان آخر يقولك من يعطيني قطعة حباً للأمينين جبريل ومعاوية؟ قال ابن الروانيد: اختلف الناس في السماع، فأباحه قوم وحظره آخرون، وأنا أخالف الفريقين وأقول: هو واجب.
قال إسحاق الموصلي: مدار الدنيا على أربعة أشياء: على البناء والنساء والطلاء والغناء، وما سوى ذلك باطل.
سمع فيلسوف صوت مغن فاسد الضرب، خارج من الإيقاع، فقال لتلميذ له: يا بني، يزعم أهل الكهانة أن صوت البومة يدل على موت إنسان، فإن كان ما ذكروا حقاً فإن صوت هذا المغني يدل على موت البومة.
خرج بعض السكارى م مجلس ومشى في طريق فسقط وترع، فجاء كلب وجعل يلحس فمه وشفتيه والسكران يقول: خدمك بنوك ولا عدموك، ثم رفع الكلب رجله فبال على وجهه، فجعل يقول: وماء حار؟ بارك الله عليك.
روى أبو زيد في محالة لشاعر: الطويل
وإني لنار عند زينة أوقدت ... على ما بعيني من عشى لبصير
لقد زادني حباً لزينة أنها ... مقوت لأخلاق اللئام قذور
تقول بمعروف الحديث وإن ترد ... سوى ذاك تذعر منك وهي ذعور
وقال أبو زيد: شربت سويقاً عفيراً أي غير ملتوت.
وأنشد أبو زيد: البسيط
وما أراك على أرجاء مهلكه ... تسائل المعشرالأعداء ما صنعا
وما رميت على خصم بفارقة ... إلا رميت بخصم فر لي جذعا
ما سد من مطلع ضاقت ثنيته ... إلا وجدت سواء الصبر مطلعا
يقال: زبط أمر فلان إذا تضعضع ويقال: إني عنك لفي غفل وغفول عن هذا.
قال ابن عون: كنت إذا سمعت الحجاج يقرأ علمت أنه طالما درس كتاب الله تعالى.
وقال الشعبي: الذي يقرأ القرآن إنما يحدث عن ربه.
أنشد الأصمعي: البسيط
النصح أرخص ما باع الرجال فلا ... تردد على ناصح نصحاً ولا تلم
إن النصائح لا تفخى مناهجها ... على الرجال ذوي الألباب والفهم
أنشد الأصمعي ليهودي: الطويل
إذا لم أزر إلا لآكل أكله ... فلا رفعت كفي إلي طعامي
فما أكلة إن نلتها بغنيمة ... ولا جوعة إن جعتها بغرام

قال الأصمعي: قال الحارث بن عوف بن أبي حارثة للنبي صلى الله عليه وسلم: أجرني م لسان حسان، فلو مزج البحر لامتزج فحدثت به ابن عائشة فقال: يا ابن أخي، أوجعه قوله: الكامل
وأمانة المري حيث لقيته ... مثل الزجاجة صدعها لا يجبر
قال المختار لرجل: ضع لي حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أني كائن بعده خليفة ولك عشرة آلاف درهم، فقال الرجل: أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا، ولكن عن بعض الصحابة وأحطك في السعر.
ولم يذكر الأصمعي من هذا الرجل؛ ومن الطريف أنه استجاز الكذب على بعض الصحابة، ولو كان امتناعه من الحذب على غيره. وما أدري ما أقول ف هذا الفن من الناس، فقد ولله شانوا وجه الدين لأنك لا ترى إلا من أغرق في طلب النيا إمال بسيف قد سله، أو بلسان قد أطاله، أو رياء قد احتجنه، أو خبيئة قد اشتمل عليها؛ نسأل الله العياذ فقد عم البلاء.
قال القحذمي، قال ابن العرق: رأيت المختار مشتور العين فقلت: من فعل هذا بك قطع الله يده؟ قال: ابن الفاعلة عبيد الله بن زياد، والله لأقطعن أنامله وأباجله، ولأقتلن بالحسين بن علي رضي الله عنهما عدد من قتل بيحيى بن زكريا عليهما سلام الله؛ ثم قال: يا ابن العرق، إن الفتنة قد ألقت خطامها وخبطت وشمست، ثم قال: المتقارب
ورافعة ذيلها ... بدجلة أو حولها
قال الأصمعي: قيل لابن مضاء: فلان رأى في المنام كأنه يخطب على المنبر خصي، فقال: يقدم عليكم أميرعفيف الفرج.
وقال الأصمعي: كنت أسمع بهذا المثل: وعلى ألافها الطير تقع، فلم أفهمه حتى رأيت غرباناً تقع: البقع مع البقع، والسود معالسود، إلى ان رأيت أعرج قد سقط فجاءه آخر كسير الجناح فوقع إلى جنبه، فعلمت أن المثل ما ضاع.
قال الأصمعي: العرب تقول: الحسن أحمر.
وقالت أعرابية وهي تتحدث: والله لو رأيتني في شبيبتي لرأيتني أحسن من النار الموقدة.
وقال أبو العالية الشامي وذكر امرأة أخرجت إليه فقال: كا،ها والله نطفة عذبة في شن خلق ينظر غليها الظمآن فيالهاجرة.
قال فيلسوف: كما ا، البهيمة إنما تحسن من الذهب والفضة والجوهر بثقلها فقط ولا تحس بنفاستها، كذلك الكسلام إنما يحسن من أمر الحكمة بثقل التعب عليه ولا يحس بشرفها في نفسه.
قال الجماز: مررت بنجاد في قنطرة بردان، طويل اللحية وامرأة تطالبه بشيء لها عنده وهو يقولك يرحمك الله، متاعك جاف ويحتاج إلى حشو كثير، وأنت من العجلة تمشين على أربع.
قال جراب الدولة: كان بجوزجان إنسان طويل اللحية أصلع، فقال له ظريف من الظرفاء: ما أطول لحيتك!! قال: نعم إن ما ماءنا يكثر نبات الشعر ويقويه، قال: فلم لم يكن ذلك الماء مؤثراً في صلعتك؟ خذ يا هذا كفا واحداً واجعله على صلعتك.
ودخل حمصي على قحبة ومعه أرعبة دراهم، فسألها ان تترك عليه منها درهماً واحداً، فما فعلت فأعطاها وفجر بها، فلما خرج رأىمقلى في الدار فأخذها بيده وخرج، فصاحت المراة: ياأحمق، سخرتن بك ومل تضرني بشيء، فالتفت وقال لها: حين تقلين تدرين.
قال طفيل بن الأخرم: الطويل
فإن خف ما لي ازددت في خمتي غنى ... عن الناس والغاني بما نال قانع
وفي الصبر عما لم تنل لك راحة ... وفي اليأس مه للضراعة قاطع
ومن لا يزل يستتبع العين ما ترى ... لدى غيره يلق الردى وهو ضارع
وقال جراب الدولة: كان عندنا شيخ بسجستان معلم سخيف، اجتزت به يوماً وهو يقول لصبي بين يده: اقرأ ياابن الزانية، فأخذت أوبخه فقالك اسكت قد نكت أمه مراراً.
قال: واجتزت به يوماً آخر وإذا هو يضرط للصبيان وهم يضحكون، قلت: ما هذا؟ قال: هؤلاء صبيان وقد ضاقت صدورهم من القراءة أضرط لهم قليلاً وأفرحهم ساعة.
قال الشاعر: الطويل
ألم تر سعد أننا فوق شاهد ... يظل لأعنان السماء مناغيا

هذا البيت رويته بسبب أعنان السماء كأنه جمع عنن، فأما العنان فسحيبة متدلية دون السماء، ويقال أيضاً أعناء السماء أي نواحيها، كانه جمع عنو، كما تقول أحناء وحنو، وما سمعت العنو، وأما العنن فالمعارضة، والاعتنان الاعتراض، والعنان - بكسر العين - معروف: عنان الدابة؛ يقال: تشاركا شركة عنان، أي فيما عن لهما أي عرض؛ وأما العنة فحظيرة الشاء، والفقهاء يقولون العنة إذا أرادوا مصدر العنين، ذاك يقال فيه التعنين، وما أعرف مضارعته للباب الأول؛ فأما قول العامة المتشبهين بالخاصة: عن دابته فمردود ليس من كلام العرب، بلى، الذي يقال: عننت الدابة وأعنتها إذا جعلت لها عناناً.
حضر بعض حكماء الهند وزيراً منوزراء ملكهم، وكان الوزير ركيكاً، وإنما ولي للأبوة، فقال للحكيم: ما العلم الأكبر؟ قال: علم الطب، قال: فإني أعرف من الطب أكثرة، قال للحكيم: فما دواء المبرسم؟ قال: دواؤه الموت حتى تقل حرارة صدره ثم يعالج بالأدوية الباردة، قال الحكيم: ومن يحييه بعد ذلك؟ قال: هذا علم ىخر يوجد في كتب النجوم ولم أنظر في شيء منه إلا في باب الحياة، فإني وجدت الحياة خيراً للإنسان من الموت، قال الحكيم: أيها الوزير، الموت على كل حال خير للجاهل من الحياة.
كان فزارة على مظالم البصرة، وكان ظريفاً، فسمع ذات يوم صياحاً فقال: ما هذا الصياح؟ قيل: قوم تكلموا في القرآن، قال: اللهم أرجنا من القرآن.
واجتاز به صاحب دراح فقال له فزارة: كيف تبيع هذا الدراج؟ قال: واحد بدرهم، قال: لا، أحسن إلينا، قال: كذا بعت، قال: نأخذ منك اثنين بثلاثة، قال: خذ، قال: يا غلام، أعطه ثمن اثنين فإنه سهل البيع.
انصرف صبي من المتكب باكياً، فقالت له أمه: لم تبكي؟ قال: الصبيان يدخلوننم أصابعهم في آستي. قالت: فلم لا تشكوهم إلى المعلم؟ قال: فأدخل أيره في آستي.فحبسته عن المعلم.
قال ظفيل بن الأخرم: الطويل
أعاذل إن الشح لا يخلد الفتى ... ولا يهلك النفس الكريمة جودها
تقول سليمى قد تغيرت بعدنا ... كذاك صروف الدهر يبلى جديدها
وشيب رأسي قبل شيب لداته ... هموم وروعات يشيب وليدها
ومضروبة الأمثال قومت درءها ... لذيذ بأفواه الرجال نشيدها
قال القحذمي: طلب أنو شروان كاتباً لمر أعجله، فلم يجد غير غلام يصحب الكتاب، فجيء به فقال له: ما اسمك؟ فقال: مهرماه، قال: اكتب ما أملي عليك، ولم يامره بالجلوس، فكتب قائماً أحسن من كتاب غيره جالساً، قالك اكتب في نحون هذا من تلقاء نفسك، ففعل وأحسن، وضم إلى الكتاب رقعة فيها: إن الحرمة التي أوصلتني إلى الملك لو وكلت فيها إلى نفسي لتقطعت قبل بلوغ ذلك، وإنما هو تفضل منه علي، فإن رأىن ألا يحطني بعد التشريف بخطابه إلى من هو دونه فعل. فقرأ كسرى ذلك ثم قال: لقد أحب مهرماه ألا يدع في نفسه لهفة يتلهف عليها بعد إمكان الفرصة، وقد أمرنا لك بالذي سألت، فاحمد الله الذي وهب لك ذلك على أيدينا، ثم نقله إلى أرفع مجالس الكتاب ووصله.
عاتبت أم جعفر الرشيد في تقريظه المأمون دون ابنها محمد، فدعان خادماً بحضرته وقال له: وجه إلى محمد وعبد الله خادمين حصيفين يقولان لكل واحد منهما على الخلوة ما يفعل به إذا أفضت الخلافة إليه؛ فأما محمد فإنه قال للخادم: أقطعك وآمر لك، وأقدمك وأبلغ بك؛ وأما المأمون فإنه رمى الخادم بدواة كانت بين يديه وقال: يا ابن اللخناء، تسألني عما أفعل بك يوم يموت أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين؟! إني لأرجو أن نكون جميعاً فداه. فرجعا بالخبر، فقال الرشيد لأم جعفر: كيف ترين؟ ما اقدم ابنك إلا متابعة لرأيك وتركاً للحزم.
قال الجماز: رأيت صاحب بطيخ يقول: هذا عسل، هذا سكر، هذا قند، فتقدمت إليه وقلت: عندي عليل يشتهي بطيخة حامضة. فقال: خل حاذق وحياتك، لا تلتفت إلى قولي فإنه خل.
قال بعض أصحابنا البغداديين: سمعت شيخاً بباب الطاق من سفلة الناس يقول لآخر أسفل منه: ويحك يا محة، ألا تتعجب من بني عفوية، أخوين، أحدهمامن مرعوشي والآخر فضلي، قال له: وأيش في هذا؟ هذا هو القرآن فيد جيد وردي، قالك ويحك، في القرآن جيد ورديء؟! قال: نعم، قل هو الله أحد بألف درهم، وبجنبها تبت تسوى حبتين.

في هذا للعقول متنزه ومستطرف ومعرفة بفضل الموهبة واقتباس المواهب،فلا تعجل بالإنكار حتى تبلغ غاية ما قد استصلحتك به في هذا الباب.
قال الجماز: مات إنسان غماز فرآه جار له في المنام فقال له: ما فعل ربك بك؟ فقال له: أنا بخير ها هنا بين يدي ملك أتخفف له واسعى بين يديه في أموره، وأبرد أخبار الكفار إليه؛ قال الجماز: وإذا به العاض بظر أمه هناك أيضاً غماز.
وقال الجماز: مات مخنث يقال له قرنفل، فرآه إنسان في النوم وكأنه يقول: أيش خبرك يا قرنفل؟ قال: لا تسأل، فيقول: إلى أين صرت يا قرنفل؟ قال: إلى النار، قال: ويلك فمن ينيكك في النار؟ قال: ثم يزيد ابن معاوية ليس يقصر في أمري.
نظر مخنث إلى رجل دميم الوجه فقال: وجهك هذا أنموذج جهنم أخرج إلى الدنيا.
قيل لمجنون: اين المولد؟ قال: المولد بالبصرة، والمنشأة دير خزقل.
نظر عامر بن كزبر إلى ابنه عبد الله يخطب فأعجبه، فأشار إلى أيره وقال للناس: أميركم خرج من هذا.
شد مجنون على رجل بالبصرة فأخذ الرجل يضربه، فقال الناس: إنه مجنون، وجعل يقول من تحته: أفهموه.
قال أبو العنبس: رأيت رجلاً يعرج فقلت له: ما لك؟ فقال: غداً تريد ان تدخل في رجلي شوكة.
قال صبي لأبيه: يا أبت وجدت فأساً، قال: فأين هو؟ قال: يابه ليس له رأس حديد، فقال: مشؤوم، فقل: وجدت وتداً.
قال: نادى فقيرعلى جبة له فلم تطلب بشيء، فقال الفقير: ما علمت أني عريان إلا الساعة.
قال بعض الشيوخ: رأيت حية قد ابتلعت كبشاً عظيم القرنين فلم تقدر على ابتلاع القرنين، فجعلت تضرب به الحجارة يمنة ويسرة حتى كسرت القرنين وابتلعته.
قرأ رجل في مجلس سيفويه " وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حباً " يوسف: 30 فقال سيفويه: قد أخذنا في حديث القحاب.
قيل لمجنون: أيسرك أن تصلب في صلاح هذه الأمة؟ قال: لا ولكن يسرني أن تصلب الأمة في صلاحي.
أتي عبد الملك بن مروان برجل قد خرج معه خارجي فأمر بضرب عنقه فقال: يا أمير المؤمنين، ما هذا جزائي منك، قال: وما جزاؤك؟ قال: والله ما خرجت معه إلا نظراً لك وتقرباً إليك، فإني رجل ما صحبت أحداً إلا هزم وقتل وصلب، وقد صح ذلك؛ كوني عليك مع عيرك هير لك من مائة ألف رجل معك، فضحك وأطلقه.
قال داود الماصب لصديق له: رأيت البارحة رؤيا نصفها حق ونصفها باطل: رأيت كأني قد حملت بدرة على عاتقي فمن ثقلها خريت فانتبهت فرأيت الخرا ولم أر البدرة.
سمع مجنون رجلاً يقول: اللهم لا تأخذنا على غفلة، قال: إذا لا يأخذك أبداً.
كلم رجل غلاماً أمرد فقيل له: إن الناس يظنون بك الريبة، قال: ولم لا يظنون أني أعظه؟ وقف سائل بباب مديني فقال: أطعمونا من فضل عشائكم فقال المديني: ما لعشائنا أصل فيكف يكون له فضل؟! قال رجل لأبي عبيدة: أحب أن تخرج لي أيام عشيرتي، وكان دعياً، فقال أبو عبيدة: مثلك مثل رجل قال لآخر: اقرأ لي من " قل هو الله أحد " إحدى عشرة آية، قال: لا والله ولكنك تبغض العرب، قال: وما عليك من ذلك؟ قال أبو أسيد: كان ابن عمر رضي الله عنه يحف شاربه حتى يرى بياض إبطه.
أنشد رجل أبا الشمقمق شعراً بارداً طويلاً فضجر وقال له: أين قلت هذا الشعر؟ قال: في المخرج، قال: يا أخي صدقت، رائحة الخرا عليه ظاهرة.
سمع سيفويه رجلاً يقرأ " فبهت الذي كفر " البقرة: 258 قالك وتلومه؟! حج حائك، فلما وقف يدعو ورأى الجمع قال: يا رب، من أنا، وأيش أنا؟ التراب على رأسي، من أنا؟ كلب نباح وووو، وضرط م شفتيه على لحيته.
قال رقبة بن مصقلة: ما آذاني قط إلا غرم مصاب في الكوفة، فإنه لقيني فقال: رأيتهم قد شبهوك بي فسرني ذلك لك.
قال رجل لغصن المخنث: ما سامك؟ قال: ليت اسمي على رأسك والمعاول تأخذه.
قال أبو الربيع: إذا أقبل البخت باضت الدجاجة على الوتد، وإذا أدبر البخت انشق الهاون في الشمس.
تقدم رجلان إلى قاض فتكلم أحدهما ولم يترك الآخر يتكلم فقال: أيها القاضي، يقضى على غائب، قال: وكيف؟ قال: لأني غائب إذا لم أترك أتكلم.
قال رجل لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ قالك لم تقل هذا إلا وفي قلبك خير.
خرج رجل قبيح الوجه من اليمن فأنشد: الرجز
لم أر وجها حسنا ... منذ دخلت اليمنا
وفي حر أم بلدة ... أحسن من فيها أنا

قرأ قارئ بين يدي سيفويه: " وحملناه على ذات أولاح ودسر " القمر: 13 فقال: عز علي حكلانهم بيوتهم، إنها جنازة.
وقرأ قارئ في حلقته: " كأنهن الياقوت والمرجان " الرحمن: 58 فقال سيفويه: هؤلاء بخلاف نسائكم القحاب.
وقيل له: إن اشتهى أهل الجنة العصيدة كيف يعملون؟ قال: يبعث لهم أنهار دبس ودقيق ويقال لهم: اعملوا فعسيس، وهو شيء يعمله أهل البصرة، وكلوا واعذروا فليس عندنا نار.
سمع العنبري القاضي صبياً يقول لصبي آخر: وإلا فأير القاضي في حر أم الكماذب، فقال العنبري: يا صبي لم قلت هذا؟ قال: لأن عليه أيراً مردوداً في حر أمه مثل منارة هذا المسجد، فانصرف العنبري وهو يقولك الاستقضاء شؤم.
قيل لماجن: جبة نقد أحب إليك أم قلنسوة نسيئة؟ فقال: ضرطة نقد أحب إلي من لحاف نسيئة.
قال الجماز، قال لي نصر مولى المأمون: كنت في دعوة بعض الظراف في يوم غيم، ومعنا شيخ متصدر لا ينطق، فتدارينا ذكر المطر وما جاء فيه من الأثر، فقال الشيخ: حدثوني عن سيدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يتحها حتى يضحها في موضحها ثم يصحد ويدحها.
وقف سائل بباب دار فقال صاحب الدار: أغناك الله فلي أم الصبيان ها هنا، فقال السائل: لم أسألك المجامعة إنما سألت كسرة خبز.
وتقدم سائل إلى باب، وكانت صاحبة الدار قاعدة على البالوعة تبول، فحسب السائل أن بولها نشيش مقلى، فقال: أطعمونا من هذا الذي تقلونه، فضرطت المراة وقالت: حطبنا رطب وحياتك ليس يشتعل.
وقف سائل بباب المافروخي عامل الأهواز وسأل، فأعطوه لقمة خبز، فسكت ساعة ولم يبرح ثم قال: هذا الدواء الذي أعطيتموني كيف أتناوله، وبأي شيء أقدم عليه، وبأي شيء أتعقبه؟! قال الجماز: سمعت كناساً يقول لآخر: إن كنت كناس ابن كناس فقل لي كم رجل لبنت وردان.
قال ابن قريعة القاضي: وقف شاطر على قبر فقال: رحمك الله أبا لا شيء فقد والله كنت أحمر الإزار، حاد السكين، فاره الصديق، إن نقبت فجرذ، وإن تسلقت فسنورة، وإن استلبت فحدأة، وإن ضربت فأرض، وغن شربت فحب، ولكنك اليوم قد وقعت في زاوية سوء.
قال بعض أصحابنا البغداديين: سمعتا شيخاً من العامة يقول لآخر: والك نهر جرى فيه الماء لا بد من أن يعود إليه، قال الآخر: والك حتى يعود الماء إليه ماتت ضفادعه. حكيت لفظهم فهو الطريف، فلا تعب اللحن فيه.
قال جحظة: سمعت يعقوب بن فلان يقول: كنت أتفاءل كثيراً ففتحت المصحف يوماً وقد وليت فخرج " تمتعوا في داركم ثلاثة أيام " هود: 65 فعزلت بعد ثلاثة أيام.
كان عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي شيخ أصحاب الحديث وكان بهياً فاضلاً، وكان ذا سلامة، ذكر عنده بعض الأمراء الذين طرقوا الري فقيل: مات بها، فقال له: إلى الري دجلتان ففي أي دجلة مات؟ قال أبو حنيفة لرجلك انت مطوياً خير منك منشوراً.
أنشد جحظة لشاعر: الطويل
فتعساً لأيام إذا كان بومها ... شباعاً لها قوت وجاعت صقورها
وقد ينهض العصفور صحة ريشه ... وتقعد أن لا ريش فيها نسورها
وهبني رحى يهوي من النيل ماؤه ... وليس لها قطب فماذا يديرها
قال عبادة لرجل: ها هنا مكاري بكر، قال: بخت أي بخت، قال: وكيف ذلك؟ قال: يدخل ما يشاء، فإما أن يندق أيره أو تنشق أستي.
شاعر: الوافر
له بين المعالي والعوالي ... وبين ذرى المهندة الذكور
مقامات شرفن فما يبالي ... أمات على جواد أم سرير
البصري صاحب الزنج: الكامل
يلقى السيوف بوجهه وينحره ... ويقيم هامته مقام المغفر
ويقول للطرف اصطبر لشبا القنا ... فعقرت ركن المجد إن لم تعقر
وإذا تأمل شخص ضيف مقبل ... متسربل أثواب عيش أعبر
أومى إلى الكوماء هذا طارق ... نحرتني الأعداء إن لم تنحري
استعرض ابن المدبر طباخة فقال لها: أتحسنين الحشو؟ فقالت: الحشو إليك.
قال المتوكل للجماز: ما عندك في النساء؟ قال: أقود عليهن.
صاح ابن الفرات بغلام له فقال: أي شيء تعمل؟ قالك لا شيء، قال: إذا فرغت من لا شيء فتعال.
شاعر: البسيط
يا يومنا عندها عد بالنعيم لنا ... منها ويا ليلتي في بيتها عودي

إذ بت أرشف فاها عند رقدتها ... بعد اعتناق وتقبيل وتجريد
وقد سقتني رضاباً غير ذي أسن ... كالمسك ذر على ماء العناقيد
قال جحظة: كنت جالساً عند صديق فدفعت إليه جارية وقعة فضرط، فقلت: ما هذا؟ قال: اقرأ، فإذا فيها: قد فني الدقيق.
كانت لمخنث جارية نفيسة فقالت: سبحانن الله، من أبلاني بك؟ فقال: الذي أبلاك بحرك، سود وجهه، وشق وسطه، وقطع لسانه، وجعل إلى جنبه ضرته.
كان لأبي تمام الشاعر صديق يسكر من قدحين، فكتب إليه يدعوه: إن رأيت - أعزك الله - ان تنام عندنا فافعل.
شاعر: السريع
لم ندر ما ليلي وما طيبها ... وحسنها حتى رأيناها
إنك لو أبصرتها سافراً ... أجللتها أن تتمناها
قال ابن قريعة: كان لبعض المخنثين أير عظيم، فكان يقول: أشتهي م ينيكني بأيري.
قالت امرأة الجماز للجماز: أيش يطيب في هذا اليوم؟ قال: الطلاق.
يقال: إذا وجدت الشيء في السوق فلا تطلبه من صديق.
ادعى رجل النوبة فقيل له: ما علامة النبوة؟ قال: أنبئكم بما في نفوسكم، قالوا: فما في نفوسنا؟ قال: أني لست بنبي.
كتب بعض الحمقى على خاتمه: أنا فلان بن فلان، رحم الله من قال آمين.
قيل لبعض المغفلين: حمارك قد سرق، فقال: الحمد لله إذ لم أكن فوقه.
نظر بعض الأغنياء إلى السماء فقال: يا رب، ماأحسن سماءك، زادك الله مزيد كل خير.
ونظر آخر إلى كنيف قد انبثق، فقال لابنه: ينبغي أن نتغدى به قبل أن يتعشى بنا، اطلب لنا كناسين.
وقال صفعان: من لم يعط على الصفع دراهم، فليتخذ لقفاه مراهم.
قدم إلىأعرابي كامخ فقالك مم يعمل هذا؟ قالوا: من اللبن والحنطة، قال: أصلان كريمان ولكن ما أنجبا.
قيل لمغن رديء الغناء: لم لا تغنيظ قال: كيف أغني والأقداح في أيديكم؟! قيل لخمث: لم لا تتنور؟ قالك إذا كثر الدغل أخذ الناس في طريق الجادة، يعني استه.
ورث رجل مالاً، فكتب على خاتمه: الوحى، فملا أفلس كتب على خاتمه: استرحنا.
أدخل رجل إصبعه في حلقتي مقراض وقال لمنجم: أي شيء في يدي؟ فقال: خاتمان من حديد.
قيل لرجل: من أين؟ قال: من جنازة صديق كان لي، كان له ابنان فمات الأوسد.
قال: كان طاووس لا يحضر إملاك أسود ببيضاء، ويقولك تغيرون خلق الله.
كاتب: وصل كتابك بما أوجب المنة واليد، وأزلم الحمد والشكر.
قيل لجارية مليحة: ويلك تتعشقين أسود؟ فقالت: والله لو كان أيره لك لعملت منه عكازة.
قال أبو سعيد السيرافي: قد جاء في فعلين تعدي الفاعل إلى ضميره وهو: فقدتني وعدمتني، وإنما جاز ذلك لأنه محمول على غير ظاهر الكلام وحقيقته، لأن الاعل لا بد من أن يكون موجوداً، وإذا عدم نفسه صار عادماً معدوماً، وذلك محال، وإنما جاز لأن الفعل له في الظاهر والمعنى لغيره، لنه لا يدعو على نفسه بأن يعدم، فكأنه قالك عدمني غيري؛ قال: جران العود: الطويل
لقد كان لي عن ضرتين عدمتني ... وعما ألاقي منهما متزحزح
هما الغول والسعلاة رأسي منهما ... مخدش ما بين التراقي مكدح
قال أبو سعيد: ويجوز عند البصريين ثم أنتم الذين تقتلون أنفسكم في الضرورة؛ وأنشد لمهلهل: الكامل
وأنا الذي قتلت بكراً بالقنا ... وتركت مرة غير ذات سنام
والوجه: وأنا الذي قتل.
وقال حارثة بن بدر الغداني؟ البسيط
يا كعب ما طعلت شمس ولا غربت ... إلا تقرب آجالاً لميعاد
يا كعب صبراً على ما كان من حدث ... يا كعب لم يبق منا غير الاد
إلا بقيات أنفاس نحشرجها ... كراحل رائح أو باكر غاد
قال أبو سعيد: فإن غير ما هنا بمنزلة مثل، كأنك قلت: لم يبق منا أجساد إلا بقيات أنفاس، وعلى هذا أنشد الناس هذا البيت للفرزدق: البسيط
ما في المدينة دار غير واحدة ... دار الخليفة إلا دار مروانا
جعلوا غير صفة بمنزلة مثل، ومن جعله بمنزلة الاستثناء لم يكن له بد من أن ينصل أحدهما، وهو قول ابن أبي إسحاق.

قال أبو بكر ابن العلاف الشيباني النحوي - شاهدته بشيراز - : اليغبوب يقال في النهر والجدول إذا كان كثيراً ماؤهما شديدة جريتهما، ويقال ذلك في الفرس إذا كان كثير العدو شديد الجري، وقد قال بعض أهل اللغة: اليعبوب الطويل، وإنما سمي النهر يعبوباً لطوله، والأول القول المختار، قال لبيد: الرمل
بأجش الصوت يعبوب إذا ... طرق الحي من الغزو صهل
قال: وأما الدعبوب فالطريق النهج الموطأ السهل.
قال ميمون بن مهران في قوله تعالى " ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون " إبراهيم: 42: تعزيه للمظلوم ووعيد للظالم.
قل النبي صلى الله عليه وسلم: لا تديموا النظر إلى أهل البلاء فتحزنوهم؛ يقال: حزنته وأحزنته بمعنى، ويقرأ: " ولا يحزنك قولهم " و " لا يحزنك " يونس: 65.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة في ظل العرش: عائد المريض، ومشيع الموتى، ومعزي الثكلى.
وقال الثوري: إذا رأيت الرجل محموداً في جيرانه فاعلم أنه يداهنهم.
قال مديني: لو أن أبا الزناد عن يميني وابن هرمز عن يساري وربيعة الرأي يقودني لمنعتني نذالتي أن أنبل.
أتى رجل عمرو بن عبيد فقال: إن ألأوساري لم يزل أمس يذكرك ويقول: الضال، فقال عمرو: يا هذا، والله ما رعيت حق مجالسة هذا الرجل حين نقلت إلينا حديثه، ولا رعيت حقي حين بلغتني عن أخي ما أكره، أعمله أن الموت يعمنا، والبعص يحشرنا، والقيامة تجمعنا، والله تعالى يحكم بيننا.
جرى ذكر رجل في مجلس ابن قتيبة فنال منه بعضهم، فأقبل عليه سلم فقال: يا هذا، أوحشتنا من نفسك، أيأستنا من مودتك، ودللتنا على عورتك.
ودخل عبد الوارث بن سعيد على رجل يعوده فقال: كيف أنت؟ فقال: ما نمت منذ أربعين ليلة، فقال: يا هذا أحصيت أيام البلاء فهلا أحصيت أيام الرخاء؟ مر ماجن بالمدينة برجل قد لسعته عقرب فقال: أتريد أن أصف لك دواء هذا؟ قال: نعم، قالك عليك بالصباح إلى الصباح.
نظرت امرأة إلى رجل يبول كبير الفعل، فقالت: هذا معك ولا تجلس للصيارفة؟! فقال: ما أحمقك، هذا والله أقامني منهم.
لما نزل بعمر بن عبد العزيز رحمه الله الموت قال: يا رجاء، هذا والله السلطان لا ما كنا فيه.
قال علي بن الحسين عليهما السلام: ليس في القرآن " يا أيها الذين آمنوا " إلا وهي في التوارة يا أيها المساكين.
قال إبراهيم بن إسماعيل: العجب لم يغتر، وإنما هي عقربة ذنب.
قال الحسن: الدنيا كلها غم، فما كان منهان من سرور فهو ربح.
قال فيلسوف: أصاب الدنيا من حذرها، وأصابت الدنيا من أمنها.
قال ابن السماك: خف الله كأنك لم تطعه، وارج الله حتى كأنك لم تعصه.
ترى كيف يجتمع الرجاء والخوف في صدر واحد؟ هذا بعيد، متى رجا فقد استرسل، ومتى خاف فقد استجمع، ولكل واحدة من هاتين الحالين أحكام تستغرقها وتأتي عليها وتباعدها من الحال الأخرى، فكيف السبيل إلىتحصيل ما دل عليه هذا الفاضل؟ اللهم إلا أن يقول: تردد من هذه إلى هذه، ولا تستقر مع غحداهما، وهذا إن صح لم يكن له من الخوف نصيب ولا من الرجاء نصيب إلا بمقدار إلمالمه بهما؛ فأين الحيلة التي بها يبين وعليهما يظهر؟ وللزهاد كلام كثير يروع ظاهره ويضمحل مفتشه؛ وسألت بعض العماء عن هذا فقال: كأنه إذا لحظ الكرم رجا، وإذا لحظ العدل خاف، وهو فيما بين هذين الملحوظين مختبر الثبات على الطاعة، والإقلاع عن المعصية، وليس يجيء من هذا أن يكون خائفاً راجياً في حال، لأنه بخواطره ووساوسه في أفعاله وحركاته متطلع نحو شيء يرجوه، ونحو شيء يحذره، فإذا ما غلب أحدهما على سره سلس معه، وهو على ذلك محمود، لأن الخائف مصيره إلى ما يصير إليه الراجي، لأن الراجي يعمل في طلب ما يتمناه، والخائف يقلع عن مواقعه ما يخشاه والغاية واحدة. إذا أنعم النظر؛ وهذا جواب قريب. والحاجة إلى تحقيق الخوف من الله عز وجل والرجاء في الله تعالى أشد من الحاجة إلى معرفة هذا المشكل.
؟؟دعا أعرابي فقال: آثر تقواك على هواك، وأخراك على دنياك.
قيل لمعبدة: ما يمنعك من دخول الكعبة؟ قالت: والله ما أرضة رجلي للطواف فكيف أدخل بهما الكعبة.
سأل أبو فرعون رجلاً فمنعه، فألح عليه فأعطاه، فقال: اللهم أخزنان وإياهم، نسألهم إلحافاً ويعطوننا كرهاً، فلا يبارك الله لنا ولا يأجرهم عليه.

ساوم مديني بدجاجة فقال صاحبها: لا أنقص من عشرة دراهم، فقال: والله لو كانت في الحسن كيوسف، وفي العظم ككبش إبراهيم الخليل، وكانت كل يوم تبيض ولي عهد للمسلمين ما ساوت أكثر من درهمين.
قال بعضهم: الاست مسن الأير، والقبلة بريد النيك.
كاتب: ودعت قلبي بتوديعك، فهو ينصرف كمنصرفك.
كاتب: ذكرك ينسينس كل شيء، وفراغي له يشغلني عما سواه.
كاتب: لو كان إفراط الحنين إليك، ولهب الحرص عليك، يقربان طرفي منك، لقد كنت فزت بك.
كاتب: إن - أعوذ بالله - تنفست بنا مدة هذا المقام دونك، وبرحت بنا الخطوب عما قبلك، لم املك عزاء عما أعد نفسي وأقرب لها من الوقت في لقائك، وأعتاد من الحوادث التي تترامى بنا من سفر إلى صفر، وتنقلنا من مثوى إلى مثوى، وكيف بالسلو عما جعل الله غيبته مادة للشوق وتأثيلاً للوجد، وملابسته ملابسة أنس ومروءة، وفراقه فراق كرم وفضيلة، لا كيف إلا بأوبة مرتقبة تجمع متفرق الشمل، وتلم متباين الشعب، ويعود بها عهد الأيام حميداً، وما أخلق ما دواعي الأمل جديداً.
كاتب: أوديتني بنأيك، فمتى تداوي بقربك؟ كاتب آخر: أنا من إذا ابتهج شكرك، وإذا نكب ذكرك.
آخر: لا سلبني الله سرور رجائي بلقائك، ولا خيب دعائي ببقائك، ولا أفقدني الأنس بك على قربك ونأيك، أعقبنا الله بمأتم الفرقة عرس الألفة، وبوحشة الغمة أنس الغبطة.
كاتب: أقر الله عيني بلقائك، كما أقذاها بنأيك.
قال أعرابي: لا تبال بالوطنإذا شطن، ولا بأحد إذا شط ولا تشخص إذا شخص.
كتب ناسك إلى أخ له: اجمع لي أمر الدنيا وصف لي حالها وحال الآخرة، فكتب إليه: الدنيا حلم والآخرة يقظة، والمتوسط بينهما الموت، ونحن في أضغاث أحلام ننقل إلى أجداث.
النمري: الطويل
يقولون في بعض التذلل عزة ... وعادتنا أن ندرك العز بالعز
أبى الله لي والأكرمون عشيرتي ... مقامي على دحض ونومي على وخز
كاتب: أطال الله بقاءك في تمام من النعمة والسلامة، ودوام من الكرامة، وعلو من القدرة وبسط الد، ووفورة البغطة واتصال الرغبة، وعكوف من الآمال، ومن علينا بدوام ظلك، وامتداد أيام دولتك، وأعلى درجتك، ولا أراك مكروهاً في شيء مما خولك، ولا زلت من النعمة والإنعام بحيث يقصر أمل الآمل وشكر الشاكر عنه، ولا أخلاك من مزيده ونعمته، وتسديده وعصمته، وبلغ بك من الألفة أقصاها، ومن الأماني أسناها، وأعانك على ادخار المكارم واصطناع المحامد، وبسط بها لسانك ويدك، وأدام لك أجمل ما عودك وعود منك، وأعطاك فوق أملك وغاية رجائك ومنتهى أمنيتك، وحجب عنك سطوات الأحوال، وأجرى لك خالص كل نوال، وتوحدك بالصنع والإقبال، ولا بدل لك ما أفادك من حسن حال، وتوجك بالسيكنة والوقار والنسك والهيبة والجمال، وختم لك بالسعادة في المآل.

قال بعض أهل الأدب: يقال: جارية غراء كالليلة القمراء، وكالشمس يكمها الحجاب؛ جارية كغزال مكسال، وكجؤذر صريمة، وكمهرة عربية، وكدمية محراب، وذات حشا قطيع، وكأن لونها محض شيب براح، وكأنها زهرة جلاها بدر، وكأن عينيها عينا مهاة، ولها حاجب كالنون خط بالقلم، وأنف كمتن السيف، وفم كالخاتم، وريق كلعاب النحل وجنى النخل، وكالرحيق الختوم، وكأن نشرها ريا فأرة، وكأن أصابعها قوادم حمامة، وكأن فاها أقحوان تحت غمامة، وكأن ثناياها زهر في دمث، وكأنما تفتر عن برد، وعن حب الغمام، وعن بارقة، وكأن عنقها إبريق اللجين، وكأن صدرها فاثور فضة، وكأن نحرها جمارة، وكأن لبتها سبيكة، وكأن وجهها مرآة مجلوة، وكأن جيدها جيد ريم، وكأن سالفتها السيف الصقيل، وكأن ثديها حق عاج، وكأن في صدرها رمانتين، وكأن في خدها تفاحتين، وكأنها غصن بان وقضيب عقيان، وكأن خيدها أترجتان بالعنبر مخضوبتان؛ لها شعر كقوادم النسر، لها فروع كقنوان النخل المنسدل أو عناقيد الكرم المتهدل، كأن جبينها مصباح دير، كأن عوارضها كوكب الصبح، كأن بنانها مداري فضة وقضيب اللجين، لها بطن مطوي كأنه قبطي وكأنه طومار مدمج، وكأنها بطن أيم ذي طرة؛ لها كشح مجدول، ولها سرة كمدهن عاج، وأفخاذ كأفخاذ البهاتي، وكفلكالكثيب، وخصر كالقضيب، وكأنها خوط بان على نقا، وغصن في دعص؛ لها ساق كبردية غذاها خليج، تمشي كالوحل، تمشي مشي المهاة إلى الرياض، وكأنها قطاة تخطو إلى الغدير، وكأن في أخمصها شوكاً، وكأنهاظبية تميس، وكأن الحلي في صدرها وميض برق ونار أنارت في الظلام، وكأنما خلخالها أنثاء حية مفتولة، وكأن معصمها نجم يلوح، وكأن شعرها أسود ملتفة، وحبال مضفورة، وكأن وجهها صفحة سيف، وفلقة قمر، وبدر تمام، مكأنها دينار مشوف، وكأن حليها زهر الربيع؛ لها كشح كالجديل، وقذال كقذال عاطية الأراك، لها مدامع كمدامع الغزال؛ كأن حمرة خدها أرجوان أو جلنار؛ لها شارب كمخضر الريحان، وكأنه نصف صاد، وكأن قدمها لسان حية، وكأنها ظبية مذعورة، وغزال خاذل، وكأنها كأس، وكأنه رشأ مرتاع، وكأن لحظاتها نبال، كأنها بيضة نعام، وكأنها بيضة أدحي، وكأنها بيضة مكنونة، وكأنها لؤلؤة الغواص، وكأنها درة الصدف، وحديثها ثمر الجنان، وصوب الغمام، ووقع الزلال؛ وكأن أصداغها عقارب، وكأن متنها متن حسام؛ فتور القيام، سريعة القعود، نصفها خفيف ونصفها كسل؛ كأن وجنتيها شقائق النعمان، كلامها يطفئ النار؛ كأن ريقها رضاب مسك، وجنى نحل، ومشور ضرب؛ كأن عنقها إريق فضة، وعينها ماوية، وبطنها قبطية، وساقها بردية، وجبينها اللآلئ، وعوارضها البرد؛ كأنها خوط بان، وجدل عنان، وقضيب ذهب، وكأنها فضة قد مسها ذهب، أطهر من الماء، وأرق من الهواء.
قال أبو هفان: رأيت شيخاً بالكوفة قاعداً على باب دار وله زي وهيئة، فوي الدار صراخ، فقلت: يا شيخ، ما هذا الصراخ؟ قالك هذا رجل افتصد أمس بلغ المبضع شاذروانه فمات؛ قال: وإنما أراد أن يقول بلغ المبضع شريانه.
سمعت العقدي الهمذاني يقول، قال رجل لابن خلف: سألت عنك يا أبا فلان، قال: سأل الله عنك ملائكته.
قال أبو نصر الأنماطي، قالابن خلف لصديق له: أريد أن أشرب على عورة وجهك عشرة أرطال نبيذاً مرنقاً؛ قال: أراد ان يقول على غرة وجهك نبيذاً مروقاً.
جاءت امرأة إلى معلم تشكو ابنها، وكانت حجميلة، فقال المعلم للصبي: مثل هذه الأم يوحشها إنسان فيؤذيها؟! كان يجب عليك لو كان لك عقل ان تلحس خراها كل يوم طلباً لرضاها.
قال بعض الأطباء: موضع العقل الدماغ، وطريق الروح الأنف. وموضع الرعونة طول اللحية.
قال اليزيدي: اللحية الطويلة عش البراغيث، ومأوى البق، وهي في الريح طرادة ومزبلة، ومعدن التراب والغبار.
وقال أيضاً، قال ابن خلف لمغنية كان يحبها، وأراد تجميشها:أنا والهل لك مائق - أراد أن يقول: وامق - فقالت: ليس لي وحدي أنت مائق، أنت والله مائق للخلق.
قال الجاحظ: قلت يوماً لعبدوس بن محمد، وقد سألته عن سنه لصغره: لقد عجل عليك الشيب، فقال: وكيف لا يعجل عل وأنا محتاج إلى من لو نفذ فيه حكمي لسرحته مع النعاج، أو لفظته مع الدجاج، وجعلته قيم السراج، ووقاية يد الحلاج، هذا أبو ساسان أحمد بن العباس العجلي له غلة ألف ألف درهم كل سنة، عطس يوماص فقلت له: يرحمك الله، فقال لي: يغرقكم الله.

جاء غلام ابن جرادة بفرخ إليهفقال له: انظر إلى هذا الفرخ ما أشبهه بأمه، قال: ذكر أم أنثى؟! قال ابن الحصاص يوماً وقد جربت يده، لو غسلتها ألف مرة لم تنتظف حتى أغسلها مرتين.
ونظر ابن الجصاص في المرآة ثم قال لإنسان عنده: ترى لحيتي قد طالت؟ فقال الحاضر: المرآة في يدك، فقال: صدقت ولكن يرى الشاهد ما لا يرى الغائب.
اشترى إسحاق بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس غلاماً فصيحاً، فبلغ الرشيد فأرسل إليه يطلبه فقال: يا أمير المؤمنين، لم أشتره إلالك، فلما وقف الغلام بين يديه قال الرشيد: إن مولاك قد وهبك لي، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين ما زلت وما زلت، قال: فسر، قال: ما زلت لك وانا في ملكه، ولا زلت عن ملكه وانا لك، فأعجب الرشيد وقدمه.
وبمثل هذا البيتان والعقل يتقدم العبد على الحر، والوضيع على الشريف.
وكان الفتح بن خاقان، وهو صبي، قائماً بين يدي المعتصم، فقال المعتصم يوماً وفي يده فص: أرأيت يا فتح أحسن من هذا الفص شيئاً؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، اليد التي هو فيها أحسن منه.
اجتاز عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصبيان يلعبون وفيهم عبد الله بن الزبير، فتهاربوا إلى عبد الله فإنه وقف، فقال له عرم: لم لا تفر مع أصحابك؟ قالك لم يكن لي جرم فأفر منك، ولا كان الطريق ضيقالً فأوسعه عليك.
قعد صبي مع قوم فقدم شيء حار فأخذ الصبي يبكي، فقالوا له: ما يبكيك؟ قال: هو حار، قالوا: فاصبر حتى يبرد، قال: أنتم لا تصبرون.
وخرج صبي من بيت أمه في صحو وعاد في مطر شديد فقالت له أمه: فديتك ابني، هذا المطر كله على رأسه؟ قال: لا يا أمي، كان أكثره على الأرض، ولو كان كله على رأسي كنت قد غرقت.
وسمع غلام أمه تبكي في السحر فقال لها: لم تبكين؟ فقال: ذكرت أبوك فأقرح قلبي، قال: صدقت هذا وقته.
ولا تنكر قولها ذكرت أبوك فإن اللحنها هنا أصلح من الإعراب، وقد قيل: لكل مقام مقال.
سمع ابن الجصاص رجلاً ينشد شعراً في هند فقال: لا تذكروا حماة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بخير.
دخل رجل إلى حمزة ابن النصرانية فقال: إن أخي قد مات فمر لي بكفن، قال: والله ما عندي شيء ولكن تعهدنا إلى أيام لعله يقع، قال: أصلحك الله، فمر لي بدرهم ملح، قال: ما تصنع به؟ قال: أملحه حتى لا ينتن إلى أن يتيسر كفنه من عندك.
دخل حمزة هذا يوماً على امرأتهوعندها ثوب وشي فقال لها: بكم اشتريت؟ قالت: بألف درهم، قالك والله لقد وضعوا في استك شيئاً مثل هذا، وأشار إلى يده وذراعه، قالت: إني والله لم أوف بعد ولكن أعطيت درهماً، قال: وأيش يسوى قولك وقد جعلت خصاهم في ديك؟ قالت: إن أختك قد اشترت شراً منه بمائة دينار، قال: أختي تضرط من آست واسعة.
قال الحاجظ: قلت لأبي الحشيم: إن رأيت أن ترضى عن فلان فافعل، قال: لا والله حتى يبلغني أنه قبل رجلي.
كان صاعد بن مخلد إذا قبض يده عن الطعام يقول: الحمد لله الذي لا يحلف بأعظم منه.
ومر بقوم يصطادون السمك فسلم عليهم وقال: يا فيتان هذا السمك الذي تصطادون طري أم مالح؟ وكان أزهر الخمار بين يدي عمرو بن الليث يأكل البطيخ، فقال له عمرو: كيف طعمه يا أزهر، هو حلو؟ قال أزهر: أيها الأمير، أكلت الخرا قط؟ فضحك عمرو وكل من حضر.
وقال عمرو للأزهر: إن ابنك يزعم انه ماك غلامك البارحة، قال: نكت أمه البارحة سبع مرات، فاجعل أربعة بحذاء ذاك والباقي فضل.
جاء أبو عوانة إلى قوم قد صلبوا فقال: هذا ا وعدنا الله ورسله وصدق المرسلون؛ اللهم بارك لنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه.
أصيب إنسان بوالدته، فجاء سيفويه القاص يعزيه، فلما قضى كلامه قال: هذه المراة خلفت ولداً؟ قال لرجل: تريد ولداً أكبر مني؟! قال أبو هفان: رأين بعض الحمقى يقول لآخر: قد تعلمت النحوك كله إلا ثلاث مسائل،قال: وما هي؟ قال: أبو فلان، وأبي فلان، وأبا فلان، قال: هذا سهل: أما أبو فلان فللملوك والأمراء والسلاطين والقضاة، وأما أبا فلان فللتناء والتجار والأوساط، وأما أبي فلان فللسفل والأوغاد.
وقال أبو هفان أيضاً: قال رجل لآخر: متى قدمت؟ قال: غداً، قال: إن كنت إن شاء الله سألتك عن صاحب لي فمتى تخرج؟ قال: أمس، قال: لو كنت أدركتك كتبت معك كتاباً إليه.

قال الحسن بن يسار، قلت لشاعر: فلان ليس يعدك بشيء، قال: والله لو كنت ليس أنا، وابن من أنا منه، لكنت أنا أنا، وأنا من ابن أنا منه، فكيف وأنا من أنا منه.
وقال أبو هفان: سمعت بعض الحمقى يخاصم امرأته وفي جيرانه أحمق، فاطلع عليهم وقال: يا هذا، اعمل مع هذه كما قال الله تعالى: إما إمساك بأيش اسمه أو تسريح بأيش اسمه؛ قال: فضحكت من بيانه.
وكتب بعض الحمقى إلى آخر يعزيه عن دابة: بسم الله، جعلني الله فداك، بلغني منيتك بدابتك، ولولا علة نسيتها لسرت إليك حتى أعزيك في نفسي.
قال ابن حمدون النديم: جلس بعض الرؤساء مع بعض الوزراء في زبزب وفي يده تفاحة، فأراد أن يناولها الوزير، وأراد أن يحول وجهه إلى الماء ليبزق، فحول وجهه إلى الوزير فبزق عليه ورمى بالتفاحة إلى الماء.
وقال ابن قريعة: دخل بعض هؤلاء الخلاء وأراد أن يحل سروايله، فغلط وحل إزاره وخري في سراويله.
وتخاصم رجلان من أهل حمص في أمر نسائهما فقال كل واحد منهما: امرأتي أحسن، وارتفعا إلى قاضيهم، فقال القاضي: أنا عارف بهما، وقد نكتهما جميعاً قبل تقلد القضاء وقبل أن تتزوجاهما، فقال بعض العدول: قد عرفتهما فاقض بينهما، فقالك والله لأن أنيك امرأة هذا في أستها أحب إلي من أن أنيك امرأة هذا في حرها؛ ففرح الذي حكم له وقام مسروراً.
وتقدم إلى قاض حمصي بواسط زمن الحجاج رجل وامرأة فقال الرجلك أصلح الله القضاي إنها لا تطيعني، فقالت: أصلح الله القاضي إني لا أقوى بما معه، قال: يا هذا ليس تحملها ما لا تطيق، قال: أصلحك الله إنما كانت عند رجل قبلي فكانت تكرمه، فضرط القاضي من فمه ثم قال: يا جاهل، الأمور كلها تسوتي؟ هو ذا أنا معي أير مثل البغل، ومن البيت - أستودعهم الله - يستصغرونه.
وارتفعت امرأة مع رجل إلى قاضي حمص فقالت: أعز الله القاضي، هذا قبلني، قال القاضي: قومي فقبليه كما قبلك، قالت: قد عفوت عنه، قال القاضي: فأيش قعودي ها هنا حيث أردت أن تهبي جرمه لم جئت به إلى هذا المجلس للحكم؟ والله لا برحت حتى تقتصي منه حقك، وبعد هذا لو ناكك رجل بحذاي لم أتكلم.
ومات لأبي العطوف ابن، وكان يتفلسف، فلما دلوه القبر قال للحفار: أضجعه على شقه الأيسر فإنه أهضم للطعام.
كان لمحمد بن يسير الشاعر ابن جسيم وسيم، بعثه في حاجة فأبطأ وعاد ولم يقض وطر أبيه، فقال فيه: الخفيف المجزوء
عقله عقل طائر ... وهو في خلقة الجمل
فأجابه:
شبه منك نالني ... ليس لي عنه منتقل
ووجه آخر ابنه إلى السوق ليشتري حبلاً للبئر ويكون عشرين ذراعاً، فانصرف من نصف الطريق وقالك يا أبي في عرض كم؟ قال: في عرض مصيبتي فيك.
قال رجل لابنه وهو في المكتب: في أي سورة أنت؟ قال: في لا أقسم بهذا البلد ووالدي بلا ولد، فقال أبوه: لعمري من كنت ولده فهو بلا ولد.
وقال آخر لابنه: أين بلغت عند المعلم؟ قالك قد تعلمت والفرج، أراد والفجر، قال الأب: فأنت بعد في حر أمك.
قال صالح بن محمود لأبيه: زوجني بعض أمهات أولادك، قال أبوه: ويحك هن مثصل أمك، قال: إنما يكون للرجل أم واحدة، قد ماتت أمي.
قيل لعمرو الحويزي: إن ابنك يناك، فقال لابنه: ما هذا الذي يقال؟ قال: كذبوا وإنما أنيكهم؛ فلما كان بعد أيام رأى أبوه صبياناً ينيكونه قال له: هذا النيك ممن تعلمت؟قال: من أمي.
عرض هشام بن عبد الملك الجند فأتاه رجل حمصي بفرس كلما قدمه نفر، فقال هشام: ما هذا، عليه لعنة الله؟ قال الحمصي: يا سيدي هو فاره ولكنه شبهك ببيطار كان يعالده فنفر.
قال الجاحظ: مررت بمعلم وهو يتأوه، فقلت: ما شأنك يا شيخ؟ قال: ما نمت البارحة من ضربان عرق، فنظرت إليه فقلت: أنت والله صحيح سليم مثل الظليم، فغضب واستشاط ثم قال: أحدكم يضرب عليه عرق واحد فلا ينام الليلة إلى الصباح، وتضرب علي حزمة عروق فتريدون مني ألا أصيح!؟ قلت: وأي حزمة عروق هذه؟ فكشف عن أير مثل أير البغل وقال: هذا يا خرا.
قال أبو العيناء: قلت لمخنث: كيف جوفك؟ قالك أدخل لسانك وذقه.
طلب أبو نواس من صديق له غلاماً أمرد، وكان يشرب معه فجاء بغلام مليح إلا أنه أعرج، فلما رآه أبو نواس قال له: ويحك، هذا أعرج، فسمع الغلام فقال: تريد تضرب علي بالصوالجة يا خرا أو تنيكني؟!

قيل لمديني ظريف: كيف رأيت البصرة؟ قالك خير بلاد والله للجائع والمفلس والعزب. أما الجائع فيأكل من خبز الأرز والمالح حتى يشبع بفلس؛ وأما العزب فيتزوج بمن شاء بدانقين؛ وأما المحتاج فيخرا ويبيع؛ فهل رأيتم بلداً مثلها؟ كان عبد الأعلى السلمي قاصاً، فقال يوماص: يزعمون أني مراء، وكنت أمس والله صائماً، وقد صمت اليوم وما أخبرت بذلك أحداً.
ومر عبد الأعلى بقوم وهو يتمايل سكراً، فقال إنسان: هذا عبد الأعلى القاص سكران، فقال: ما أكثر من يشبهني بذلك الرجل الصالح.
شاعر: البسيط
إن الضرورة للإنسان حاملة ... على خلاف الذي يهوى ويختار
قال فيلسوف: العشق جهل عارض وافق قلباً فارغاً قال أبو العيناء: أضحكني بائع رمان بحنين يقول: السريع
وقعت من فوق جبال الهوى ... إلى بحار الحب طرطب
العجلاني: الطويل
ألا حبذا ظل ظليل ومشرب ... لذيذ ونخل بالقعاقع يانع
وروحة آصال العشي ومنظر ... أنيق وغزلان عليها البراقع
قال أرسطاطاليس بلإسكندر: احفظ عني ثلاث خلال، قال: وما هن؟ قال: صل عجلتك بتأنيك، وسطوتك بترفقك، وضرك بنفعك، قال: زدني، قال: انصر الحق على الهوى تملك الأرض ملك استعباد.
قال بزرجمهر: لا شرف إلا شرف العقل، ولا غنى إلا غنى النفس.
كانت الفرس إذا أبصرت إلى النار التي تشتعل في أسافل القدور قالت: سيكثر المطر، وإذا فشا الموت في البقر قالت: سيكثر الموت في البشر، وإذا فشا في الخنازير قالت: يسل الناس ويصحون.
قال الإسكافي لرجل: أليس لا يكون ما لا يعلم الله تعالى أنه لا يكون، ولا يكون جاهلاً ولا ناسياً، قال: بلى، قال: فلم ينكر أن لا يكون ما يريد الله عز وجل ولا يكون مكرهاً ولا مغلوباً؟ قال أحد هؤلاء المشغبين لآخر: أتقول إن الكافر فعل الكفر بأن كفر؟ قال: نعم، قال: فقل إنه أخرج الكفر من باب العدم إلى الوجود بأن كفر؛ قال: لا يخرج من العدم إلى الوجود إلا الله عز وجل، قال: ولا يحدث الكفر إلا الله جلت عظمته.
قال رجل: سألت أحمد بن علي الشطوي وقلت له: هل شاهدت من يفعل أو يتأتى له الفعل إلا جسماً، قال: لا، قال: والصانع يفعل وليس بجسم، قال: نعم، قلت: وهذا خلاف الشاهد، قال: نعم، إنك أيضاً لم تشاهد من يفعل الأشياء، والله يفعل وليس بشيء خلاف الشاهد.
أما ترى تماري هؤلاء في هذه القاويل، وجنوحهم فيها إلى الأباطيل، وإعراضهم عن طلب الآخرة بالعمل الصالح والخشوع والإخبات؟ أما يعلمون أن التماري من المرية، والمرية الشك، والشك والتشكك في الدين والعقد يؤديان إلى هلك، ويشقيان على حيرة، وأن الواجب غير ما رأوه واجباً؟ قيل لفيلسوف: كيف للإنسان بأن لا يغضب؟ قال: فليكن ذاكراً في كل وقت أنه ليس يجب ان يطاع فقط بل أن يطيع، وأنه ليس يجب أن يخدم فقط بل أن يخدم، وأنه ليس يجب أن يتحتمل خطأه فقط بل يجب أن يحتمل الخطأ عليه، وأنه ليس يجب أن يصبر عليه فقط بل أن يصبر هو أيضاً، وأنه بعين الله دائماً، فإنه إذا فعل ذلك لم يغضب، وإن غضب كان غضبه أقل.
قال فيلسوف: عوام الناس ظنون ان الله جل جلاله في الهياكل فقط، ويرون أنه يجب أن يتهيأ الإنسان ويحسن سيرته في الهياكل فقط، وأما أصحاب المعرفة فلعلمهم بأن الله تعالى في كل موضع ينبغي لهم أن تكون سيرتهم في كل موضع كسيرة عوام الناس في الهياكل.
قال بعض العلماء: سألت أعرابياً: ما الناقة المرواح؟ قال: التي كأنها تمشي على أرماح؛ قالك أراد طولها.
قال فيلسوف: كما أن الذين يستعملون حواس البدن فقط يمنعهم من الغضب الخوف من الملك المحسوس إذا وقفوا بين يده، كذلك يجب على من يستعمل الحواس النفسانية أن يمنعه من الغضب الخوف من الملك المعقول الذي هو واقف بين يديه دائماً.
قال أفلاطون: نحن نعيش عيشاً طبيعاياً كي نعيش عيشاً عقلياً، فينبغي أن يكون قصدنا للعيش العقلي ولا نعطي القوة الطبيعية شيئاً أكثر مما تدعو إليه الضرورة.
قال الأموي: يقال: لأنت أضل من خروف القصاب، لأنه يلعب ولا يشعر؛ هكذا قال.
وقال الأموي: قول العرب من الأنس: أنس به يأنس، ولا يقولون أنس؛ هكذا قال.
وقال الأموي: يقال: ما كان ذلك إلا بعد الأين والصلعاء، وإلا بعد الهياط والمياط، أي لم يكن إلا بعد حين؛ هكذا قال الأموي.

قيل لابن لسان الحمرة: أي اللحم أطيب؟ قال: جنوب عرضان، قبض بعناقيد، حبس على دكاكين جزر، في دساكر جوف، لا تسمع الصوت إلا إرناناً.
القبض: المال المقبوض لأن السلطان يقبض أفضلها، حبس: مجتمعة، دكاكين: جمع دكان، في دساكر جوف: واسعة، لا تسمع الصوت إلا أن ترفع صوتك لأنها كصيرة الأهل والطير؛ هذا لفظ الأموي في النوادر.
وأنشد الأموي لأيمن بن خريم: الطويل
وصهباء جرجانية لم يطف بها ... حنيف ولم تنغر بها ساعة قدر
أتاني بها يحيى وقدج نمت نومة ... وقد لاحت الشعرى وقد خفق النسر
فقلت اصطبحها أو لغيري أهدها ... فما أنا بعد الشيب ويبك والخمر
تعففت عنها فيالسنين التي خلت ... فكيف التصابي بعد ما كلأ العمر
إذا المرء وفى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يهوى حياء ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي أتى ... وإن جر أرسان الحياة له الدهر
هكذا أنشد الأموي على ما حكى خط ابن الكوفي، وهو خط موثوق به، وكأن الغبن من تنغر مكسورة، وكسر فقال: ينغر: جاش غضبه.
وقال الأموي: عرية الرجل: متجرده.
وقال أيضاً: أسبط الله لوثه؛ أسبط مد رجليه، ولوثه اجتماعه.
وقال بعض النحويين في قوله " أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير " البقرة: 61 إنما يريد الذي هو أدون ولا يريد الذي هو أقرب، والدليل على ذلك أن معه الخير وكذلك " أولى لك " القيامة: 34 و35 إنما هو مقلوب من الويل.
كاتب: دع رجلي ورجلك في نعال، وما وسعهما القبال.
قال أعرابي يصف رجلاً: له من الرأي رأي يهتك أغطية الستور، ويوضح عن مبهمات الأمور، ويضم من الخير أعطافه، وينظم من الذكر أطرافه، ويشرق بعزم لا يدجو معه خطب، ويومض بصواب لا يلتبس معه صعب، حتى يغدر المستعجم معجماً، والمشكل مشكولاً.
وقال أعرابي: فلان له رأي لا يفيل، وظن لا يستحيل. يقال: فال رأيه إذا فسد وأخطأ جهة الحق، وفيلت أنت رأيه، إذا نسبته منه إلى الفيالة، والفيالة: الركاكة، والركاكة: الضعف، ويقال: الضعف.
وقال أعرابي لرجل: كم كربة فادحة قد فككت أغلاقها، وحادثة مصمتة سنيت أقفالها.
كاتب: قد أورق المجلس فلا بد من تلاق يجتنى به ثمر المحادثة من الأنس.
كاتب: استدم جدة من تزوره بالتجافي عنه والقلة عنده، فإن حركة الراغب ظاهرة للعاقل، واستدعاء الملول مشوب بالفتور، وقد قيل: مع التغاب الحاب، والإفراط في الزيارة مملول، كما أن التفريط فيها مخل.
هكذا ذكر هذا الكاتب، وكله كلامه.
قال أعرابي: صرف الله محله، وهدى رحله، وسر بأوبته أهله، ولا زال آمناً، مقيماً وظاعناً.
قال بعض لبلغاء: أجمل من رعاية الذمم، والمحافظة على الحرم، وأشهى من فكاك الأسير، وإرخاء المخنوق، والوجدان من الناشد، والماء من الغاص، والأمن من الوجل.
وقال: أحر من يوم الوداع؛ والوداع بفتح الواو، وأما الداع - بكسر الواو - فالموادعة، كأنك تدعن ويدع، ولا يقال من هذا ودعته، هكذا قال العلماء، وقد شذت قراءة بعضهم في قوله تعالى " ما ودعك ربك وما قلى " الضحى: 3 بالتخفيف وقال آخر: أروح من يوم التلاق، وألذ م ساعةن التواصل، وألطف م الروح، وأرق م النسيم وأنتن من ريح الفراق، وأضعف من كبد العشاق.
ومن رقيق ألفاظ الظرفاء في أيمانها: لا والذي يرعاك ويهب لي رضاك؛ ولا وعز القناعة وروح اليأس؛ لا وبلوغ السؤل فيك؛ لا وحرمة يوم الوصال.
وقال أعرابي في ذم آخر: فاستحقب الوجل، واستعجل الأجل، لا سقاه الله غماماً، ولا ستر له أماماً.
دعا آخر على مسافر فقال: بالبارح الأشأم، والسنح الأعصم، وجد موعث، وكد ملهث، وهم مكرث - يقال كرثني الأمر وأكرثني - وطائر منحوس، وظهر مركوس، ورحل منكوس؛ ولا زالت داره قذفاً، وطلابه أسفاً، وعقباه تلفاً، فإن عاد فلا عاد إلا بكآبة المنقلب، وندامة المعتقب.
من أمثال العامة: من يطفر من وتد إلى وتد يدخل في آسته أحدهما. من أكل على مائدتين اختنق. واحد يعرف له وآخر يطوف له. الضرب في الحاج والسب في الرياح. والحر يعيط والعبد يأمل. المولى برضى والعبد يشق آسته.
وقال لنا علي بن عيسى النحوي مرة، قال ابن الأخشاد: أمثال العامة تحكى؛ وما أظرف قولهم: شق أستك صيرفي؛ هكذا يقولون.

قال جراب الدولة: كان عندنا بسجستان منجم يعرف بأبي علقمة البستي فقال يوماً من الأيام: غداً يجيء المطر وإن لم يجئ المطر ماتت أمي، فلما كان الغد لم يجئ المطر فدخل فخنق أمه، فقيل له في ذلك فقال: قد أحببت ألا يخطئ حكمي، ولا أكون كاذباً.
هذا طريف جداً.
جاء رجل إلى عابر رؤيا هكذا يقال، والمعبر ضعيف، يقال: استعبرته فعبر، وفي القرآن " إن كنتم للرؤيا تعبرون " يوسف: 43 هذا من غير محققه، وعبر النهر، واستعبر الملاح، واستعبر إذا دمعت عيناه، والعبر - بالضم - سخنة العين، وكذلك العبر، والعبر جانب النهر، والشعري يقال لها العبور، فأما العابور فسحابة هاطلة قليلة اللبث مفرقة القطر كبا الحب، والعبارة اللفظ والمنطق، يقال: فلان حسن العبارة - بكسر العين - فلقد رأيت بعض الرؤساء من الكتاب يهلج بفتح العين، فكان أهل الأدب يعيبون عليه ذلك، فكن متجنباً لشنيع الخطأ وفاحش اللحن، واجتهد في الأخذ بالصواب، فإن تعذر ذلك فاتق ما اشتد فحشه؛ فأما العبير فطيب معروف، ويقال هو الزعفران، وأيضاً الجساد للصوقه بالجسد، ويقال أيضاً الملاب - بالتخفي؛ ويقالك جاء فلان معبراً، هذا من غريب ما حفظ عن أبي عمرو ابن العلاء؛ والعبرة كأنها الدمعة، والعبرة والاعتبار كأنها نظر في ما يتعجب منه ويبكى له - طال هذا الاعتراض، وما أحب أن يتخلج المعنى عليك، أو يقع في ما أرويه بعض ما يقبح في عينيك، ولكن الحديث شجون، والشجون: الرواضع التي تأخذ من النهر العظيم، وشجن الإنسان ما اهتم به وعقد طويته عليه، ويقال: للناس أشجان ولي شجن - نعم، نعود إلى النادرة فقد سافرنا عنها.
فقال له - أعني للعابر - : رأيت في النوم كأني راكب دابة أشهب له ذنب أخضر، فقال: إن صدقت رؤياك استدخلت فجلة.
يقال: مر عامر بن بهدلة برجل قد صلبه الحجاج ظلماً فقال: يا رب، إن حلمك عن الظالمين قد أضر بالمظلومين، فرأى في منامه كأن القيامة قامت، وكأنه دخل الجنة فرأى المصلوب فيها في أعلى عليين، وإذا مناد ينادي: حلمي عن الظالمين أحل المظلومين بأعلى عليين.
شاعر: الطويل
خليلي لو كان الزمان مساعدي ... وعاتبتماني لم يضق عنكما عذري
فأما إذا كان الزمان محاربي ... فلا تجمعا أن تؤذيان مع الدهر
كاتب: أعقبنا الله بهذه الفرقة ألفة وتلاقياً، وبهذا الشتات شملاً وتدانياً.
شاعر في بعض ولاة بني مروان: الطويل
إذا ما قطعتم ليلكم بمدامكم ... وألحقتم أيامكم بمدام
فمن ذا الذي يخشاكم لملة ... ومن ذا الذي يغشاكم بسلام
رضيتم من الدنيا بأيسر بلغة ... بشرب مدام أو بلثم غلام
ولم تعلموا أن اللسان موكل ... بمدح كرام أو بذم لئام
كاتب: أشد من كرب الشوق، وأفطع من حرق الفراق، ما تضمنه صدر من لا تساعده دموعه، ولايطاوعه لسانه، فترى الزفرات تتردد في أحشائه، والغموم تتلظى تحت جوانحه، ولو انطلقت عبرته وأسمح لسانه، لطفي بعض ما يعانيه، ولهذا نبذ ما يقاسيه، وإن كان قدر التبل بفراقك أعظم من أن يوازن بالبكاء، ومقدار الصبابة إليك أقوى من أنيستدرك بالاكتئاب.
قال الزيادي، قال السري: النبيذ صاوبن الغم.
شاعر: الخفيف
رب ليل وصلته بنهار ... ورضاب مزجته بعقار
ومدام أدرتها بيمين ... وصلاف أخذتها بيسار
وصغار شربتها بحبيب ... وحبيب صرعته بكبار
وظباء جمعت بين لذيذ ال ... عيش بيني وبينها في إزار
قال النخعي: لا يحرم النبيذ إلا صاحب بدعة وهوى. ليته ذكر العلة، فقد والله آلمني غير مكثرث، وما هذا من احتياط الفقهاء المتحرجين.
قال العتبي في جارية هويها فلامه أبوه وأخرجه من داره: الطويل
تبدلت من قلبي المودة بالبغض ... وصيرت بعد القرب منه إلى الرقص
وكان الهوى غضاً فلما ملكته ... تقصف غصناه وحال عن الغض
فإن أك قد أخرجت عن دار بغضة ... فليس بكفي مخرجي سعة الأرض
فقال أبوه: إن اقلعت عن هذاقبلتك، فقال لأبيه: الهزج
تراني تاركاً لل ... ه ما أهوى لما تهوى
أنا أشهد ا، الح ... ب من قلبي إذاً دعوى

كاتب: سقياً لدهر لما خلام لنا خلا منا، ولما تصدى لنا تولى عنا.
وقال زهير بن جناب: الكامل المجزوء
أبني إن أهلك فقد ... أورثتكم مجداً بنيه
وتركتكم أبناء سا ... دات زنادكم وريه
من كل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحية
ولقد شهدت النار للإن ... قاذ توقد في طميه
ولقد غدوت بناشر الط ... رفين لم يغمز شظيه
فأصبت من حمر القنا ... ن معاً ومن حمر القفيه
ولقد رحلت البازل ال ... وجناء ليس لها وليه
ونطقت خطبة ماجد ... غير الضعيفة والعييه
والموت خير للفتى ... فليهلكن وبه بقيه
من أن يرى تهديه ول ... دان المقامة بالعشية
قال فيلسوف: كما أن البدن الخالي من النفس تفوح منه رائحة النتن، كذلك النفس العديمة الأدب تحس نقصها بالكلام والأفعال، وكما أن نتن البدن الخالي من النفس ليس يحسه ذلك البدن بل الذي له حس، كذلك النفس العديمة الأدب لا تحس بل الأدباء.
قال فيلسوف: اليسار هو الباقي دائماً عند مالكه الذي لا يمكن له أن يؤخذ منه، ويبقى له عند موته، ليس الذي يبقى معه زماناً يسيراً ولا يكون بعد موته له، والذي يتحد بالصفة الأولى هي الحكمة.
قال فيلسوف: الفقر هو أصل حسن سياسة الناسن وذلك أنه إذا كان من حسن السياسة أن يكون بعض الناس يسوس وبعضهم يساس، وكان من ساس لا يستقيم أن يساس من غير ان يكون فقيراً محتاجاً، فقد تبين أن الفقر هو السبب الذي يقوم به حسن السياسة.
قيل لفيلسوف: لم صار الذين يفعلون الشر لا يعاقبون على فكرهم الردي وإنما يعاقبون على أفعالهم فقط؟ فقالك من قبل أنه قصد الإنسان لا لأن يتفكر لكن لأن لا يفعل الردي مما يتفكر فيه.
قل فيلسوف: إن لم يتهيأ لك البلوغ في العلم م تلقاء نفسك مبلغ القدماء فينبغي لك أن تستغني بعيانهم، وذاك أنهم قد خلفوا لك خزائن العلم في كتبهم، فافتحها وتدبرها وأعن نفسك بها، ولا تكونن كأعمى في يده جوهر ولا يعرف حسنه.
قال عبد الله بن طاهر: عجبني أمير المؤمنين من رؤيا رآها، فسألته عنها فذكر أنه رأى في منامه كأن رجلاً جلس مجلس الحكماء فقلت له: من أنت؟ فقالك أنا أرسطاطاليس الحكيم، فقلت له: أيها الحكيم، ما أحسن الكلام؟ قالك ما يستقيم في الراي، فقلت: ثم ماذا؟ قال: ما استحسنه السامع، قلت: ثم ماذا؟ قالك ما لا تخشى عاقبته. ثم قال المأمون: لو كان حياً لما كان يتكلم بأحسن مما تكلم به فيما رأيته.
قال بعض المنجمين: الشمي إذا كانت في التاسع من الطالع دلت على العبادة والخوف من الله وذكر الملائكة.
وقال بعض أهل النجوم: إن الملة الإسرائيلية انعقدت في نوبة زحل، وزحل صاحب يوم السبت؛ وزعم أن زحل دليل العطلة والتغرب والتأله، وكذلك اليهود في الانقطاع عن الأعمال في يوم السبت؛ وزعم أن الأحد؛ وزعم أن الملة الإسلامية انعقدت في نوبة الزهرة، وللزهرة يوم الجمعة، ولها النظافة والزينة والتطيب والخصب، وفجدنا المسلمين محثوثين على إعظام يوم الجمعة بالإغتسال والطي وليس الجديد والتوسعة في النفقة.
قال أفلاطون لأرسطاطاليس: لا تقل ما لا ينبغي لك أن تفعله.
وقال له: إن الله عز ولج ليس ينتقم من العباد بالسخط بل ليقومهم.
وقال له: لا ينبغي لك أن تهوى حياة صالحة فقد بل وموتاً صالحاً، ولا تعتد بالحياة والموت صالحين إلا بأن تكسب بهما البر.
وقال له: أدم التذكر فيم كنت وإلى أين تصير ولا تؤذ أحداً فإن الأشياء زائلة.
وقال له: لا تنتظر بفعل الخير أن تسأل إياه بل ابتدئه مع أهله.
وقال له: أدم ذكر الموت والاعتبار به.
وقال أفلاطون: تعرف خساسة المرء بكثرة كلامه فيما لا ينفعه، وإخباره بما لايسأل عنه ولا يراد منه.
وقال أفلاطون: من فكر في الشر لغيره فقد قبل الشر في نفسه.
وقال أفلاطون: لا تؤخر إنالة المحتاج إلى غد فإنك لا تدري ما يعرض في غد.
وقال: أعن المبتلى إذا لم يكن سوء العمل ابتلاه.
وقال أفلاطون: إن تبعت في البر فإن البر يبقى والتعب يزول وإن التذذت بالآثام فإن اللذة تزول والآثام تبقى.
وقال أفلاطون: أجهل الجهال من عثر بحجر مرتين.

وقال أيضاً: كفاك موبخاً على الكذب علمك بأنك كاذب، وكفاك ناهياً عنه خوفك إذا كذبت.
كاتب: أرعيت مخمصتنا في خصب جنابك، ورويت معطشنا من صوب سحابك، حتى تحافت البطون عن الظهور، وأقلعت العيون عن الجفون.
كاتب: كم نعمة جسيمة وفيتنيها، ونازلة عظيمة كفيتنيها؛ كم من يد لك عندي بيضاء، وصنيعة زهراء، وفائدة غراء، سودت وجوه أعدائي، وأظلمت عيون أكفائي.
قال ابن أبي ليلى: رأيت بالمدينة صبياً قد خرج من دار وبيده عود مكشوف، فقلت له: غطه لأنهعيب، قال: أو يغطى من الله شيء؟ لا بلغت!! قال الفرزدق لغلام أعجبه إنشاده: أيسرك أني أبوك؟ قالك لا ولكن أمي ليصيب أبي من أطابيك.
قال البلاذي: أدخل الركاض وهو ابن أربعسنين إلى الرشيد ليتعجب من فطنته فقال له: ما تحب أن أهل لك؟ قال: جميل رأيك فإني أفوز به في الدنيا والآخرة، فأمر بدنانير ودراهم فصبت بين يديه فقال له: اختر الأحب إليك، فقال: الأحب إلى أمير المؤمنين، وهذا من هذين، وضرب بيده إلى الدنانير، فضحك الرشيد وأمر أن يضم إلى ولده ويجرى عليه.
كان على خاتم أرسطاطاليس: المنكر لما لا يدري أعذر من المقر بما لا يعلم.
وكان على خاتم بقراط: المريض الذي يشتهي أرجى من الصحيح الذي لا يشتهي؛ ومر بي بخط محمد بن فرج في موضع كان محبوساً فيه: من سلب نعمة غيره سلب غيره نعمته.
وكان على خاتم فيثاغورس: شر لا يدوم خير من خير لا يدوم.
وكان خاتم كسرى: لا يكون عمران بحيث يجوز السلطان.
وكان على خاتم بزرجمهر: معالجة الموجود خير من انتظار المفقود.
وكان على خاتم ملك الديلم: الاحتمال حتى تمكن القدرة.
سئل أنوشروان: من أهنأ عيشاً؟ قال: من يتذكر التفريط في ما ينبغي له أن يتقدم فيه.
قال أنو شروان: العطلة تهيج الفكرة، والفكرة تهيج الفتنة.
قال العتبي: إذا تناهى العمر انقطع الدمع، ومن الدليل على ذلك أنك لا ترى مضروباً بالسياط ولا مقدماً لضرب العنق يبكي.
قال فيلسوف: من عاشر الإخوان بالمكر كافأوه بالغدر.
وقال فيلسوف: كل شيء يحتاج إلى العقل، والعقل يحتاج إلى التجارب.
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: أنا منذ عشرين سنة في طلب أخ إذا غضب لم يقل إلا الحق فما أجده.
محمد بن حازم الباهلي: البسيط
ما الجود عن كثرة الأموال والنشب ... ولا البلاغة في الإكثار بالخطب
ولا الشجاعة عن حسم ولا جلد ... ولا الأمانة إرث عن أب فأب
لكنها همم أدت إلى نجح ... في كل ذاك بطبع غير مكتسب
والرزق عن قدر يجري إلى أجل ... بالعجز والكيس والتضييع والطلب
والناس فيما أرى عندي بأنفسهم ... لا بالقبور ولا الأسلاف والنسب
إني وإن قل مالي لم تقف هممي ... دون الجميل من الأخلاق والأدب
صبراً على الحق في مال سمحت به ... وللزمان على اللأواء والكذب
يا صاحباً لم يدع لي فقده جلداً ... ظلمت بعدك إن الدهر ذو عقب
أبكي الشباب لجيران وعاذلة ... وللمغاني وللأطلال والكثب
ولللصريخ وللإلجام في غلس ... وللقنا السمر والهندية القضب
وللخيال الذي قد كان يطرقني ... وللندامى وللذات والطرب
قال لقمان الحكيم: ضرب الوالد للولد كالسماد للزرع.
قال بعض السلف: إذا ولي صديق لك ولاية فأصبته على العشر من صداقته فليس بأخ سوء.
وقال لقمان أيضاً: نقلت الصخر وحملت الحديد فلم أر شيئاً أثقل من الدين، وأكلت الطيبات وعانقت الحسان فلم أر ألذ من العافية؛ وأنا أقول: لومسح القفار، ونزح البحار، وأحصى القطار، لوجدها أهون من شماتة الأعداء، خاصة إذا كانوا مساهمين في النسب، أو مجاورين في بلد.
لابن أبي فنن: الرمل المجزوء
عيرتني الشيب أمسا ... ء وقد شار العذار
ولها إن بقيت من ... ه قناع وخمار
إنما الدنيا وما في ... ها متاع مستعار
ليس ينجي حذراً مم ... ا قضى اله الحذار
لا ولا للحر إن ضي ... م على الضيم قرار
إنما الفتح لنا غي ... ث إذا ضن القطار

وإلى الفتح إذا ما ... ذكر الجود يشار
قيل لفيلسوف: الحزن أشد ام الخوف؟ فقال: بل الحزن، وإنما صار الخوف مكروهاً لما فيه من الحزن، وكما أن السرور غاية كل محبوب فكذلك الحزن غاية كل مكروه.
وقال الحجاج لجلسائه: ما يذهب بالإعياء؟ فقال بعضهم: التمريخ، وقال آخر: النوم، قال: لا، ولكن قضاء الحاجة التي أعيا بسببها.
جاز جحا بقومه وفي كمه خوخ فقال لهم: من أخبرني بما في كمي فله أكبر خوهة فيه، فقالوا: خوخ، فقال: ما قال لكم إلا من أمه زانية.
وقال له أبوه يوماً:احمل ها الحب فقيره، فذهب به فقيره من خارج، فقال له أبوه: أسخن الله عينيك، رأيت من قير الحب من خارج؟ فقال جحا: إن لم ترض عافاك الله فاقبله مثل الخف حتىن يصير القير من داخل.
بات جحا ليلة مع صبيان فجعلوا يفسون فقال لامراته: هذا والله بلية، قالت: دعهم يفسون فإنه أدفأ لهم، فقام وخري وسط البيت ثم قال: أنبهي الآن الصبيان حتى يصطلوا بهذه النار.
وشتم جحا يوماً أمه فقال له أبوه: يا ملعون، هذا جزاؤها منك؟ قال: وأيش عملت لي؟ قال: حملتك في بطنها تسعة أشهر، وأرضعتك وربتك، قال: قل لها تدخل في أستي حتى أخبأها تسعة عشر شهراً.
هذه النوادر رواها لنا ابن قريعة، وكان كثير النوادر، غزير الحفظ، فصيح اللسان على تكلف مع ذلك.
وسمعت القاضي أبا حامد يقول: ببغداد ثلاثة قضاة، أحدهم جدي الظاهر هزلي الباطن، والآخر هزلي الظاهر جدي الباطن، والثالث جدي الباطن والظاخر. فسئل عن هؤلاء الثلاثة فقال: أما ابن معروف فظاهره جد وباطنه هزل، وأما ابن قريعة فظاهره هزل وباطنه جد، وأما ابن أم شيبان فظاهره جد وباطنه جد.
وأنا أقول في هذا شيئاً وإن كان مسعفاً لبعض ما قاله هذا الرئيس، وتعقب كلام الرؤساء صعب، ولكن أين جسارة مثلي وإقدامه، وتحككه واعتزامه؟ اعلم أن هزل ابن معروف كان مغموراً بعلمه وادبه، وكان محتملاً لشكله وظرفه، وقد خلص فضله وخفي نقصه، فإذا لم يكن بد من النقص فلأن يكون مستوراً خير من أن يكون بارزاً لكل عين؛ وأما جد ابن قريعة في باطنه فما أغناه عن هزله في ظاهره لأنه وقف الممتعض منه المتباعد عنه، وصار ناصره وعاذره لا يجدان في تهوين شأنه إلا تمليحه واستظرافه؛ وأما ابن صالح على شرفه وبيته، وماله وجاهه، فما كان جده رافعاً له، ولا هزله واضعاً منه، وكان لا حلواً ولا مراً، ولا خلاً ولا خمراً، وكان مفضوحاً في ولايته، مرحوماً في عزله، وذلك أ،ه كان لا يقارب العامة ولا يداري الخاصة، ومقاربه العامة إنما هي بلين اللفظ وخفض الجناح وسكون الطائر، وكان أخف من خشاشة، وأطيش من فراشة؛ ومداراة الخاصة إنما تكون ببسط اليد ورفع الحجاب وبذل العطاء ونصرة الائذ ومسالمة المداهن، وكان والله جعد الكف كز الطباع سيء اللفظ، قد أفسده شرفه، وأطغاه يساره، فهو لا يعقل إلا الجمع، ولا يعرف إلا المنع، قد نسي عواقب الأمور وحوادث الدهور، ينكر الإحسان لأنه لايلتذ بالشكر ولا يطرب على المدح، خبزه مختوم ورغيفه محلى، ودرهمه في الدرك الأسفل من النار، فمن ذا يهوي إليه أو ينقض عليه؟! ولقد قدم ابن المعتصم عليه، وهو شيخ الرملة، والمشار إليه بفلسطين، فقدم على ما ساءه وناءه، حتى قال يوماً غير مكترث: لقد اقشعررت بتلك الديار من ضيم لعله ما كان ينالني، ولو نالني لما كان يغيظني، وأسندت نفسي إلى ابن عم بالعراق، ولو سلخني، ونفخوا في جلدي نفخاً، لكان أهون علي مما قد عاملني به.
طال هذا الفصل وما أدرت ذلك كله، ولكن لتمزيق عرض اللئام حلاوة لا توجد في مدح الكرام، وكان بعض المشايخ يقول: إن مادح الكريم طالب مزيد بعد استقلاله بنفسه، وهاجي اللئيم منتصف من الظالم، وفي الانتصاف نوع من الظفر، والظفر مطلوب كل نفس، ومنية كل ذي حس، وأنا أعوذ بالله من مدح يصحبه تكلف، وهجو يطور به تكذب، وأسأله أن يكفيني حصائد هذا اللسان، وعرامة هذا الطبع، وطغيان هذه النفس، فهو خير معوذ به وأكرم مسؤول ما عنده.

كان عند بعض الملوك ثلاث نسوة: فارسية وعربية ونبطية، فقال للفارسية ذات ليلة: أي وقت هذا؟ قالت: سحر، قال: وما يدريك؟ قالت: وجدت رائحة الرياحين، وقال للعربية أخرى: أي وقت هذا؟ قالت: سحر، قال: ومن أين عملت؟ قالت: وجدت برد خلخالي، ثم قال للنبطية ليلة أخرى: أي وقت هذا؟ قالت: سحرن قال: وما يدريك؟ قالت: أريد أخرى.
دخل رجل حماماً فسرقت ثيابه فخرج وهو عريان، وعلى باب الحمام طبيب فقال له: ما قصتك؟ قال: سرقت ثيابي، قال: بادر ونفس الدم، حتى يخف عنك الغم.
يقال: إن كان إنسان نقع مداواته لما يصيبه من جنس ما يكون منه، فالملاح إذا لسعه زنبور طلى مكانه بقبر، والحجام يشرطه بسكين، والحائط يشده بقطعة خيط فيسكن عنه، والعجان يضع عليه شيئاً من العجين، وأنا رأيت بعض الوارقين كان يطلي مثل هذا بالحبر.
قال الحجاج يوماً لجلسائه: أي صوت سمعه أحدكم أرق فأعجب إليه، فقال بعضهم: ما سمعت صوتاً أرق في سمعي من صوت قارئ حسن القراءة لكتاب الله تعالى في جوف الليل، قال: إن ذلك لحسن؛ وقال آخر: ما سمعت أعجب من ثوت حاد في مسير، قال: إن ذلك لحسن؛ قال آخر: ما سمعت أعجب من أن أترك امرأتي ما خضاً وأخرج إلى المسجد مبكراً فيأتي آت ويبشرني بغلام، فقال الحجاج: واحسناه؛ فقال آخر: ما سمعت صوتاً أعجب من أن أكون قائد جيش فأسرج نحو العدو، فبينا أنا كذلك إذ جاءني البشير بالفتح، فقال الحجاج: واحسناه؛ وقال شعبة بن علقمة التيمي: لا والله ما سمعت صوتاً قط أعجب إلي من أن أكون جائعاً فأسمع قعقعة الخوان، فقال الحجاج: أبيتم يا بني تميم إلا حب الزاد.
دخل أحمد بن أبي العلاء على يحيى بن ماسويه يوماً ووجهه مهيج، فقال له: ويحك يا أحمد، ما هذا الوجه؟ أيش أكلت البارحة؟ قال: لوزينج، قال: وأيش شربت؟ قال: نبيذ دوشاب، قال: كان ينبغي أن تتنقل عليه بخرا.
اعتل بعض النوكى، وكان من الرؤساء المجدودين، فجيء بطبيب، فقال الطبيب: إذا كان غداً فاحتفظ بالبول حتى أجيء وأنظر إليه فأحكم عليه؛ فلما عاد الطبيب قال المريض: يا عبد الله، كادت مثانتي والله تنشق مما حسبت فما تأخرت بلت الساعة، قال الطبيب: ما هذا؟ إنما أمرتك أن نحبسه في إناء؛ فلما كان من الغد جاء الطبيب فإذا هو قد أخذ بوله في آنية خضراء، فقال له: يا هذا أخطأت، لم يكن في الدنيا قارورة زجاج؟ كنت تأخذه في قدح، ومضى؛ فلما عاد الطبيب وإذا العليل قد أخذ البول في قدح من خشب وجاء به إليه قول: أنت في حرج الله إلا نظرت في هذا الماء واصدقني عن أمري هل يخاف علي من هذه العلة؟ قال الطبيب: أما إذا حلفتني فلا بد من أن أقول لك: أنا خائف من أن تموت من هذا العقل لا من هذه العلة.
صارت عجوز إلى قوم تعزيهم عن ميت، فأت عندهم عليلاً، فلما أرادت أن تقوم قالت: الحركة تغلظ علي في كل وقت، فأعظم الله اجركم في هذا العليل فلعله يموت.
وأخذ الطلق امرأة ابن خلف الهمذاني، فدخل ابن خلف فقال للقابلة: أخرجيه ذكر ولك دينار ولك ما شئت، بالله لا أحتاج أن أوصيك.
وقدم إلى بنت الصلت جام فالوذج، فلما ذاقته قالت: المساكين أرادوا أن يسووا عصيدة فأفسدوها.
قرأ ابن الجصاص: ولا ينبئك مثل حنين؛ ويقال: إنه قرأ: ذرهم يأكلون ويتمتعون فقال: هذا والله رخيص.

وسمعت مشايخ كثيرين يقولون: كان ابن الجصاص أعقل الناس وأحزم الناس، وأنه هو الذي ألحم الحال بني المعتضد وبين بنت خمارويه، وسفر بينهما سفارة عجيبة وبلغ من الجنبتين أحسن مبلغ، وخطب بنت خمارويه بن ا؛مد للمعتصد، وجهزها من مصر على أجمل وجه، وأعلى ترتيب، ولكن اطردت عليه العامة وأشباه العامة من الخاصة هذه النوادر وهذه الشبه، فإن المعتضد ما اختاره للسفارة والصلح والكلام في حال قد تشعثت، وركن قد وهن، وقصة قد استبهمت، إلا والمرجو منه والمأمون في والمظنون به فيما يأتيه ويستبقله من أمر نظير ما قد شاهده في ماضي أيامه. وقد رأة الناس آثار المعتضد وعزائمه وبأسه وإقدامه حتى قيل هو المنصور الثاني، ويقال هو الذي أعاد بهجة دولة بني العباس ومارس فيها أحسن مراس، فرجل حزمه معروف وثباته موصوف، كيف يستبطن ابن الجصاص ويختصخ إلا وهناك عقل كامل، وثبات وفضل غامر، وعزيمة وصبر وتأب واقتدار، وتلطف وتجربة؛ فهل كان يجوز أن ينعقد أمر قد تفاقم، واشتد وتعاظم، برسالة أحمق وسفارة أخرق، أو من إن سكت احتقر، وإن تكلم استخف به؟ هذا ما يكون ولا يتعلق به الظنون.
قلت هذا كله لابن غسان البصري فقال: إن الجد ينسخ حال الأخرق، ويستر عيب الناقص، ويذب عن عرض المتلطخ، ويقرن الصواب بمنطقه، والصحة برأيه، والنجاح بسعيه، والجد يستخدمه العقلاء لصاحبه، وينزع محاسنهم في مطالبه.
ولقد كان ابن الجصاص على ما فيل وروي، وحدث وحكي، ولكن جده كفاه غائلة الحمق، وحماه عواقب الخرق، ولو عرفت خبط العاقل وتعسفه وسوء تأتيه وانقطاعه إذا فارقه الجد، لعلمت أن الجاهل قد يصيب بجده مع جهله ما لا يصيب العاقل العالم بعلمه مع حرمانه. قلت: فما الجد؟ وما هذا المعنى الذي علقت عليه هذه الأحكام كلها؟ فقالك ليس لي عند عبارة مغنية، ولكن لي به علم شاف استفدته بالاعتبار والتجربة والسماع العريض من الصغير والكبير، ولهذا سمع من امرأة بدوية ترقص ابناً لها فتقول له: رزقك الله جداً يخدمك عليه ذوو العقول، ولا رزقك عقلاً تخدم به ذوي الجدود.
وكان يقول في هذا كلاماً كثيراً، ولعلي أتلافى ما تركت ها هنا فيما أستقبل من الكتاب إن شاء الله.
قال ماجن لطبيب: يا سيدي، إن أمي تجد في حلقها ضيقاً ويبساً وحرارة، فقال الطبيب ليت الذي في حلق أمك في حر أمرأتي، وأن على حلق السكين.
وجاء ماجن آخر إلى الطبيب فقال: أجد في أطرف شعري شبه المغص وفي بطني ظلمة، وإذا أكلت الطعام تغير في جوفي، قال الطبيب: أنا ما تجده من المغص في أطراف شعرك فاحلق رأسك ولحيتك فإنك لا يجد منه شيئاً؛ وأما الظلمة التي في بطنك فعلق على باب آستك قنديلاً حتى لا تجد هذه الظلمة؛ وأما تغير الطعام في جوفك فك لخرا واربح النفقة.
وقال أبو العنبس: سمعت حمدة بن الخراساني في ليلة كسوف وهي تبكي وتتضرع وتقول: يا رب، عذبني بك لشيء ولا تعذبني بالنار، اضربني بالفالح، ارمني بقاصمة الظهر، كل شيء ولا النار. أصرخ واللخ وأصيح، إن أحرقت ثيابي أبقى مجردة. قال: وكانت مثل ياسمينة نقية أو فضة مصفاة، إلا أنها كانت بلهاء.
قال أبو العنبس: سمعت رجلاً يقرأ " يا حسرة على العباد " الآية يس: 30 وهو يبكي ويقول: يا سيدي، ما أشفقك علينا، بأبي انت وأمي كم تتحير علينا؛ قال: وسمعته بعد ذلك يقرأ " أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله " الزمر: 56 ويقول: فديت جنبك يا سيدي، أيش أصاب جنبك يا مولاي، عز علي جنبك، ليت ما بك بي يا سيدي.
قال ابن قريعة القاضي: سمع أعرابي قارئاً يقرأ " الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " الأنفال: 2 فقال الأعرابي: اللهم لا تجعلني منهم، فقيل له: ويحك لم قلت هذا؟ فقال: لولا انهم قوم سوء لم توجل قلوبهم.
حكيت هذا لبعض مشايخنا الصوفية فقال: لقد أخطأ الأعرابي وأصاب، فاما وجه خطائه فمكشوف، وأما تأويل صوابه فمليح، فقلت: زدني فهماً: يا هذا " إلا من آمن " سبأ: 37. هذا ما قال لي، والمفهوم فيه مقسوم بيني وبينك، فغن وقع لك كما وقع لي فخذ الفائدة، منه وإن تكن الأخرى فلا ترحمنا حسن الظن منك فهو أدنى ما نستحق على مثلك، مع فضلك وطيب عنصرك ولاتساعك لمعاذير إخوانك.

وإنما أعرض في هذه المواضع مسترسلاً بقلمي، مع نفسي أو من يجري مني مجرى نفسي، فلا أحتشك، لأن غرضي في جميع ما خلدته في هذا الكتاب غرض سليم، ونيتي فيه حسن وغايتي محمودة، وما أبور فيه إلا على حاسد لا يشفيه مني إلا ان يعيني الله من نعمته، ويخليني من صنعه، والله تعالى لا يبلغه أمانيه، ولاينجح له مساعيه؛ أو جاهل بمواقع ما قد نكت فيه ومررت به على مقدار ما فاض به العقل، وجرى إليه العلم، وأسمحت عليه النفس، وساعدت فيه القوة. وهذا الكلام وإن أشار إلى بعض الاقتدار، فقد اشتمل على نوع من الاعتذار.
كان إبراهيم بن الخصيب المديني أحمق الناس، وكان له حمار أعجف، وكان إذا علق الناس الخالي بالعشي أخذ مخلاة حماره وقرأ عليها " قل هو الله أحد " الإخلاص: 1وعلقها عليه فارغة وقال: لعن الله من يرى أن كيلجة شعير أنفع من " قل هو الله أحد " ؛ فما زال هكذا حتى نفق الحمار فقال: إن " قل هو الله أحد " تقتل الحمير، وهي والله للناس أقتل، لا أقرأها ما عشت.
يقال: اعتلت امرأة ابن مضاء الرازي فجعلت تقول: ويلي، كيف تعمل إن مت؟ فقال ابن مضاء: ويلي أنا كيف أعمل إن لم تموتي؟! وتزوج ابن مضاء امرأة بمهر أربعة آلاف درهم فقيل: ما حملت على نفسك؟ فقال: أنا أفدي غريماً كلما وجدته نكته في آسته.
قيل لبعض القراء: قد ولي أخوك ولاية فلم تأته، فقال: ما سرتني له فأهنته، ولا ساءته في نفسه فأعزيه، فلماذا آتيه؟ قيل لابن شبرمة، وكان من أهل الكوفة: أنتم أروى للحديث ام أهل البصرة؟ فقالك نحن أروى لأحاديث القضاء، وهم أروى لأحاديث البكاء.
أقام رجل بباب بلال بن أبي بردة شهراً لا يصل إليه، فكتب إليه رقعة وتلطف حتى ولصلت، فقرأها بلال وتبسم، فقيل له في ذلك فقال: ما أرفق كاتبها، قيل: ما كتب؟ قال: كتب: حسن الآمال وثناء الرجال وقفاني عليك، والصبر مع العدم لون من ألوان الخرق والحرمان، ومنتجع الكرام مراح الأحرار، فإما عطاء جزيل، أو رد جميل؛ فوجه إليه بعشرة آلاف درهم.
قد سمعت هذه الحكاية على غير هذا الوجه تحكى لبعض من اجتدى، وطرق الرواية مختلفة، والكذب كثير، والتزيد واسع، فكان أبو مخلد يقول: لا تصدق بقول المحدثين: فلان أعطى فلاناً عشرين ألف درهم، وفلان وصل ندمانه في ليلة بمائة ألف درهم، وفلان فعل، وفلان صنع، ويقول: هذه من أكاذيب الوراقين، وليس لما يحكى عن البرامكة حقيقة، وإنما يختلق هذه الألفاظ والمعاني ناس ختلوا قوماص عن دينارهم ودرهمهم، وإلا فلم لا نرى في عصرنا مثل هذا؟ أترى الناس مسخوا؟ فقيل له: لولا أن في عصرنا من يعطي أكثر من هذا ما كنت أنت في هذه النعمة الضخمة، والحال الفخمة، والبال الرخي، والعيش الهني، من غير كتابة بارعة، ولا أدب بارز، ولا نسب شريف، ولا شجاعة ظاهرة، ولا رأي مصيب، ولا بيت مروف، ولا سبب نادر، ولا أمر بديع؛ وذاك أن أحمد ابن بويه معز الدولة كان يختصه ويقدمه يوعطيه ويغنيه، وهو خال من جميع أنواع الفضل، فما سمع ذلك أمسك وعبس، وسكت فما نبس؛ هكذا حكى أبو الجيش الطبري وكان متبسطاً معه جريئاً عليه، وقمع بهذا غربه وبتر حبله، فقيل لأبي الجيش: ما بعثك على هذا، مع مكانك منه ومنزلتك عنده؟ قال: الغيرة على الأدب والنصرة لأهله، ولو قنع بملابستنا له على مسايرتنا إياه بتغافله أسكتنا، ولكنه قال واشتفى، وسمع فاشتكى، والبادي أظلم.
سئل إسحاق الموصلي عن الندماء فقال: واحد غم، واثنان هم، وثلاثة قوام، وأربعة تمام، وخمسة مجلس، وستة زحام، وسبعة جيش، وثمانية عشكر، وتسعة اضرب طبلك، وعشرة الق بهم من شئت.
قال بشار في مجلس أنس: لا تجعلوا يومنا حديثاً كله، ولا غناء كله، ولا شرباً كله، تناهبوا العيش تناهباً، وإنما الدنيا فرص.
كان المأمون يقول في المجلس: اطرحوا حديث أمس مع ذهابه، فهو أدوم للسرور وأشرح للصدور.
قال المأمون: أنفع طعام صاحب النبيذ سكباجة تفيق شهوته، وقلية تمسك النبيذ بدسمها.
قال بزردمهر: أخيب الناس سعياً من أقام في دنياه على غير سداد، ورحل إلى آخرته بغير زاد.
ورأى فقيراً جاهلاً فقال: بئس ما اجتمع على هذا: فقر ينغض دنياه، وجهل يفسد آخرته.
وقال يوماً لثمامة: ارتفع، قال: يا أمير المؤمنين، لم يف شكري بموضعي هذا، وأنا أبعد عنك بالإعظام لك، وأقرب منك شحاً عليك.
قال أعرابي: رب موثق موبق.

وقال المأمون: الطعام لون واحد فإذا استطبته فاشبع منه، والندمان واحد فإذا رضيته فلا تفارقه ما لم يفارقك الرضا به، والغناء صوت واحد فإذا استطبته فاستزده حتى تقضي وطرك منه.
قال أعرابي: اللهم إنا نبات نعمتك فلا تجعلنا حصاد نقمتك.
كان ابن يسار يقول: اللههم يسر لنا ما نخاف عسره، وسهل لنا ما نخاف حزونته، ونفس عنا ما نخاف غمه، واكشف عنا ما نخاف كربه.
اختصم اثنان من الشطار إلى قاض لهم، يقول كل واحد: أنا أفتى منك، فقال القاضي لأحدهما: الخبيص أحب إليك أم الفلوذج؟ فقال: الخبيص، فقال الآخر: الفالوذج، فحكم للذي فضل الفالوذج، فسئل عن الحجة فقال: لأن الخبيص يعمل من السكر، والسكر من القند، والقند من القصب، والقصب يمصه الصبيان في الكتاتيب، وليس فيهم فتوة؛ والفالوذج من العسل، والعسل من الشهد، والشهد من النحل، والنحل أيوي الجبل، والجبل يكون فيه الصعاليك، والصعاليك فتيان.
قيل لأعرابي: لم لا تشرب؟ فقال: والله ما أرضى عقلي مجمعاً فكيف أفرقه؟! وقيل لأعرابي: أما تشرب؟ فقالك لا أشرب ما يشرب عقلي.
خرج سكران من داره فاستقبله الطائف فقال: أنت سكران، قال: لا، قال: أتقرأ القرآن؟ قال: نعم، قال: فاقرأ آية فيها أربع صادات، فقال السكران: وما قص صالح صاحب المصلى، فضحك الطائف، وإنما أراد " فاقصص القصص " الأعراف: 176.
قال حماد: قلت لمغن: غن، قال: هذا أمر، قلت: فأحب أن تفعل، قال: هذا حاجة، قلت: فلا تفعل، قال: هذا عربدة.
قال أحمد بن أبي العلاء: قلت لمغن في محجلس: غن لي صوت كذا، وبعده كذا، وبعده كذا، قال: يا ابن الزانية، ولا تقترح صوتاً إلا بولي عهد؟؟! خرج سكران من موضع ليلاً فتلقاه الطائف، فلف السكران رأسه ووجهه برداء كان معه، فقال الطائف: وما هذا؟ قال: هذا شيء مغطى وقد نادى الأمير ألا يكشف مغطى، فمن خالف الأمير جلده، قال الطائف: فاكشف لي عن رأسك لي عليك بأس، قال: ليس لي رأس، ومن أين لك أني برأس؟ قال الطائف: ويلك فمن أين تكلمني؟ قال: ليس هذا عليك، تسمع وتطيع نداء الأمير وإلا فاكشف إن جسرت، فضحك الطائف وتركه.
قال أبو فروة: مر طارق وكان على شرط خالد القسري بابن شبرمة في موكبه، فقال ابن شبرمة: الطويل
أراها وإن كانت تحب كأنها ... سحابة صيف عن قليل تقشع
اللهم لي ديني ولهم دنياهم؛ فاستعمل ابن شبرمة بعد ذلك على القضاء، فقال له ابنه: أتذكر قولك يوم مر طارق في موكبه؟ فقال: يا بني إنهم يجدون مثل أبيك ولا يجد مثلهم أبوك، إن أباك أكل من حلوائهم فحط في أهوائهم.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ابن آدم، لا يهلك الناس عن نفسك فإن الأمر يخلص إليك دونهم، ولاتقطع النهار سادراً فإنه محفوظ عليك ما علمت، وإذا أسأت فأحسن، فإني لم أر شيئاً أسد طلباً ولا أسرع دركاً من حسنة حديثة لذنب قديم.
قال أحمد بن الطيب، قال لي رجل مرة: لم لا ترحل إلى فلان وتتصل بفلان؟ قلت: لأني لا أشكلهما، أنا أريد أديباً وهما عطل، وهما يريدان مقاتلاً وأنا من القعدة.
قال أحمد بن الطيب، قال لي أحمد بن محمد بن لي بن الرشيد: لو لم يكن من عيب السودان إلا أنه لا يرى أحدهم أثر الضرب في بدنه وإن أوجعه كما يراه الأبيض إذا احمر أو اخضر فيروعه ذلك فلا يعاود الذنب، وأنك لا ترى في وجهه ولونه أثر العتاب والتبكيت قد أخجلاه بحمرة تظهر وأ، الفزع قد حل بصفرة تبدو فتعفو عنه رجاء صلاحه، كما تتبين حمرة الخجل وصفرة الوجل في وجه الأبيضص؛ هذا قاله في كتابه في آيين خدمة الملوك.
قال الحكماء: لا ينزلن مسافر عن دابته بليل حافياً، ولا يأكلن بقلاً عفلاً، ولا يبولن في نفق لا يرى قعره.
قال فيلسوف: العبيد ثلاثة: عبد رق، وعبد شهوة، وعبد طمع.
قالت الفلاسفة: كن لأسرار الملوك أستر من قبيح الداء في جسمك، فإن إذاعة الداء عيب في البدن، وإذاعة السر من الملوك متلفة للنفوس.
قال رجل لابنه: ابتد بتقوى الله جل جلاله وطاعته، وقدمهما مؤثراً فضلهما متحلياً جمالهما، فإن التردي بهما أجمل لباس، والتحصن بهما أمنع حرز، والتشفع بهما أكرم وسيلة.
قال أحمد بن الطيب: يكفينا من الرحمة ألا نظلم، ومن السخاء أن نواسي، ومن الحياء أن نحلم.

قال أحمد بن الطيب، قال رجل من وجوه مدبري الفرس لرجل قد رآه فرغ من عمله فتكلف عملاً آخر: أنت أعلم بما يصلحك ويصلح لنا بك منا ونحن بسيايتك والقوام عليك، وإنما تركنا هذا الفضل فيك وبقينا هذا الزمان عليك لنا لا لك، ليكون لك فرجة بين العملين وراحة تبعثنا لنشاط منك في وقت حاجتنا غلى عملك، فلا تستفرغ وسعك في ما لم تكلفه فيخل بنا فيما كلفناك إذ توليته نضواً طالعاً، وما زدت على أن عرفتنا مقدار جهلك بقدر النعمة منا عليك، فالزم ما كلفت ودع نوافل الفضول.
قال أعرابي لرجل: نزلت مذ نزلت بواد غير ممطور، ورحل غير مسرور، فأقم بعدم أو ارحل بندم.
قال فيلسوف: كلما كنت بالكلام أحذق، كنت بالإنسانية أحق.
قيل لأبي علي الأموي: ادعبل أشعر أم الطائي؟ فقال: أما إني خائف والله أن أصفع دعبلاً بنعل الطائي فأضع من قدر صاحبها.
تقول العرب: أعدم فأعجم، وأترب فأعرب.
شاعر: الطويل
لسان الغنى لدن المهزة صارم ... وللفقر حلق في الندي كليل
ألم تعلمي أن الثراء محبة ... وأن ليس يوماً للخليل خليل
الخليل ها هنا هو المختل الفقير، وقيل في إبراهيم الخليل صلوات الله عليه إنه أريد به هذا المعنى، كأنه عليه السلام كان فقيراً إلى الله تعالى وأخلصهم فقراً إلى الله العلي، وفيه كلام غير هذا يمر في الجزء أفرده لأصحاب الضمائر والوساوس الذين يصيرون إلى مذاهب النسك والتصوف، وأنشر هناك من مطوي أمرهم ومكنون حديثهم ما يفيدك علماً، ويزيدك بصيرة، ويريك الحق حقاً، والباطل باطلاً، إن شاء الله.
لبعض إياد: الطويل
وأي فتى صبر الأين والظما ... إذا اعتصروا للوح ماء فظاظلها
إذا ضرجوها ساعة بدمائها ... وحل عن الكوماء عق شظاظها
فإنك ضحاك غلى كل صاحب ... وأنطق من قس غداة عكاظها
إذا استغب المولى مساغب معشر ... فعذره فيها آخذ بكظاظها
قال بزرجمهر: مثل العقل بلا أدب مثل الأرض الطيبة الخراب.
قال أبرويز لابنه شيرويه: لا توسعن على جندك فيستغنوا عنك، لا تضيق عليهم في العطاء فيضجوا منك، أعطهم عطاء قصداً، وامنعهم منعاً جميلاً، ووسع عليهم في الرخاء، ولا توسع عليهم في العطاء.
قال فيلسوف: الدنيا دار فجائع، من عجل فيها فجع بنفسه، ومن أجل فيها فجع بأحبته.
كان من دعاء يونس عليه السلامك فيالظلمات: أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، إلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين، مسني الضر وأنت أرحم الراحمين.
عرضت جارية على فتى للبيع، فكشفت الجارية عن حرها وقالت: انظر كم مساحة هذا؟ فخجل الفتى، فقالت: لو كنت ظريفاً لقلت: حتى أخرج قصب المساحة.
شاعر: المنسرح
ما أنزل الموت حق منزله ... من عد يوماً لم يأت من أجله
عليك حفظ اللسان مجتهداً ... فإن بعض الهلاك في زلله
والصبر والصدق يبلغان بمن ... كانا قرينيه منتهى أمله
وقال آخر: المتقارب
إذا ما بدأت امرءاً جاهلاً ... ببر فقصر عن حمله
وم تره مائلاً للجميل ... ولا عرف الفضل من أهله
فسمه الهوان فإن الهوان ... دواء لذي الجهل من جهله
كتب ابن الزيات إلى إبراهيم بن العباس الصولي: قد فهمت كتابك، وإغراقك وإطنابك، وإضافة ما أضفت بتزوير الكتب بالأقلام، وفي كفاية الله غنى عنك يا إبراهيم وعوض، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وكتب إبراهيم بن العباس الصولي إلى محمد بن عبد الملك الزيات يستطفه: الطويل
أخ كنت آوي منه عند ادكاره ... إلى ظل فينان من العز باذخ
سعت نوب الأيام بيني وبينه ... فأقلعن منا عن ظلوم وصارخ
وإني وإعدادي لدهري محمداً ... كملتمس إطفاء نار بنافخ
وله إليه أيضاً: المتقارب
وكنت أخي بإخار الزمان ... فلما نبا صرت حرباً عوانا
وكنت إليك أذم الزمان ... فأصبحت فيك أذم الزمانا
وكنت أعدك للنائات ... فها أنا أطلب منك الأمانا
فلم يثن ذلك محمداً، فكتب إليه إبراهيم:

أبا جعفر خف نبوة بعد دولة ... وعرج قليلاً عن مدى غلوائكا
فإن يك هذا الدهر يوماً حويته ... فإن رجائي في غد كرجائكا
فما مرت الأيام حتى كان من أمر محمد ما كان. وولي إبراهيم ديوان الرسائل، فأمر أن ينشيء فيه رسالة بقلة طاعته ففعل.
قال فيلسوف: مهما عري الإنسان منه فإنه لا يعرىن من ثلاث: من الحسد والطيرة والظن؛ فمخلصه من الحسد ما لم يسبع باللسان ويبطش باليد، ومخلصه من الطيرة ما لم يرجع، ومخلصه من الظن ما لم يحقق.
قال بعض السلف: دعوتان أرجو إحداهما كما أخشى الأخرى: دعوة مظلوم أعنته، ودعوة ضعيف ظلمته.
دخل أبو العميثل على عبد الله بن طاهر مهنئاً بقدوم قدمه من سفر، فصافحه عبد الله فقبل يده، فقال له عبد الله: خدش شاربك كفي، فقال أبو العميثل: شوك القنفذ لا يضر بجلد الأسد، فتبسم عبد الله وقال: كيف كنت بعدي؟ قال: إليك مشتاقاً، وعلى الزمان عاتباً، ومن الناس مستوحشاً؛ فأما الشوق إليك فلفضلك، وأما العتب على الزمان فلمنعه منك، وأما الاستحياش من الناس فإني لم أرهم بعد، فاحتبسه، فأحضر الشراب فسقاه بيده فقال: البسيط
نادمت حراً كأ، البدر عرته ... معظماً سيداً قد أحرز المهلا
فعلني برحيق الراح راحته ... فملت سكراً وشكراً للذي فعلا
الإيغار في اللغة: أن النصارى تغلي الماء وتلقي الخنازير فيه لتنضج.
قال المثل: أحناؤها أبناؤها، جمع حان وبان.
سبقت درته غراره، قلة اللبن.
يقال: لا يجمع سيران في خرزة، كما يقال: لا يجمع سيفان في غمد.
ضغث على إبالة؛ إبالة حزمة الحطب، والضغث جرزة فوقها.
ويقال في المثل إذا أريد القصد: بين الممحة والعجفاء يقال: عند النطاح يغلب الكبش الأجم.
ويقال: دمث لجنبك قبل النوم مضطجعاً ويقال: عاط بغير نواط، أي متناول بغير شيء يتناول.
إنباض بغير توتير، يقال: ينبض القوس من غير أن يوتر.
يقال: كل ذات ذبل تحتال.
شاعر: الرمل المجزوء
أعن الشمس عشاء ... رفعت تلك السجوف
أم عن البدر تسرى ... موهناً ذاك النصيف
أم على ليتي غزال ... علقت تلك الشنوف
أم أراك الحين ما لم ... يره القوم الوقوف
إن حكم الأعين النج ... ل على الخلق يحيف
يا ابنة القيل اليمان ... ي وللدهر صروف
ربما أردى الجليد الس ... هم والرامي ضعيف
قال أعرابي في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من حاجة إلا إليك، ومن خوف إلا منك، ومن طمع إلا فيما عندك.
التقى أخوان في الله فقال أحدهما لصاحبه: والله يا أخي إني لأحبك في الله تعالى، فقال: لو علمت مني ما أعلم من نفسي لأبغضتني في الله، فقال: والله يا أخي لو علمت منك ما تعلمه من نفسك لمنعني من بغضك ما أعلم من نفسي.
كتب ابن دريد إلى علي بن عيسى: الطويل
أبا حسن والمرء يخلق صورة ... تخبر عما ضمنته الغرائز
إذا كنت لا ترجى لنفع معجل ... وأمرك بين الشرق والغرب جائز
ولم تك يوم الحشر فيناً مشفعاً ... قرأي الذي يرجوك للنفع عاجز
علي بن عيسى خير يوميك أن ترى ... وفضلك مأمول ووعدك ناجز
وإني لأخشى بعد هذا بأن ترى ... وبين الذي تهوى وبينك حاجز
كان علي بن عيسى بخيلاً جعد البنان، هكذا قال لنا أبو القاسم الواسطي الكاتب، وكان شيخ أصحاب الخراج، وزعم أن علي بن عيسى كان شديد النفاق كثير الحيل، وليت زماننا يسمح بمثله.
قال ابن أبي طاهر، حدثني حبيب - يعني أبا تمام الشاعر - قال: حدثني بعض المفسرين قال: كان خالد بن عبد الله يكثر الجلوس ثم يدعو بالبدر ويقول: هذه الأموال ودائع لا بد من تفريقها، فقال ذلك مرة وقد وفد عليه أسد بن عبد الله من خراسان، فقال: مهلاً أيها الأمير إن الودائع إنما تجمع لا تفرق، قال: ويحك، إنها ودائع للمكارم، وأيدينا وكلاؤها، فإذا أتانا المملق وأغنيناه والظمآن فأرويناه فقد أدينا فيها الأمانة.

قال ابن أبي طاهر: وحدثني حبيب قال: أخبرني شيخ من أصحابنا قال: كان طلحة الطلحات يقول: من كان جواداً فلعط ما له أخول أخول؛ إن المال إذا كثر زين وأحب صاحبه صحبته.
وقال ابن أبي طاهر، حدثني حبيب قال، حدثني كرامة عن الهيثم ابن صالح عن رجل عن حكم بن سعد قال: رأيت الجراح بن عبد الله وقد لبس درعين في بعض حروبه، فأكثرت إليه النظر فقال: يا هذا، ما أقي والله بدني وإنما أقي صبري، فأخبرت بذلك سعيد بن عمرو الحرشي، وكان من فرسان أهل الشام فقال: صدق الجراح، لأن لأمة الفارس حظيرة نفسه.
نظر رجل إلى جارية واقفة في دهليز فأعجبته، فوقف ينظر إليها، فقالت: يا سيدي أتشتهي النيك؟ قال: أي والله، قالت: فاقعد حتى يجيء مولاي الساعة فينيكك كما ناكني، فخجل الرجل وذهب خزيان لا يعقل.
قال الجماز: قلت لظريفة من الظرائف: أرى شفتيك متشققة، فقالت: التين إذا حلا تشقق.
العرب تقول: انظروا أنساءكم، يعني الشيء اليسير مثل العصا والقدح والشظاظ، ومنه قولع تعالى " نسياً منسياً " مريم: 23؛ هكذا قال ثقات العلماء.
العرب تقول: التقى الثريان، يعني ندى السماء وندى الأرض.
يقال: رجل ألوك إذا كان يلوك الكلام ولا يقتصه لسانه؛ هكذا السماع بالصاد غير معجمة.
قال ابن الأعرابي: أبعلني الأمر وأزغلني وأوهلني وأمضني وجهدني وهادني بمعنى واحد.
وقال: واحد أفناء الناس فنا مثل قفا، وواحد آناء الليل: إني وأنى والأنى - الرفق - والأناة واحد؛ ويقال امرأة أناة، وواحد الآلاء من النعم إلي وألى، وواحد الأمعاء: معى ومعى، وواحد الأحشاء: حشا وحشى.
سمعت الثقة يقول: الثم الإصلاح، يقال ثممته وأصلحته، وثمامة: نبت معروف، وإذا سميت به رجلاً لم ينصرف، أي لم ينون.
العرب تقول: فلانة رطبة المغابن، وهي الأرفاغ، وهي المرافق، وهي ما انثنى من الخلق.
قال الثقة: يقال للإنسان إذا حك رأسه فالتذه، أو غمز جسده فالتذه هو يتسار إلى ذلك، وإني لأتسار إلى ما تكره؛ هكذا قال حمزة المصنف، وكان شيخ أصفهان، وشاهدته سنة خمس وخمسين وثلاثمائة أبلغ الملازمين لباب الطبراني مع الرحالة من الآفاق.
قال بعض العلماء: العنجهية الكبر، ويقال: هي الفجاجة والجفاء والغلظ، ويقال: الفطرة.
شاعر: الكامل
الله يعلم أنني ما سرني ... شيء كطارقة الضيوف النزل
ما زلت بالترحيب حتى خلتني ... ضيفاً له والضيف رب المنزل
قصد ابن السماك الواعظ رجلاً في حاجة لرجل فتعبس، فقال ابن السماك: اعلم أني أتيتك في حاجة، وأن الطالب والمطلوب إليه عزيزان إن قضيت وذليلان إن لم تقض، فاختر لنفسك عو البذل على ذل المنع، واختر لي عز النجح على ذل الرد، فقضاها له.
قصد ابن السماك الواعظ رجلاً في حاجة لرجل فتعبس، فقال ابن السماك: اعلم أني أتيتك في حاجة، وأن الطالب والمطلوب إليه عزيزان إن قضيت وذليلان إن لم تقض، فاختر لنفسك عز البذل على ذل المنع، واختر لي عز النجح على ذل الرد، فقضاها له.
وقصد آخر مرة أخرى في حاجة فتلوى وكاد ينكل عن الكلام، ثم سبق إلى معنى تخيره فقال للمسؤول: أخبرني حين غدوت إليك في حاجتي أحسن بك الظن، وأصوغ فيك الثناء، وأحبر لك الشكر، وأمشي إليك بقدم الإجلال، فأكلمك بلسان التواضع، أصبت أم أخطأت؟ قال: فأفحم الرجل، فقال: بل أصبت، وقضى له حاجته، وسأله المعاودة.
لما أقطع المعتصم ضياع الحسن بن سهل أشناس وجه الحسن بقبالاته إلى أشناس، وكتب معها إليه: قد عرفت رأي أمير المؤمنين في إقطاعك الضياع، فرأيت أن لا يعترض على عقبك عقبي وأنفذت إليك بقبالاتها، معتمداً على قبولها بإسباغ النعمة علي، وادخار الشكر لدي، فرأيك - أيدك الله - في الأمتنان بقبولها مسؤولاً إن شاء الله. فلما قرأ أشناس ذلك أنفذه إلى المعتصم، فوقع فيه: ضيم فصبر، وسلب فعذر، فليقابل بالشكر على صبره، وبالإحسان لعذره، ولترد عليه ضياعه، وليرفع عنها خراجه، ولا أؤامر في ذلك.
شاعر: البسيط
إني لأكني عن أجبال بأجبلها ... وباسم أودية عن إسم واديها
عمداً ليحسبها الواشون غانية ... أخرى وتحسب أني لست أعنيها
كاتب: والله تعالى مسؤول بفضله من فضله، وبما هو أهله مما هو أهله.
كاتب: الشعب ملؤوم، والشعث مرموم، والصدع مشعوب، والثأى مرؤوب.

آخر: ومثلك رعى الحقوق، وصدق الظنون، وشفع الوسيلة، وعاذ بالفضيلة، وصان النعمة، وحفظ الحرمة.
قال أعرابي: بالساعد يبطش الكف.
كتب الحسن بن سهل: فأعطاك الله من الخير أغنى ما يفي بأنعمك علي، وبلغني في كل صغير وكبير رضاك، وأعانني على بادية حقك، حتى ينقلني من الدنيا على طاعتك.
كتب المهلب: أما بعد، فإنه لا يوهن الإسلام خروج من خرج منه، ولا يعيبه إلحاد من الحد فيه، ومدعوه كثير ومصيبوه قليل، وليس كل من يقاتل عنه من أهله، ولا هو لكل من يقاتل به. وقد كان هذا العدو أصاب في إخوانكم مصائب أطمعتم فيكم، فلما استوقد الحرب بنا وبهم، جاءنا القضاء بأمر جاوزت النعمة فيه الأمل، فأصبح ذلك العدو بعد ذلك دريئة رماحنا، وضرائب سيوفنا، ونحن نرجو أن يكون أجر هذه النعمة كافلها، فاحمدوا الله فإن حمده يتم النعم، وأشكروه فإن شكره يوجب المزيد.
وكتب يزيد بن المهلب: الحمد لله الذي كفى بالإسلام فقد ما سواه، وجعل الحمد متصلاً بنعمه، وقضى ألا ينقطع المزيد من فضله حتى ينقطع الشكر؛ ثم إنا وعدونا كنا على حالين مختلفين، نرى فيهم ما يسرنا أكثر مما يسوؤنا، ويرون فينا ما يسوءهم أكثر مما يسرهم، فلم يزل الله سبحانه يكثرنا ويمحقهم، وينصرنا ويخذلهم، حتى بلغ بنا وبهم الكتاب أجله، فقطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمد الله رب العالمين.
قال الباقر لابنه جعفر عليهما السلام: يا بني إن الله عز وجل خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء: خبأ رضاه في طاعته، فلا تحقرن من الطاعة شيئاً فلعل رضاه فيه؛ وخبأ سخطه في معصيته، فلا تحقرن من المعصية شيئاً فلعل سخطه فيه؛ وخبأ أولياءه في خلقه، فلا تحقرن أحداً فلعله ذاك الولي.
كاتب: إن كان غمر معروفك نابياً عني فإني راض من وابل نائلك بطله، ومن غمر إحسانك بأقله.
قال أعرابي لآخر: حاجتي إليك حاجة الضال إلى المرشد، والمضل إلى المنشد.
قال خطيب: الناس رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها، أو ابتاعها فأعتقها.
قال بعض النحويين: الألف واللام يدخلان في الكلام على خمسة أوجه: لتعريف الجنس، نحو قولك: أهلك الناس الدرهم والدينار، ولم ترد درهماً بعينه ولا ديناراً وإنما أردت الجنس، ومنه قوله " إن الإنسان لفي خسر " العصر: 2 يعني الجنس، والدليل عليه قوله عز وجل " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " العصر: 3 لأن الأستثناء وقع في الجميع؛ ويدخلان للعهد نحو قولك: مررت بالرجل، وأخذت الكتاب، فتريد بهما ما سلف العهد به؛ ويدخلان للخصوص نحو قولك: وجدت الشمس طالعة والقمر قد غاب، والنجم قد ارتفع - بالألف واللام - قد دخلتا للخصوص لأنك تعرف واحداً من أمة، لأنك إذا قلت: قد طلع النجم علم أنه الثريا وألزم الألف واللام للتخصيص؛ ويدخلان للإشاعة والإفهام كقولك: الذي في الدار زيد، والتي قامت هند، ألا ترى أن هذا الاسم شائع في بابه غير مخصوص يدخل تحته كل ذكر وأنثى من الآدميين وغيرهم، وإنما يتبين معناه للأسم الذي يجيء بعده فيكون خبراً له وهو قولك: الذي في الدار زيد، لو قلت: الذي في الدار، لم يكن كلاماً، ولا دل هذا على شخص بعينه، فحين قلت زيد وقعت الفائدة في الجملة؛ ويدخلان في الأسماء المنقولة من باب الأوصاف إلى باب الأسماء الأعلام، وهو قولك: العباس والحكم والحارث والفضل، فالألف واللام في هذه الأسماء لم يدخلا لتعريفها وإنما دخلتا عليها حين كانت أوصافاً كقولك: مررت بالرجل الحكم، وبالرجل العباس، فلما قصدوا أن يسموا بها نقلوها مع الألف واللام إلى باب: زيد وعمرو، ومن العرب من يقول: حارث وعباس وحكم، فكأنه نقلها إلى باب الأعلام على تنكيرها حين قيل: مررت برجل حكم؛ فأما الأسماء التي لزمت حذف الألف واللام فإنها كانت في الأصل مصادر وأجريت مجرى المصادر، فلما نقلوها إلى باب الأعلام لزموا فيها طريقة واحدة، كما لزموا في زيد وعمرو.
نظروا إلى مزبد المديني وبين يديه نبيذ أسود، فقالوا له: ما لون نبيذك هذا؟ قال: أو ما ترون ظلمة الحلال فيه؟ كاتب: ولما أسلمتني إلى انتصارك، وسطت علي عتابك، التجأت إلى نعمتك السالفة عندي لتهب جرمي لحرمتي بها، وإساءتي لحسن شكري عنها، فإنها معقلي الذي يمنعك من الإخلال بي بعد الإفصال علي.
قال أعرابي لرجل: اعدل لمعضلة تلم ولمضلعة تهم.

يقال: الدالاة الرفق واللين، ويقال: هذا الأمر لا يلتاط بصفري، أي لا يلصق بفؤادي.
قال أعرابي: العاقل متصفح والجاهل متسمح.
سئل أعرابي عن أخ له فقال: اعتورته الهموم، وأستلحمته الفكر، وتضيفته الأحزان، وتخللته البلابل.
قال أعرابي: حسن النزاهة مؤد إلى الرفاهة.
قال أعرابي: بالفحول تدرك الذحول.
قال عبد الصمد بن المعذل في نخل باعه: الخفيف
فارقتني ذخيرة من عقار ... ذكرتني تفرق الأحباب
وسواء بيع الرقاب من الما ... ل إذا بعتها وضرب الرقاب
كاتب: حق هذا اليوم فوق أن يلتقى بالتعذير، ويوكل إلى التقصير، وحظك من الواجب فيه حظ الفائت غاية، وسبق الفائز قرعة وقدحاً، فأفضل ما يهديه إليك المتقرب إليك فيه ما يشبه موقعك من شرف الحسب ونباهة النسب، وهو محمود من الثناء ومسموع من الدعاء، ويحتمل التقصير في هديته على صدق نيته، فلا أخلاك الله من ثناء صادق، ومن دعاء صالح واق.
كاتب: عناية تفوق الوصف وإن تراخى، وتفوت النعت وإن تناهى. عند مد الغاية، ومدى النهاية، ونصب الراية، يحمد السابق، ويذم الساقط، ويتبين فضل المبر النامي على المقصر الواني، وشأو الفائت الفائز على المتخلف المبهور.
قال أعرابي: من كان ابن بلدك فهو كولدك.
ويقال: الصدق ينبي عنك لا الوعيد؛ من نبا ينبو نبواً؛ هكذا سمعت الموثوق به.
أعرابي: الرجز
لقد حسوت الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه
آخر: الرجز
تخبط أحياناً وحيناً تزحل ... والقصد في سير المطي أمثل
لا يبلغ المنزل من لا ينزل العرب تقول: ينبغي للمشتري أن يستري، أي يطلب السراء.
قال أعرابي: أنا أستنجدك إذا كنت مضافاً، وأسترفدك إذا كنت مضيفاً.
ونظروا إلى فيلسوف في الحرب، وكان أعرج، فضحكوا به فقال: إنما يحتاج في الحرب إلى الشجاعة وآلة الحرب، والذي فقدته فهو آلة الهرب. يقال إن هذا الحكيم قد قصر في هذا الجواب، لأن الكر والفر من خلائق الشجعان، وإنما دل بكلامه على الثبات، وإلا فالمجاولة غير ذلك.
قال أعرابي وقد كان الحران تمادى به: الوافر فآل به الحران إلى المران قال أعرابي: كثرة العتاب إلحاف، وتركه استخفاف.
قال أبو حامد: من أحوجك إلى العتب فقد وطن نفسه على العجز.
قال سيبويه: كل اثنين من اثنين فجمعهما أجود تقول: ضربت رءوسهما، لأن رأس كل واحد منه، وتقول: أخذت ثوبيهما لأنهما ليسا منهما؛ قال الله تعالى " فقد صغت قلوبكما " التحريم: 4 " فاقطعوا أيديهما " المائدة: 38.
وقال العتابي: أقارب بالكتاب ثمناً للمودة، وأبين بالأستراحة دليلاً على المساحة؛ وقد استقدمنا عهد كتبك، واستبطأنا وصول خبرك، ونحن نستبدلك من الإغفال تعهداً، ومن تقادم العهد إحداثاً.
عبد الحميد الكاتب: نظرت في الأمر الذي أعاتبك عليه، وألتمسه عندك، إذا هو خفيف المحمل، يسير المؤونة، سواد أنفاس في بيا قرطاس، تحية تهديها، وسلامة تخبر عنها، فما أولاك بالتعهد لمؤونة خفيفة تؤدي بها حقاً، وتصل بها وداً.
قال داود بن عمر الحائك للأعمش: ما تقول في الصلاة خلف الحائك؟ قال: لا بأس بها على غير وضوء، قال: فما تقول في شهادة الحائك؟ قال: تقبل شهادته مع شاهدين عدلين، فالتفت الحائك وقال: هذا ولا شيء واحد.
وتنبأ حائك بالكوفة، فقيل له: ما رأينا نبياً حائكاً، فقال: وهل رأيتم نبياً صيرفياً؟! قيل لحائك: لو كنت خليفة أي شيء كنت تشتهي؟ قال: تمر وكسب، ثم التفت إلى ابنه وقال: لو كنت ابن خليفة أي شيء كنت تشتهي؟ قال: يا أبة، وتركت لي من اللذات شيئاً؟! قال عثمان الصيدلاني: شهدت إبراهيم الحربي وقد أتاه حائك في يوم عيد فقال: يا إبراهيم، ما تقول في رجل صلى صلاة العيد ولم يشتر ناطفاً، ما الذي يجب عليه؟ فتبسم إبراهيم ثم قال: يتصدق بدرحمين خبزاً، فلما مضى قال: ما علينا أن نفرح المساكين من مال هذا الأحمق.
دخل ابن المعتز يوماً حمام داره، فسمع حركة فوق باب الحمام، فقال لغلامه: ما هذا؟ قال: الحمامي ورفقاؤه، قال: تلطف حتى أراهم من غير أن يروني، ففعل، فرآهم عراة وبينهم غلام أمرد في حجره طنبور وهو يغني: الرمل المجزوء
أنا أهواك بنور ال ... له فافعل ما بدا لك
إن تكن تمنعني شخ ... صك فابذل لي خيالك

قد أخذت الدف والطن ... بور والكت فما لك
قل لمن جنبك القم ... عوث من دسك والك
فضحك ابن المعتز وانصرف.
جلس رجل بين يدي حجام، فلما وضع المحاجم فسا الرجل فسوة منكرة صبر لها الحجام، فلما مصها فسا أخرى أنكر منها، فلما أراد أن يشرط قال للرجل: يا حبيبي، أريد أن أشرط، فإن كان بك حاجة إلى دخول الخلاء فقم قبل أن تخرى.
خرج سوار القاضي يوماً من داره يريد المسجد حافياً، فلقيه سكران فعرفه، فقال: القاضي - أعزه الله - يمشي؟! امرأتي طالق إن حملتك إلا على عاتقي، فكره سوار ذلك فقال: ادن يا خبيث، فدنا، فحمله على عاتقه ثم رفع رأسه فقال: أهملج أو أعنق؟ فقال يا خبيث، مشياً بين مشيين وآحذر العثار والزلق، والصق بأصول الحيطان، فقال السكران: كأنك أردت المران في الفروسية يا أبا عبد الله؛ فلما أوصله إلى المسجد أمر سوار بحبسه فقال: أيها القاضي هذا جزائي منك؟ فتبسم وتركه.
رأوا أبا نواس بقطربل وفي يده شراب وعن يمينه عنقود وعن يساره زبيب، فقيل له: ما هذا؟ قال: ابن وأب وروح القدس.
قال أبو العيناء: تذاكرنا النبيذ فقال الجماز: نبيذ الزبيب نمكسود الخمر.
قال بعض الأدباء: إنما اشتق لها من الروح - يعني الراح - هذا الاسم لأنها تزيد في الحياة؛ وقال أيضاً: دما لأنها تزيد في الدم؛ وقال صريع الغواني: الطويل
خلطنا دماً من كومة بدمائنا ... فأظهر في الألوان منا الدم الدم
قيل لأعرابي: كم تشرب من النبيذ؟ قال: على قدر النبيذ.
قال فيلسوف: بنيت الدنيا على أربعة أركان تستصلح بأمور أربعة: بنيت على الرغبة والشهوة والعداء ومنع البيضة؛ فتستصلح الرغبة بالقصد، والشهوة بالعفة، والعداء بالمسالمة، ومنع البيضة بالنجدة.
أنشد لسلم الخاسر: السريع
هاديه مثل الشطر من خلقه ... إذا بدا والبطن مقبوب
تخاله مستقبلاً مقعياً ... وهو إذا استدبرت مكبوب
يشرف أو ينحط كلا معاً ... فالخلق تصعيد وتصويب
كالريح إلا أنه صورة ... يسمو بها شد وتقريب
قال سهل بن هارون: ينبغي للنديم أن يكون كأنما خلق من قلب الملك: يتصرف بشهواته، ويتقلب بإرادته، إذا جد جد وإذا انطلق تطلق، لا يمل المعاشرة ولا يسأم المسامرة، إذا انتشى تحفظ وإذا صحا تيقظ، ويكون كاتماً لسره، ناشراً لبره، ويكون للملك دون العبد، لأن العبد يخدم نوائب، والنديم يحضر دائباً.
أنشد لابن المبارك: البسيط
إني امرؤ ليس في ديني لغامزه ... لين ولست على الأسلاف طعانا
وفي ذنوبي إذا فكرت مشتغل ... وفي معادي لئن لم ألق غفرانا
عن ذكر قوم مضوا كانوا لنا سلفاً ... وللنبي على الإسلام أعوانا
ولا أزال لهم مستغفراً أبداً ... كما أمرت به سراً وإعلانا
ولا أسب أبا بكر ولا عمراًولا أسب معاذ الله عثمانا
ولا أقول لأم المؤمنين كما ... قال الغواة لها زوراً وبهتانا
ولا أقول علي في السحاب لقد ... والله قلت إذن جوراً وعدوانا
لو كان في المزن ألقته وما حملت ... مزن السحاب من الأحياء إنسانا
إني أحب علياً حب مقتصد ... ولا أرى دونه في الفضل عثمانا
سمعت أبا تميم الكاتب الجرجاني يقول: كلف المأمون يحيى بن أكثم أن يخطب في بعض أيام العيد، فأسرع إلى طاعته وغدا إلى المصلى، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه واندفع يقول؛ فبينا هو كذلك إذ اعتراه ضحك واشتد به وغلب عليه، فستر وجهه وجلس هنيهة، ثم نهض وعاد إلى قوله. فرفع ذلك إلى المأمون فاستفظع ذلك ودعا به وسأله عن السبب فقال: يا أمير المؤمنين، كنت واقفاً على المنبر، وعمود المنبر بيدي فذكرت قول الخبيث جحشويه: الرجز
أنعظت أيراً كعمود المنبر ... موتراً، كمثل طعم السكر
لو مسه القاضي بكفيه خري وأنشد: الكامل
وزعمت أنك لا تلوط فقل لنا ... هذا المقرطق قائماً ما يصنع
شهدت ملاحته عليك بريبة ... وعلى المريب شواهد لا تدفع

كتب الحجاج بن يوسف إلى عبد الملك بن مروان كتاباً يقول فيه: أما بعد فإنه ينزغ بي شيطان في المنام يقول لي: أضعت دينك ودنياك بإصلاح دنيا عبد الملك، قتلت له الرجال، وأخذت له الأموال، وفعلت وفعلت؛ وأعلمته أنه من نزغه في على باطل، وأني من ديني على يقين، وأحببت أن لا يخفى على أمير المؤمنين شيء من سري، كما لا يخفى عليه شيء من علانيتي.
فلما ورد كتابه على عبد الملك كتب جوابه بيده: أما بعد فإن الله عز وجل وله الحمد قد وكل بي ملكاً يقول لي في النوم واليقظة: أضعت دينك ودنياك بإصلاح دنيا الحجاج فسلطته بسلطان الله عز وجل لك على الأموال فأخذها من غير حلها، وعلى النفوس فقتلها بغير حقها، فإذا قرأت هذه الأحرف فصر إلي والسلام.
فلما ورد كتاب عبد الملك على الحجاج قال لمحمد بن يونس كاتبه: إن عاقبة التكلف مذمومة، أبر لي قلمين لم يكتب بأغلظ من أحدهما ولا بأدق من الآخر، ففعل محمد، فأخذ ذلك القلم الغليظ وكتب به: بسم الله الرحمن الرحيم، لأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، وكتب بالدقيق: من الحجاج بن يوسف، أما بعد فإن كان قتلي الرجال طاعة لله تعالى ولك سرفاً، وأخذي الأموال طاعة لله ولك تبذيراً، فمرني بأمر آتيه إليه إن شاء الله تعالى.
فلما ورد الكتاب على عبد الملك قال: من يلومني على الحجاج؟ اكتبوا إليه وأقروه على عمله.
قال المدائني: أتي علي بن أبي طالب رضوان الله عليه برجل ذي مروءة قد وجب عليه الحد، فقال لخصمائه: ألكم شهود؟ قالوا نعم، قال: فأتوني بهم إذا أمسيتم ولا تأتوني بهم إلا معتمين، فلما أمسوا اجتمعوا فأتوه، فقال لهم علي رضي الله عنه: نشدت الله تعالى رجلاً لله تعالى عنده مثل هذا الحد إلا انصرف، فما بقي أحد، فدرأ الحد.
قيل لأعرابي: ما الذي يعجبك من الدنيا؟ قال: سيف كبرق ثاقب، ولسان كمخراق لاعب.
قال الزهري: سمعت رجلاً يقول لهشام بن عبد الملك: لا تعدن يا أمير المؤمنين عدة لا تثق من نفسك بإنجازها، ولا يغرنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعراً، وأعلم أن للأعمال جزاء فاتق العواقب، وأن للأمور تعاقباً فكن على حذر.
قال ابن دأب: فحدثت بهذا الحديث الهادي وفي يده لقمة قد رفعها إلى فيه، فأمسك يده ولم يولجها فاه حتى سمع الحديث مرات.
قال سلام بن أبي مطيع: اللهم ارزقني رزقاً لا أشخص له، وإن حضرته لم أتعب فيه، وإن أتاني عن غير مسألة لم أرغب عنه؛ اللهم إن كنت بلغت أحداً من عبادك الصالحين درجة ببلاء فبلغنيها بالعافية.
أنشد لمحمد بن إبراهيم: الطويل
وأنت جناحي إن أطر أستعن به ... وسهمي الذي أرمي به من يناضل
فليت المنايا إذ أتتك لقيتها ... فعاجلني يومي ويومك آجل
وقال آخر: الرجز
إن بني حجية بن كابيه ... خير معد حاضراً وباديه
رب غلام فيهم ذي فاشيه ... محتضر القدر كثير الغاشية
يقدح في المجد بزند واريه ... محله من مازن في الناصيه
في ذروة المجد الثبيت الآخيه ضرب حارس أمه فعوتب فقال: قد قلت لها عشرين مرة وهذه الثالثة إذا كنت سكران فلا تكلميني فإن السلطان نار ترتعد.
آخر: المتقارب
سألبس للصبر ثوباً جميلا ... وأفتل للهجر حبلاً طويلا
لعلي بالرغم لا بالرضا ... أخلص نفسي قليلاً قليلا
قال الجماز: رأيت شاطراً وقف على جماعة وقال: من يكلم منكم حمدان الغلام؟ فقال أحدهم: أنا، قال: فلا حسن ولا جميل، قال: فاجهد جهدك، قال: خذلني الله لو كان غيرك، قال: أنا غيري، قال: والله لو كان غير هذا الموضع، قال: فنحن بفرغانة، فرد صاحبه السكين في قرابه وقال: ويحك أنت طالب سحر، فتهاب ألباب الشام كلهم سعائر مالك كداروش أي حديد؟.
وقع بين مزبد ورجل كلام فقال الرجل: تكلمني وأنا قد نكت أمك؟ فرجع إلى أمه فقال لها: أتعرفين نائكاً؟ قالت: أبو علية؟ قال: ناكك والله! أنا أسألك عن اسمه وتجيبيني بكنيته؟! قال أبو هفان: سمعت امرأة تقول لرجل: قد والله استحيت من الله تعالى مما أساحقك.
قالت امرأة لشيخ قد عهدته شاباً: أين شبابك؟ قال: من طال أمده، وكبر ولده، ورق أوده، ذهب جلده.
قال ابن المعتز: الخضاب من شهود الزور. ج4.

===============

4. كتاب : البصائر والذخائر

المؤلف : أبو حيان التوحيدي

قال أعرابي لأخر: خضاب الله أبطأ نصولاً من خضابك، وأعلم أنك إن سترته عن العيون فلن تستره عن المنون.
قال ابن محفض المازني: الوافر
إما تسألي عني فإني ... خزاعي أبي منهم وخالي
فما لك يا يزيد كأن شخصي ... طلاه إليك بالقطران طالي
أأن كنا لكم لجأ وكهفاً ... إذا خرجت مخبأة الحجال
وكنا المدركين بكل وتر ... شآكم في دهوركم الخوالي
وكنا فخر فاخرهم إذا ما ... نبا بالفخر طلاب المعالي
أبحتم حرمة الأعراض منا ... وأظهرتم لنا خنع المقال
وأضمرتم لنا الشنآن لما ... فرعناكم إلى السور العوالي
فأعفونا من الأموال فينا ... وسامونا إلى شرف الفعال
فما ذنب الجواد إلى أخيه ... إذا جريا وكل غير آل
فبرز سبقه، إلا كذنب ال ... يمين من اليدين إلى الشمال
نقلت هذه الأبيات من ديوان بني مازن.
قال ابن أبي طاهر: كتب عمرو بن مسعدة إلى حمزة الشاري كتاباً فقلله، فوقع جعفر على ظهر الكتاب: إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيراً، وإذا كان الإيجاز كافياً كان الإكثار عياً.
قال أحمد بن أبي طاهر، قال نافع بن جبير لأبي الحارث بن عبد الله بن السائب: ألا تخرج بنا إلى الحرة حتى نتمخر الريح؟ قال: إنما تتمخر الحمير، قال: فنستنشىء، قال: إنما تستنشىء الكلاب، قال: فأي شيء أقول؟ قال: نتنسم، فقال له نافع: صه، أنا ابن عبد مناف، قال أبو الحارث: ألصقتك والله عبد مناف بالدكادك، وذهبت عليك هاشم بالنبوة، وأمية بالخلافة، وبقيت بين فرقها والحنة، وأنت في السماء وشرفك في الماء. فقال ابن أبي عتيق: يا نافع، قد كنت فينا مرجوا قبل هذا، قال نافع: وما أصنع بمن صح نسبه وبذؤ لسانه؟ قال أبو عمرو بن العلاء: رأيت أعرابية فلم أر أمجن منها، ورأيتها تبول شيخاً، فلما رأتني قالت: ما تصنع نساؤكم بأحدكم إذا بلغ غاية هذا الشيخ؟ قلت: ترفقته وتلطفته، فقالت: وإن ضعفت قواه وكف بصره؟ قلت: وإن كان ذلك، فضربت بيدها إلى ذكره فقالت: وإن استرخى ذكره وخسفت أنثياه وقل فعله؟ قلت: ما لك ويحك ولهذا الشيخ؟ فقالت: الرجز
لا خير في الشيخ إذا ما أجلخا ... واطلخ ماء عينه ولخا
وأحدودب الظهر فكان فخا ... ونام منه أيره وأسترخى
قال ابن الأعرابي: نظر أعرابي إلى امرأة فأعجبته فقال: وددت أنك محل مقيلي، فقالت: وأن زوجتك محل مقيل زوجي، إذن والله تجده شديد الوتر، قليل الفقر، بعيد الفطر؛ فأفحمته.
قال أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب بغداد وكتاب المنظوم والمنثور، حدثني علي بن عبيدة الريحاني قال: التقى أخوان يتوادان فقال أحدهما: كيف ودك لي؟ قال: حبك توشج بفؤادي، وفكرك سمير سهادي، فقال الآخر: أما أنا فأوجز في وصفي: ما أحب أن يقع على سواك طرفي.
قال ابن أبي طاهر، وحدثني علي بن عبيدة قال: تزاورت أختان من أهل القصر فأرهقهما الظهر، فبادرت إحداهما هكذا، قال: فصلت صلاة خفيفة، فقال لها بعض النساء: كنت حرية أن تطولي الصلاة في هذا اليوم شكراً لله تعالى حين التقيتما، قالت: لا، ولكن أخفف صلاتي اليوم فأتمتع بها وأشكر لله تعالى في صلاتي غداً.
قال ابن أبي طاهر: سمعت علي بن عبيدة يقول لامرأة من أهل القصر: إن قلبي قد فرغ من الهوى وخلا، حتى كاد يخرب من الخوى، وأنا ألتمس له ساكناً فهل لك أن تكوني من سكانه؟ وقال ابن أبي طاهر أيضاً: كنت مع علي بن عبيدة يوماً ونحن عند قيان، وحان وقت الظهر فبادر الناس الصلاة، والجارية قاعدة، وهما في حديث فأطالا حتى كادت الصلاة أن تفوت، هكذا قال، قال فقلت: يا أبا الحسن، الصلاة، ونصبت على الإغراء، فقال علي: حتى تزول الشمس، أي حتى تقوم الجارية.
وقال ابن أبي طاهر: وكنت عند علي بن عبيدة يوماً، فورد عليه كتاب أم محمد ابنة المأمون، وكتب جواب الكتابثم أعطاني القرطاس فقال: اقطعه، فقلت: وما لك لا تقطعه أنت؟ قال: ما قطعت شيئاً قط.

علي بن عبيدة هذا هو صاحب كتاب المصون ويقال: كان بصرياً ويعرف باللطفي، ولست أعرف كنه مذهبه وحقيقة شأنه لكنه يقال: إنه أقلع في شيخوخته عن عادته في شبيبته، وسلك طريق الزهاد، وكلامه في المصون كلام يدل على عقل رزين وأدب ظاهر، وليس فيه من العلم إلا قليل، وأهل خراسان يعجبون بهذا الكتاب جداً، حتى بلغني أن بعض الدهرية من الرؤساء وأصحاب السيف قال مرة لقوم: مصونكم خير من قرآنكم. وهذا جهل بالله العظيم، وجرأة على حلمه الكريم " ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة " فاطر: 45.
وقال لي بعض مشايخ خراسان: إن هذا القول إنما قاله بعض الأعراب بباديتنا فشاع على وجه الأستبشاع، وزعم أن بخراسان بادية كبيرة وأعراباً مجتمعة، فسألته عن اللغة والهيئة فقال: قد دخلهم النقص من كل شيء ووجهه فصاروا بيضاً وشقراً بعد أن كانوا سوداً وسمراً، وصاروا ضخاماً عظاماً بعد أن كانوا نحافاً شختاً، فأما اللغة فباقية عليهم لم ينتقلوا عنها إلى الفارسية، لكنها فاسدة بينهم زائدة الفساد على لغة البادية، بادية طريق مكة؛ فهذا مما حدثني هذا الشيخ، وكان شديد التحصيل، من أولئك الناس بذلك الماء والشق.
لما هجا محمد بن حازم الباهلي محمد بن حميد الطاهري فأفرط، اتفقت على ابن حازم محنة انتقل بسببها إلى غير محلته مخفياً شخصه، فوجه إليه المهجو بعشرين ألف درهم ومنديل فيه عشرة أثواب وبرذون بسرجه ولجامه وغلام رومي، وكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم. أكرمك الله وأبقاك، ذو الأدب تبعثه قدرته على نعت الشيء بخلاف هيئته، ويحمله الظرف على هجاء إخوانه في حال دعابته، وليس ما شاع من هجائك لنا يجري سوى هذا المجرى؛ وقد بلغني من خبرك ما لا غضاضة عليك فيه، مع كبر سنك وأدبك، إلا عند العامة من الجهال الذين لا يكرمون ذوي الأخطار إلا على الأموال دون الآداب، ونحن شركاء فيما ملكنا، وقد وجهت إليك ما استفتحت به انبساطك، وإن قل، ليكون سبباً إلى غيره وإن جل.
فرد ابن حازم ما وجه به إليه وكتب الجواب: الكامل
وفعلت فعل ابن المهلب إذ ... فعمم الفرزدق بالندى الغمر
فبعثت بالأموال ترغبني ... كلا ورب الشفع والوتر
لا ألبس النعماء من رجل ... ألبسته عاراً على الدهر
هذا والله خبر طريف، وما أدري ممن أعجب، من ابن حميد في كرمه، أم من ابن حازم في بأوائه، ولله عز وجل في هذا الخلق ألوان لا يحصيها إلا هو، فسبحان من جمعهم على ما فرق فيهم، وسبحان من فرقهم على ما جمع فيهم، جل الإله وعز.
قال بزرجمهر: الإخوان كالسلاح: فمنهم من تحب أن يكون كالرمح تطعن به من بعيد، ومنهم كالسهم الذي ترمي به ولا يعود إليك، ومنهم كالسيف الذي لا يفارقك.
قالت الفرس: وجدنا في مهارقنا القديمة: إذا لم يساعد الجد فالحركة خذلان.
أيضاً: رب لازم لعرصته قد فاز ببغيته.
وأيضاً: من استعان بالنظر راح بالحيرة.
أيضاً: بمفتاح عزيمة الصبر تعالج مغاليق الأمور.
وقالوا أيضاً: من امتطى العز أربع بمحل الظفر.
أيضاً: رب صفو في إناء مشوب بكدر البلاء.
أيضاً: لا يغرنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعراً.
أيضاً: تأمل مواقع قدمك تقلل فواحش زللك.
تواثب اثنان من المعربدين في مجلس وتواجأا بالسكين، فأصاب السكين طرف أنف أحدهما وكمرة أير الآخر، فسقط من أنف هذا ما أشرف، وكذلك من كمرة هذا، فطلب كل واحد منهما في الظلمة ما انقطع منه، فوقعت كمرة هذا في يد هذا فألزقه على أنفه بحرارة وشده، ووقع طرف أنف هذا في يد صاحبه فألزقه على أيره بحرارة وشده فالتحم الجرحان وبرأا، فصار هذا يتنفس من كمرة صاحبه، وصار هذا يبول وينيك بأنفه ما عاشا.
قال أحمد بن الطيب: كان جالينوس يقدم في الأخلاق ثلاث قوى: الرحمة والحياء والسخاء.
يقال في النوادر: إذا رأيت الرجل يخرج من صلاة الغداة وهو يقول " وما عند الله خير وأبقى " القصص: 60 فأعلم أن في جواره وليمة لم يدع إليها.
وإذا رأيت قوماً يخرجون من عند قاض وهم يقولون: " وما شهدنا إلا بما علمنا " يوسف: 81 فأعلم أن شهادتهم لم تقبل.
وإذا قيل للزوج صبيحة البناء على أهله: كيف ما قدمت عليه؟ فقال: الصلاح خير من كل شيء، فاعلم أن امرأته قبيحة.

وإذا رأيت إنساناً يمشي ويلتفت فاعلم أنه يريد أن يضرط.
وإذا رأيت الغلام في إصبعه خاتم فأعلم أن مولاه ينيكه.
وإذا رأيت فقيراً يعدو فأعلم أنه في حاجة غني.
وإذا رأيت رجلاً خرج من عند الوالي وهو يقول: " يد الله فوق أيديهم " الفتح: 10 فأعلم أنه قد صفع.
وقفت ماجنة على ابن مضاء الرازي فقال له: أنت ابن مضاء؟ قال: نعم، قالت: لي مسألة، قال: وما هي؟ قالت: ما بال الشعرة لا تبيض، واللحية تبيض؟ قال: لأنها بقرب الفقحة، فرائحة السماد تمنعها من أن تبيض، قالت: فلم لا تأخذ منه كفاً في يدك فتجعله على عنفقتك حتى لا تحتاج إلى الخضاب؟ فانقطع ابن مضاء وخجل.
وجازت ماجنة بابن مضاء وهو يأكل فقالت له: في بطنك عرس حتى ترقص لحيتك؟ فقال لها: ففي بطنك مأتم حتى علقت على باب حرك مسحاً أسود، فخجلت.
أحضرت ماجنة حجاماً وتجردت له وأقعدته قدامها وبالت على يدها فبلت به كسها، وقالت للحجام: خذ منه شوابير، فقال لها: كرائي، قالت: خذ منه، فلما فرغ قالت: بارك الله في هذا المتاع الذي حوائجه كلها منه.
اصطحب اثنان من الحمقى في طريق فقال أحدهما لصاحبه: تعال حتى نتمنى فإن الطريق يقطع بالحديث والتمني، قال: نعم، أنا أتمنى قطائع غنم حتى أنتفع برسلها ولحمها وصوفها، ويخصب معها رحلي، ويستغني بها أهلي. قال الآخر: أما أنا فأتمنى قطاع ذئاب أرسلها على غنمك حتى تأتي عليها، قال: ويحك، هل هذا من حق الصحبة وحرمة العشيرة؟ وتلاحيا واشتدت الملاحاة بينهما، ثم قالا: نرضى بأول من يطلع علينا ونعرض عليه أمرنا؛ قال: فبينما هما كذلك إذ طلع شيخ على حمار عليه زقان من عسل، فاستوقفاه وحدثاه فقال لهما: قد عرفت وفهمت ما قلتما، ثم نزل عن الحمار وفتح الزقين حتى سال العسل في التراب وقال: صب الله دمي مثل هذا العسل إن كنتما إلا أحمقين.
حضر بعض المجان مجلساً فيه شراب فلم يسقوه، فصبر ساعة يكيد بنفسه والقوم يستقون منه، ثم قال: يا سادة، هبوني طستاً أو مغسلاً وصبوا في قليل نبيذ! فضحكوا منه وسقوه.
مر مزبد بقبر عليه أثواب فاخرة فقال: موتاهم - يشهد الله - أحسن حالاً من أحيائنا.
قيل لمديني: أيسرك أن يكون أيرك كبيراً؟ قال: لا، قيل: ولم؟ قال: يثقلني ويلتذ غيري به.
اشترى مزبد جارية فسئل عنها فقال: فيها خلتان من خلال الجنة: برد وسعة.
قالت ماجنة لرجل: وجهك خلق، قال: يا ستي، ولكن أيري علق، فخجلت.
وقال ماجن لآخر: خبزك شعير وضراطك حوارى.
قال أحمد بن الطيب: الإسراف في الرحمة يميت النفس، ويضيع الحدود، ويهدم السنن، قال الله تعالى: " ولا تأخذكم بهما رأفة " النور: 2؛ وإسراف السخاء يورث الفقر، والغنى من العافية، والفقر ذل، والرحمة تلحق غني قوم افتقر، والمرحوم شقي، والإسراف في الحياء يورث الفتور والونى.
اجتمع أربعة من الشطار يقال لأحدهم صحناة وللآخر حرملة وللثالث غزوان وللرابع طفشة، ومعهم غلام أمرد يريد أن ينقطع إلى واحد منهم، وكل واحد يطلبه لنفسه، فتحاكموا إلى شيخ منهم فقال الشيخ: ليذكر كل واحد منكم ما فعله وما يقدر عليه حتى أخبر هذا الغلام فيصير إلى من أحب. فقام صحناة فقال: وال أمك، لو تراني ضيعوني في عينك يا ابن الغلابة، أنا هامان، أنا فرعون، أنا عاد، أنا الشيطان الأقلف، أنا الدب الأكلف، أنا البغل الحرون، أنا الحرب الزبون، أنا الجمل الهائج، أنا الكركدن المعالج، أنا الفيل المغتلم، أنا الدهر المصطلم، أنا البعير الشارد، أنا السبع الوارد، أنا سرادق التضريب، أنا بوق الحروب، أنا طبل الشعب، محبوس شرقي غربي مضرب، قايم نايم، مبطوط الأليتين، معطل الدفتين، أبلع أسنة، أخرا جواشن، لو ضرب ربكم عنقي ما مت بعد سنة، وهذا حمدان فروخ في حجري بالأمس حتى جنى جناية رزق الصلب وحملان ديتيه صرف ألف، فما غلس حتى ينطق أحد.

وقام حرملة فقال: يا ابن الصفعانة، أنا حبست في أجمة أكلت ما فيها من السباع، وجعلت الحشيش نقلي، أنا طوق الله الهائج في بحر قلزم، لو كلمني رجل بغير مسألة لعقدت شعر أنفه إلى شعر أستهوأديره حتى يشم فساياته القنفذ، لو كلمني رجل لكمته لكمة فأبدد عظامه فلا تجمع في شهر، أو كلمني رجل لم أخزم أنفه وأخرزه في قرنه وأصفعه فأقلع رأسه مع رطلين من خراه؛ يا أبا الجرادة املأ عينك مني والله وأنت زريق الخف، طعامي الصبر، ريحاني الدم، نقلي أدمغة الأفاعي، أنا أسست الشطارة، أنا بوبت العبارة؛ يا ابن الزراعة الهراشة الفراشة، الفلاشة النعاشة، من يتكلم قولوا.
فقال غزوان: أيش تقول لي يا ابن الطبردانة، أنا القدر والحدر الممزوج بالصخر، أنا أبو إيوان كسرى، حولت المجالس والمطابق، وقطعت أكباد الخلائق، أنا أخرق الصفين، وأضرب العسكرين، رفيقي صياح اللكم، وجعفر ابن الكلب، وموسى سلحة، وعيسى زكرة، وكردويه الباقلاني، وفروخ الشماط، ونفطويه المكاري، انقلوني ونور الله إلى الشاش وفرغانة، ردوني إلى طنجة وافرنجة وأندلس وأفريقية، ابعثوا بي إلى قاف، وخلف الروم، إلى السد وإلى يأجوج ومأجوج، إلى إلىموضع لم يبلغه ذو القرنين، ولم يعرفه الخضر؛ أنا شهدت الغول عند نفاسها، وحملت جنازة الشيطان غير جبان، أنا فرعون ذو الأوتاد إن لم أقبض روحك مشيت سبعة بلا راس، قطعت عروقي بكل خنجر، رضت عظامي بكل منجل، لو نخرت نخرة لخرت صوامع النصارى، وتحطمت قصور بني إسرائيل، لو عضني ونور الله الأسد لفرس، ولو كلمني إبليس لخرس، ولو رآني العفريت لخنس، من ينطق بعد هذا؟ فقال طفشة: أنا قتلت ألفاً وأنا في طلب ألف، يا ابن الخادمة تهيأ لفرعون يا أخا القحبة، تقطب في وجهي، أو تقوم بقربي، أو تناظرني كلمة وكلمة، أما تعلم أن راسي مدور، ولحيتي خنجرية، وسبالي مفضلي، وآستي خرسا، وأنا مشهور في الآفاق بضرب الأعناق، لا يجوز علي المخراق، وأنا الربيع إذا قحط الناس، أنا الغني إذا كثر الأفلاس، أنا أشهر من العيد، سل عني الحديد، في المنطق الجديد، البيضة مني ونور الله، تسوى ألفاً، ولو حضنت خرج منها ألف شيطان؛ أنا شققت شدق النمر، وصيرت على الأسد الإكاف، أنا كلب أنبح، أنا السحر أنا الأمحران، أنا تنور يسجر، لصديق صديقي ورور من عنبر بن الجلندى، أنا ابن الجلندى كنكر بن الأشتر بن طاهر الأعور، إبليس إذا رآني مطى، لو كلمني رجل رأسه من نحاس، ورجليه من رصاص، أصفعه صفعة فأصبر أنفه قفاه، أنا السيل الهاطل، أنا المغيث الشاطر، أنا قلاع القناطر، أنا لم ألعب بك في الطبطاب، وأقسك قسو الصعو في الرطاب، اسم شيطاني سقلاب؛ أنا أقسى من الحجر، وأهدى من القطا، وأزهى من الغراب، وأحذر من العقعق، وأوله من الذباب، وألج من الخنفساء، وأحد من النورة، وأغلا من الدرياق، وأعز من السم، وأمر من العلقم، وأشهر من الزراقة؛ أنا الموج الكدر، أنا القفل العسر، راسي سندان، نابي سكين، يدي مطرقة حداد، أيش تقول؟ صادقني وسل عني، أنا صعصعة الحي، أنا خير لك من غيري هو ذا وجهي إلى الآخر، لك حاجة إلى ربك؛ هوذا أجد ريح الدم، أيش ترون من ينطق؟ فسكت القوم وبادر الغلام وأخذ بيده وصادقه.
روينا - أيدك الله - هذا الكلام على ما به ليكون للنفس فيه استراحة، وللإنسان منه عبرة، فلا تعب علينا ذلك، فلو قد وفيتني حقي في محاسن ما دونت في هذا الكتاب لما ضرني مقدار ما خالف إرادتك وباين اختيارك، وقصر عن مدى مرادك. جعل الله هذا الكتاب لك طريقاً إلى الأستمتاع بهزله، والأنتفاع بجده، وختم عاقبتك بما يبلغك دار رضوانه، مستوجباً كريم غفرانه.
قال كسرى: اجتماع المال عند الأسخياء أحد الخصبين، واجتماعه عند البخلاء أحد الجدبين.
قال أبو العتاهية، قلت لعلي بن الهيثم: ما يجب على الصديق؟ قال: ثلاث خلال: كتمان حديث الخلوة، والمواساة عند الشدة، وإقالة العثرة.
قال عبد الملك بن صالح: مشاهدة الإخوان أحسن من إقبال الزمان.
قال أبو تمام: قلت لرجل من أهل الكوفة: أيسرك أنك جاهل ولك مائة ألف درهم؟ قال: لا، قلت: ولم؟ قال: لأن يسر الجاهل شين، وعسر العاقل زين، وما افتقر رجل صح عقله.
أنشد للرقاشي: الوافر
إذا كان النديم له حفاظ ... فأهلاً بالمدام وبالنديم

وحسبك بالنديم إذا تخطا ... إلى الكتمان بالخلق الكريم
وقال الخريمي: البسيط
لما وجدت نديماً لا يخالفني ... صيرت نفسي له عبداً بلا ثمن
وصار لي سكناً أحيا برؤيته ... وصاحب الراح لا يحيا بلا سكن
لعلي بن الجهم: البسيط
ما زلت أطلب ندماناً أحادثه ... وأضرب الناس في بغداد بالناس
حتى وجدت نديماً لا يخالفني ... سمح الخلائق يطوي الدهر بالكاس
لابن الحكم: الرمل المجزوء
أنا مستغن عن النا ... س بندمان كريم
يقطع الدهر كلانا ... بسرور ونعيم
إنما نستعذب الرا ... ح بأخلاق النديم
الخارجي: الطويل
تلطفت الأيام حتى تفضلت ... علي بندمان كريم الخلائق
له سمت عدل واستكانة عاشق ... وهمة جبار وظرف الزنادق
مزجي به كأسي فصادف طعمه ... ألذ وأشهى من ثمار الحدائق
خطب خالد بن عبد الله يوماً فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس، تنافسوا في المكارم، وسارعوا إلى المغانم، وأشتروا الحمد بالجود، ولا تكسبوا بالمطل ذماً، ولا تعتدوا بمعروف لم تعجلوه، ومهما يكن لأحد منكم عند أحد نعمة فلم يبلغ شكرها فالله أحسن لها جزاء، وأجزل لها عطاء؛ وأعلموا أن حوائج الناس إليكم نعمة من الله عليكم، فلا تملوا النعم فتحور نقما، وأعلموا أن أفضل المال ما أكسب ذكراً، وأورث شكراً، ولو رأيتم المعروف رجلاً لرأيتموه حسناً جميلاً يسر الناظرين ويفوق العالمين، ولو رأيتم البخل رجلاً لرأيتموه مشوهاً قبيحاً تنفر عنه القلوب، وتغض دونه الأبصار؛ أيها الناس، من جاد ساد، ومن بخل رذل، وإن أكرم الناس من أعطى من لا يرجوه، ومن لم يطب حرثه لم يزك زرعه، والفروع من مغارسها تنمو ومن أصولها تزكو.
أثنى رئيس وفد على ملك إذ انفلتت منه ضرطة، فالتفت إلى أسته فقال يخاطبها: مثل هذا الملك يصلح أن يثنى عليه بجميع الجوارح، ولكن إذا رأيت اللسان يتكلم فاسكتي؛ فضحك الملك وقضى حاجته.
تخاصم رجلان فأربى أحدهما على الآخر، فبينا هو كذلك إذ ضرط من شدة غضبه وهيجانه فقال: وهذا أيضاً في لحيتك يا فاعل، يا صانع.
قيل لرجل: ما فائدة الصفع؟ قال: هو أول منزلة من التواضع، وهو يحسن الخلق، ويحلي المرار، ويذهب بالصفار، ويحلل الخمار، ويؤمن البدن من الأقشعرار.
وقال آخر: الصفع تعلة ولكنه مذلة.
ويقال: الصفعان محبوب، والقواد مسبوب.
ويقال: الصفعان آمن نوائب الزمان.
وصف ابن القرية يوماً للحجاج فرساً فقال: أصلح الله الأمير، طويل الثلاث، قصير الثلاث، صليب الثلاث، حديد الثلاث، رحيب الثلاث، عريض الثلاث، منيف الثلاث، أسود الثلاث، قال: فاستوى وكان متكئاً وقال: فسر أثلاثك أو لأضربن عنقك، قال: نعم أصلح الله الأمير، طويل العنق والسبيب والساق، قصير الظهر والعسيب والشعر، صليب الكاهل والدخيس والعجب، حديد السمع والقلب والمنكب، رحيب المنخرين والشدق والجوف، عريض اللبة والجبهة والخد، منيف القوائم والجوانح والقذال، أسود العين والحافر والذكر،قال: فعجب الحجاج منه، ووهب له ألف دينار.
لأبي مسلم الرستمي: الرمل
وبنفسي من إذا جمشته ... نثر الورد عليه ورقا
وإذا مدت يدي طرته ... أفلتت مني ودارت حلقا
وأنشد: الطويل
وسارية لم تسر في الليل تبتغي ... مناخاً ولم يقصر لها القيد مانع
تسير وراء الليل والليل ضارب ... بأكنافه فيه سمير وهاجع
إذا وردت لم يردد الله وفدها ... على أهلها والله راء وسامع
سرت حيث لا تجري الرياح ولم تنخ ... لورد ولم يقطع بها البيد قاطع
تفتح أبواب السموات دونها ... إذا قرع الأبواب منهن قارع
وإني لأرجو الله حتى كأنني ... أرى بجميل الظن ما الله صانع
كان بعض أصحابنا يطيل التعجب من هذا الشعر ويحكم بإحسان قائله، يريد الدعاء لله تعالى وقيل يصف دعوة مظلوم.

سئل دغفل عن بعض العرب فقال: أحداث قادة، وشباب سادة، وكهول ذادة، لهم الشرف الشامخ، والعز الباذخ، والكرم الصريح، والعنصر الفسيح، بهاليل أسخياء، غطارفة أغنياء، كرام أعفاء، لهم الأخلاق الطاهرة، والألباب الحاضرة، والوجوه الناضرة، بحار النيل، وأحلاس الخيل، يحملون المغارم والأثقال، ويجدلون الكماة والأبطال، لهم العز والجلد، والسياسة والعدد، شموس البلاد، وأقمار العباد، ونجوم في الناد، لهم في القلوب حلاوة، وعلى الوجوه طلاوة، أسد العرب إذا جثوا على الركب، وأكرمهم في الرضا والغضب، وأضربهم بالسيف المشطب، وأطعنهم بالرمح المكعب، عزمهم غير مخلخل، وشرفهم غير مزلزل؛ آفة البلاد إذا ركبوا، وغيث البلاد إذا أجدبوا، كهولهم غيوث، وشبابهم ليوث، ووقائعهم مشهورة، وأيامهم مذكورة، علا شرفهم فرجح، وطال عزهم فطمح، لهم السيوف البواتر، والرماح الخواطر، والأيد والعدة، والثراء والنجدة، أنجم الأندية، وأفاعي الأودية، هم الليوث الهواصر، والغيوث البواكر.
أنشد لسعيد بن حميد: الطويل
لقد ساءني أن ليس لي عنك مذهب ... ولا لك في حسن الصنيعة مرغب
أفكر في ود تقادم بيننا ... وفي دونه قربى لمن يتقرب
وأنت سقيم الود رث حباله ... وخير من الود السقيم التجنب
تسيء وتأبى أن تعقب بعده ... بحسنى وتلقاني كأني مذنب
وأحذر إن جازيت بالسوء والقلى ... مقالة قوم ودهم منك أجنب
أمل اختياراً أو عرته ملالة ... فعاد يسيء الظن أو يتعتب
فخبت من الود الذي كنت أرتجي ... كما خاب راجي البرق والبرق خلب
قال أعرابي: نحن بأرض لا نريد بها بدلاً، ولا نبتغي عنها حولاً، لا يملولح ماؤها، ولا يتمعر جنابها، ليس فيها أذى ولا قذى، ولا وعك ولا حمى، فنحن بأرفه عيشة، وأخصب معيشة.
كاتب: نحن نستعطفك باعتزالك، ونستديم صلتك بجفائك، ونستكثر مناسمتك باجتنابك، ونرى الزيادة في العتب أدوم لجميل رائك.
كاتب: مثل لا ينبله من غفلة، ولا يوقظ من سنة، ولا يعرف من جهلة.
لما ظهر موسى عليه السلام بمصر قال سقراط: نحن معاشر اليونانيين أقوام مهذبون لا حاجة بنا إلى تهذيب غيرنا.
أنشد: الكامل
ما كان أنضر عيشه وأغضه ... أيام فضل ردائه مسحوب
عبد الحميد الكاتب: أحب أن يعهد إليك في لطائف أمورك، وعوام شؤونك، ودخائل أحوالك، ومستطرف أشغالك.
كاتب: الحمد لله الذي لم يوحش منك ربعك، ولم يخل مجلسك في قومك، فلا أدبر عنك من الصحة ما أقبل إليك، ولا أقبل إليك من السقم ما أدبر عنك، وثبت لك العافية ومد فيها غضارة عيشك، حتى يقبضك على خير عمرك، وأحسن عملك.
قال أعرابي: كان فلان قوالاً بالحق، قواماً بالقسط.
كاتب: صحت قلوبكم من أمراض الخطايا، وبرأت أنفسكم من أسقام الذنوب، وطهرت ثيابكم من دنس الآثام.
كتب يحيى بن خالد إلى الرشيد من الحبس: يا أمير المؤمنين، إن كان الذنب خاصاً فلا تعم بالعقوبة، فإن الله تعالى يقول " ولا تزر وازرة وزر أخرى " الأنعام: 164.
كاتب: أما بعد فإنه ربما ضاق العذر على اتساعه، واتسع على ضيقه، وقوي على ضعفه، وضعف على قوته، وذلك بقدر ما يوافق من رأي من يرد عليه، فمن مستقص محتج ومن مسامح موسع، يكون هذا المحتمل لصاحبه العذر والمحتج له من حيث لا يحتج لنفسه.
قال الشاعر: الطويل
إذا ما أتت من صاحب لك زلة ... فكن أنت محتالاً لزلته عذرا
قال أعرابي: اللهم لك الحمد على طول النية، وحسن النظرة.
وقال: الحمد لله الذي أباتنا نائمين وأنبهنا سالمين.
وقال آخر: الحمد لله فالق الإصباح، وباعث الأرواح.
قال هداف التميمي: الحمد لله على نوم الليل وهدوء العروق وسكون الجوارح وكف الأذى والغنى عن الناس.
قيل لأعرابي: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحتسب على الله الحسنة، ولا أحتسب على نفسي السيئة.
قيل لأبي مسمع الوتري: أخبرنا عن قولهم: عطشان نطشان وجائع نائع، قال: كلمة يشد بها الرجل كلامه.
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغارفة، أي جز الشعر؛ يقال منه: غرف شعره.

كاتب: المصايب هدايا لقوم وبلايا على آخرين، فجعلك الله ممن غفل عنه فاستعمل الشكر عند الأتساع، والصبر عند الأرتجاع.
ابن المقفع: إن كان ما فجعت به اليوم من فقد ولدك أحزنك، ليسرنك أحوج ما كنت إلى السرور به، وأفرح ما تكون بمكانه، فأعظم الله أجرك، وأحسن صبرك.
قال كسرى لبزرجمهر: ما بال معاداة الصديق أقرب مأخذاً من مصادقة العدو؟ قال: لأن إنفاق المال أهون من كسبه، وهدم البناء أهون من رفعه، وكسر الإناء أهون من إصلاحه.
قال فيلسوف: العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلاً، والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالماً.
كاتب: إن الله عز وجل جعل الدنيا دار بلوى والأخرى دار عقبي، فجعل بلوى الدنيا عوضاً فيأخذ ما يأخذ مما يعطي، ويبتلي إذا ابتلى ليجزي.
قال أعرابي: المودة من السلف ميراث بين الخلف.
قال آخر: لولا ظلمة الخطأ ما أشرق نور الصواب في القلوب.
قال فيلسوف: القلوب أوعية، والعقول معادن، فما كان في الوعاء ينفد إن لم يمده المعدن.
قال بزرجمهر: لا بد من العيب، ومن لا عيب فيه لا يموت.
قيل لأفلاطون: لم لا تجتمع الحكمة والمال؟ قال: لعزة الكمال.
قال فيلسوف: الدنيا فرس جموح فأطلقوا رسنها، وضعوا أرجلكم منها بحيث أمكن.
كاتب: قد كنت لنكبات الدهر مستعداً ولعداوته متخوفاً، فهل زاد على صدقك عن نفسك وآتاك ما كنت عالماً أنه يأتيك منه؟ فكيف تجزع وأنت تعلم أنه ليس لما وقع مرد، ولا لما ذهب مرتجع؟ قال فيلسوف: الكرام أصبر نفوساً، واللئام أصبر أبداناً.
قال رجل لفيلسوف: ما أبخر فاك!! قال: لا تعجب من هذا، فقد عفنت مساويك في صدري أفلا أخرجها ثم أعطيك شيئاً؟! كاتب: أما بعد، فالحمد لله الذي نجاه مما هنا من الكدر، وخلصه قبل الكبر، مما كان بين يديه من الخطر.
كتب غيلان إلى مروان: أعلم أن كل مصيبة لم يذهب فرح ثوابها حزنها فإن ذلك هو الحزن والمصيبة العظمى.
قال بزرجمهر: يستحب من الخريف الخصب، ومن الربيع الزهر، ومن الجارية الملاحة، ومن الغلام الكيس، ومن الغريب الأنقباض.
يقال: الهوى شريك العمى.
قال فيلسوف: الهالك على الدنيا رجلان: رجل نافس في عزها، ورجل أنف من ذلها.
قال أعرابي: الحسود لا يسود.
وجد في كتاب لجعفر بن يحيى أربعة أسطر بالذهب: الرزق مقسوم، والحريص محروم، والبخيل مذموم، والحسود مغموم.
قال فيلسوف: من زاد أدبه على عقله كان كالراعي الضعيف مع غنم كثيرة.
لمنصور النمري إلى هارون: والله يا أمير المؤمنين ما وخزتنا شوكتهم ولا أمضتنا قرحتهم، وإنما نحن حرمة من حرمك، وطرف من أطرافك، ننشدك الله أن لا تغضب لنا بأن لا تغضب علينا، وأن لا تنتقم فينا بأن لا تنتقم منا.
دخل سالم السندي على عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقال له: يا سالم، أسرك ما وليت أم ساءك؟ فقال: سرني للناس وساءني لك، قال: فإني أتخوف أن أكون أوبقت نفسي، فقال: ما أحسن حالك إن كنت تخاف، وإنما أخاف أنك لا تخاف، قال: عظني، قال: إن أبانا أخرج من الجنة بخطيئة واحدة.
كاتب: أتيتك وافداً بذنوبي على عفوك، واثقاً لعقوقي ببرك، لا مستظهراً عليك بشفيع قدمته، خلا تطولك بالعفو على الإخوان، وتفضلك عليهم بالإحسان.
قال هارون للفضيل بن عياض: ما أزهدك!! قال: أنت أزهد مني يا أمير المؤمنين، قال: كيف؟ قال: لأني أزهد في الدنيا وهي فانية، وأنت تزهد في الآخرة وهي باقية.
كاتب، يقال هو إسحاق بن يحيى، كتب إلى آخر يهنيه ببنت: رب مكروه أعقب منفعة، ورب محبوب أعقب مضرة، وخالق المنفعة والمضرة أعلم بمواضع الخيرة.
قال فيلسوف: أعجب ما في الإنسان أن ينقص ماله فيقلق، وينقص عمره فلا يقلق.
كاتب، هذا يوم قد سبقت فيه العادة بإلطاف الأتباع للسادة، وكانت البضاعة تقصر عما تبلغه الهمة، فكرهت أن أمسك عن الهدية فأخرج عن حكم السنة، وكرهت أن أهدي فلا أبلغ مقدار الواجب، فجعلت هديتي أبياتاً وهي: الوافر
ولما أن رأيت ذوي التصافي ... تباروا في هدايا المهرجان
جعلت هديتي وداً مقيماً ... على صرف الحوادث والزمان
وعبداً حين تكرمه ذليلاً ... ولكن لا يقيم على الهوان
يزيدك حين تكرمه خضوعاً ... ويرضى من نوالك بالأماني

قال بعض الزهاد: العالم طبيب هذه الأمة، والدنيا داؤها، فإذا كان الطبيب يطلب الداء فمتى يبرأ غيره؟ قال آخر: لا يزال العبد بخير ما قال لله وعملا لله.
قال الأحنف: ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة: حليم من جاهل، وبر من فاجر، وشريف من دنيء.
قال كسرى لبزرجمهر: أي الناس أحب إليك أن يكون عاقلاً؟ قال: عدوي، قال: وكيف ذاك؟ قال: لأنه إذا كان عاقلاً فإنك منه في عافية.
قيل لفيلسوف: ما العقل؟ قال: اعتدال الطبائع.
وقال فيلسوف: إذا فقد الإنسان العقل والتوفيق لم يصلح له شيء من أموره.
قيل لبزرجمهر: تعال حتى نتناظر في القدر، قال: وما أصنع بالمناظرة؟ رأيت ظاهراً دل على باطن: رأيت أحمق مرزوقاً، وعالماً محروماً، فعلمت أن التدبير ليس إلى العباد.
قال ابن أبي طاهر، حدثني أبو تمام قال: حدثني شيخ من كلب عن شيخ منهم قال: كنت مع يزيد بن حاتم بأفريقية، وكنت به خاصاً، فعرض عليه تاجر درعاً فأكثر تقليبها ومداولة صاحبها، فقلت له: أصلح الله الأمير، فعلام تلوم السوقة؟ فقال: ويحك، إني لست أشتري أدراعاً، إنما أشتري أعماراً.
قال أحمد بن يزيد حدثني أب عن عمه حبيب بن المهلب قال: ما رأيت رجلاً قط مستلئماً في حرب إلا كان عندي رجلين، وما رأيت رجلين حاسرين في حرب قط إلا كانا عندي بمنزلة رجل واحد.
قال علي عليه السلام: الحرص مقدمة الكون.
قيل لصوفي: لم لا تعمل عملاً؟ قال: إذا كان مستعملي قد أراحني فما وجه فضولي وتكلفي؟ شاعر: الطويل
إذا المرء لم يطلب معاشاً لنفسه ... شكا الفقر أو لام الصديق فأكثرا
وصار على الأدنين كلاً وأوشكت ... صلات ذوي القربى له أن تنكرا
فسر في بلاد الله وألتمس الغنى ... تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا
قيل لأعرابي: أيسرك أن تكون أحمق وأن لك مائة ألف درهم؟ قال: لا، قيل: ولم؟ قال: لأن حمقة واحدة تأتي على مائة ألف درهم وأبقى بعدها أحمق.
قيل لصوفي: على من تعول في معاشك؟ قال: على لطف من نقلني إلى الوجود من العدم، وتولاني في اليقظة والحلم.
كان أيمن بن خريم الأسدي مكيناً عند معاوية، وكان يكثر ذكر الجماع، وكان معاوية قد ضعف، فقال له يوماً: ما بقي من طعامك وشرابك وقوتك يا أيمن؟ فقال: آكل الجفنة الكثيرة الودك والعراق، وأشرب الزكرة العظيمة ولا أنقع، وأركض المهر الأرن فأحضر، وأجامع من أول الليل إل السحر. قال: فساءه ذلك وقدح في نفسه، وذلك أن فاختة كانت تسمع من وراء حجاب، فجفاه معاوية، فشكا أيمن ذلك إلى امرأته فقال له: لعلك أذنبت ذنباً أو أشعث سراً، قال: لا بالله ما لي ذنب، قالت: صف ما أنت أحدث عهداً به معه، فأخبرها الخبر، فقالت: هذا الذي أغضبه عليك، قال: فأصلحي ما أفسدت، قالت: كفيتك؛ فأتت معاوية فوجدته جالساً للناس، فدخلت إلى فاختة فقالت: ما لك؟ قالت: جئت أستعدي على أيمن إلىمعاوية، قالت: وما ذاك؟ قالت: ما أدري رجل هو أو امرأة، وما كشف لي ثوباً منذ تزوجني، قالت: فأين قوله لمعاوية كذا وكذا؟ قالت: ذاك الباطل، فأقبل معاوية فقال: من هذه؟ قالت: هذه امرأة أيمن جاءت تشكوه، قال: وما لها؟ قالت: زعمت أنها لا تدري أرجل هو أو امرأة، وأنه ما كشف لها ثوباً منذ تزوجها، قال: أكذلك؟ قالت: نعم، فرق بيني وبينه، فرق الله بينه وبين روحه، قال: أو خير من ذلك ابن عمك وقد صبرت عليه دهراً، فأبت، فلم يزل معاوية يطلب إليها حتى أسمحت، فأعطاها وأحسن إليها؛ ثم إن أيمن دخل على معاوية فأنشده: المتقارب
لقيت من الغانيات العجابا ... لو أدرك مني العذارى الشبابا
يرضن بكل عصا رائض ... ويصبحن كل غداة صعابا
إذا لم تنلهن من ذاك ذاك ... بغينك عند الأمير الكذابا
إذا لم يخالطن كل الخلاط ... أصبحن مخرنطمات غضابا
يميت العتاب خلاط النساء ... ويحيي اجتناب الخلاط العتابا
قال خالد لبلال بن أبي بردة في كلام جرى: إن من سبقته فقد فته، وإن من سبقك فقد فاتك، فقال له بلال: فإنك قد سبقك أجلك أفتفوته؟ وقد سبقك رزقك أفيفوتك؟ فأفحم خالد.

قال المدائني: كان الحجاج حسوداً لا ينسى صنيعة إلا أفسدها، فلما وجه عمارة بن تميم اللخمي إلى ابن الأشعث وعاد بالفتح حسده، فعرف ذلك عمارة وكره منافرته، وكان عاقلاً رفيقاً، فظل يقول: أصل الله الأمير، أنت أشرف العرب، من شرفته شرف، ومن صغرته صغر، وبابن الأشعث وخلعه؛ حتى استوفد عبد الملك الحجاج وسار عمارة معه يلاطفه ولا يكاشفه، وقدموا على عبد الملك، وقامت الخطباء بين يدي عبد الملك في أمر الفتح، فقام عمارة فقال: يا أمير المؤمنين، لقد أظهر الطاعة وأبلى الجميل وأظهر البأس من أيمن الناس نقيبة، وأعفهم سريرة؛ فلما بلغ آخر التقريظ قال عمارة: فلا رضي الله على الحجاج يا أمير المؤمنين ولا حفظه ولا عافاه، فهو الأخرق السيء التدبير الذي قد أفسد عليك العراق، وألب الناس عليك، وما أتيت إلا من خرقه وقلة عقله وفيالة رأيه وجهله بالسياسة، ولك يا أمير المؤمنين منه أمثالها إن لم تعزله، فقال الحجاج: مه يا عمارة، فقال: لامه ولا كرامة، يا أمير المؤمنين، كل امرأة لي طالق وكل مملوك لي حر إن سرت تحت راية الحجاج أبداً، فقال عبد الملك: ما عندنا شيء أوسع لك؛ فلما انصرف عمارة إلى منزله أرسل إليه الحجاج: إني لأظن شيئاً أخرجك إلى هذه المعتبة، فانصرف فلك عندي العتبى، فأجاب عمارة: إني ما كنت أظن عقلك بلغ بك كل ما أرى، أأرجع إليك بعد أن قلت لك عند أمير المؤمنين ما قلت؟ لا ولا كرامة.
قال ثعلب في المجالسات: إذا قلت: هذا الجيش مقبلاً أردت الشخص.
قال ثعلب، قال النضر بن شميل: سمعت أعرابياً حجازياً باع بعيره يقول: أبيعكه يشبع عرضاً وشعباً؛ والشاعب: البعير يهتضم الشجر من أعلاه، والعارض: الذي بيأكل من أعراضه.
قال ثعلب: المؤوب مثل المعوب هو المقور المأخوذ من حافاته؛ أوب الأديم وقوره واحد.
وقال ثعلب، قال إسحاق الموصلي: حدثني شيخ من بني أمية قال، قال سعيد بن العاص: ما وصلت من ألجأته إلى أن ينتح كما ينتح الحميت، يعني يرشح، والحميت: النحي المربوب.
قال، وذكر عن أبي صالح الفزاري أنه قال في وصف ناقة: إذا اكحالت عينها، وأللت أذنها وسجح خدها وهدل مشفرها وأستدارت جمجمتها فهي كريمة.
قال ثعلب: مات أبو طالب وخديجة عليهما السلام في عام واحد وهو عام الهجرة، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحزن.
وأنشد ثعلب: البسيط
لا تسأل الناس عن مالي وكثرته ... قد يفقر المرء يوماً وهو محمود
أمضي على سنة من والد سلفت ... وفي أرومته ما ينبت العود
مطالب بتراث غير مدركه ... محسد والفتى ذو الفضل محسود
قال ثعلب: الأقتماع: إدخال الرجل رأسه إلى داخل، والأختناث إخراج رأسه إلى خارج، ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن اختناث الأسقية.
قال ثعلب: وحدثني المأمون عن الزبير بن بكار قال: لما مات حرب بن أمية بالمدينة قالوا: واحرباه، ثم نقلوا فقالوا: واحرباه.
أصحابنا لا يرون هذا حقاً لكني رويت كما وجدت.
كتب الحسن بن وهب إلى الطائي الشاعر: أمتعني الله بما وفد علي من موافقتك، وبلوغ الوطر كل الوطر من انضمام إليك واجتماع بعينك زادك الله في النعمة بطول حياتك، وتراخي أيامك، وغفلة الدهر عنك، وعن حظي منك. كتابي بأبي أنت وأمي وطار في وتالدي، وكتابك في يدي، وفلان عندي، ونحن نصعد ونصوب في الشعر العجيب الذي أنفذته في درجه، وبيننا من ذكرك أطيب من روائح الرياض غب القطار، والحال سارة، والعافية شاملة، نحمد الله على النعمة، ونسأله حسن النماء والزيادة؛ وذكرت مشاركتك إياي في المصيبة، وما كان أحوجني حين طرقت الأيام بها أن تكون حاضراً فتربط قلباً، وتمسك صلباً، فإنها كانت حالاً وافت غريراً بها، شديد الغفلة عنها، حتى يكون كأنني لا أحسب الأيام على هذه الخليقة ولا الدهر على هذا العادة. فسبحان الله لهذا السهو الطويل، والتفريط الذي لا يشبه السفيه فضلاً عمن يجب أن يقال له عاقل حكيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون؛ لا زالت أقدار السوء تسقط دونك، والردى يخطئك، وكلاءة الله تحضرك.
قال أبو حازم الأعرج: والله ما أنت بسابق أجلك، ولا بالغ أملك، ولا مرزوق ما ليس لك.

اشتكى عبد الرحمن بن زياد، فكتب إلى بكر بن عبد الله المزني يسأله أن يدعو له، فكتب إليه: حق لمن عمل ذنباً لا عذر له فيه، وخاف موتاً لا بد له منه، أن يكون مشفقاً، وسأدعو لك، ولست أرجو أن يستجاب لي بقوة في عمل ولا براءة من ذنب، والسلام.
قال ابن أبلي طاهر، حدثني حبيب، يعني أبا تمام قال، قال أعرابي: من جاد بماله فقد جاد بنفسه، إلا يكن جاد بها فقد جاد بقوامها.
قال ابن أبي طاهر، وحدثني حبيب قال: حدثني شيخ من بني عدي بن عمرو قال: نزلت عندنا أحوية من طيء، فكنت أتحدث إلى فتى يتحدث إلى ابنة عم له وهو من أقرح الناس كبداً؛ قال: فسار فريقها الأدنى إلى الغور، وغبر في أهل بيته، فاشتد جزعه فقال: يا ابن عم، إن الصبر على المحبوب أشد من الصبر على المكروه.
وقال آخر: كنا مع أبي علي وأبي هفان، فجعل أبو هفان يتنادر بشيء من ذكر الخرا، فقال أبو علي لسعيد بن حميد: يا أبا عثمان لا تلمه، فإن ذبابته لا تطن إلا عليه.
وقال ابن أبي طاهر: رأيت أبا علي البصير وقد قام لعبيد الله بن يحيى فقال: يا أبا الحسن أراك الله في عدوك ما يعطفك عليه.
قال إنسان لأبي علي، حسني: أنت منحرف عن أهل البيت، وأنت ترى أنك ترفض، فقال أبو علي: والله ما أعيا عن جوابك، ولا أعمى عن مسابك، ولكني أكون لنسبك خيراً منك له.
أنشد العتبي للنجاشي: الطويل
وأحلف ما شتمي لكم إن شتمتكم ... بسر ولا مشيي لكم بدبيب
ولا ودكم عندي بعلق مضنة ... ولا سخطكم عندي بجد مهيب
كاتب: أما بعد، فإنه لا شيء أدل على مضمر جفاء، وقلة وفاء، من ترك الزيارة في المحضر، والمكاتبة في المغيب، وكل ذلك قد بدا لنا منك، فإن حملنا أمرك على سبيل الرأي، وسلكنا بك نهج الحزم، فقد صفرت أيدينا منك، وفقدناك من عدد إخوانك، وإن سامحنا فيك الهوى واتبعناه، وجرينا في عنانه وأطعناه، فعن قليل يصيرؤ الظن إيقاناً، والشك عرفاناً.
قال أعرابي: من هزل جواده في الرخاء قام به في الشدة؛ يقال: هزل غيره وهزل هو، وأهزل إذا هزلت ماشيته، والهزل منه، كأنه كلام غث ليس بسمين.
وأنشد: الوافر
لعمرك لم أبح لهم بسر ... جعلت بحفظه صدري ضنينا
ولكن رجموا ظنا فلما ... ذعرت لظنهم علموا يقينا
ومن يرني نحيف الجسم أبكي ... بلا شك يظن بي الظنونا
قال ميمون بن مهران: الطالب في حيلة والمطلوب في غفلة، والناس منهما في شغل.
قال بعض البلغاء: إذا كنت ذا لسان قوي وقلب ذكي تحسن بهما تفصيل ما يكره أن يفصل، وتبلغ بهما توصيل ما يجب أن يوصل، فاذكر الزلل، وما نسب إليه المتكلم من الخطأ والخطل، وكن حذراً كأنك غر، وفطناً كأنك غافل، وذاكراً كأنك ناس، والزم الصمت إلى أن يلزمك التكلم، فما أكثر من يندم إذا نطق، وأقل من يندم إذا سكت.
شاعر: الكامل المجزوء
روح فؤادك بالرضا ... ترجع إلى روح وطيب
لا تيأسن وإن أل ... ح الدهر من فرج قريب
كان محمد بن المنكدر يقول: اللهم قو فرجي لأهلي فإنه لا قوام لهم إلا به.
أهدى فلان إلى إسماعيل الأعراج فالوذجة زنخة وكتب: إني اخترت لعملها جيد السكر السوسي، والعسل الماذي، والزعفران الأصفهاني. فأجابه: برئت من الله إن لم تكن قد عملت هذه الفالوذجة قبل أن تمصر أصفهان، وقبل أن تفتح السوس، وقبل أن يوحي ربك إلى النحل.
سئل الشعبي عن مسألة فقال: لا علم لي بها، فقالوا: ألا تستحي؟ فقال: ولم أستحي مما لم يستحي منه الملائكة حين قالت " لا علم لنا " البقرة: 32؟ قال ابن الأعرابي: ما لهذا الغناء يخرج من جلجلان القلب إلى قمع الأذن؟ ويقال: ضربت لهذا الأمر حيزومي، أي عرفته وصبرت نفسي عليه.
يقال: فسكلت في كلامك إذا لحنت.
ويقال: فلان معصور منصور إذا كان للنعمة عليه آية وأثر.
ويقال: جمعت هذا المال من عسي وبسي؛ العس: الاحتيال، والبس: بلوغ الجهد.
ويقال: سمعت بذلك ولا أناث الآن مغيبه ومغتابه؛ وكان فلان ثمالاً أي مغتاباً.

قال إبراهيم بن شكلة: أفضل المغنين من رق صوته، وأطرب سماعه، ودام صوابه، وحسنت أداته. وأفضل الغناء ما كان في وصف شجى، أو تذكر سكن، أو نعت شوق، أو شكوى فراق، وأفضل النزهة وجه سماء، وصفوة هواء، وغدير ماء، وخضرة كلاء، وسعة فضاء.
قال فيلسوف: العاقل لا يتفل في بئر يشرب منها، والبار لا يلعن الصلب الذي خرج من متنه، والشاكر من لا يشتم الرحم التي اشتملت عليه.
قيل للحسين بن علي رضي الله عنهما: ما الكرم؟ قال: التبرع بالمعروف، والإعطاء قبل السؤال، والإطعام في المحل.
قال المغيرة بن شعبة: الرجال أربعة، والنساء أربع: فإذا كان الرجل مذكراً والمرأة مذكرة كابدا العيش؛ وإذا كان الرجل مؤنثاً والمرأة مذكرة كان الرجل هو المرأة والمرأة هي الرجل؛ وإذا كان الرجل مؤنثاً والمرأة مؤنثة ماتا هزلاً؛ وإذا كان الرجل مذكراً والمرأة مؤنثة طاب العيش.
شاعر: البسيط
اليأس أبقى لماء الوجه من طمع ... والصبر أفضل في المكروه من جزع
ولست مدرك شيء أنت طالبه ... إن كان شيئاً به الأقدار لم تقع
قال الأحنف: لم تزل العرب تستخف بأبناء الإماء حتى لحق هؤلاء الثلاثة: علي بن الحسين، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، فاستقل بنو الإماء ولحقوا بهم.
قيل لصوفي: ما صناعتك؟ قال: حسن الظن بالله وسوء الظن بالناس.
قال دغفل البكري: حمى النعمان ظهر الكوفة، قال: ومن ثم قيل: شقائق النعمان، فخرج النعمان يسير في ذلك الظهر فإذا هو بشيخ يخصف نعلاً فقال: ما أولجك ها هنا؟ قال: طرد النعمان الرعاء فأخذوا يميناً وشمالاً، فانتهيت إلى هذه الوهدة في خلاء من الأرض، فنتجت الإبل وولدت الغنم وامتلأت بالسمن، والنعمان ممعتم لا يعرفه الرجل، قال: أو ما تخاف النعمان؟ قال: وما أخاف منه؟ لربما لمست بيدي هذه عانة أمه وسرتها فأجد كأنه أرنب جاثم، فهاج غضباً وسفر عن وجهه فإذا خرزات الملك، فلما رآه الشيخ قال: أبيت اللعن، لا تر أنك ظفرت بشيء، قد علمت العرب أنه ليس بين لابتيها أكذب مني، فضحك النعمان ومضى.
أتي زياد بن عبيد الله الحارثي وهو أمير المدينة بسلال خبيص هدية، فظن أنها فاكهة رطبة فقال: ضعوها وآدعوا مساكين المسجد، فلما جيء بهم وفتحت السلال إذا فيها الخبيص اليابس مما يبقى، فلم تسمح به نفسه فقال: اذهبوا بهؤلاء إلى السجن، قالوا: ولم أصلح الله الأمير؟ قال: لأنكم تقيلون في المسجد وتصلون بغير وضوء، قالوا: فإنا نحلف ألا ندخل المسجد أبداً.
قال صبي لمعلم يستفتحه: " إن أبي يدعوك " القصص: 25، فقال المعلم: هاتوا نعلي، قال الغلام: إنما أستفتحك، قال المعلم: أنكرت أن يفلح أبوك الكشخان.
يقال: من حكمة لقمان أنه كان مع مولاه حتى دخل الخلاء فأطال فيه الجلوس، فناداه لقمان: إن طول الجلوس على الحاجة تتوجع منه الكبد، ويكون منه الداء، ويصعد منه الحر إلى الرأس، فأجلس هوينا وأخرج هوينا، قال: فخرج مولاه وكتب كلماته على باب المخرج.
وأنشد: البسيط
يزين الشعر أفواهاً إذا نطقت ... بالشعر يوماً وقد يزري بأفواه
والمرء يرزق لا من حسن حيلته ... ويصرف الرزق عن ذي الحيلة الداهي
لا شيمتي تجتوى يوماً ولا خلقي ... وليس حبلي لمن صافيت بالواهي
ما مسني من غنى يوماً ولا عدم ... إلا وقولي عليه: الحمد لله
فصل للجاحظ: وقد صرت أهابك لفضل هيبتي له، واجترىء عليك بفرط بسطك، فمعي في ذلك حرص الممنوع، وخوف المشفق، وأمن الواثق، وقناعة الراضي، وبعد فما طلب ما لا يجاد به، وسأل ما لا يوهب مثله، ممن يجود بكل ثمين، ويهب كل خطير، فواجب أن تكون من الرد مشفقاً، وبالنجح موقناً.
نظر مخنث إلى مسجد لطيف نظيف فقال لآخر: أما ترى هذا المسجد ما أملحه، ولا يصلح والله إلا أن يحمل في السفر.
قال ثعلب، حدثنا أبو العالية قال: مر قوم من بني سليم برجل من مزينة يقال له نضلة، في إبل له، فاستسقوه لبناً فسقاهم، فلما رأوا أنه ليس في الإبل غيره ازدروه فأرادوا أن يستاقوها، فجالدهم حتى قتل منهم رجلاً وأجلى الباقين عن الإبل، فقال في ذلك رجل من بني سليم: الوافر
ألم تسأل فوارس من سليم ... بنضلة وهو موتور مشيح

رأوه فازدروه وهو خرق ... وينفع أهله الرجل القبيح
فشد عليهم بالسيف صلتاً ... كما عض الشبا الفرس الجموح
وأطلق غل صاحبه وأردى ... قتيلاً منهم ونجا جريح
ولم يخشوا مصالته عليهم ... وتحت الرغوة اللبن الصريح
نظر مخنث إلى رجل يتبختر من ولد أبي موسى فقال: انظروا إلى من خدع أباه عمرو بن العاص.
قال أبو هفان، حدثني محمد بن حرب قال: دخلت على العتابي في منزله فإذا هو قاعد على مصلاه بلا تكأة وبين يديه شراب في إناء، وكلب رابض في الفناء، وإذا هو يشرب كأساً ويولغه أخرى، فقلت له: سبحان الله، أنت في نبلك وهذا فعلك؟! قال: إنه يكف عني أذاه، ويمنعني أذى سواه، ويشكر قليلي، ويحفظ مبيتي ومقيلي، قال: فوصفه على البديهة بصفة لو كان غيري لتمنى أن يكون كلباً ليدخل في حسن جملة تلك الصفة.
قالت امرأة لحمصي كان تزوجها: يا أفطس يا كشخان؛ فسجد لله تعالى وقال: إن كنت صادقة فواحدة من الله تعالى والأخرى منك.
رأى أبو القمقام الهلال على وجه بصرية فقال لها: أضحكي في وجهي وخذي هذا الدينار مني، فاستظرفته وأخذت الدينار عبثاً، فقال: قد تفاءلت بوجهك فما لي عندك؟ قالت: أرد دينارك، قال: هذا كما كنا، فأين حلاوة الفأل وصدقه، فأعطته ديناراً، فقال: التجارة بركة والخديعة غنى.
لبعض المازنيين: الكامل
ختم الإله على لسان عذافر ... ختماً فليس على الكلام بقادر
وإذا أراد النطق خلت لسانه ... لحماً يحركه لصقر نافر
رأى يحيى بن أكثم غلاماً أمرد حسن الوجه في دار المأمون فقال: " لولا أنتم لكنا مؤمنين " سبأ: 31، فرفع إلى المأمون فعاتبه فقال: يا أمير المؤمنين، كان انتهى درسي إلى ذلك الموضع؛ فضحك منه.
قال أحمد بن أبي خالد: دخلت على المأمون وهو قاعد يصفي نبيذاً، فبادرت لأتولى ذلك فقال: مه! أنا أجد من يكفيني هذا، ولكن مجراه على كبدي فأحببت أن أتولاه بيدي.
قال عبيد الله بن زياد: نعم الشيء الإمارة لولا قعقعة البريد وتشزن المنبر.
قال الحسن رحمه الله: نعم الله أكثر من أن تشكر إلا ما أعان الله عليه، وذنوب بني آدم أكثر من أن تسلم إلا ما عفا عنه.
شاعر: الكامل
نشرت غدائر شعرها لتظاني ... حذر العداة من العيون الرمق
فكأنها وكأنني وكأنه ... قمران باتا تحت ليل مطبق
كاتب: أفضل القول ما كان سداداً، وأفضل العقل ما كان رشاداً.
قال فيلسوف: الكلام فيما يعنيك خير من السكوت عما يضرك، والسكوت عما يضرك خير من الكلام فيما لا يعنيك.
دخل قوم منزل عابد فلم يجدوا شيئاً يقعدون عليه، فلما تولوا قال لهم: لو كانت دار مقام لاتخذنا لها أثاثاً.
قال كليلة: قد تصل النصال إل الجوف فتستخرج وتندمل جراحها، والقول إذا وصل إلى القلب لم يستخرج.
قال شبيب الخارجي: الليل يكفل الجبان ويصف الشجاع.
قال المأمون لطاهر بن الحسين: يا أبا الطيب، صف لي أخلاق أخي محمد، قال: كان واسع الطرب، ضيق الأدب، فقال: كيف كانت حروبه؟ قال: كان يجمع الكتائب بالتبذير، ويفضها بسوء التدبير، قال: كيف كنتم له؟ قال: كنا أسداً تبيت وفي أشداقها علق الناكثين، وتصبح وفي صدورها قلوب المارقين.
شاعر: الطويل
فكم من أخي عقل ولب ومحتد ... تراه أخا جهد وبؤس يكالبه
وآخر لا يدري من العي والعمى ... من أين تهب الريح تصفو مشاربه
قال بعض السلف: لا يجاهد الطالب جهاد المغالب، ولا يتكل على القدر اتكال المستسلم، فإن ابتغاء الفضل من السنة، والإجمال في الطلب من العفة، وليست العفة بدافعة رزقاً، ولا الحرص بجالب فضلاً.
سئل ابن الأعرابي عن قولهم: فلان شديد العارضة، قال: منيع الجانب لا مطمع فيه.
قال ابن هبيرة لخالد القسري: فررت فرار العبد يا أبا المثنى، قال: نعم، حيث نمت نومة الأمة عن عجينها يا أبا الهيثم.
شاعر: الطويل
ذممت ولم تحمد وأدركت حاجتي ... ونال سواكم أجرها وأصطناعها
أبى لك فعل الخير رأي مقصر ... ونفس أضاق الله بالخير باعها
إذا هي حثته على الخير مرة ... عصاها وإن همت بسوء أطاعها

قال بعض الفرس: الناس أربعة: أسد وذئب وثعلب وضأن. فأما الأسد فالملوك يفرسون ويأكلون، وأما الذئب فالتجار، وأما الثعلب فالقوم المخادعون، وأما الضأن فالمؤمن ينهشه من رآه.
مدح أعرابي رجلاً فقال: هو أصح بصراً من العقاب، وأيقظ عيناً من الغراب، وأصدق حساً من الأعراب.
يقال: ثلاثة لم يمن بها أحد فسلم: صحبة السلطان، وإفشاء السر إلى النساء، وشرب السم في التجربة.
قال أعرابي لامرأته: أقام الله ناعيك، وأشمت بك أعاديك.
ذكر رجل عند أعرابي بشدة العبادة فقال: هذا والله رجل سوء، يظن أن الله عز وجل لا يرحمه حتى يعذ نفسه هذا التعذيب؟! قال أعرابي: من خولك نفسه، وملكك خدمته، وتخيرك لزمانه، وجب حقه وذمامه.
كان يقال: إنما يعد البخيل من يقرض إلى ميسرة.
يقال: الغالب بالشر مغلوب، وما ظفر من ظفر به الأثم.
ويقال: لكل شيء فحل، وفحل العقل مجالسة الناس.
قال مكحول في مرضه الذي قضى فيه: اللحاق بمن يرجى عفوه، خير من البقاء مع من لا يؤمن شره.
قال فيلسوف: الشكر محتاج إلى القبول، والحسب محتاج إلى الأدب، والسرور محتاج إلى الأمن، والقرابة محتاجة إلى المودة، والمعرفة محتاجة إلى التجارب، والشرف محتاج إلى التواضع، والنجدة محتاجة إلى الجد.
دعبل: الكامل
تمت مقابح وجهه فكأنه ... طلل تحمل ساكنوه فأوحشا
لو كان بأستك ضيق كفك أو لكف ... ك رحب دبرك كنت أكرم من مشى
كان معلم يقعد أبناء المياسير في الظل، وأبناء الفقراء في الشمس، ويقول: يا أهل الجنة، أبزقوا على أهل النار.
خاصم رجل امرأته إلى زياد، فشدد على الرجل، فقال: أصلح الله الأمير، إن خير نصفي الرجل آخرهما، يذهب جهله ويثوب حلمه ويجتمع رأيه، وشر نصفي المرأة آخرهما، لسوء خلقها وحدة لسانها ولعقم رحمها، فقال: أسفع بيدها.
أنشد: الرمل
رب قوم غبروا من عيشهم ... في نعيم وسرور وغدق
سكت الدهر زماناً عنهم ... ثم أبكاهم دماً حين نطق
قال العباس بن الحسن العلوي: أعلم أن رأيك لا يسع كل شيء ففرغه للمهم من أمورك، وأن مالك لا يغني الناس كلهم فاخصص به أهل الحق، وأن أكرامتك لا تطيق العامة فتوخ بها أهل الفضل، وأن ليلك ونهارك لا يستوعبان حوائجك فأحسن قسمتهما بين عملك ودعتك.
قالت الخنساء: النساء يحببن من الرجال المنظراني الغليظ القصرة، العظيم الكمرة، الذي إذا طعن حفر، وإذا أخطأ قشر، وإذا أخرج عقر.
لابن المكاري في ابن طاهر: الكامل
يا أيها الملك الذي في كفه ... صرف الزمان وصولة الحدثان
هل كنت إلا البحر صادف لجة ... فجرى بطوفان على طوفان
ولأنت أثقل إن وزنت من الورى ... من أن يقوم بعدلك الثقلان
أنشد: الطويل
وكأس سبتها التجر من أرض بابل ... كرقة ماء الدمع في الأعين النجل
إذا شجها الساقي حسبت حبابها ... عيون الدبا من تحت أجنحة النحل
نظر بعض الأعاجم إلى شيبة في عارضه فقال لنسائه: أندبنني إذ مات بعضي لأعرف كيف تندبنني إذا مات كلي.
قال فيلسوف: أربع خصال يهدمن البدن: دخول الحمام على البطنة، والجماع على الشبع، وأكل القديد الجاف، وشرب الماء البارد على الريق.
قال أعرابي في امرأة: خلوت بها والقمر يرينيها فلما غاب أرتنيه.
قال بعض الرافضة، قال جعفر بن محمد رضي الله عنهما: يوم السبت يوم مكر وخداع، ويوم الأحد يوم عرس وبناء، ويوم الأثنين يوم سفر وابتغاء رزق، ويوم الثلاثاء يوم حرب ودم، ويوم الأربعاء يوم أخذ وإعطاء، ويوم الخميس يوم دخول على الأمراء وطلب الحوائج، ويوم الجمعة يوم خلوة ونكاح.
قيل لرجل كانت امرأته تشاره: أما أحد يصلح بينكما؟ فقال: لا، قد مات الذي كان يصلح بيننا، يعني أيره.
أنشد: البسيط
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرجال فلم تمنعهم القلل
وأستنزلوا بعد عز من معاقلهم ... وأنزلوا حفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهم صائح من بعد دفنهم ... أين الأسرة والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت محجبة ... من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم ... تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طال ما أكلوا فيها وما نعموا ... فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا
يقال: أعجب الأشياء بديهة أمن وردت في مقام خوف.
قال إسحاق: وجد علي الفضل بن الربيع في غيبة غبتها عنه فهجرني أياماً فكتبت إليه: إن لكل ذنب عفواً أو عقوبة، فذنوب الخاصة عندك مستورة مغفورة، فأما مثلي من العامة فذنبه لا يغفر، وكسره لا يجبر، فإن كان لا بد من عقوبة فعاقبني بإعراض لا يؤدي إلى مقت.
كاتب: أما بعد فإن جميل الأخلاق وإن كان لا مرجوع له أفضل من ذميم الأخلاق وإن تعجل الأستمتاع به، فلا يمنعنك من فعال العرف تخوف من كفره، ولا من النصح جهل من نصحت له، فإن أقل ما في ذلك اللحاق بأهل الفضل وإحراز العرض من الذم، ولعلهما يجمعان لك.
قالت الحكماء: من أكثر من وعي الحكمة أوشك أن ينطق بها.
قال معاوية: معروف زماننا هذا منكر زمان قد مضى، ومنكر زماننا هذا معروف زمان يأتي.
وكتب الأحنف إلى آخر: أما بعد فافرغ من جهادك، وزم زادك، وكن وصي نفسك، ولا تجعل الرجال أوصياءك.
قال أعرابي: الصمت أجلب للمودة، وأعمل فيالمهابة، وأزيد في الصيانة، وأبقى للجسد.
بصق عبد الملكبن مروان فقصر فوقع بصاقه فوق البساط، فقام رجل يمسحه بثوبه، فقال عبد الملك: أربعة لا يستحيى من خدمتهم: السلطان والوالد والضيف والدابة، وأمر للرجل بصلة.
قال العتابي: إذا نزلت من الوالي بمنزلة الثقة فاعزل عنه كلام الملق، ولا تكثر له من الدعاء في كل كلمة، فإن ذلك يشبه الوحشة، وعظمه ووقره عند الناس.
سمع أعرابي رجلاً يقع في السلطان فقال: ويحك، إنك غفل لم تسمك التجارب، وفي النصح لدغ العقارب، وكأنني بالضاحك إليك باك عليك.
عزى عطاء بن أبي صيفي يزيد: رزئت خليفة الله وأعطيت خلافة الله؛ قضى معاوية نحبه، فغفر الله عز وجل له ذنبه، وأعطيت بعده الرياسة ومنحت السياسة، فاحتسب عظيم الرزية، واشكر على حسن العطية.
عزى محمد بن الوليد بن عتبة عمر بن عبد العزيز رحمه الله على ابنه عبد الملك فقال عمر: هل رأيت حزناً وغفلة؟ قال: يا أمير المؤمنين، لو أن رجلاً ترك تعزية رجل لعلمه وتيقظه لكنت ذاك، ولكن الله عز وجل قضى أن الذكرى تنفع المؤمنين.
قال شعيب بن الحبحاب: الحزن ينضو كما ينضو الخضاب، ولو بقي الحزن على أحد لقتله.
وعزى رجل سليمان بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين، إن رأيت أن تجعل أول أمرك كآخره فافعل؛ فكان ذلك مما سكن منه.
هرب الربيع بن العلاء التيمي من الطاعون وهو أبو اثني عشر ولداً، فماتوا جميعاً فقال يرثيهم: الوافر
دفنت الدافعين الضيم عني ... برابية مجاورة سناما
أقول إذا ذكرتهم جميعاً ... بنفسي تلك أصداء وهاما
فلم أر مثلهم هلكوا جميعاً ... ولم أر مثل هذا العام عاما
قيل لمديني: ما عندك من آلة الصيدة؟ قال: الماء.
ضجر أعرابي من كثرة العيال، وبلغه أن الوباء بخيبر شديد، فخرج إليها بعياله يعرضهم للموت وقال: الرجز
قلت لحمى خيبر: استعدي ... هاك عيالي فاجهدي وجدي
وباكري بصالب وورد ... أعانك الله على ذا الجند
فأخذته الحمى فمات وبقي عياله.
نزل النعمان برابية فقال له رجل: أبيت اللعن، لو ذبح رجل، أي موضع كان يبلغ دمه من هذه الرابية؟ قال: المذبوح والله أنت، ولأنظرن إلى أين يبلغ دمك، فقال رجل ممن حضر: رب كلمة تقول لقائلها: دعني.
لابن الجهم: الكامل
فارقتكم وحييت بعدكم ... ما هكذا كان الذي يجب
إني لألقى الناس معتذراً ... من أن أعيش وأنتم غيب
أو لم طفيلي على ابنته فأتاه كل طفيلي، فلما رآهم عرفهم ورحب بهم، ثم أدخلهم فرقاهم إلى غرفة بسلم ثم أخذ السلم حتى فرغ من إطعام الناس، فلما لم يبق أحد أنزلهم وأخرجهم.
قال غسان قاضي الكوفة: قرأت على باب نوبهار ببلخ مكتوباً: قال بيوراسف: أبواب الملوك تحتاج إلى ثلاث: إلى عقل وصبر ومال. وأسفل منه: كذب بيوراسف العاض بظر أمه، فإن الواجب على الحر إذا كان معه واحد منها ألا يلزم السلطان.
قال بعض النساك: لا تصافين من لا شعر في عارضيه ولو كانت الدنيا خراباً إلا منه.
أنشد: الكامل

إن الرجال إذا اختبرت طباعهم ... ألفيتهم شتى على الأخبار
لا تعجلن إلى شريعة مورد ... حتى تبين خطة الإصدار
قال بعض الزهاد: قد أعياني أن أنزل على رجل يعلم أني لست آكل من رزقه شيئاً.
كان الحكم بن المطلب من أبر الناس بأبيه، وكان أبوه يحب ابنه حارثاً حباً مفرطاً، وكان بالمدينة جارية مشهورة بالجمال، فاشتراها الحكم بمال جليل، فقال له أهلها: دعها عندنا حتى نصلح من أمرنا ونزفها إليك، فتركها حتى يجهزوها ويزفوها، وتهيأ الحكم بأجمل ثيابه وتطيب وأنطلق إلى أبيه ليراه، فدخل عليه وعنده ابنه الحارث، فلما رآه أبوه أقبل عليه فقال: إن لي إليك حاجة، قال: يا أبة، إنما أنا عبدك فمرني بما أحببت، قال: هب لي هذه الجارية للحارث أخيك، وأعطه ثيابك هذه التي عليك، ودعه يدخل عليها فإني لا أشك أن نفسه تاقت إليها، فقال الحارث: لم تكدر على أخي لذته، وتفسد علي قلبه؟ وذهب ليحلف، فبدر الحكم فقال: هي حرة لوجه الله تعالى إن لم تفعل ما أمرك أبي، فإن طاعتي له أسر إلي من الجارية، وخلع ثيابه وألبسه إياها وأنفذها إليه، ثم إن الحكم تخلى من الدنيا ولزم الثغور حتى مات بمنبج.
مزرد: الطويل
ولما غدت أمي تزور بناتها ... أغرت على العكم الذي كنت أمنع
لبكت بصاعي حنطة صاع عجوة ... إلى صاع سمن فوقه يتريع
ودبلت أمثال الأثافي كأنها ... رؤوس نقاد قطعت يوم تجمع
وقلت لبطني أبشري اليوم إنه ... حمى أمنا مما تحوز وتجمع
فإن كنت مصفوراً فهذا دواؤه ... وإن كنت غرثاناً فذا يوم تشبع
يقال: قعرت البحر: بلغت قعره، وقعرت الإناء: شربت ما فيه، وأقعرته: جعلت له قعراً.
ويقال: خرج به خراج ولا يقال: عليه.
يقال: استعرض من شيت فسله.
يقال: النقب في خفي البعير، والحفا في رجليه.
قال أبو عمرو بن العلاء: خرجنا حجاجاً، واكترينا من رجل، فجعل يرتجز في طريقه إذ حدا بنا ولا يزيد على قوله: الرجز يا ليت شعري هل بغت عليه فلما انصرفنا من مكة قالها في بعض الطريق، فأجابه صوت في الظلمة: الرجز
نعم نعم وناكها حجيه ... أحمر ضخم في قفاه كيه
فأسكت الرجل، فلما صرنا إلى البصرة أخبرنا قال: دخل علي جيراني يسلمون، وإذا فيهم رجل ضخم أحمر، قلت لأهلي: من هذا؟ قالوا: رجل كان ألطف جيراننا بنا وأحسنهم تعهداً بنا فجزاه الله خيراً؛ فلما ولى إذا أثر كي في قفاه، فقلت للمرأة: ما أسمه؟ قالت: حجية، قلت: الحقي بأهلك فقد أتاني خبر حجية.
اشتهت امرأة مزبد عليه الجراد فسأل عن سعره فقيل: المد بدرهم، فقال: والله لو كان الدجال ينزل المدينة وأنت ماخض بالمسيح ما اشتريته لك بهذا السعر.
جاءت امرأة أبا اعطوف القاضي برجل فقالت: إن هذا افتض ابنتي، فقال للرجل: أفعلت؟ قال: نعم، قال: ولم؟ قال: لاعبتني آمرة مطاعة فقمرتني، فأدخلت في أستي دستة الهاون، ولاعبتها فقمرتها ونكتها، فقال أبو العطوف: يا هذه، إن الذي أدخلت ابنتك في است هذا أشد مما أدخل هذا في أست ابنتك.
قال الأصمعي: قلت لأعرابي كنت أعرفه بالكذب: أصدقت قط؟ قال: لولا أني أصدق في هذا لقلت: لا.
كان أبو حازم يمر في المقابر ويقول: يا أهل المقابر، أصبحتم نادمين على ما خلفتم، وأصبحنا نقتتل على ما أصبحتم عليه نادمين، فما أعجبنا وإياكم.
أنشد أحمد بن الطيب في رسالته التي يسميها مراح الروح: الطويل
لعمرك إن العز للمرء جده ... وأغنى لمستغن عن الناس كده
وقل الذي يرعاك إلا لنفسه ... وللنفع من بعد الصديق يعده
وليس الفقير للغني بصاحب ... وهيهات لا يستصحب الشيء ضده
فلا تتصل إلا بمن أنت شكله ... فحسبك من سي يداه وحده
إذا شرهت نفسي إلى ذل مطمع ... شفاها من اليأس المصرح رده
ولكنما الدنيا إذا جد صاحب ... تصعد لم يحفل بمن حط جده
لعمرك إن العبد للقرع بالعصا ... وللحر تغليظ الحجاب ورده
قال أحمد بن الطيب: العصبية كما قال رجل من الأفاضل هي أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين.

وأنشد أحمد أيضاً لصالح بن عبد القدوس: الطويل
لئن كنت محتاجاً إلى الحلم إنني ... إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج
ولي فرس للحلم بالحلم ملجم ... ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
فمن شاء تقويمي فإني مقوم ... ومن شاء تعويجي فإني معوج
وما كنت أرضى الشر خدناً وصاحباً ... ولكنني أرضى به حين أحرج
فإن قال بعض الناس فيه سماجة ... فقد صدقوا والذل بالحر أسمج
قال السيرافي: فإني مقوم، فإني معوج: بالكسر، واستدرك عليه.
قال بعض أصحابنا: بت ليلة بالبصرة مع جماعة من المسجديين، فلما حان وقت السحر حركهم واحد فقال: كم هذا النوم عن أعراض الناس؟ وأنشد أحمد: الكامل
وضغائن داويتها بضغائن ... حتى يمتن وبالحقود حقودا
وعلى ذكر الحقد فممن اعترف بالحقد حتى صيره من أخلاق الأشراف: عبد الملك بن صالح؛ فإن يحيى بن خالد أو أحد ابنيه الفضل أو جعفر، قال له: أظنك حقوداً، فقال: إن كنت تريد بقولك حقوداً إن للخير من نفسي مكاناً يقتضي الشكر والجزاء، وللشر مكاناً يقتضي الأمتعاض والإباء، فإن ذلك لدي وعندي؛ وإن كنت أردت اللقاء.
قال: ومن الناس من يألف التمرغ في أعراض الناس؛ قيل لرجل من هذا الضرب: كنت دخلت إلى فلان زائراً ومستمنخاً، فما صنع؟ قال: منعني لذة الذم إذ برني ووصلني.
قيل لمحمد بن واسع: ألا تتكىء؟ قال: تلك جلسة الآمنين.
قال أبو عوانة: سأل رقبة بن مصقلة الأعمش عن حديث فلم يجبه، فقال له رقبة: يا أعمش، إنك ما علمت لسريع الملال، دائم القطوب، مستخف بحق الزوار، كأنما تسعط الخردل إذا سئلت الحكمة؛ ولكني أنزلك بمنزلة دواء السقيم، أتصبر عليه لما أرجو من منفعته، فإن إتيانك ذل، وتركك غبن.
قال جراب الريح: جامع عمرو الخوزي امرأته يوماً بسجستان فقالت: إن القصار لا يقصر الثوب مرة ولكن مراراً، تستزيد النيك بهذا المثل، فقال لها: لو كنت تحتاجين إلى أن ينفخ حرك كما أحتاج إلى أن أنفخ أيري لعلمت أن القصار لا يقصر أبداً.
قيل لأعرابي: أتحب الريف؟ قال: لا، قيل: ولم؟ قال: الريف مبطنة.
أنشد ثعلب في المجالسات لخارجة: البسيط
ما تدلك الشمس إلا حذو منكبه ... في حومة حولها الهامات تبتدر
آل الزبير بحور سيب أنملهم ... إذا دجا الليل في ظلمائه زهروا
قال ثعلب: العرب تسمي السل داء إلياس، وهو إلياس بن مضر، كان أصابه السل.
وقال ثعلب: الخزرج ريح الجنوب.
وأنشد: البسيط
تأتي أمور فلا تدري أعاجلها ... خير لنفسك أم ما فيه تأخير
فاستقدر الله خيراً وأرضين به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير
وبينما المرء في الأحياء مغتبط ... إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير
يبكي عليه غريب ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحي مسرور
حتى كأن لم يكن إلا تذكره ... والدهر أيتما حال دهارير
قال جراب الريح: مازح رجل عندنا بسجستان عمراً الخوزي فقال له: متى نكت يا عمرو؟ قال: سل امرأتك، فإني قد نسيت وهي أذكر له، فخجل.
وسئل عن امرأته كيف هي وعن حسنها، قال: هي كباقة نرجس، رأسها أبيض، ووجهها أصفر، ورجلها خضراء؛ هكذا قال.
وباع عمرو حماراً فرد عليه وقالوا: إنه أعشى لا يبصر بالليل، فقال: لم أعلم أنكم تريدونه للطلائع والسرايا بالليل، وإذا سافرت فحيث أدركك الليل فانزل وبت.
قال المدائني: دخل أعرابي إلى معاوية ومعه ابنه، فدعاهما إلى الغداء، فكان ابن الأعرابي لا يمر بشيء إلا حطمه، فأمر معاوية أن يحجب الأأعرابي وابنه، فلم يزل الأعرابي يحتال حتى دخل فقال له معاوية: ما فعل التلقامة؟ قال: كظ به يا أمير المؤمنين ساعة خروجه من عندك، قال: قد رأيت ذاك مما يصنع، وعلمت أنه لا ينجو؛ وسهل إذن الأعرابي.
أنشد: الطويل
أرى بصري في كل يوم وليلة ... يكل وخطوي عن مداهن يقصر
ومن يصحب الأيام تسعين حجة ... يغيرنه والدهر لا يتغير
لعمري لئن أمسيت أمشي مقيداً ... لما كنت أمشي مطلق القيد أكثر

قال ثعلب: درع كأن قتيرها حدق الأفاعي، وحدق الجراد وحدق الأساود؛ ورأيت جمعاً مثل الحرجة، وهي جماعة من العضاه تجمع.
قال، ويقال: تكلم بكلام كأنه القطر، لاستوائه، ونطق منطقاً مثل فوائق النبل.
قال: شبوا ناراً مثل الفجر، يعني إيقادها ولهبها؛ ورأيت له معزى كأنها الحرة، ووجدت بالأرض عشباً كأنه الخروع، وأمترنا عجوة كأنها أنوف الزنج، أي هي فطس.
قال ابن أبي طاهر، حدثني حبيب قال: حدثني بعض أصحابنا قال: مات ابن لأرطاة بن سهية فجزع عليه جزعاً شديداً كاد يذهب عقله، وكان مات فجأة، فلما كان الحول أتى قبره فبكى وأطال ثم قال: اغد يا ابن سلمى معنا، ثم أنشأ يقول: الطويل
وقفت على قبر ابن سلمى فلم يكن ... وقوفي عليه غير مبكى ومجزع
سوى الدهر فاعتب إنه غير معتب ... وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع
هل أنت ابن سلمى إن نظرتك رائح ... مع الركب أو غاد غداة غد معي
قال ثعلب، يقال: طعام شديد العلقمة إذا كان مراً.
قيل لابنة الخس: ما أحسن شيء؟ قالت: ديمة على أثر ديمة، على عهاد غيرقديمة، قيل: فما أحد شيء؟ قالت: ضرس جائع، ألقى في معاء ضائع. قيل: فما أشفى شيء؟ قالت: قليل مني، من ابن عم حفي، على فراش وطي.
عزى رجل الرشيد فقال: آجرك الله بالباقي، وأمتعك بالفاني، قال: ويحك ما تقول؟ وظن أنه غلط فقال: ألم تسمع ما يقول الله عز وجل " ما عندكم ينفذ وما عند الله باق " النحل: 96 فسري عنه.
بعث الجنيد بن عبد الرحمن المري إلى خالد بن عبد الله القسري بسبي من الهند، فجعل خالد يهب أهل البيت كما هو للرجل من قريش ومن وجوه الناس، حتى بقيت جارية منهن جميلة أراد أن يدخرها وعليها ثياب أرضها، فقال لأبي النجم: هل عندك فيها شيء حاضر وتأخذها الساعة، قال: نعم أصلحك الله، فقال العريان بن الهيثم النخعي: كذب والله ما يقدر على ذلك - وكان على شرطة خالد - حتى يروي فيه؛ فأنشأ أبو النجم يقول: الرجز
علقت خوداً من بنات الزط ... ذات جهاز مضغط ملط
رابي المجس جيد المحط ... كأنما قط على مقط
إذا بدا منها الذي تغطي ... كأن تحت ثوبها المنعط
شطاً رميت فوقه بشط ... لم ينز في البطن ولم ينحط
فيه شفائي من أذى التمطي ... كهامة الشيخ اليماني الثط
ثم أوما بيده إلى رأس العريان،فضحك خالد وقال للعريان: هل تراه يحتاج إلى أن يروي؟ فقال: لا والله، ولكنه ملعون ابن ملعون.
لابن أبيض العلوي الأفطسي: الكامل
وأنا ابن معتلج البطاح يضمني ... كالدر في أصداف بحر زاخر
ينشق عني ركنها ومقامها ... كالجفن يفتح عن سواد الناظر
كجبالها شرفي ومثل سهولها ... خلقي ومثل ظبائهن مجاوري
هذا والله كلام فاخر ومعنى عجيب وسلاسة حلوة.
أنشد: الوافر
لهم همم يجاورن الثريا ... وحال قد تعرقها الصروف
جواد في مكارمه شجاع ... ولكن الثراء به قطوف
وأنشد: السريع
وحية في رأسها درة ... تسبح في بحر قصير المدى
إذا تناءت فالعمى حاضر ... وإن بدت بان طريق الهدى
يعني الفتيلة في المصباح؛ وأصحابنا يرون هذين البيتين غاية في الإصابة.
خطب رجل امرأة فقالت: إن في تقززاً، وإني أخاف أن أرى منك بعض ما أتقزز منه فتنصرف نفسي عنك، فقال الرجل: أرجو أن لا تري ذلك، فتزوجها؛ فمكث أياماً ثم قعد معها يتغدى، فلما رفع الخوان تناول ما سقط من الطعام تحت الخوان فأكله، فنظرت إليه وقالت: أما كان يقنعك ما على ظهر الخوان حتى تلتقط ما تحته؟ قال: إنه بلغني أنه يزيد في القوة على النيك، فكانت بعد ذلك تغافله وتفتت له الخبز كما تفتت للفروج.
يقال: ما البر وما البر أيضاً، وما التر وما الثر، وما الجر والحر والخر، وما الدر وما الذر وما الزر وما السر والشر، وما الصر والضر، وما الطر وما الغر، وما القر والكر، والمر والهر والأر، والعر؟

جواب هذه الكلمات يأتي من بعد، وإنما أتباعد قليلاً، وأتقارب قليلاً، وأذكر فصلاً نحوياً، وفصلاً كتابياً، وفصلاً كلامياً، وفصلاً فقهياً، وفصلاً فلسفياً، وفصلاً لغوياً، وفصلاً شعرياً، وأوشح ذلك كله بما احتمل من الأعتراض والبحث والتفسير لشيئين: أحدهما - وهو أكبرهما - أنك أيها القارىء إن تثبت على الكتاب، وتبرأ من الملالة، فستجد حرصاً على الأستكثار من العلم، وتنخدع للحكمة، وتصل إلى حظك بخفة المؤونة؛ والآخر: أني عرفت زماناً وحالاً لا يعينان على تقريب الباب في فن من الباب في فن آخر، وهذا عجز إلى الله أرفعه، وعليك أعرضه.
قال ابن دريد عن أبي عثمان الأشنانداني عن التوزي عن أبي عبيدة، قال: ولم يقل رؤبة شعراً غير هذين البيتين: الوافر
إذا ما الموت أقبل قبل قوم ... أكب الحظ وانتقص العديد
أرانا لا يفيق الموت عنا ... كأن الموت إياناً يكيد
آخر: الخفيف
أيها الشامت المعير بالشي ... ب أقلن بالشباب افتخارا
قد لبست الشباب غضاً جديداً ... فوجدت الشباب ثوباً معارا
قال الكعبي: قال جعفر بن محمد بن حرب، سألت أبا الهذيل عمن لم يقل من العامة: القرآن مخلوق، أيكفر؟ قال: لا، قلت: فإن قال: السماء ليست مخلوقة، أيكفر؟ قال: نعم، قلت: وما الفرق؟ قال: لأن الأول مختلف فيه والثاني مجمع عليه.
هذا قول أبي الهذيل، وأرى المعتزلة في دهرنا يتسارعون إلى التكفير كتسارع الورد إلى المنهل، وما أدري ما يبعثهم على ذلك إلا سوء الرعة، وقلة المراقبة، وأكثرهم قذفاً لخصمه بالتكفير أعلقهم بأسباب الفسق والهتك، والله تعالى لهم، ولكل من سلك سبيلهم.
قال الكعبي، قال محمد بن شبيب: المشبه كافر والمجبر ليس بكافر، لأن التشبيه غلط في صفات الله وفي نفسه، والجبر غلط في فعله.
لو حرر الكلام على ابن شبيب لما انفك في التشبيه من مثل ما أحاله على الخصم، ولكن من ينظر في مذهبه بنفس عاشقة فيتخطى مساوية إما جهلاً بها أو متسمحاً فيها فينظر في مقالة خصمه بنفس قامعة مزيفة لقوله واختياره فيستخرج الدر.
قال الكعبي، قال بعض الإباضية: ليس المنافق بريئاً من الشرك، وأحتج بقوله تعالى " لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " النساء: 143.
سئل بزرجمهر في نكبته عن حاله فقال: إني لما دفعت إلى المحنة بالأقدار السالفة، والخفيات السماوية، إلى العقل الذي به يعتدل كل مزاج، وإليه يرجع كل علاج، فركب لي شربة أنا أتحساها وأتمزز بها؛ قيل له: عرفناها، قال: هي مركبة من أشياء: أولها أني قلت: القضاء والقدر لا بد من جريانه؛ والثاني أني قلت: إن لم أصبر فما أصنع؟ والثالث أني قلت: يجوز أن يكون أشد من هذا؛ والرابع أني قلت: لعل الفرج قريب وأنت لا تدري؛ قال، فقلت: أورثني هذا سكوناً، ووكل بي راحة، وعلى الله أعتمد في تمام المأمول.
سمعت الشيخ المجتبى يقول: كان عندنا بالشام مجنون يستظرف حديثه، قال: رأيته يوماً وقد رفع رأسه إلى السماء وهو يقول: الناس كذا يعلمون، وهذياناً كثيراً، فقيل له: ما تقول ويحك؟ قال: أعاتب ربي، قيل له: فكذا تخاطب الله؟ قال: وما علمكم بمخاطبة الملوك؟ قيل له: فما قلت؟ قال، قلت: بدل ما خلقت مائة وجوعتهم كنت تخلق عشرة وتشبعهم.
وهذا كلام مجنون لا يحاج فيما يقول، ولا يرد عليه ما يأتي به، وإنما يستطرف فقط لأنه يخرج منه ما لا يتوقع من مثله. وعلى هذا يتعجب من الصبي إذا أجاب وفطن وأهتدى وتكايس، ومن وهب الله له عقلاً، وكلفه الإقرار، وألزمه الأمر والنهي، فهو صحيح العقيدة، ثابت الأساس، وإنما يخرج بطبعه الذي بني على العجز، وعجن من الخور، وأسس للفناء، وعلى أن الله تعالى لا يخليه في هذه الصفات من ثواب كريم، ونعيم مقيم، في دار الرضوان؛ كفانا الله تعالى وساوس الصدور، وغمر أسرارنا بالمعرفة والخوف، إنه جواد كريم واحد أحد.
قيل لراهب: ما لك إذا تكلمت بكينا، وإذا تكلم غيرك لم نبك؟ فقال: ليس النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة.
قال قاص بالمدينة في قصصه: ود إبليس أن لكل رجل منكم خمسين ألف درهم يطغى بها، فقال رجل من القوم: اللهم أعط إبليس سؤله فينا.
قيل لجمين: ما فعلت مولاتكم فلانة؟ قال: ماتت، قال: فما ورثتموها؟ قال: العار، كفنها غيرنا.

أنشد لمنصور بن باذان في عقبة: الكامل المجزوء
قالوا يسود فقلت لا ... هم الفتى جمع الدراهم
إن كنت تطمع أن تسو ... د ولا تنيل فأنت ظالم
يبغي العلاء وماله ... أبداً من الآفات سالم
وقصاعه مجلوة ... قد علقت منها التمائم
قال رجل لشيخ بدوي: تمرنا أجود من تمركم، قال: تمرنا جرد فطس عراض كأنها ألسن الطير، تضع التمرة في شدقك فتجد حلاوتها في عنقك.
وسمع قاص يقول: المؤمن قوته علقة، ومرقته سلفة، وحذاؤه فلقة، ورداؤه خرقة.
وأنشد: الطويل
لكل كريم من ألائم قومه ... على كل حال حاسدون وكشح
وأنشد في تشبيه ثلاثة أشياء بثلاثة أشياء: الخفيف
شبه الغيث فيه والليث والبد ... ر بسمح ومحرب وجميل
وأنشد لأعرابية: الرجز
إن حريحي حسن مشقه
يغلظه الصك فلا يرقه
كأن من يصكه يزقه
سئل بعض الأدباء عن قول الشاعر: الخفيف
مرحباً بالذي إذا جاء جاء ال ... خير أو غاب غاب عن كل خير
أهو مدح أم هجو؟ فأطرق ثم قال: هو مدح، فخطىء، وبيانه أنه هجو في بسط نظمه؛ قال: وذلك أن القائل عنى أنه يغيبه عن كل خير، جاء الخير أو غاب.
وأنشد لأبي يعلى العلوي القزويني، وكان داهية، يقول في أخيه، وكان جلفاً: الوافر
أبوك أبي وأنت أخي ولكن ... أبي قد كان يزرع في السباخ
تجاريني فلا تجري كجريي ... وهل تجري البياذق كالرخاخ
وأنشد علي بن الحسين العلوي في أخيه: السريع
مثلك لا يطعن في مثلي ... لأنني فوقك في الفضل
لي فضل سني وغنائي الذي ... تعرفه في الجد والهزل
حكى أبو سعيد السيرافي أنه دخل إلى مسجد ابن دريد ورجل ينشد: الوافر
تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي طعم ولون ... وقل بشاشة الوجه المليح
فقال أبو بكر: هذا والله عجب، أول من قال الشعر أقوى؛ قال، قلت: له مخرج في النحو إذا ترك الإقواء، قال: ما هو؟ قلت: وقل بشاشة الوجه الصبيح، بحذف التنوين وبنصب، والتنوين يراد، ويكون نصبه على مذهب التمييز؛ قال: فجمع أبو بكر نفسه مني وزاد في تكرمتي.
حدثني بهذا الحديث بعض أصحابنا ولم أسمعه منه.
أنشد لشاعر في البخر: الرمل المجزوء
أنت لو جزت ببيت ... رض فيه المسك رضا
وتنفست لقال الن ... اس فيه متوضا
وأنشد العلوي لنفسه في مثله: الرمل المجزوء
أنا في موت صراح ... من فم كالمستراح
طال نتني منه حتى ... خلت أني من سلاح
لما خرج محمد بن عبد الله بن الحسن رضي الله عنهم على المنصور، رأى المنصور فيما يرى النائم كأنه قد صارع محمداً وأن محمداً قد صرعه وقعد على صدره، فأهمه ذلك وبقي واجماً، وجمع العابرين، فكل وقف، فسأل جد أبي العيناء فقال: إنك تغلبه وتظهر عليه، قال: وكيف؟ قال: لأنك كنت تحته والأرض لك، وكان من فوقك والسماء له، فسري عنه.
قال بعض المجان: وقف مخنث في بعض العشيات يطلب من يشفيه مما به، فاجتاز به تركي وهو سكران ملتخ، فتعرض المخنث وهو في هيئة امرأة، فظنه التركي امرأة قد هويته، فاستجره، فلما حصلا في المنزل قال التركي بسكره: نامي يا بظراء، فنام المخنث على وجهه، فقال التركي: أيش هذا؟ قال: الله الله إن زوجي قد حلف ألا أنام إلا كذا، ومتى خالفته فأنا طالق، وليس في طلاقي فائدة، خذ شهوتك من ها هنا ودعني في حبال الرجل؛ قال: فأقحم عليه التركي ودفع بقوته، وبقي يتلمس بيده ما تحته، فوقعت كفه على أير المخنث فقال: هذا أيش؟ قال: هذا أيرك قد نفذ، فقال التركي: هذا وأبيك الشجاعة، أدخلت من ها هنا وأنفذت إلى ثم! فطار من الفرح وهو يظن أن أيره نفذ في جسمها.
قال أبو الهندي: تحرشت بشجاع فخرج يطردني كأنه سهم زالج، ثم سكت كأنه كفة، فرميته فانتظمت أنثاويه أخذاً ورأسه.
قيل لبني الحارث: كيف تعملون؟ قالوا: كنا لا نبدأ أحداً بظلم، ولم نك بالكثير فتتخاذل، ولا بالقليل فنتواكل، وكنا نصبر بعد الناس بساعة.

قال أبو عمرو بن العلاء، سمعت أعرابياً يقول: مكثت ثلاثاً لا أذوق فيهن شيئاً، فقلت: انعت لي، فقال: أما أول يوم فكان شهوة، وكان الثاني جوعاً، والثالث مرضاً.
قال الأصمعي: حدثني شيخ عن رجل من الأعراب قال: مكثت ثلاثاً لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى خوى رأسي فسمعت له دوياً، فلما أصابني الجهد دعوت الله تعالى، وإذا دعا الله العبد بقلب صادق كانت معه من الله عين بصيرة، فأتيت جفراً فيه ذئبان فرميتهما فأصبتهما، ثم أتيت جفراً آخر فيه ماء فاستقيت، ثم رجعت وهما على مهيديتيهما وإذا لهما نخفة يعني شبه الزفير، فأكلت وادهنت.
للبرقعي: الوافر
ألا لله ما صنعت برأسي ... صروف الدهر والحقب الخوالي
تركن مفارقي سطراً بياضاً ... وسطراً للسواد من النزال
فما جاشت لطول الأنس نفسي ... علي ولا بكت لذهاب مالي
ولم أخضع لريب الدهر يوماً ... ولم أستخذ للأمر العضال
ولكني لدى اللزبات آوي ... إلى قلب أشد من الجبال
وأصبر للشدائد والرزايا ... وأعلم أنها محن الرجال
وأن وراءها خفضاً وعيشاً ... وعطفاً للمديل من المدال
فيوماً في السجون مع ابن أبزى ... ويوماً في القصور رخي بال
ويوماً للسيوف تعاورتني ... ويوماً للتعانق والدلال
كذا عيش الفتى ما دام حياً ... دوار لا يدوم على مثال
وأنشد: الرمل المجزوء
عش نقي العرض ما عش ... ت وإن كنت مقلا
وأرض بالقوت ولا تح ... مل على الإخوان كلا
إن فيهم من إذا حم ... لته كلك ملا
وأخو الإقلال إن كا ... ن له عقل تسلى
مر مزبد بقوم وهو على حماره فقالوا: انزل إلينا يا أبا إسحاق، فقال: هذا عرض سابري، قالوا: فانزل يا ابن الزانية.
كاتب: وإنه ليتربص بك الدوائر، ويتمنى لك الغوائل، ولا يؤمل صلاحاً إلا بفساد حالك، ولا رفعة إلا بسقوط قدرك.
تمثل يزيد عند غشية معاوية عند موته: المنسرح
لو فات شيء يرى لفات أبو ... حيان لا عاجز ولا وكل
الحول القلب اللبيب وهل ... تدفع ريب المنية الحيل
كاتب: ورأيته لا ينفك في جاه يبذله، وفضل يفعله، فهو الدهر إما شاكر لمن شفعه، أو مشكور بما اصطنعه، كما قال الشاعر: السريع
أفدي أبا اسحاق من شافع ... ومنعم إحسانه ينشر
يعطيك أو يهديك نحو امرىء ... فؤاده بالجود مستهتر
فهو طوال الدهر لا يأتلي ... يشكر في العالم أو يشكر
قال أعرابي: سألت فلاناً حاجة أقل من قيمته فردني رداً أقبح من خلقته.
للحارث المخزومي: الطويل
تبعتك إذ عيني عليها غشاوة ... فلما أنجلت قطعت نفسي ألومها
فما بي إذا أقصيتني من ضراعة ... ولا أفتقرت نفسي إلى من يسومها
عطفت عليك النفس حتى كأنما ... بكفيك بؤسي أو لديك نعيمها
قال فيلسوف: أشد الناس مصيبة مغلوب لا يعذر، ومبتلى لا يرحم.
الجواب عن حروف اللغة التي تقدمت، فاسمع وأحفظ فإنها قد تلقفت من أفواه العلماء بعد الخدمة والصبر.
أما البر فخلاف البحر، وهي بلاد لا حيطان فيها، ولا نعتقد أن البلد لا تكون إلا ما فيها حيطان، ولم أقل لا أبنية فيها لأن جزيرة العرب بر وفيها أبنية وهي أخبيتهم، والبلد يقال له الملزم، ومنه تبلد في أمره أي تلازم في نفسه أي تجمع؛ ويقال البلد الأبر. والبحر معروف، وكأنه من السعة، ومن أجله قيل: فلان بحر، إذا وصف بغزارة الندى أو العلم، وأجرى النبي صلى الله عليه وسلم فرساً وقال: إنا وجدناه بحراً، أي واسع الجري جواداً، ومنه تبحر الإنسان في العلم، والبحيرة: المشقوقة الأذن من الشاء؛ وأما قول الناس: البحران، فليس من كلام العرب.

والبر أيضاً هو البار فاعل البر، وفي صفات الله عز وجل أنه البر الرحيم، فكأن معنى الأشتقاق يجمع اللفظين إذا اعتبرت السعة؛ والحج المبرور الذي قبل على وجه البر، كأنه قبل كما يقبل البر. والأمر من البر: بريا هذا، بفتح الباء على مذهب الجمع، والمضارع منه يبر، وبررت بكسر الراء، والفتح مردود؛ قال أبو حاتم، يعني صاحب الأصمعي: فأما أبر فلان على فلان، فكأنه قريب من هذا ومعناه زاد عليه، والمصدر منه الإبرار - بالكسر؛ فأما الأبرار - بالفتح - فجمع بر؛ فأما البر نفسه فما سمع له جمع، وهم يتبارون - بشدة الراء - يبر بعضهم بعضاً، فأما يتبارون - بخفة الراء - فليس من قبيل هذا، إنما هو على معنى المباهاة، كأن هذا بذاه وذاك بذاه أي يحثه، أي جريه في المحاكاة؛ والمبار جمع مبرة. وأما بريت القلم فلا يهمز، وأما برئت إليك من كذا فصحيح الهمز، ويقال برأت من المرض وبرئت جميعاً، هكذا قال أبو زيد، وثعلب يختار برأت، ويزعم أنه أفصح، وإذا كان اللفظان من كلام العرب ولم يكن للمعنى فيه شاهد على مزية أحدهما فكلاهما صحيح، يقال:فصيح، وفصيحان، مرة يرد على اللفظ ومرة على المعنى، هكذا المحفوظ عن العلماء.
وأما البارىء فيكون من المرض، الناجي منه؛ وأما البارىء في أسماء الله الكريم هو الخالق؛ ويقال: ليس بيننا براء ولا مبارأة، ولا يبرأ أحدنا من الآخر ولا ينافسه، وقول الله عز وجل " من قبل أن نبرأها " الحديد: 22 معناه نخلقها، كذا قال اليزيدي وهو معنى قول البارىء؛ وفلان برور وصدوق، وصدقت وبررت.
وقد طمعت فيك السآمة فأصرفها بما يعرض في جملة هذه النوادر.
جرى بين عمرو الجوهري وبين أمه كلام فقالت: قد والله شيبتني وبيضت رأسي، قال عمرو: إن كنت أنا بيضت رأسك فمن قلع أضراسك؟ وجاء بعض الخلعاء إلى باب الجوهري هذا فدق فقالت امرأته: من هذا؟ قال: أنا فلان، قالت: ما تريد؟ قال: افتحي حتى أدخل وأنظر أنت أطيب في النيك أم امرأتي؟ قالت: وما أحوجك إلى ذلك؟ سل عمراً عن ذلك فإنه قد ناكني وناكها، فخجل الرجل وانصرف.
وجاء جراب الريح راكباً حماراً فقال له رجل: هذا الحمار كله لك؟ فقال: كله لي إلا أيره فإنه لك، فخجل الرجل.
وأما التر - بالتاء - فهو كثرة اللحم في جسم الإنسان، يقال: أما ترى ترارته أي امتلاءه؛ ويجيء: ما تر شيء على هذا.
وأما الثر - بالثاء - فالماء الغزيز.
وأما الجر فمصدر جر، وبئر جرور إذا كانت طويلة الرشاء كأنها تجر الماتح - بالتاء - لأن المائح يكون في البئر والماتح فوقها، متح أي أي نزع، هذا مثل: أعلم به من المائح بأست الماتح إذا كان المستقي يعالج به، فإذا استقى بالبكرة فليس بمائح، هكذا قال الثقة.
قال أصحاب الأشتقاق: الجرجير في البقل أخذ من الجر، أخذ فيه بالتضعيف، قال: وسمي به لأنه يجرجر من الأرض، فقيل لأبي بكر المروزي الفقيه هذا فقال: ينبغي أن تكون لحيته جرجرى لأنها تتجرجر من ذقنه، فضحك من نادرته. وكان قليل الهزل كثير الصمت على ناموس المشايخ؛ وسمعت ابن المرزبان يقول: لم أر أشد نفاقاً منه، فرغب في مال حصل عندي في سبيل من السبل، فانتقض معنى الوصية بعد وفاة الموصي، ولم يكن إنفاذ ذلك المنصوص على الوجه المخصوص إليه، فقال لي بعد كلام كثير: إن ضقت به ذرعاً فسق المال إلي حتى أتولاه عنك، وخلاك إثم من الله، فراعني ذلك وخرجت من عنده ولم أعد إليه؛ هكذا قال المرزباني، وكان عالماً ثقة، عاشرته وأطلعت على سره فما أنكرت شيئاً، وما أدري ما أقول بعد.
وأما ابن سيار فإنه حدثنا أنه ورد الأهواز على القاضي التنوخي بمرقعة، وأنه أنزله وبره، وكان أبو بكر لا يظهر عليه من إحسان التنوخي شيء، ويشكو مع ذلك ويستزيد؛ قال: فلما كثر ذلك قال له التنوخي: ما قصة هذا المروزي، أما يكفيه ما يصير إليه من جهتنا؟ قال بعض حاضري المجلس: أيها القاضي، إن الرجل يتبع الصبيان، وشغفه فهو يحمله على تبذير ما ينال من جهة القاضي؛ قال: فكره ذلك وأقبل علي في الخلوة فقال: أتعرف هذا الغلام بشيء مما قرنه به فلان؟ قلت: أكره أن أهتك ستره، وأكره أن أكذبك، فقال: حسبك؛ وطرده من المجلس.
هذا قول ابن سيار، وقد قضى ببغداد، وكان نبيلاً جليلاً أديباً مفوهاً؛ وهذا أيضاً عجيب، وأصحابنا يقولون إنه بلغ من زهده في الدنيا أنه عرض عليه القضاء بمدينة السلام فتنزه عنه.

أما أبو حامد فإنه أربى على أصحاب هذه الحكايات، زعم أنه ثنوي، وأنه يعتقد ذلك، وبسببه طرده الكرخي من مجلسه، وذلك أنه كان صحب رجلاً مشهوراً بهذا المذهب، فلما وقف الكرخي على ملازمته ذلك الرجل نهاه عنه وقال له: لعلك أحسنت به الظن، وأنت بجهلك بحاله مغرور، فأما الآن وقد عرفناك ما تتابع إلينا فلا خير لك في خلطته، قال: فضمن للكرخي أن لا يلقاه ولا يغشاه وحلف على ذلك، ثم إن الكرخي أذكى عليه عيناً فبلغه أنه يخالطه في السر وأنه لقن عنه مذهب الثنوية فطرده.
هذا أيضاً غريب، ولو كان ما قلته مسموعاً من أنذال الناس لم أعج به ولم أعرج عليه، ولكن هؤلاء هم كالشمس إذا أشرقت، والسماء إذا زهرت، والأودية إذا زخرت بهاء وعلواً وغزارة وفضلاً ونبلاً، وأصحابنا بالري يزيدون على جميع ما حكيته، ونعوذ بالله من قالة الناس، وفتنة الناس بالناس، فهو خالق الخلق ومالك الأزمة.
انظر إلى هذا الحديث كيف يلتبس بعضه ببعض، ويتراكم بعضه على بعض.
ويقال: الحر أيضاً أسفل الجبل، وضد البرد، يقال: حر يومنا، وحر الغلام؛ والحرة: عطش الكبد؛ والحرارة في الجوف وفي الهواجر؛ والحرور: الريح الحارة بالليل كهبة السموم بالنهار، ويقال: السموم قد تمون بالليل أيضاً؛ قال بعض أصحاب الأشتقاق: السموم سمي به لدخولها في مسام البدن، هكذا رأيته في كتاب عتيق فيه أراجيز رؤبة بتفسير أبي عمرو، ولا أدري من أبو عمرو ولعله المازني أو الشيباني.
وأما الخر فمصدر خر عليه السقف، وقد سأل سائل عن هذه الآية " فخر عليهم السقف " النحل: 26 وقال: قد علم من خر هذا المعنى ثم صح ذلك بقوله: عليهم، ثم معلوم أن السقف هو ما علا رأس الإنسان، فما معنى بعد هذا المعلوم " من فوقهم " ؟ والجواب عن هذا يمر مع نظائره في موضعه إن شاء الله، فقد أجاب عنه ابن مهدي الطبري، وشاهدته، ولعلي أحكيه على وجهه، فإضافة الصواب إلى العلماء أحمد من التفرد بالأدعاء.
وقال بعض العاشقين للكلام في الأشتقاق: إن خرير الماء مأخوذ منه.
وأما الدر فاللبن، وقولهم: لله دره يقال معناه: لله خيره وفضله، مثل قولهم: لله أبوه، إذا وقع ترجيح وأستحسان، ولما يكون من المثنى عليه بهذا اللفظ.
وأما الذر فصغار النمل، والذرة واحدة لقول الله تعالى: " فمن يعمل مثقال ذرة " الزلزلة: 7 الآية، من ذلك يقال إنه لا وزن للذر وإنما يضرب به المثل، يقال: سميت الذرة بذلك لصغر أجزائها ومعنى قولهم: ذر عليه في الشيء يعرف بالتبر، إنما أراه أريد الشبيه بالذر؛ قال بعض العلماء: إنما قدم الخير في ذلك لأنه في الأول مبشر وفي الآخر منذر، ومتى وقعت الإجابة في الأول ثبت السوق إلى الجزاء ووقع النهي عن مواقعة المنهي عنه، فإن عرض قام سلطان الوعيد بالسطوة، فمنع من إيثار الشر بعد ترك الخير.
هذه لطائف قوم لهم بكلام الله تعالى عناية دينية، وليس من نمط الغريب المفسر، والنحو المقدم، ولعل ترك هذا الفن أعم، والعاقبة فيه أسلم، والله أسأل نفعاً بالقرآن العظيم وإجابة إلى دار السلام.
وأما الزر فهو نهيق الحمار.
وأما السر فهو من سررت الصبي إذا قطعت سرره، والسرة وهي الباقية؛ وأما السر فهو إصلاح الزند الإجوف، وكأن السرور من سررته أي فرجت عن قلبه فأزال منه الضيق، والسرور فرج من الكرب، والكرب ثقل، والسرور خفة وأنها ترقص، ولهذا ترى الفرحان يرقص ويخف، وصاحب الغم يثقل ويذبل، ويقال: رجل فرحان غير مصروف، وامرأة فرحى.
وأما الشر فضد الخير، والشر أيضاً مصدر شررت الشيء أي بسطته، وتشرير النبات منها، كأنها من شررت بتشديد الراء؛ وأما أشررت فقيل: لغة في شررت، ويقال: هو أظهرت، ومنه قول الشاعر في صفين: الطويل وحتى أشرت بالأكف المصاحف ويقال: كلما كبرت شررت، ولا يقال: كلما تكبر، كذا قال بعض العلماء: والمشهور قلته. وكأن الشرارة من النار منه، وهذا مأخوذ منها، والشرار جمع واحدته شرارة، وأما الشرة فحال الشرير، والشرير صاحب الشر المعتاد له، وجمع الشر شرور، وحكى أبو زيد في الخير: خيور، وهو شر من فلان، لا ألف في اللفظ على قياس الباب، وهو خير منه، وروي: ما أشره - في التعجب - وما أخيره، والدائر: ما خيره وما شره.
وأما الصر فجمع الدراهم في صرة، والصرة ما صررت فيه، والصر: البرد، وقال: قيل في قوله تعالى " فأقبلت امرأته في صرة " الذاريات: 29.

والضر ضد النفع، والضر بالضم: الهزال وسوء الحال، وفلان ضرير أي مضرور، ولا يختص بالأعمى بل لمن عرته هذه الحال، يقال: ضررتني وأضررت بي، ولا يقال: ضررت بي ولا أضررتني.
أحكم أيها السامع هذه الأبنية والأصول، وفيها تكون إنساناً على الحقيقة، وأريد بقولي على الحقيقة لأن عادم الفضائل إنسان أيضاً ولكن على التوسع، كأنه إنسان بالخلقة والتخطيط، أي كأنه من هذه الأمة وهذا الجمهور بالنسبة؛ فأما تمييز الأمر من الأمر، وتخليص الشيء من الشيء، وإضافة الشيء إلى الشيء، فلا.
حدثنا السيرافي أن رجلاً من المتكلمين الكلابية ببغداد بلغ من نقصه في معرفة العربية أنه قال في مجلس مشهور بين جماعة حضور: إن العبد مضطر بفتح الطاء، والله مضطر بكسر الطاء، وزعم أن القائل: الله مضطر كافر. فانظر أين يذهب به جهله، وعلى أي رذيلة دله نقصه، ونعوذ بالله من فضيحة الجهل فإنها بعد ادعاء العلم مشمتة، وفضيحة الحال مع التجمل مستعطفة، فكم بين العدمين، هذا يعان عليه ويواسى فيه وهذا يرفض به ويهان معه.
والضرة: لحمة تحت الإبهام، والضرة امرأة يتزوجها الرجل على امرأة، فإحداهما ضرة للأخرى، كأنها مضارة، ويقال: الضرة: الثدي، وما أدري ما يقول صاحب الأشتقاق.
وأما الغر فمصدر فغررته، ويقال: تغررت الرجل أي أتيته على غرة، والغر أيضاً تكسر الثوب في غره، والغر: الحد. وقد مر هذا في موضع على إشباع، وأكره التكرار لسوء ظني بالسامع، وإلا فلا مصنف إلا وهو يلهج بالتكرير والإعادة: هذا يعقوب ابن السكيت في كتبه وأبو عثمان عمرو الجاحظ وأبو زيد وغيرهم.
وسمعت بعض الرافضة يحكي عن علي بن يقطين أنه قال يوماً: قد والله حرجت من سبي لأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ولمزي بفي لأعراضهما، وبرمت، فقال له من حضره: بين يديك مصحف، افتح على هذا الخاطر، فإن خرج ما دل على تمسكك به أعرضت عن تحرجك، وإن خرج ما دل على ما خطر لك استمررت عليه، قال: ففتح المصحف فخرج " ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس " فصلت: 29 فقال: اللهم إني أستغفرك من ندمي على شتمهما. وهذا والله طريف، ولا شك أنه مفتعل لا حقيقة له.
وقد ابتليت برجلين: رجل يقول: ما سمعنا حقاً ولا باطلاً، ورجل شيخ يعرف بيحيى له مع أهل الكرخ مواقف، وكثيراً ما يقول: خلفاء الله في الأرض ثلاثة: آدم عليه السلام لقول الله تعالى " إني جاعل في الأرض خليفة " البقرة: 30 وداود لقوله تعالى: " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض " ص: 26، وأبو بكر لقول جميع الأمة: يا خليفة رسول الله؛ ويقول: الأمناء ثلاثة: جبريل عليه السلام لأنه يحمل عن الله تعالى، ومحمد صلى الله عليه وسلم لأنه بلغ الأمة، ومعاوية لأنه كتب الوحي. وإذا سئل عمن خرج على أبي بكر وعمر رحمهما الله قال: حلال الدم، وإذا سئل عمن يخرج على علي رضي الله عنه قال: الله أولى به وأعلم؛ ومن غفلته أنه رأى عقرباً في داره فقال لها: يا مشؤومة أخرجي لا تقتلي أمي؛ وهو مولع بإطعام الكلاب ويقول: إنما أطعمها لأنها أذل من الرافضة؛ وبين هذين الرجلين رمي الرامي.
وكان أبو حامد يقول: لولا أن الخوارج قالت: علي كافر، لما قالت الغالية: علي إله، عز الله وجل وتعالى، ولولا أن المعتزلة قالت: الأمر كله إلينا، لما قالت الجهمية: نحن كالشجر إن هبت الريح تحركت، وإن ركدت سكنت، وكان يعد من هذه الأمثال شيئاً كثيراً.
وأما الطر فالقطع، وقد مر هذا الحرف.
وأما القر فصب الكلام في الأذن، وصب الماء أيضاً، والقر أيضاً الهودج، والقرار: السكون، والقارورة لسكون الماء فيها.
وأرى هذا يطول، وعلى قدر طوله يمل.
والكر: الرجوع، والكر: حبل يصعد الرجل إلى النخل عليه، والكر أيضاً قطعة من خيش.
والمر: جميع مرة، والمر كالنبل.
والهر: الكراهة، ولا يقال الكراهية، ولا بد من التخفيف، والهر مصدر هر الكلب، كأنه كرهك فنبحك، ولا يقال: نبح عليك؛ وهرت الهرة وهرهرت إذا بغمت مستعطفة.
والأر: النكاح.
وأما العر فاللطخ، والعر الجرب.
وقد مر جواب كل حرف على ما اقتضاه، والزيادة على هذا إبرام وخروج عن الحد المحتمل والأدب المرضي، على أنني وصلت كل ذلك بما يفتق شهوتك، ويبعث راحتك، ويقوي عزمك، فهذا عادة الرفيق من الأطباء بالعليل المضرور بالأدواء، نفعك الله بالخير.

قال وهب بن منبه: من لم يسخط نفسه في شهوته لم يرض ربه في طاعته.
وقال: مكتوب في التوراة: المال يفنى، والبدن يبلى، والعمل يحصى، والذنب لا ينسى.
وقال بعض النساك: ابن آدم، ما لك تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت، وتفرح بموجود لا يتركه في يدك الموت؟ يقال: الإناث من الإبل والخيل تحمل بمآخرها، والذكور تحمل بصدورها؛ وعلامة الفرس الجواد أن تراه رقيق الشعر لين الجلد طيب الريح.
شاعر: الرمل المجزوء
أنا في كل سحير ... في مداراة لأيري
أبداً يطلب مني ... قمراً في بيت غيري
قلت: نك ويلك من ير ... تع في خيري وميري
قال: من يقوى على ني ... ك كسير وعوير
للطرمي: البسيط
للخبز أحسن شيء في الزنابيل ... والزيت أجمل شيء في القناديل
والنيك خذ لا تسل يغشى علي لذا ... من شدة الشهو أخرى في السراويل
للطرمي ديوان كبير، كان في أيام المعتمد، وله ترخيم طريف، وسمع المعتمد شعره فنال به هباته، وأمر فكتب ديوانه بالذهب، وديوانه مشهور، وإنما دللت في هذا المكان عليه تعجباً منه.
قرىء من حجر: ابن آدم، لو عاينت يسير ما بقي من أجلك لزهدت في طول ما ترجو من أملك، ولقل حرصك وختلك، ولرغبت في الزيادة من عملك، فأعمل ليوم القيامة، قبل الحسرة والندامة.
وكان الحسن يقول: فضح الموت الدنيا، ولم يترك لذي لب فيها فرحاً.
قال أعرابي: إن في السكوت ما هو أبلغ من الكلام، فإن السفيه إذا أعرضت عنه تركته في أغتمام.
قال أعرابي: مواقعة الرجل أهله من غير عبث من الجفاء.
قال بعض السلف: قد أسمعك الداعي، وأعذر فيك الطالب، وانتهت الأمور فيك إلى الرجاء، ولا أحد أعظم رزية ممن ضيع اليقين، وأخطأ الأمل.
قال الكندي: كان فيما مضى رجل زاهد وقع عليه من السلطان طلب، بقي مدلهاً لا يدري ما يصنع، وذلك أنه أذكيت عليه العيون، وأخذت المراصد، فجاء إلى طنبور فأخذه ولبس ثياب البطالين وتعرض للخروج من باب البلد، فجاء إلى الباب وهو يتهادى في مشيته كالسكران، فقالت العيون له عند الباب: من أنت؟ فقال: من أنا، ومن ترى أكون؟ أنا فلان الزاهد، ومال منهزماً، فقال القوم متضاحكين: ما أحمقه!! وخلوا سبيله، فخرج ونجا، وإنما فعل ذلك لئلا يكذب.
وقال سهل بن هارون: اللسان الجيد والشعر لا يكادان يجتمعان في أحد، قال: وأعسر من ذلك أن تجتمع بلاغة القلم وبلاغة الشعر.
قال حذيفة بن اليمان: الحسد أهلك الجسد.
قال بشر بن المعتمر: إذا كان العقل تسعة أجزاء احتاج إلى جزء من الجهل ليقدم على الأمور، فإن العاقل أبداً متوان متوقف، مترقب متخوف.
قيل لأعرابية في البادية: من أين معاشكم؟ فقالت: لو لم نعش إلا من حيث يعلم لم نعش.
قال بعض الشجعان لرفيق له، وقد أقبل العدو: أشدد قلبك، قال: أنا أشده وهو يسترخي.
قال أعرابي: الصبر قطب الأمر الذي عليه تدور الأمور، وليس علم من أعلام الفضل إلا والصبر سببه ومسببه.
سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لمسافر: وجهك الله في الخير، وزودك التقى، وجعلك مباركاً أينما كنت.
شاعر: المتقارب
وكم من نؤوم على غبطة ... أتته المنية في نومته
وكم من مقيم على لذة ... أتته الحوادث في لذته
وكل جديد على ظهرها ... سيأتي الزمان على جدته
وأنشد: السريع
أصبحت الدنيا لنا غرة ... والحمد لله على ذلكا
وأجمع الناس على ذمها ... وما نرى فيهم لها تاركا
قال النبي صلى الله عليه وسلم: مثل الفقير المؤمن كمثل فرس مربوط بحكمته إلى أخيه، كلما رأى شيئاً مما يهوى ردته حكمته.
وقال ابن بكار، سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: نحن نسل من نسل الجنة سبانا منها إبليس بالمعصية، وحقيق على ابن آدم ألا يهنأ بعيشه حتى يرجع إلى وطنه.
قال محمد بن وهب عن عمه: رأيت ميلاً في بلاد الروم عليه كتاب فقرأته فإذا هو شعر: الطويل
صريع رماح تحجل الطير حوله ... شهيد أصابت نفسه ما تمنت
وقيل لمحمد بن واسع: هؤلاء زهاد، فقال: وما قدر الدنيا حتى يحمد من يزهد فيها؟

قال أحمد بن حنبل رحمه الله: هب المسيء قد عفي عنه أليس قد فاته ثواب المحسنين؟! قال ابن عباس: إن صغار هذه الأمة تعلموا من كبارها في صدر الإسلام، وسيجيء زمان يتعلم كبارها من صغارها.
وقال معاوية يوماً على المنبر: يا أهل الشام، ما أنتم بخير من أهل العراق، ثم ندم فتداركها فقال: إلا أنكم أعطيتم بالطاعة وحرموا بالمعصية.
قال المدائني: كان ملك له وزير صالح في قديم الزمان لا يأمر إلا بالخير ولا يحض إلا على الجميل، وكان الملك عاتياً جباراً يمقت النسك ويقلي النساك، وكان الوزير بخلاف ذلك يقربهم ويصلهم ويتلبس بهم، فحسده قرابة الملك، فأتوا الملك وقالوا: إن هوى وزيرك في إخراجك من ملكك، فقال الملك: وما آية ذلك؟ قالوا: شاوره وقل: إني عزمت على أن أخلع ملكي وألحق بالعزاز والشعاب، وأصحب النساك وأعبد الله رب الخلق، فإنك ستجد عنده قبولاً لهذا الرأي وتحسيناً له ورضى به، وإنما ينتهز لذلك الفرصة التي هو راقبها، وحينئذ تقف على صدق مقالنا؛ ففعل الملك ذلك فرأى غير ما كانوا قالوا، وبان للوزير في وجه الملك، وعلم أنه دهي من حيث لا يعلم، فانصرف على حزن قد خامره، وكآبة قد أخذت بكظمه. وقد كان مر في بعض مسيره برجل ظاهر الزمانة فقال: أيها الوزير ضمني إليك فإن لك عندي ما تحب، قال: وما ذاك؟ قال: أنا رجل أرتق الكلام، قال: وما رتق الكلام؟ قال: إذا وجدت فتقاً رتقته، قال: أنا أفعل ذلك، وإن لم يكن عندك نفع، فذكر الوزير قوله فدعا به فقال: فافعل الذي وعدت، قال: قص علي قصتك وما دهاك، ففعل، فقال: أيها الوزير، قد حسدك عنده بعض أقاربه، وسبعك بحضرته، قال: فما الطريق إلى تحقق هذا من نفس الملك وصرفه على أحسن وجه؟ قال: الوجه في ذلك أن تلبس مسحاً وتأتي باب الملك في غلس، فإذا علم بمكانك وسأل عن قصتك فقل: إن الملك دعاني إلى أمر الموت أهون علي منه، ولكن كرهت خلافه، ففعل الوزير ذلك فتحلل ما كان عرض في نفس الملك.
استأذن رجل على عبد الملك بن مروان فأذن له فوقف بين يديه ووعظه، فقال عبد الملك بن مروان لرجل: قل للحاجب: إذا جاء هذا لا تمنعه، قال: وإنما أراد أن يعرفه الحاجب فلا يأذن له.
قال الأصمعي: كان رجل من ألأم الناس على اللبن، وكان كثير الرسل، فقال بعض الظرفاء: الموت أو أشرب من لبنه؛ وكان معه صاحب له فجاء وتغاشى على باب صاحب اللبن فخرج فقال: ما باله؟ فقال صاحبه: أتاه أمر الله تعالى، وهو أشرف بني تميم، أما إن آخر كلامه: أسقني اللبن، فقال اللئيم: يا غلام جىء بعلبة من لبن، فأتاه بها وأسنده إلى ظهره فسقاه فأتى عليها ثم تجشأ، فقال الظريف صاحب اللئيم: أرى هذه الجشأة راحة الموت، فقال اللئيم: أماتك الله وإياه.
أتي الحجاج بدواب لابن الأشعث فإذا سماتها عدة فوسم تحت ذلك للفرار.
أنشد: الكامل
نجل العيون سواحر اللحظات ... هيجن منك سواكن الحركات
أقبلن يرمين الجمار تنسكاً ... فجعلن قلبك موضع الجمرات
فكأنهن غصون بان ناعم ... يحملن تفاحاً على الوجنات
كاتب: إن لم يكن في اعتذار زماننا ما يفي بإساءتنا، ففي جنب فضلك ما يجوز حظنا منك ومن يحاذرك، والسلام.
قال فيلسوف: العقل أمور بالمعروف، نهو عن المنكر، فمن لم ينهه عقله نهاه أدبه، ومن لم ينهه أدبه نهته التجارب.
قال فيلسوف: من عرف من نفسه الكذب لم يصدق الصادق.
قيل لأبي غانم التنوخي: كيف تجدك؟ قال: أجد ما علي من البلاء أقل مما قضيت من لذة الهوى، ولو أصابني من البلاء بقدر ما قضيت من لذة الهوى لتجمع البلاء.
مرض قيس بن سعد بن عبادة فأبطأ إخوانه عنه، فسأل عنهم فقيل له: إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين، فقال: أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة، ثم أمر منادياً ينادي: ألا من كان لقيس عليه حق فهو منه في حل وسعة، فكسرت درجته بالعشي لكثرة من عاده.
قال الأصمعي، قيل لأعرابي: إنك تموت، قال: فإلى أين يذهب بي؟ قالوا: إلى الله تعالى، قال: فما أكره أن أذهب إلى من لم أر الخير قط إلا منه.

قال الأصمعي: سمعت أعرابياً وهو متعلق بأستار الكعبة يقول: إلهي، من أولى بالزلل والتقصير مني، وقد خلقتني ضعيفاً؛ إلهي، من أولى بالعفو منك، وقضاؤك علي نافذ، وعلمك بي محيط؛ أطعتك بإذنك والمنة لك علي، وعصيتك بعلمك، فالحجة لك علي، فبثبات حجتك وانقطاع حجتي، وبفقري إليك وغناك عني، إلا غفرت لي ذنوبي.
قال منذر الثوري: مررت بعلي بن الحسين رضي الله عنه فرأيته في حائط له يتفكر فقلت: ما وقوفك ها هنا؟ قال: وقفت أفكر، فهتف بي هاتف فقال: يا ابن الحسين! ما هذا الفكر، أفي الدنيا والرزق حاضر للبر والفاجر؟ أم في الآخرة والوعد صادق من ملك قادر؟ قلت: لا في هذا ولا في هذا، قال: ففيم؟ قلت: فيما يخوفنا الناس من فتنة ابن الزبير؛ قال: فأعاد الصوت فقال له: أرأيت رجلاً خاف الله فلم يكفه؟ أو توكل عليه فوكله إلى غيره؟ قال: ثم قال: أنا الخضر يا ابن الحسين.
قيل لأعرابي: ما أشد البرد؟ قال: إذا دمعت العينان، وقطر المنخران، ولجلج اللسان.
قيل لأعرابي: ما تصنع بالبادية إذا اشتد القيظ وحمي ومتع الحر؟ قال: يمشي أحدنا ميلاً حتى يرفض عرقاً ثم ينصب عصاه، ويلقي عليها كساءه ويجلس في قبة يكتال الريح، فكأنه في إيوان كسرى.
قال عتبة بن أبي سفيان لابن عباس: ما منع علي ابن أبي طالب - رضي الله عنه - أن يبعثك مكان أبي موسى؟ فقال عبد الله: منعه من ذلك حاجز القدر، وقصر المدة، ومحنة الابتلاء، أما والله لو بعثني مكانه لاعترضت في مدارج نفس عمرو، ناقضاً لما أبرم، ومبرماً لما نقض، أسف إذا طار، وأطير إذا أسف، ولكن مضى قدر وبقي أسف، ومع يومنا غد، وللآخرة خير لأميرالمؤمنين رضي الله عنه.
أنشد: المتقارب
أبى الناس أن يدعوا موسراً ... سليم الأديم سليم النشب
فقد خيروك فإن لم تطب ... بعرضك نفساً فطب بالذهب
ويقال: من تمنى طول العمر فليوطن نفسه على المصائب.
وأنشد: الطويل
فما سرت من ميل ولا بت ليلة ... من الدهر إلا أعتادني لك طائف
ولا مر يوم مذ تراخت بي النوى ... ولا ليلة إلا هوى منك رادف
أهم سلوا عنك ثم يردني ... إليك وتثنيني عليك العواطف
فلا تحسبن النأي أبلى مودتي ... ولا أن عيني ردها عنك طارف
وكم من نريل قد وجدناه طرفة ... فتأبى عن التعبير تلك الطرائف
كان مسروق بن الأجدع ينهى عن السلطان، فدعاه زياد فولاه السلسلة، فقيل له في ذلك فقال: اجتمع علي زياد وشريح والسلطان، فكانوا ثلاثة وكنت وحدي فغلبوني.
قال هشام الكلبي: قدمت ليلى الأخيلية على الحجاج فامتدحته فقال: قد أمرت لك بمائة، فقالت: زدني، حتى بلغت ثلاثمائة، فقال بعض جلسائه: إنما أمر لك بغنم، قالت: الأمير أكرم من ذلك، فجعلها إبلاً؛ قال هشام: وإنما كان أمر لها بغنم، فلما سمع ما قالت استحيا فجعلها إبلاً.
وقدم يزيد بن قيس الأرحبي، وكان والياً لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فبعث إلى الحسن والحسين رضي الله عنهما بهدايا، وترك ابن الحنفية، ودخل يزيد على علي رضي الله عنه وعنده محمد بن الحنفية فضرب علي على جنب ابن الحنفية وأنشده: الوافر
وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا
ثم رجع يزيد إلى منزله فبعث بهدية إلى ابن الحنفية.
هذا رواية المدائني، وما أدري ما أقول فيه.
وأنشد للعليمي: الطويل
ولست بهياب الأمور ولا الذي ... إذا مكنته جاء للصلح خاضعا
وقد يصبر الحر الكريم على الأذى ... ولا يظهر الشكوى وإن كان موجعا
وقد يأنف المرء الكريم ويستحي ... وإن ذاق طعم الموت أن يتوجعا
قال عبد الملك: من كل شيء قضيت وطراً إلا محادثة الإخوان في الليالي الزهر، على التلال العفر.
أنشد: الوافر
إذا لم تحظ في أرض فدعها ... وحث اليعملات على سواها
ولا يغررك حظ أخيك منها ... إذا صفرت يمينك من جداها
قال الحسن: من أحسن في نهاره كوفىء في ليلته، ومن أحسن في ليلته كوفىء في نهاره، ومن صدق في ترك شهوته كفي مؤونتها، إن الله تعالى أكرم من أن يعذب قلباً ترك له شهوة.

قيل لأعرابي: إنكم لتكثرون الرحل والتحول وتهجرون الأوطان، فقال: إن الوطن ليس بأب والد ولا أم مرضع، فأي بلد طاب فيه عيشك، وحسنت فيه حالك، وكثر فيه دينارك ودرهمك، فاحطط به رحلك، فهو وطنك وأبوك وأمك ورحلك.
قال الأحنف: ما عرضت الإنصاف على أحد فقبله إلا هبته، ولا أباه إلا طمعت فيه.
قال ابن المقفع: العقول رسل الله تعالى إلى أهلها، والألسنة ترجمانها، والأقلام بردها.
هذا تمام الجزء الرابع، والخامس يقفوه على أثره، على المذهب المألوف في تحبير الكلام على فنونه، ورواية ما متح السماع به، وذكر ما تمت الشهادة عليه، فقدم مراقبة ربك على جميع أربك، وأعلم أنك بمرأى منه ومسمع، يعلم خائنة طرفك، وخافية صدرك، ولاحظ نعمة التي قد أكتنفتك، من شباب وجدة، وكفاية وراحة، وأرتبطها بالشكر، وأستدمها بالمواساة، وودعها بالحمد، وشرف نفسك بالعلم، وزينها بالحلم، تنل خير الدارين، وشرف المنزلتين.
والحمد الله وحده وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه وسلم تسليماً.
أكمل في ثاني شهر ذي حجة سنة ثمان وعشرين وستمائة، أحسن الله مبتدأه وخاتمته وحسبي الله ونعم الوكيل.
//بسم الله الرحمن الرحيم
رب عونك بمنك
الجزء الخامساللهم اجعل عدونا إليك مقرونا بالتوكل عليك، ورواحنا عنك موصولاً بالنجاح منك. وإجابتنا لك راجعة إلى التهالك فيك، وذكرنا إياك منوطاً بالسكون معك، وثقتنا بك هادية إلى التفويض إليك، ولا تخلنا من يد تستوعب الشكر، ومن شكر يمترى خلف المزيد، ومن مزيد يسبق اقتراح المقترحين، وصنع هو من ذرع الطالبين، حتى نلقاك مبشرين بالرضا، محكمين في الحسنى، غير مناقشين ولا مطرودين.
اللهم أعذنا من جشع الفقير، وريبة المنافق، وتجليح المعاند، وطيشة العجول، وفترة الكسلان، وحيلة المستبد، وتهور الغافل، وحيرة المحرج، وحسرة المحوج، وفلتة الذهول، وحرقة النكول، ورقبة الخائف، وطمأنينة المغرور، وغفلة الغرور، واكفنا مؤونة أخ يرصد مسكوناً إليه، ويمكر موثوقاً به، ويخيس معتمداً عليه، وصل الكفاية بالسلوة عن هذه الدنيا، واجعل التهافنا عليها حنيناً إلى دار السلام ومحل القرار، وغلب إماننا بالغيب على يقيننا بالعيان، أحرسنا من أنفسنا فإنها ينابيع الشهوة ومفاتيح البلوى، وأرنا من قدرتك ما يحفظ علينا هيبتك، وأوضح لنا من حكمتك ما يقلبنا في ملكوتك، وأسبغ علينا من نعمتك ما يكون لنا عوناً على طاعتك، وأشع في صدورنا من نورك ما تتجلى به حقائق توحيدك، واجعل ديدننا ذكرك، وعادتنا الشوق إليك، وعلمنا النصح لخلقك، واجعل غايتنا الاتصال بك، واحجبنا عن قول يبرأ من رضاك، وعمل يعمى صاحبه عن هداك، وألف بيننا وبين الحق، وقربنا من معادن الصدق، واعصمنا من بوائق الخلق، وانقلنا من مضايق الرزق، واهدنا إلى فوائد العتق.
اللهم إنك بدأت بالصنع، وأنت أهله، فأنعم بالتوفيق فإنك أهله. اللهم إنا نتضاءل عند مشاهدة عظمتك، وندل عليك عند تواتر برك، ونذل لك عند ظهور آياتك، نلح عليك عند علمنا بحودك، ونسألك من فضلك ما لا يرزأك ولا ينكأك، ونتوسل إليك بتوحيد لا ينتمي إليه خلق، ولا يفارقه حق.

هذا الجزء الخامس من البصائر، وهو صنو ما سلف منه، فاجعله درسك ليلك ونهارك، واجعله تلاوتك سرك وجهارك، واختلس حظك من المعارف فيه تتخلص من المناكر، وخض بحر المعارف تنج من المجاهل، واعلم أن عملك لا يزكو، وسرك لا يصفو، وعاقبتك لا تحلو، حتى تقف بين أمر الله ونهيه، غير محتج بإرادة الله تعالى وعمله، متوقفاً عما وقفك عنه، متخففاً إلى ما أنهضك إليه، عالماً بأن البدء منه، والحجة منه عليك، وان الذي عليك بنسبتك إليه أن تكون عبداً ذليلاً، والذي لك عنده أن يجعلك ملكاً عزيزاً، ولا تفوتن نفسك فإنك حظها، ولا تفوتنك نفسك فإنها حظك، واتق عذاباً يستغرقك، وخف حساباً يأتي عليك، وافتح ديوان نفسك، وكن رقيب أمرك، قبل أن يشركك من لا يوطئ عشوة، ولا يقبل رشوة، واعلم انك في هذه الدار بين طيب وخبيث وقديم وحديث وقول وعمل وعذر وعذل وإضرار واختيار، وشكر وصبر، ووفاء وغدر، وعزاء وجزع، وأمان وفزع، وظلمة ونور وترحة وسرور، وغمة وانجلاء، وهبطة واعتلاء، وعافية وابتلاء، وصحوة وسكر، ولذة وحسرة، ويقين وحيرة، واجتماع وفرقة، وإمتاع وحرقة، ووحشة وانس، وهم وعرس، وإطلاق وحبس، واستقلال ونكس، وسعادة ونحس، ونزاهة وحرص، وحفظ وإضاعة، وكتمان وإذاعة، ودرك وفوت، وحياة وموت، فخذ نفسك بالإعراض عن زهرة تحول، ونعم تيلى، ومدة تنصرم، وشهوة تنقضي، وتبعة تبقى، وندم يصير لزاماً، والزم الصمت إلى أن ترى هلكك فيه، والزم النطق إلى أن ترى ضياعه عنك عند مستمعيه، وعاشر ما قبل نصحك في العشرة، وتفرد ما رأيت الخلل في الخلة، واعمل ما دام الإخلاص صاحبك، واعتقد ما صحب اليقين عقيدتك، واصرف غاية اجتهادك ونهاية سعيك وبليغ كدحك في اقتباس العلم فإنه نور وضياء، وبر وشفاء، وحلية وجمال، ومتعة وراحة، وهدي وبيان، وسعادة ونجاة، ودنيا وآخرة، وغنى ويسار، إن لم يغنك بالبضاعة أغناك بالقناعة، وإن لم يبلغك منزلة النيل به لم يخلك من الاستراحة إليه.
وقف متعلم بباب عالم فقال: واسونا مما رزقكم الله؛ فأخرجوا له طعاماً فقال: فاقتي إلى كلامكم أشد من حاجتي إلى طعامكم؛ اعلموا أن فلاناً طالب هدى لا سائل ندى. فأذن له وأوسعه فوائد، فخرج وهو يقول: علم أوضح لبساً، خير من مال أغنى نفساً.
نظر عالم إلى تلامذته فقال: ما كل ذي تحصيل يرجع إلى تفصيل، وما كل ذي سماع يأوي إلى قلب يراع، وما كل ذي اقتباس يستند إلى قياس، وأنشد: البسيط
لا تبخلن بفضل العلم تمنحه ... ما كل قابس علم حلف مقباس
إن النجوم يراها كل ذي بصر ... وليس يعرفها جيل من الناس
وكن من مصيرك إلى الله على فرق، فإن ذلك يسهل عليك الكد في طلب الراحة، ولا يغرنك ظاهر ما ترى من هذا العالم عن باطن ما تغفل عنه، فإن ناظم هذا الفلك، ومزين هذه السماء، وساطح هذه الأرض، وجاسي هذا الجو، وفالق هذا البحر، وبارئ هذه النسمة، لم يخلقها عبثاً، ولم يتركها سدى؛ فاعرفه معرفة تنسيك ما سواه، واعتصم بحبل من حسن الظن به فإنه يجزيك، وتحبب إليه بالتحبب إلى خلقه، وتطامن للحق، وأعز الحق، فإن معاذ بن جبل قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معاذ، المؤمن لدى الحق أسير؛ يا معاذ، إن المؤمن من لا يسكن من روعته، ولا يأمن من اضطرابه، حتى يخلف جسر جهنم وراء ظهره؛ يا معاذ، إن المؤمن قيده القرآن عن كثير من شهواته، فالقرآن دليله، والخوف محجته، والشوق مطيته. والصلاة كهفه، والصوم جنته، والصدقة فكاكه. والصدق أميره. والحياء وزيره؛ يا معاذ، إني أحب لك ما أحب لنفسي، وأنهي لك ما أنهى إلي خليلي جبريل عليه السلام؛ يا معاذ، المؤمن يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه، حتى عن كحل عينيه، وفتات الطين بإصبعيه، فلا ألفين يوم القيامة واحداً أسعد بما آتاه الله منك؛ روي هذا الحديث أبو حاتم الرازي عن أحمد بن أبي الحواري.
وامقت الدنيا مقتا، ولا يقنطنك من الله تعالى بعض ما يضيق عليك من رزقك، ويخيب من آملك، ويفوت من مرادك، فإنك عند السعة مطالب بشكر أثقل من الضيق عند الضيق، ممتحن بصبر تحمله أيسر من اليسر، والقائل يقول: الوافر
فلا تجزع وإن أعسرت يوماً ... فقد أيسرت في الزمن الطويل
ولا تيأس فإن اليأس كفر ... لعل الله يغني عن قليل

ولا تظنن بربك ظن سوء ... فإن الله أولى بالجميل
ولعل صنع الله في طيها عنك أكثر من انتشارها عليك.
وما أحسن ما قال عبد الله بن طاهر بن صفة الدنيا حين كتب إلى المعتصم: أما بعد، فإن الدنيا قد عاينت نفسها بما أبدت من تصرفها، وأنبأت عن مساوئها بما أظهرت من مصارع أهلها، ودلت على عوراتها بعين حالاتها، وقطعت ألسنة العز فيها عين زوالها. وشهد إخلاق شؤونها على فنائها. فلم يبق لمرتاب في أمرها ريب، ولا لناظر في عواقبها شك، بل عرفها جل من عرفها معرفة يقين، وكشفوها أبرز تكشف، ثم أضلتهم الأهواء عن منافع العلم، ودلتهم الآمال بغرور، فلججوا في غمرات العجز، فسبحوا في بحورها موقنين بالهلكة، ورتعوا في عراضها عارفين بالخدعة، وكان يقينها شكاً، وعلمهم جهلاً، لا بالعلم انتفعوا، ولا بما عاينوا اعتبروا، قلوبهم عالمة جاهلة، وأبدانهم شاهدة غائبة، حتى طرقتهم المنية، فأعجلتهم عن الأمنية، فبعثتهم القيامة. وأقدمتهم الندامة، وكذلك الأمل: ينسئ طويلاً ويأخذ وشيكا، فانتفع امرؤ بعلمه وجاهد هواه أن يضله، وخاف أمله أن يغره، وقوي يقينه على العمل، ونفي عنه الشك بقطع الأمل، فإن الهوى والأمل إذا استضعفا اليقين صرعاه، وإذا تعاونا على ذي غفلة خدعاه، فصريعهما لا ينهض سالماً وخديعهما لا يزال نادماً، والقوي من قوي عليهما، والحارس من احترس منهما؛ ألبسنا الله وإياكم جنة الحذر، ووقانا وإياكم سوء القضاء والقدر.
ولو كان هذا الكلام لابن المبارك أو منصور بن عمار أو ابن السماك لكان كبيراً. فكيف وهو لعبد الله بن طاهر، ونصيبه من عشق العاجلة ومحبته للدنيا ما نعرفه؟ إلا أن يكون غيب حاله خلاف مشهده، والتفاوت في الكلام أمر راتب في الخلق، وكذلك في العمل، وكذلك في الإخلاص، وكذلك فيما ينتصب للإخلاص من الدرجات والمنازل، فسبحان من هذا خلقه في خلقه وهذا أمره في أمره.
1 - كتب طاووس إلى مكحول: أما بعد فإنك قد اصبت بما ظهر من علمك عند الناس منزلة وشرفاً، فالتمس بما بطن من عملك عند الله منزلة وزلفى، واعلم أن إحدى المنزلتين تقربك للأخرى والسلام.
2 - قال ابن السماك: من جرعته الدنيا حلاوتها بميله إليها، جرعته الآخرة مرارتها بتجافيه عنها.
3 - قال بعض السلف: إنكم لا تنالوا ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون، ولا تبلغون ما تهوون إلا بترك ما تشتهون.
4 - وقال بعض الزهاد: بمرارة دواء العبادة تنال حلاوة شفاء العاقبة.
5 - قال بزرجمهر: إياك وقرناء السوء، فإنك إن عملت قالوا: راءيت، وإن قصرت قالوا: أثمت، وإن بكيت قالوا: بهت، وإن ضحكت قالوا: جهلت، وإن نطقت قالوا: تكلفت، وإن سكت قالوا: عييت، وإن اقتصدت قالوا: بخلت.
6 - وقال بعض السلف: قارب إخوانك في خلائقهم تسلم من بوائقهم.
7 - وقال أعرابي: دع مصارمة أخيك، وإن حثا التراب في فيك.
8 - وقال بعض السلف: من أفحش الظلم أن يلزمك حقك في مال أخيك فيبذله لك، وتلزمه حقه في تعظيمك إياه، فإذا أنت قد جشمته إفضال المنعمين، وابتذلته ابتذال الأكفاء.
9 - كتب أحمد بن المعذل إلى أخيه عبد الصمد: أما بعد، فقد شمل عرك، وعم أذاك، وصرت فيك كأب الابن العاق، إن عاش نغصه، وإن مات نقصه؛ فأجابه عبد الصمد: المتقارب
أطاع الفريضة والسنة ... فتاه على الإنس والجنه
كأن لنا النار من دونه ... وأفرده الله بالجنه
وينظر نحوي إذا جئته ... بعيني حماة إلى كنه
10 - قال ابن الغريض الكاتب: عشق رجل غلاماً ظريفاً فكتب إليه يسأله زيارته، فأجابه الغلام: شدة شكواك تدعو إلى إسعافك. وصانتنا أنفسنا وإياك تدعو إلى منعك، ولمكروه المنع مع السلامة من شناعة القول خير من محبوب الإسعاف مع شماتة الحاسد. وإطلاق لسانه بما يشيننا ويشينك، وإن أجد فرصة أثق معها بالستر، وآمن من سوء الذكر، أصر إليك، فأديل الهوى من الرأي، وأملكه أزمتنا.
ثم إنهما اجتعما في مجلس فلم يمكنهما المفاوضة، فكتب الرجل في رقعة: انظر إلي، فوقع الغلام نظري إليك فتنة. وإعراضي عنك محنة، فارض باللحظة، واستمتع باللفظة بعد اللفظة، واحذر عادية الحفيظة.

11 - قال الحجاج على المنبر: أيها الناس، من أعيا داؤه فعندي دواؤه، ومن استطال ماضي عمره قصرت عليه باقية؛ إن للشيطان طيفاً، وللسلطان سيفاً، فمن سقمت سريرته، صحت عقوبته، ومن وضعه ذنبه، رفعه صلبه، ومن لم تسعه العافية، لم تضق عنه الهلكة، ومن سبقت بادرته فقد سبق بدنه سفك دمه؛ وإني أنذركم ثم لا أنظركم، وأحذركم ثم لا أعذركم، وأتوعدكم ثم لا أغفر، إنما أفسدكم وهن ولاتكم، ومن استرخى لببه ساء أدبه؛ إن الحزن والعزم سلباني سوطي، وأبدلاني سيفي، فقائمه في يدي، ونجاده في عنقي، وذبابه قلادة من عصاني، والله لا آمر أحدكم أن يدخل من أحد أبواب المسجد فيدخل من الباب الآخر إلا ضربت عنقه.
12 - نظر مروان بن أبي حفصة إلى عنان جارية الناطفي تبكي من ضرب مولاها فقال: السريع
بكت عنان فجرى دمعها ... كالدر إذ يسبق من خيطه
فقالت:
فليت من يضربها ظالماً ... تجف يمناه على سوطه
واستجازها بيتاً آخر وهو: الطويل
وما زال يشكو الحب حتى رأيته ... تنفس من أحشائه وتكلما
فقالت:
ويبكي فأبكى رحمة لبكائه ... إذا ما بكى دمعاً بكيت له دما
13 - أهدى المعلى بن أيوب إلى المتوكل في يوم نيروز سكرة عليها خيارة صغيرة، فسئل عن ذلك فقال: الحلاوة للسكر، والخيارة فلأنه في إقبال أيامه وابتداء ظهوره، ولأن اسمه بالفارسية والعربية والنبطية خيار، وهم خيار وخيرة وأخيار وخير.
14 - لما ذهب بهدبة ليقتل انقطع قبال نعله فجلس يصلحه فقيل له: أتصلحه وأنت على ما أنت؟ فقال: الوافر
أشد قبال نعلي أن يراني ... عدوي للحوادث مستكينا
15 - اعتذر كاتب إلى صديق له من تأخر اللقاء فأجابه: أنت في أوسع عذر عند ثقتي، وفي أضيق العذر عند شوقي.
16 - وكتب حمد بن مهران إلى أبي دلف بن عبد العزيز في يوم نيروز: قدر الأمير أدام الله تمكينه يجل عما تحيط به المقدرة، وفي سؤدده ما يوجب التفضل ببسط المعذرة.
17 - وكتب رجل إلى ابن سيابة يسأله عن رجل فكتب في الجواب: هو والله غث في دينه، قذر في دنياه، رث في مروءته، منقطع إلى نفسه، راض عن عقله، بخيل بما وسع عليه من رزقه، كتوم لما آتاه الله من فضله، حلاف لجوج، لا ينصف إلا صاغراً، ولا يؤمر إلا كابراً، ولا يعدك إلا راغماً، يرفع نفسه عن منزلة الأذل بعد تعززه فيها.
18 - عتبت متيم على علي بن هشام فهجرته، وترضاها بكل شيء فلم ترض، فكتب إليها: الإدلال داعية الملال، والتغضب مقدمة التجنب، ورب هجر يدعو إلى صبر، وإنما سمي القلب قلباً لتقلبه، وما أحسن ما قال العباس: الخفيف
ما أراني إلا سأهجر من لي ... س يراني أقوى على الهجران
ملني واثقاً بحسن وفائي ... ما أضر الوفاء بالإنسان
19 - لسعيد بن حميد: الطويل
قربت فلم نرج اللقاء ولا نرى ... لنا حيلة يدنيك منا احتيالها
فأصبحت كالشمس المضيئة نورها ... قريب ولكن أين منا منالها
كظاعنة ضنت بها غربة النوى ... علينا ولكن قد يلم خيالها
تقربها الآمال ثم تعوقها ... مماطلة الدنيا بها واعتلالها
ولكنها أمنية فلعلها ... يجود بها صرف النوى وانفتالها
20 - قال علي بن الجهم: لحظت فضل الشاعرة لحظة استرابت بها فقالت: الرجز
يا رب رام حسن تعرضه ... يرمي ولا يشعر أني غرضه
فقلت:
أي فتى لحظك لا يمرضه ... وأي عقد محكم لا ينقضه
21 - وجد أبو العباس ابن ثوابة على سعيد بن حميد فكتب إليه سعيد: الكامل
أقلل عتابك فالزمان قليل ... والدهر يعدل مرة ويميل
لم أبك من زمن ذممت صروفه ... إلا بكيت عليه حين يزول
ولكل نائبة ألمت مدة ... ولكل حال أقبلت تحويل
والمنتمون إلى الإخاء جماعة ... إن حصلوا أفناهم التحصيل
ولعل أحداث الليالي أولعت ... بنوى تفرق بيننا وتحول
فلئن سبقت لتبكين بحسرة ... وليكثرن علي منك عويل
ولتفجعن بمخلص لك وامق ... حبل الوفاء بحبله موصول

ولئن سبقت ولا سبقت ليمضين ... من لا يشاكله لدي عديل
وليذهبن جمال كل مروءة ... وليقفرن فناؤها المأهول
وأراك تكلف بالعتاب وودنا ... باق عليه من الوفاء دليل
ود بدا لذوي الإخاء صفاؤه ... وبدت عليه بهجة وقبول
ولعل أيام الحياة قصيرة ... فعلام يكثر عتبنا ويطول
22 - جحد رجل مال رجل فاحتكما إلى إياس بن معاوية، فقال للطالب: أين دفعت إليه هذا المال؟ قال: عند شجرة في مكان كذا وكذا، قال: فانطلق إلى ذلك المكان فلعلك تتذكر كيف كان أمر هذا المال، ولعل الله يوضح لك سبباً. فمضى الرجل، وجلس خصمه، فقال إياس بعد ساعة: أترى خصمك بلغ موضع الشجرة؟ قال: لا، بعد، قال: يا عدو الله، أنت خائن، قال: أقلني أقالك الله، فاحتفظ به حتى أقر ورد المال.
23 - شهد سوار عند بلال بن أبي بردة وآخر معه، فقال بلال: يا سوار، ما تقول في هذا الرجل؟ قال: إنما جئت شاهداً ولم آت مزكياً، قال: أفحضر معك هذه الشهادة؟ قال: نعم.
24 - قال أعرابي: الكلام فنون، وخيره ما وفق به القائل، وانتفع به السائل والمستمع.
25 - قال بعض العلماء: أصح الأخبار ما نقله خيار الخلف عن أبرار السلف.
26 - قال أعرابي: دع النمائم فإن أولها سمائم، وآخرها مآثم.
27 - قال أعرابي: رب مخوف ينال، ومرجو لا ينال.
28 - قال بكر بن عبد الله المزني: إذا رأيت قبيحاً من ناسك فالفظه، وإذا رأيت حسناً من فاتك فاحفظه.
29 - قال أعرابي: أطيب الزمان ما قرت به العينان.
30 - من كلام الجاهلية الأولى: كل مقيم شاخص، وكل زائد ناقص.
31 - وقال آخر: أكثر الناس بالقول مدل، وبالفعل مقل.
32 - وقال آخر: أعد لصديقك بذلك، ولعدوك عذلك.
33 - وقال أعرابي: ليس العمل للوفاء، كالسعي للرجاء.
34 - وقال آخر: رب بعيد لا يفقد بره، وقريب لا يؤمن شره.
35 - وقال آخر: من أحم قرم، ومن تهور ندم 36 - وقال آخر: أبين العجز قلة الحيلة، وملازمة الحليلة.
37 - وقيل لصوفي: كيف أنت؟ قال: طلبت فلم أرزق، وحرمت فلم أصبر.
38 - وقال بعض الهند في كتابه: لا ظفر مع بغي، ولا صحة مع حرص، ولا ثناء مع كبر، ولا صداقة مع خب، ولا شرف مع سوء الأدب، ولا بر مع شح، ولا اجتناب محرم مع حرص، ولا ولاية حكم مع عدم فقه، ولا عذر مع إصرار، ولا سلامة مع غيبة، ولا راحة قلب مع حسد، ولا سؤدد مع انتقام، ولا رياسة مع عجب، ولا صواب مع استبداد، ولا ثبات مع جهل الوزراء.
39 - قال عبد الملك الكاتب: تزوج بعض أصحابنا سراً من أهله، فأولدها بنتاً ولم يكن هناك بينة، ثم عشق أخرى وفارقها وجحد ابنتها، وكان يأتي الجديد على السفاح، فاحتالت القديمة حتى علمت حضوره عند الزانية، ثم مضت إلى صاحب الرفع وسلمتها إليه، ثم وجهت إلى زوجها: إني إن خلصتك أقررت بنكاحي وبنتي؟ قال: نعم، فجاءت فدخلت السجن كأنها تزور وقالت للزانية: أخرجي بلباسي كأنك أنا، ففعلت، وقالت: قولي للرجل إني امرأتك، وقوي قلبك ولسانك فإن الجيران يشهدون لي بذلك، ففعلت وتعرف الوالي من الجيران فاعترفوا فخلاهما.
40 - قال المدائني: تذاكر قوم من ظراف البصرة الحسد، فقال رجل: إن الناس ربما حسدوا على الصلب، فانكروا ذلك، ثم جاءهم بعد أيام فقال: إن الخليفة قد أمر أن يصلب الأحنف، ومالك بن مسمع، وقيس بن الهيثم، وحجام يعرف بحمدان، فقالوا: هذا الخبيث يصلب مع هؤلاء؟! فقال: ألم أقل إن الناس يحسدون على الصلب؟! 41 - خطب عتبة بن غزوان فقال: أما بعد فإن الدنيا قد آذنت بتصرم. وولت حذاء، فلم يبق فيها إلا صبابة كصبابة الإناء، فتزودوا خير ما يحضركم. وهو تقوى الله جل جلاله وطاعته، والانتهاء عن معصيته، ولقد رأيتني في سبعة نفر مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، نأكل العضاة حتى قرحت أشداقنا. ثم أصبحنا وما منا أحد إلا على كورة من هذه الكور.

42 - وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله يقول: لو حدرت صخرة على شفير النار لهوت قبل أن تقع في قعرها سبعين خريفاً، وإن بين مصراعي باب الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين يوم كظيظ الزحام، ألا وإنها لم تكن نبوة إلا كان بعدها ملك وجبرية، وأعوذ بالله أن أكون في عين الله صغيراً وفي عيني عظيماً، وستجربون الأمراء بعدي. وكان عمر عزله بالمغيرة عن البصرة.
43 - قال الأعرابي: السعيد من أغضى بصرة لهول المرجع، وأراق دمعه لخوف المصرع.
44 - لمكنف من ولد زهير بن أبي سلمى: الكامل
بكت العيون فأقرحت عبراتها ... أجفانها حزناً على إسحاق
ولئن بكت جزعاً عليه لقد بكت ... جزعاً مكارم الأخلاق
يا خير من بكت المكارم فقده ... لم يبق بعدك للمكارم باق
لو طاف في شرق البلاد وغربها ... لم يلق إلا حامداً لك لاق
ما بت من كرم الطبائع ليلة ... إلا لعرضك من نوالك واق
بخلت بما حوت الأكف وإنما ... خلق الإله يديك للإنفاق
45 - قال يونس: العرب تقول: وجدان الرقين يغطي أفن الأفين، يعني أن الذهب والفضة يغطيان حمق الأحمق.
46 - قال الزبير بن بكار: كان غلام يسوق بأصحابي ويرطن بالزنجية شيئاً، يوقع عليه شبه الشعر، فمر بنا رجل يعرف لسانه فاستمع له ثم قال: إنه يقول: الطويل
فقلت لها أني اهتديت لفتيه ... أناخوا بجعجاع قلائص سهما
فقالت كذاك العاشقون ومن يخف ... عيون الأعادي يجعل الليل سلما
47 - قال مسلم بن عبد الله بن مسلم الهذلي: خرجت أريد العقيق ومعي زبان، فلقينا نسوة فيهن جارية قد بهرتهن حسناً، فأنشد زبان بيتي أبي وهما: الطويل
ألا يا عباد الله هذا أخوكم ... قتيلاً فهل منكم به اليوم ثائر
خذوا بدمي إن مت كل خريدة ... مريضة جفن العين والطرف ساحر
ثم قال لي: شأنك بها يا ابن الكرام فوالله إن لم يكن دم أبيك في ثيابها، فأقبلت علي فقالت: أنت ابن أبي جندب؟ قلت: نعم، قالت: إن قتيلنا لا يودى، وأسيرنا لا يفدى، فاغتنم نفسك، واحتسب أباك.
48 - قال الأصمعي: تقول العرب في العدد: آخر حرف من الثالث إلى العاشر أحاد وثنا وثلاث ورباع وخماس وسداس وسباع وثمان وتساع وعشار؛ قال الأخفش: الأكثر أثنا، وأنشد: الرمل المجزوء
قل لعمرو يا ابن هند ... لو شهدت اليوم شنا
لرأت عيناك منهم ... كل ما كنت تمنى
إذا أتتنا فيلق شهيا ... ء من هنا وهنا
وأتت دوسر والملحا ... ء سيراً مطمئنا
ومشى القوم إلى القو ... م أحادا وأثنا
وثلاثاً ورباعاً ... وخماساً فطعنا
وسداساً وسباعاً ... وثماناً فاجتلدنا
لا ترى إلا كميا ... قاتلاً منهم ومنا
قال المبرد: لخلف الأحمر نحلة بعض الأعراب وأنشد: الرجز
يفديك يا ويح أبي وخالي ... قد مر شهران وهذا الثالي
وأنت بالهجران لا تبالي
آخر: الطويل
ثلاثة أملاك كرام ورابع ... وما الخام منهم باللئيم المذمم
آخر: الوافر
إذا ما عد أربعة لجود ... فزوجك خامس وأبوك سادي
آخر: الوافر
مررت بربعها فوقفت فيه ... على سفع جوائم فوق آس
وقد مرت به من بعد عهدي ... ثمانية وهذا العام تاس
آخر: المتقارب
تراهن في الجو تلو النسيم ... فطوراً أحاداً وطوراً ثنا
49 - قال عبد الكريم بن وهب، سمعنا الشافعي ينشد: الوافر
وأنطقت الدراهم بعد صمت ... أناساً طال ما كانوا سكوتا
فما عطفوا عل أحد بفضل ... ولا عرفوا لمكرمة بيوتا
50 - قال الهيثم بن عدي: خرج سوار بن عبيد وهو أحد الخوارج على عبد الملك بن مروان بعد أبي فديك باليمامة، وكان عامله عليها يزيد بن هبيرة، فقتل يزيد سواراً، ثم إنه تزوج ابنة امرأة من الطلبيات؛ من ولد طلبه بن قيس ابن عاصم المنقري، فلما دخل عليها قالت: الوافر

للبس عباءة وتقر عيني ... أحب إلي من لبس الشفوف
وبيت تخفق الأرواح فيه ... أحب إلي من قصر منيف
وخرق من بني عمي نحيف ... أحب إلي من علج عنيف
51 - قال محمد بن عمران التيمي قاضي المدينة: هذه الملح تعجب عقلاء الرجال.
52 - قال المبرد: الوجذ: جمعه وجاذ، وهي النقرة التي يستنقع فيها الماء، كالوهد والوهاد؛ قال أبو عمر الجرمي: الوجذ: كل مستنقع ماء.
53 - قيل لأعرابي: ما أحسن الثناء عليك؟ قال: بلاء الله عندي أحسن من وصف المادحين وإن أحسنوا، وذنوبي إلى الله أكثر من عيب الذامين وإن أكثروا، فواحسرتي على ما فرطت، وواسوأتي مما قدمت، بلى، ثلجت القلوب لما ترجو من عفوه عن المذنب، وقبوله من المعتب.
54 - وصف أعرابي رجلاً فقال: لا تراه الدهر إلا كأنه لا غنى به عنك وإن كنت إليه أحوج، إن أذنبت غفر وكأنه المذنب، وإن احتجت إليه أحسن وكأنه المسيء.
55 - وقال أعرابي: ألم أكن نهيتك أن تريق ماء وجهك بمسألتك من لا ماء في وجهه؟! 56 - وقال: والله لو وقع فلان في ضحضاح معروفة لغرق.
57 - وقال أعرابي لأخيه ورآه حريصاً على الدنيا: يا أخي أنت طالب ومطلوب، ويطلبك من لا تفوته، وتطلب ما قد كفيته، وكأن ما غاب عنك قد كشف لك، وما أنت فيه قد نقلت عنه؛ يا أخي كأنك لم تر حريصاً محروماً. ولا زاهداً مرزوقاً.
58 - سئل أعرابي: من أبلغ الناس؟ قال: أحسنهم لفظاً، وأمثلهم بديهة، قيل: فمن أصبر الناس؟ قال: أردهم لجهله بحلمه، إن قاتل أبلى. وإن أعطى أغنى.
59 - قيل لأعرابي: كيف فلان؟ قال: يقطع نهاره بالمنى، ويتوسد ذراع الهم إذا أمسى.
60 - وقال أعرابي: أما فلان فلسانه أحلى من الشهد، وصدره سجن الحقد.
61 - وقال آخر في وصف آخر: إذا نزلت به النوائب قام إليها، ثم قام بها ولم تقعد به علات الأنفس.
62 - وقال أعرابي في وصف قوم: والله ما نالوا بأطراف أناملهم شيئاً إلا قد وطئنا بأقدامنا، وإن أقصى مداهم لأدنى فعالنا.
63 - ذم أعرابي آخر فقال: لا يخشى عاجل عار، ولا آجل نار، كالبهيمة تأكل ما وجدت، وتنكح ما لحقت.
64 - قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ليس خياركم من ترك الآخرة للدنيا، ولا من ترك الدنيا للآخرة، ولكن من أخذ من هذه لهذه.
65 - وقال أعرابي: خطب رجل منا مغمور امرأة مغمورة، فقيل لولي المرأة: تعمم لكم فزوجتموه، فقال: إنا تبرقعنا له قبل أن يتعمم لنا.
66 - وقال غيره: لئن هملجت في الباطل إنك عن الحق لقطوف، ولئن أبطأت عن الحق ليسر عن إليك.
67 - وقال أعرابي: إن لم يعدلك الحق عدلك الباطل.
68 - وقال آخر لصاحب له: قد نهيتك عن مسألة أقوام أرزاقهم من ألسن الموازين، ورؤوس المكاييل.
69 - وذم أعرابي آخر فقال: لا يكون في موضع إلا حرمت الصلاة فيه، ولو أفلتت كلمة سوء لم تصر إلا إليه، ولو نزلت لعنة لم تقع إلا عليه.
70 - وذم آخر رجلاً فقال: سمين المال، مهزول المعروف، معدم مما يحب، مثر مما يكره، وهو أكثر ذنوباً من الدهر.
71 - وذم آخر رجلاً فقال: هو من قوم سلخت أقفاؤهم بالشؤم، ودبغت جلودهم باللؤم، لباسهم في الدنيا الملامة، وزادهم في الآخرة الندامة.
72 - قال أعرابي لرجل شريف: ما أحوج عرضك إلى أن يكون لمن يصونه، وتكون أنت فوق من أنت اليوم دونه.
73 - وقال آخر لصاحب له: إنما يستجاب لمؤمن أو مظلوم، ولست بواحد منهما.
74 - قال المسيح عليه السلام: لا تنظروا إلى ذنوب الناس كأنكم أرباب، ولكن انظروا إلى ذنوبكم كأنكم عبيد.
75 - قال المنصور لشريك: أني لك هذا العلم؟ قال: لم أرغب عن قليل أستفيده، ولم أبخل بكثير أفيده.
76 - وقال أعرابي: سيد القوم أشقاهم.
77 - وقال آخر: أعطاك الله ولا سلبك، وكلاك ولا وكلك، ومنحك ولا امتحنك.
78 - قال بعض الصالحين: من أذنب وهو يضحك دخل النار وهو يبكي، ومن أذنب وهو يبكي دخل الجنة وهو يضحك.
79 - نظر فيلسوف إلى امرأة قد خنقت على شجرة فقال: ليت كل شجرة تحمل مثل هذه الثمرة.
80 - وقال الثوري لما شاء الله المنجم: أنت تغدو بطالع، وأنا أغدو بالاستخارة، وأنت تخاف زحل، أنا أخاف ذنبي، وأنت ترجو المشتري، وأنا أرجو الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
81 - وقال أبو حازم وقد نظر إلى فواكه منضدة في السوق: يا مقطوعة ممنوعة.

82 - ذكر المزاح عند خالد بن صفوان: يصك أحدكم قفا أخيه بأصلب من الجندل، وينشقه أحر من الخردل، ويفرع عليه أحر من المرجل، ثم يقول: أنا أمازحك.
83 - قال محمد بن أحمد الكاتب: سمعت بشر بن الحارث ينشد لبعض المحدثين: السريع
أقسم بالله لمص النوى ... وشرب ماء القلب المالحه
أعز للإنسان من حرصه ... ومن سؤال الأوجه الكالحه
فاستغن بالله تكن ذا غنى ... مغتبطاً بالصفقة الرابحه
اليأس عز والتقى سؤدد ... ورغبة النفس لها فاضحه
من كانت الدنيا به برة ... فإنها يوماً له ذابحه
84 - قال أبو سعيد، واسمه عبد الوهاب بن الحريش: حضر علي بن حمزة الكسائي وأبو حنيفة عند هارون الرشيد، فقال أبو حنيفة للكسائي: ما لك لا تنظر في الفقه؟ فقال له الكسائي: أنا أفقه منك، ثم قال له: ما تقول في رجل قال لامرأته: أنت طالق أن دخلت الدار؟ فقال أبو حنيفة: ما لم تدخل لم يحنث، فقال له الكسائي: أخطأت، أما سمعت قول الله تعالى " تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً أن دعوا للرحمن ولداً " مريم: 90 - 91: أن دعوا أو لم يدعوا فقد دخلت، وقد حنث يا أيا حنيفة، فقال هارون: أحسنت يا أبا الحسن.
85 - كتب إبراهيم بن العباس الصولي إلى صديق له: أنصف الله شوقي إليك من جفائك، وأخذ لبري من تقصيرك، لا سلط الدهر على حسن الظن بك، كما سلطه على لطيف محلي منك.
86 - لشاعر في تهنئة بمولود: الرجز
مد لك الله البقاء مداً ... حتى ترى نجلك هذا جداً
مؤزراً بمجده مردى ... ثم يفدى مثل ما تفدى
كأنه أنت إذا تبدى ... شمائلاً محمودة وقداً
87 - قال صاحب كليلة ودمنة: الدنيا كالماء الملح متى يزدد شار به منه رياً يزدد ظمأ وعطشاً.
88 - وقال أحمد بن المعذل لأخيه عبد الصمد: أنت كالإصبع الزائدة، إن تركت شانت، وإن قطعت آلمت.
89 - وقال صاحب كليلة ودمنة: الأدب يذهب عن العاقل السكر، ويزيد الأحمق سكراً، كالنهار يزيد البصير بصراً، ويزيد الخفاش سوء بصر.
90 - قيل لفيلسوف: لا تتكلم، فسكت، قيل له: لا تنظر، فغمض عينه، قيل له: لا تسمع، فسد أذنه، قيل له: لا تعلم، قال: لا أقدر على ذلك.
91 - قال الجماز: دخل مخنث الحمام فرأى رجلاً كبير الأير، كثير الشعر، فقال: انظروا إلى الخليفة في القطيفة! 92 - قيل لمخنث عليل، وكان يشرب لبن الأتان: كيف أصبحت؟ قال: لا تسل عمن أصبح أخا الحمار.
93 - وقال في كليلة ودمنة: صحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الشر، كالريح إذا مرت على النتن حملت نتناً، وإذا مرت على الطيب حملت طيباً.
94 - قيل لأعرابي: صف الزلزلة، فقال: كأنها فرس انتفض ثم راجع.
95 - قيل لرجل: صف لنا وليمة فلان، قال: كأنها زمن البرامكة في حسنها.
96 - قال صاحب كليلة: من نصح لمن لا يشكر له كان كمن ينثر بذره في السباخ، أو كمن أشار على معجب، أو كمن سار الأصم.
97 - وقال أيضاً: لا يخفى فضل ذي فضل وإن أخفاه بجهده، كالمسك الذي يخبأ ويستر ثم لا يمنع ذلك ريحه من التذكي.
98 - وذكر الجماز رجلاً فقال: كأن قيامه من عندنا سقوط جمرة من الشتاء.
99 - وقال صاحب كليلة أيضاً: من لا يقبل من نصحائه ما يثقل عليه مما ينصحون له فيه، لم يحمد غب أمره، وكان كالمريض الذي يترك ما يصف له الطبيب ويعمد لما يشتهي.
100 - قالت عجوز وقد رأت طلحة يوم الجمل: من هذا الذي كأن وجهه الدينار الهرقلي؟ قالوا: طلحة، قالت: فمن ذا الذي يتلمظ كأنه أرقم؟ قالوا: الزبير، قالت: فمن ذا الذي كسر ثم جبر؟ قالوا: علي بن أبي طالب.
101 - وقال صاحب كليلة: المودة بين الصالحين سريع اتصالها بطيء انقطاعها، والمودة بين الأشرار سريع انقطاعها بعيد اتصالها.
102 - تكلم وفد بين يدي سليمان بن عبد الملك فأخطأوا، وتكلم بعدهم رجل فأبلغ، فقال سليمان: كان كلامه بعد كلامهم سحابة لبدت عجاجة.
103 - وصف المعلى بن أيوب ابن الزيات فقال: كأنه لسان حية من ذكائه.
104 - وقال ابن الرومي الشاعر: شهر رمضان بين شعبان وشوال كمخشلبة بين درتين.
105 - قال أبو سلمان الطنبوري: شعبان درب لا ينفذ.
106 - وقال آخر: الصاحب كالرقعة في الثوب فالتمسه مشاكلاً.

107 - وقال صاحب كليلة: لا يرد بأس العدو القوي بمثل التذلل والخضوع، كما أن الحشيش يسلم من الريح العاصف بلينه لها وانثنائه معها.
108 - وقال أيضاً: ليس العدو بموثوق به وإن أظهر جميلاً، فإن الماء ولو أطيل إسخانه لم يمنعه ذلك من إطفاء النار إذا صب عليها.
109 - وصف ملاح لصاً دخل عليه فقال: كان طويلاً مثل الدقل، أسود مثل قير السفينة، فخذه مثل السكان.
110 - سمع المازني قرقرة في بطن رجل فقال: هذه ضرطة مضمرة.
111 - قال سعيد بن حميد: عمل السلطان كالحمام، من دخل فيه يريد الخروج، ومن هو خارج يريد الدخول.
112 - وقال صاحب كليلة: الدنيا كدودة القز التي لا يزداد الإبريسم عليها عقداً إلا ازدادت من الخروج بعداً.
113 - وصف رجل ابن حجية المغني فقال: كأنه خلق من كل قلب، فهو يغني كل إنسان ما يشتهي.
114 - وقال بعض الفلاسفة: العقل كالسيف والنظر كالمسن.
115 - وقال علي رضي الله عنه: الدنيا لين مسها، وفي حشاها السم الناقع.
116 - رأى من بدر رجلً كبير الأنف وفيه شعر كثير فقال: كأنما مليء أنفه شسوعاً.
117 - وقال: المرأة كالنعل يلبسها الرجل إذا شاء لا إذا شاءت.
118 - وقال ابن مسعود: ذاكر الله في الغافلين، كالمقاتل خلف الفارين.
119 - وقال ابن الرومي وقد نظر إلى غيم أبيض متقطع في السماء: كأنه قطن يندف على بطانة زرقاء.
120 - نظر مزبد إلى رجل مديني أسود ينيك غلاماً رومياً فقال: كأن أيره في أسته كراع عنز في صحفة أرز.
121 - وقال ابن الرومي في كلية الجدي: كأنها لوبياء.
122 - وقال أبو العيناء وكان عند رئيس يخفض كلامه: كأنك قد طفل بك في منزلك.
123 - قدم ابن مكرم إلى أبي علي البصير جنباً غير نضيج فقال أبو علي: هذه شريحة قصب لا جنب.
124 - نظر عبادة إلى جارية سوداء على رأسها وقاية حمراء فقال: كأنها فحمة في رأسها نار.
125 - ذكر أبو العيناء ولد موسى بن عيسى فقال: كأن أنوفهم قبور نصبت على غير القبلة.
126 - قال رجل لابن الزيات: إني أتوسل إليك بالجواز وأسألك العطف، فقال: أما الجواز فنسب بين الحيطان، وأما العطف والرقة فهما للنساء والصبيان.
127 - قيل لراهب: إن فلاناً رجع عن القراءة، فقال: دعوه فإنه لا يرجع إلى شيء أحلى من عبادة الله عز وجل.
128 - وقيل لراهب: أين الطريق؟ يسألونه الهداية، فأشار إلى السماء وقال: ها هنا.
129 - وقدم بعض الصوفية إلى المحراب ليصلي بالناس، فوقف ثم التفت يميناً وشمالاً وقال: استووا رحمكم الله، ثم خرج، فقيل له: ما هذا؟ فقال: إني استحييت من ربي أن آمركم بالاستواء، وأكون مقيماً على عوج.
130 - وقيل لأعرابية معها شاة تبيعها: بكم تبيعين هذه الشاة؟ قالت: بكذا، قيل لها: أحسني، فتركت الشاة؟ وانصرفت، فقيل لها: ما هذا؟ فقالت: لم تقولوا أنقصي وإنما قلتم أحسني، فالإحسان ترك الكل.
131 - قال الصادق جعفر بن محمد رضي الله عنهما: التقية ديني ودين آبائي.
132 - قال أعرابي: من الكلام ما هو كسلك النظام، ومنه ما هو كرجيع الطعام.
133 - قصد رجل من الشعراء باب زبيدة بنت جعفر بن المنصور ببيتين مدحها بهما وهما: الكامل المجزوء
أزبيدة ابنة جعفر ... طوبى لزائرك المثاب
تعطين من رجليك ما ... تعطي الأكف من الرغاب
فتبادر الشعراء والغلمان ليوقعوا به فقالت: كفوا عنه فإنه أراد خيراً فأخطأه، ومن أراد خيراً فأخطأه فهو خير ممن أراد شراً فأصاب.
143 - قال أبو عمرو بن العلاء: لا يزال الناس بخير ما اشتد ضرسهم وأيرهم.
135 - وقال حماد عجرد: إن كان الناس عصوا الله من حيث أراد فقد أطاعوه، وإن كانوا عصوه من حيث لم يرد فقد غلبوه.
136 - وأنشد حماد: البسيط
أرجوك بعد أبي العباس إذ بانا ... يا أكرم الناس أعراقاً وعيدانا
فأنت أكرم من يمشي على قدم ... وأنضر الناس عند المحل أغصانا
لو مج عود على قوم عصارته ... لمج عودك فينا المسك والبانا
137 - قال بعض الصوفية: إذا ألفت القلوب الإعراض عن الله جل اسمه عاقبها بالوقيعة في أولياء الله تعالى.
138 - قال منصور بن عمار: لا أبيع الحكمة إلا بحسن الاستماع، ولا آخذ عليها ثمناً إلا فهم القلوب.
139 - كاتب: قادهم الله بخزائم أنوفهم إلى مصارع حتوفهم.

140 - قال أبو العباس الصولي: ما تعملت لشيء من الكلام قط إلا في شيئين: فكان ما يحرزه يبرزه، وما يعقله يعتقله.
141 - قيل لابن سيابة: ما تقول في فلان؟ قال: فيه كياد مخنث، وحسد نائحة. وشره قوادة، وملق داية، وذل قابلة، وبخل كلب، وحرص نباش.
142 - نظر مديني إلى قوم يستسقون ومعهم صبيان فقال: ما هؤلاء؟ فقيل: نرجو بهم الإجابة، فقال: لو كان دعاؤهم مجاباً لما بقي في الأرض معلم.
143 - تقاضى ثابت بن عبيد الله بن أبي بكرة غريماً له بأربعين ألف درهم، فقال له الغريم: أدخلني دارك حتى أتوضأ، فأذن له، فخرج أبوه فقال له: ما لك؟ قال: حبسني ابنك، فخرج إليه فقال: أما وجدت لغرمائك محبساً إلا داري؟ هي علي، خل عنه.
144 - كان بهرام بن بهرام بن بهرام من ملوك فارس، والحارث بن الحارث بن الحارث من ملوك غسان، وحسن بن حسن بن حسن من الطالبيين، وأبو البختري وهب بن وهب بن وهب. وثلاثة سادوا فس نسق: المهلب بن أبي صفرة، وابنه يزيد، وابن يزيد مخلد وهو صبي.
145 - ويقال: كان أبو طالب عطاراً، وكان أبو بكر بزازاً، وكان عمر دلالاً يسعى بين البائع والمشتري، وكان عثمان بزازاً، وكذلك طلحة وعبد الرحمن بن عوف، وكان سعد بن أبي وقاص يبري النبل، وكان العوام أبو الزبير خياطاً، وكان عمرو بن العاص جزاراً، وكان الوليد بن المغيرة حداداً، وكذلك العاص بن هشام أخو أبي جهل وكان عقبة بن أبي معيط خماراً. وكان الخطاب بن نفيل مراقاً، وكان عثمان بن طلحة الذي دفع إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله مفتاح البيت خياطاً، وقيس بن مخرمة كذلك، وكان أبو سفيان بن حرب يبيع الزيت؛ والأدم، وكان عتبة بن أبي وقاص أخو سعد نجاراً، وكان أمية بن خلف يبيع البرام، وكان عبد الله بن جدعان نحاساً يبيع الجواري، وكان العاص بن وائل أبو عمرو بن العاص بيطاراً يعلاج الخيل، وكان النضر بن الحارث بن كلدة يضرب العود، وكان الحكم بن العاص خصاء يخصي الغنم، وكذلك حريث بن عمرو بن حريث، وكذلك قيس الفهري أبو الضحاك بن قيس، وكذلك سيرين أبو محمد بن سيرين، وكان مالك بن دينار وراقاً، وكان أبو حنيفة صاحب الرأي والقياس خزازاً، وكان المهلب بن أبي صفرة بستانياً، وكان مسلم أبو قتيبة جمالاً، وكان سفيان بن عيينة معلماً، وكذلك الضحاك بن مزاحم وعطاء بن أبي رباح، وكذلك الكميت بن زيد الشاعر، وكذلك عبد الحميد بن يحيى كاتب الرسائل، وكذلك الحجاج بن يوسف وأبوه وكذلك أبو عبيد الله كاتب الرسائل وأبو عبيد القاسم بن سلام والكسائي؛ هذه صناعات الأشراف سقتها على ما وجدتها.
146 - وأما أديان العرب فإن النصرانية كانت في ربيعة وغسان وبعض قضاعة؛ واليهودية كانت في حمير وبني كنانة وبني الحارث بن كعب وكندة؛ والمجوسية كانت في تميم، منهم زرارة ابن عدس وحاجب بن زرارة، والأقرع بن حابس؛ وكانت الزندقة في قريش، وكانت بنو حنيفة اتخذوا إلهاً من حيس فعبدوه دهراً ثم أصابتهم مجاعة فأكلوه فقال رجل من بني تميم: الخفيف
أكلت ربها حنيفة من جو ... ع قديم بها ومن إعواز
147 - ويقال: سميت النصارى لقرية يقال لها ناصرة، ويقال على معنى قول الله تعالى: " من أنصاري إلى الله " آل عمران: 52.
148 - وقال بعض الصوفية: وجدت على خاتم: من ألف مسامرة الأماني، بقي في مدرجة التواني.
149 - قال الصولي: كاتبت أبا خليفة فأغفلت التاريخ فكتب إلي: وصل كتابك مبهم الأوان، مظلم البيان، فأدى خبراً ما القرب فيه بأولى من البعد، فإذا كتبت - أعزك الله - فلتكن كتبك موسومة بالتاريخ لأعرف به أدنى آثارك، وأقرب أخبارك.
150 - وقال محمد بن عبد الملك: بالقلم تزف بنات العقول إلى خدور الكتب.
151 - وأنشد: الكامل المجزوء
دعني وإيا خالد ... فلأقطعن عرى نياطه
رجلي يعد لك الوعي ... د إذا جلست على بساطه
فإن انتظرت غداءه ... خفت البوادر من سماطه
انظر إلى غلوائه ... في نطقه وإلى احتلاطه
سألت أعرابياً؛ عن الاحتلاط - بالحاء غير معجمة فقال: هو الغضب، وأنشد هذا الشعر، وليس هذا بحجة، ولكن أفادنا لأن الكلام أشهر من ذلك.
152 - أنشدنا أبو سعيد في القار للعماني: مجزوء الرجز
أما ترون الأوجه السباطا ... والقار والألسنة السلاطا

إن الندى حيث ترى الضغاطا ... وحيث وافى الموكب السخاطا
ينبذن لي أن أطأ البساطا
153 - خطب الحجاج فقال: أيها الناس إنكم أغراض حمام، وفرضة هلكة، قد أنذركم القرآن، وصفر برحيلكم الجديدان، وإن لكم أجلاً لا تؤخر ساعته، ولا تدفع مقدمته، وكأن قد دلفت إليكم نازلته فنعق بكم، وحثكم حث مستقصى، فماذا عبأتم للرحيل؟ وماذا أعددتم للنزول؟ ومن لم يأخذ أهبة الحذر، نزل به سوء القدر. هذا قد تقدم.
154 - خطب الزبير فقال: عباد الله، دعوة واعظ وهدية ناصح، إن السبيل إلى الفوز والطريق إلى الخلد قد أوضحت معالمها، ولاحت آثارها، فلا أنتم بصروفها تتعظون، ولا من سيء أعمالكم تتنصلون، انظروا إلى من كان قبلكم متعوا فما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون، انهمكوا فهلكوا، وشردوا فأخذوا، فالعقر خراب والعمار يباب، فإلا تسلكوا سبيل الحذر، تطلبكم فجائع القدر، جعلنا الله وإياكم من الواعين لما يسمع، والمتعظين بما ينفع.
154ب - قال الجاحظ: فلو كان العمل شريك المقال، لكان القوم من الأبدال، ولكنهم بحلاوة ألفاظهم، وتنسيق كلامهم وحيلهم، وحسن تأتيهم في الأمور، ملكوا قلوب الرعية، هذا قاله في الملح.
155 - قال المغيرة بن شعبة: ما خدعني غير غلام من بني الحارث بن كعب، فإني ذكرت امراة منهم فقال: أيها الأمير، لا خير لك فيها، قلت: ولم؟ قال: رأيت رجلاً يقبلها.
156 - كان نصراني يختلف إلى الضحاك بن مزاحم فقال يوماً: ما زلت معجباً بالإسلام مذ عرفتك، قال: فما يمنعك منه. قال: حبي الخمر، قال: فأسلم واشربها، قال: فلما أسلم قال له الضحاك: إنك قد أسلمت، فإن شربت الخمر حددناك، وإن رجعت عن الإسلام قتلناك، فترك الخمر وحسن إسلامه.
157 - قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: ما ملك رفيقاً من لم يتجرع بغيظ ريقاً.
158 - كان لعبد الله بن مطيع غلام مولد، قد أدبه وخرجه وصيره قهرمانه، وكان قد أتاهم قوم من العدو في ناحية البحر. فرآه يوماً يبكي فقال: ما لك؟ قال: تمنيت أن أكون حراً فأخرج مع المسليمن، قال: أو تحب ذاك؟ قال: نعم، قال: فأنت حر لوجه الله فاخرج، قال: فإنه قد بدا لي أن لا أخرج، قال: خدعتني.
159 - اعتذر رجل إلى أعرابي فقال الأعرابي: سأتخطى ذنبك إلى عذرك، وإن كنت من أحدهما على يقين ومن الآخر على شك، ليتم المعروف مني إليك، وتقوم الحجة لي عليك.
160 - قالت الهند: السكران تعتريه أربعة أحوال: طاووسية، ثم سبعية، قردية، ثم خنزيرية.
161 - قال المفضل بن محمد الضبي: حضرت الرشيد يوماً، ومحمد عن يمينه والمأمون عن يساره والكسائي بين يديه وهو يطارحهما في معاني القرآن، فالتفت إلي الرشيد وقال: كم اسم في قوله " فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم " البقرة: 137 فقلت: ثلاثة أسماء يا أمير المؤمنين، أولها: اسم الله عز وجل، والثاني: اسم رسول صلى الله عليه وسلم، والكفار فالياء الأولى هي اسم الله تعالى، والكاف الثانية لرسول الله عليه السلام، والهاء والميم للكفار، فقال الرشيد: هكذا أجاب هذا الرجل، وأومأ إلى الكسائي، ثم التفت إلى محمد فقال: أفهمت؟ قال: نعم.
162 - كتب إسحاق بن إبراهيم الموصلي إلى إبراهيم بن المهدي: من كان كله لك، وقع كله عليك.

163 - دخل الحارث بن كلدة على كسرى أنوشروان، وهو طبيب العرب، فقال له كسرى: ما أصل الطب؟ قال: ضبط الشفتين والرفق باليدين، قال: أصبت، فما الداء الدوي؟ قال: إدخال الطعام على الطعام هو الذي أفنى البرية، وقتل السباع في البرية، قال: أصبت، فما الجمرة التي تلتهب منها الأدواء؟ قال: التخمة التي إن بقيت في الجوف قتلت، وإن تحللت أسقمت، قال: فما تقول في الحجامة؟ قال: في نقصان الهلال في يوم صحو لا غيم فيه والنفس طيبة والسرور حاضر، قال: فما تقول في الحمام؟ قال: لا تدخل الحمام وأنت شبعان، ولا تغش أهلك وأنت سكران، ولا تقم بالليل وأنت عريان، وارتفق بيمينك يكن أرخى لمقيلك؛ قال: فما تقول في شرب الدواء؟ قال: اجتنب الدواء ما لزمتك الصحة، فإذا أحسست من الداء بحركة فاحسمه بما يردعه قبل استحكامه، فإن البدن بمنزلة الأرض إن أصلحتها عمرت، وإن أفسدتها خربت، قال: فما تقول في الشراب؟ قال: أطيبه أهنوه، وأرقه أمرؤه، وأعذبه أشهاه، ولا تشربه صرفاً فيورثك صداعاً. ويثير عليك من الأدواء أنواعاً، قال: فأي اللحمان أحمد؟ قال: الضأن الفتي، واجتنبت أكل القديد والمالح والجزور والبقر، قال: فما تقول في الفاكهة؟ قال: كلها في إقبال دولتها، وخير أوانها، واتركها إذا أدبرت وانقضى زمانها، وأفضل الفاكهة الرمان والأترج، وأفضل البقول الهندبا والخس، قال: فما تقول في شرب الماء؟ قال: هو حياة البدن وبه قوامه، وشربه بعد النوم ضرر، وأقوى المياه مياه الأنهار، وأبرده أصفاه، قال: فما طعمه؟ قال: شيء لا يوصف، مشتق من الحياة، قال: فما لونه؟ قال: اشتبه على الأبصار لونه، لأنه على لون كل شيء، قال: فأخبرني عن اصل الإنسان، قال: أصله من حيث يشرب الماء، يعني رأسه، قال: فما هذا النور الذي تبصر به الأشياء؟ قال: العيون مركبة، فالبياض شحمه، والسواد ماؤه، والناظر ريح، قال: فعلى كم طبائع هذا البدن؟ قال: على أربع: على المرة السوداء وهي باردة شديدة يابسة، والمرة الصفراء وهي حارة يابسة، والدم وهو حار رطب، والبلغم وهو بارد رطب، قال: فلم لم يكن من طبيعة واحدة؟ قال: لو كان من طبيعة واحدة لم يأكل ولم يشرب ولم يمرض ولم يمت، قال: فمن طبيعتين؟ قال: كانتا تقتتلان، وكذلك لو كان من ثلاث، قال: فاذكر لي أفعال الطبائع في كلمة جامعة، قال: كل حلو حار، وكل حامض بارد، وكل حريف حار، وكل مر معتدل، وفي المر حار وبارد، قال: فما أفضل ما عولجت به المرة الصفراء؟ قال: البارد اللين، قال: فالسوداء؟ قال: الحار اللين، قال: فالرياح؟ قال: الحقن اللينة والأدهان الحارة، قال: أتأمر بالحقنة؟ قال: نعم، قرأت في بعض كتب الحكماء أن الحقنة تنقي الجوف وتكسح الأدواء، وعجبت لمن احتقن كيف يهرم أو يعدم الولد، والجهل كل الجهل أكل ما عرفت مضرته، قال: فما الحمية؟ قال: الاقتصاد في كل شيء، فإن تجاوز المقدار يضيق على الروح ساحتها، قال: فما تقول في إتيان النساء؟ قال: الإكثار مضر، وإياك والمولية منهن فإنها كالشن البالي، تسقم بدنك وتجدب قواك، ريقها سم قاتل، ونفسها موت عاجل، تأخذ منك ولا تعطيك، عليك بالشابة، ريقها عذب زلال، وعناقها غنج ودلال، تزيدك قوة ونشاطاً، قال: فأي النساء القلب إليها أنشط، والنفس بمباشرتها أغبط؟ قال: إذا أصبتها فلتكن مديدة القامة، عظيمة الهامة، واسعة الجبين، قنواء العرنين، كحلاء برجاء، صافية الخدين، عريضة الصدر، مليحة النحر، ناهدة الثديين، لطيفة الخصر والقدمين، بيضاء فرعاء، جعدة غضة بضة، تخالها في الظلماء بدراً، قد جمعت لك طيباً وعطراً، تبسم عن أقحوان زاهر، وإن تكشف عنها تكشف عن بيضة مكنونة، وإن تعانق تعانق ألين من الزبد، وأحلى من الشهد، وأبرد من الفرودس والخلد، وأذكى من الياسمين والورد، قال: فأي الأوقات الجماع أفضل؟ قال: عند إدبار الليل وقد غور، وعند إقبال الصبح وقد نور، فالبطن أخلى، والمتن أقوى، والنفس أشهى، والرحم أحلى، قال كسرى: لله درك من أعرابي أعطيت علماً، ووصله وقام إلى نسائه.
164 - قال ابن الأعرابي: إذا أردت أن يخرج ولدك ذكياً فأغضب أمه ثم واقعها، وانشد: الطويل
يجامعها غضبى فجاء مسهداً ... وأنفع أولاد الرجال المسهد

165 - قال أبو المعتمر: الناس ثلاثة أصناف: أغنياء وفقراء وأوساط؛ فالفقراء موتى إلا من أغناه الله بعز القناعة، والأغنياء سكارى إلا من عصمه الله بتوقع الغير، وأكثر الخير مع الأوساط، وأكثر الشر مع الأغنياء، والفقر يسخف الفقير، والغنى يبطر الغني.
166 - كان يقال: من أراد العلم والسخاء والجمال فليأت دار العباس، كان عبد الله أعلم الناس، وعبيد الله أسخى الناس، والفضل أجمل الناس.
176 - ضرب شرطي رجلاً فصاح الرجل: واعمراه! فرفع إلى المأمون فدعا به فقال: من أين أنت؟ فقال: من مآب، قال: أما إن عمر بن الخطاب كان يقول: من كان له جار نبطي واحتاج إلى ثمنه فليبعه، فإن كنت تطلب سيرة عمر رحمه الله فهذا حكمه؛ وأمر له بألف درهم.
168 - قال فيلسوف: إفراط العقل مضر بالجسد، وأنشد: السريع
إن المقادير إذا ساعدت ... ألقحت العاجز بالحازم
169 - وقال عمر رضي الله عنه: أشيعوا الكنى فإنها منبهة.
170 - وقع علي بن عيسى إلى ابن مرانة العطار في قصة يسأله أن يكلم أمير المؤمنين المقتدر بالله حتى يصفح عنه: من تحقق بالوزراء، وجالس الأمراء، وداس بسط الخلفاء، وماثل الكبراء، وأمر ونهى في مجالس الرؤساء، بعقل يسير، وفهم قصير، ورأي حقير، وأدب صغير، كان خليقاً بالنكبة، وحرياً بالمصيبة، وجديراً بالمحنة، وأنا أتكلم إذا حضرني الكلام فيك بما يقربني إلى الله تعالى.
171 - ووقع أيضاً إلى عامل بالثغر: قد كثرت منك الشكية، وعظمت فيك البلية، بفساد طويتك، ورداءة نيتك، وليس مثلك من يرتب لمعالي الأمور، ولا من يعتمد في صلاح الثغور، وقد وقفت من خبرك على الجلي منه، وعرفت حقيقة ما تناهى إلي عنه، فانصرف خسيس القدر، بت الله منك العمر.
172 - ووقع أيضاً: مثلك من باع العلو بالانحطاط، وجليل المرتبة بالإسقاط، وساريك عند الاحتياط، أنك بالخمول ذو اغتباط.
173 - ووقع أيضاً: وليتك من عملي جليلاً، وكنت حقيراً قليلاً، مهنياً ذليلاً، حصراً كليلاً، فانصرف عليك اللعن طويلاً.
174 - كان لعمران بن حطان زوجة جليلة جميلة، حسنة الخلق والخلق، وكان هو قصيراً دميماً سي الخلق، فقالت له ذات يوم: اعلم أني وإياك في الجنة، قال: كيف ذاك؟ قالت: لأنك أعطيت مثلي فشكرت، وابتليت بمثلك فصبرت، والصابر والشاكر في الجنة.
175 - قال بعض الأطباء: إذا أخذ الترمس والحنظل فطبخا بماء ثم نضح ذلك الماء على زرع لم يقربه الجراد.
176 - وقيل: النمل يهرب من دخان أصول الحنظل.
177 - ويقال: إذا زرع الخردل في نواحي زرع لم يقربه الدبا.
178 - ويقال: إذا أخذ الأفيون والشونيز والباذروج وقرن الأيل وباذهنج وظلف المعز، وخلط ذلك ودق وعجن بخل حاذق ثم قطع قطعاً ودخن بقطعة خرب الهوام والحيات والعقارب والنمل.
179 - قال بعض الأطباء: الغلام ينهر لسبع، ويحتلم لأربع عشرة، ويتم طوله لإحدى وعشرين، ويكمل عقله لثمان وعشرين، وما بعد تجارب.
180 - قيل لبعض السلف: ما شيء أوسع من الأرض؟ قال: الحق، قيل: فما شيء أثقل من السماء؟ قال: الأمانة والبهتان على البريء، قيل: فما شيء أغنى من البحر؟ قال: القانع، قيل: فما شيء أقسى من الحجر؟ قال: قلب الكافر، قيل: فما شيء أحر من النار؟ قال: شره الحريص، قيل: فما أبرد من الزمهرير؟ قال: اليأس، قيل: فما أضعف من اليتيم؟ قال: النمام.
181 - لما اعتقت عائشة جاريتها بريرة، وكان زوجها حبشياً واسمه مغيث، مشى خلفها ودموعه تسيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس: يا عم أما ترى حب مغيث بريرة فلو كلمناها أن تتزوجه؟ فدعاها فكلمها فقالت: يا رسول الله إن أمرتني فعلت، فقال: أما أمر فلا، ولكن أشفع، فأبت أن تتزوجه؛ حدثنا بهذا أبو حامد المروروذي.
182 - لدعبل الخزاعي: الكامل
أهلاً وسهلاً بالمشيب فإنه ... سمة العفيف وحلية المتحرج
ضيف أحل بك النهى فقريته ... رفض الغواية واقتصار المنهج
183 - قال أعرابي: الخير محضور الباب، والشر مهجور الجناب.
184 - وقال أبان بن تغلب: رأيت أعرابياً يعاتب ابناً له صغيراً ويذكره حقه عليه، فقال الصبي: يا أبة إن عظيم حقك علي لا يبطل صغير حقي عليك، والذي تمت به إلي أمت بمثله إليك، ولست أقول أنا سواء.

185 - دخل رجل فجاءة عل بعض الشاميين وبين يدي الشامي فراريج مشوية، فلما بصر بالداخل غطى الفراريج بذيله وأدخل رأسه في جربانه وقال للداخل: انتظرني على الباب حتى أفرغ من بخوري.
186 - قال بعض الأطباء: مما يذهب رائحة الشراب من الفم مضغ قرطاس، واستفاف دقيق الأرز، وأكل الجبن المشوي والكمون والقرنفل والدارصيني.
187 - قال بزرجمهر: أنعم تشكر، وأرهب تحذر، ولا تهزل فتحقر؛ فكتبها الملك على خاتمه.
188 - قال عيسى بن مريم عليه السلام لرجل: ما تصنع؟ قال: أتعبد، قال: فمن يعود عليك؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك.
189 - مر عمر رضي الله عنه بعامل من عماله وهو يبني بالآجر والجص فقال: تأبى الدراهم إلى أن تخرج أعناقها، وشاطره ماله.
190 - وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: خذ من شاربك حتى تبدو شفتاك، ومن ثوبك حتى يبدو عقباك.
191 - ولما بنى عمر بن عبد العزيز بفاطمة بنت عبد الملك أسرج تلك الليلة في مسارجه الغالية.
192 - قال عمر بن عبد العزيز لولده: العبوا فإن المروءة لا تكون إلا بعد اللعب.
193 - وأنشد: الطويل
فسري كإعلاني وتلك خليقتي ... وظلمة ليلي مثل ضوء نهاري
194 - قال ابن عباس: غضب العربي في رأسه، فإذا غضب لم يهدأ حتى يجرح بلسان أو يد، وغضب النبطي في استه، فإذا خرئ ذهب غضبه.
195 - قال فيلسوف: لو صور العقل لأظلمت معه الشمس، ولو صور الحمق لأضاء معه الليل.
196 - قيل ليحيى بن خالد: إنك لا تؤدب غلمانك، فقال: هم أمناؤنا على أنفسنا، فإذا أخفناهم كيف نأمنهم؟ 197 - قال عمر رضي الله عنه لغلام له يبيع الحلل: إذا كان الثوب عاجزاً فانشره وأنت جالس، وإذا كان واسعاً فانشره وأنت قائم، فقال أبو موسى: الله يا عمر، فقال: إنما هو سوق.
198 - وكان عبد الله بن عمر يقول: إلى الله أشكو حمدي ما لا آتي، وذمي ما لا أترك.
199 - كان بعض السلف يقول: ذو المروءة يكرم وإن كان معدماً كالأسد يهاب إن كان رابضاً، والسخيف يهان وإن كان موسراً، كالكلب يخسأ وإن حلي طوقاً.
200 - وأنشد: الطويل
سأعمل نص العيس حتى يكفني ... غنى المال مني أو غنى الحدثان
فللموت خير من حياة يرى لها ... على الحر بالإقلال وسم هوان
متى يتكلم يلغ حسن كلامه ... وإن لم يقل قالوا عديم بيان
كأن الغنى في أهله بورك الغنى ... بغير لسان ناطق بلسان
201 - قال رجل لروح بن حاتم: لقد طال وقوفك في الشمس، فقال: نعم، ليطول مقامي في الظل.
202 - شاعر: الطويل
تقول سليمى لو أقمت بأرضنا ... ولم تدر أني للمقام أطوف
203 - قيل لمديني: ما عندك من آلة الحج؟ قال: التلبية.
204 - قيل لمديني: يمكنك أن تحج، قال: ليت أمكنني القيام أو المقام.
205 - وأنشد الوافر
أظن الدهر قد آلى فبرا ... بأن لا يكسب الأموال حراً
لقد قعد الزمان بكل حر ... ونقض من عراه المستمرا
ومن جعل الظلام له قعوداً ... أصاب به الدجى خيراً وشرا
206 - قيل لمديني: ما عندك من آلة العصيدة؟ قال: الماء.
207 - يقال: الفاضل يحب أن لا يرى إلا مع الملوك مكرماً، ومع النساك متبتلاً.
208 - يقال: ذو الهمة وإن حط نفسه تأبى إلا علواً كالشعلة تصان وهي تعلو.
209 - يقال: ما العز إلا ما تحت ثوب الكد، وأنشد الكامل
العز في دعة النفوس ولا أرى ... عز المعيشة دون أن تسعى لها
210 - قيل: من أراد الراحة فيلقنع، ومن أراد الذكر فليجهد.
211 - قال بعض السلف: الأيدي ثلاث، يد بيضاء وهي الابتداء بالمعروف، يد خضراء وهي المكافأة، ويد سوداء وهي المن.
212 - يقال: إن البكاء يحدث من الخوف، والحزن، والفرح والجزع، والفزع، والوجع، والعشق.
123 - قال بعض السلف: ما طابت رائحة الإنسان إلا قل همه، ولا نقيت ثيابه إلا قل غمه.
214 - وقع علي بن عيسى إلى هشام العامل: قلتك في نفسك، وزري منظرك، ودقة حسبك، وخمول نسبك، وسقوط أدبك، وموهن قوتك، واختلال مروءتك، وضعف نيتك، يمنع من تقويمك والانتصاف منك ويحجب من تناولك بالعقوبة فقد نجاك لؤمك وأطلقتك. مقاذيرك، فأنت كما قال الشاعر: المتقارب
نجا بك لؤمك منجى الذباب ... حمته مقاذيره أن ينالا

ولست أرضاك لي عبداً، ولو كنته لرايتك عتقك؛ احتقاراً لقدرتك، واستصغاراً لأمرك.
215 - وأنشد: الطويل
ظننت بكم ظنا فقصر دونه ... فيا رب مظنون به الخير يخلف
إذا المرء لم يحببك إلا تكرها ... فدعه ولا يكثر عليه التلهف
فما كل من تهوى يحبك قلبه ... ولا كل من عاشرته لك منصف
فما الناس بالناس الذين عهدتهم ... ولا الدار بالدار التي كنت تألف
216 - قول الحنف: السؤدد مع السواد، يكون له وجهان: أحدهما السؤدد يكون مع سواد الشعر والحداثة، والثاني يكون السؤدد مع العامة أي يقعدون ذلك الرجل.
217 - قال أبو اليقظان: ولى الحجاج القاسم بن محمد بن الحكم الثقفي فارس، فقاتل الأكراد بها وهم يومئذ عدد كثير فأبادهم واستأصل شأفتهم، وولاه السند ففتحها، وقاد الجيوش وهو ابن سبع عشرة سنة، وفيه يقول الشاعر: الكامل
إن السماحة والمروءة والحجى ... لمحمد بن القاسم بن محمد
قاد الجيوش لسبع عشرة حجة ... يا قرب سؤدد مشهد من مولد
وهو الذي جعل الشيراز معسكراً.
وولي معاذ اليمن وهو ابن نيف وعشرين سنة، وولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله عتاب بن أسيد لثمان عشرة سنة، وحمل أبو مسلم أمر الدعوة هو ابن إحدى وعشرين سنة، وسودت قريش أبا جهل ولم يطر شاربه، وأدخلته مع الكهول دار الندوة.
218 - قال جعفر بن محمد رضي الله عنهما: من استغنى بالله أحوج الله الناس إليه.
219 - قال: وكان على فص ذي اليمينين: وضع الخد للحق عز؛ وكان على خاتم حاتم: جد تسد؛ وكان على خاتم سابور: الصبر درك.
220 - راودت أعرابية شيخاً عن نفسه، فلما دنا منها أبطأ فأعجلته، فقال: يا هذه، أنت تفتحين بيتاً وأنا أنشر ميتاً.
221 - قال أعرابي: أحسن الأحوال حال يغبطك بها من دونك، ولا يحقرك معها من فوقك.
222 - قال أبو بكر بن عياش: رأيت زيد بن علي رضي الله عنهما مصلوباً زمان هشام بن عبد الملك، وكان خميص البطن، وصلب عريان فنزلت سرته فغطت عورته.
223 - قال ثعلب كان العرب تسمي الأحد أول، والأثنين أهون، والثلاثاء جباراً والأربعاء دباراً، والخميس مؤنساً، الجمعة عروبة، والسبت شياراً، وأنشد: الوافر
أؤمل أن أعيش وأن يومي ... بأول أو بأهون أو جبارا
أو التالي دبار فإن أفته ... فمؤنس أو عروبة أو شيارا
224 - قال ابن الأنباري: قال لي أبي، قال أحمد بن عبيد المدائني: معنى قوله صلى الله عليه وسلم إن من الشعر لحكماً وإن من البيان لسحراً، وإن من القول لعياً، إن من العلم لجهلاً، قال: قوله إن من الشعر لحكماً يريد المواعظ، وإن من البيان لسحراً هو أن يكون ألحن بحجته من الآخر فيسحر من يسمعه حتى يرى أن الحق له، وإن من القول لعياً أن تعرض علمك على من لايريده، إن من العلم لجهلاً هو أن يضم العالم إلى علمه ما لا يعلمه فيجهله ذلك.
225 - قال منصور بن عمار لأهل مجلسه: ما أرى إساءة تكثر على عفو الله، فلا تيأس، وربما آخذ الله على الصغيرة فلا تأمن، وبعد فقد علمت أنك بطول عفو الله عنك عمرت مجالس الاغترار به، ورضيت لنفسك المقام على سخطه، ولو كنت تعاقب نفسك بقدر تجاوزه عن سيئاتك ما استمر بك لجاج فيما نهبت عنه، ولا قصرت دون المبالغة، ولكنك رهين غفلة، وأسير حيرة.
226 - وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله لرجل: بادر بخمس قبل خمس: شاببك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، غناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك.
227 - مر شيخ على غلام من الأعراب فقال: يا عماه، قد قصر قيدك، فقال: يا ابن أخي، أما إن الذي قصر قيدي تركته يفتل لك القيد.
228 - سمع سعيد بن المسيب رجلاً يقول: أين الراغبون في الآخرة؟ فقال له سعيد: اقلب مسألتك، وضع يدك حيث شئت.
229 - قال الزهري: كان يقال: بنو أمية دن خل أخرج الله منه زق عسل، يعني عمر بن عبد العزيز رحمه الله.
230 - استوصف كوفي بصرياً الحسن فقال: فيه بهاء الملوك، وخشوع العابدين.
231 - قال ابن سلام عندما توفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو مسجى: رحمك الله يا عمر إن كنت لعفيف الطرف، نقي الظرف، طيب العرف.

232 - قيل للشعبي: كيف بت البارحة؟ فطوى كساءة في الأرض ثم نام عليه وتوسد يده وقال: هكذا بت.
233 - جاء هانئ بن قبيصة بنت النعمان وهي تبكي فقال لها: مالك، لعل بعضنا آذاك؟ قالت: لا، ولكني رأيت دارك ملئت غضارة، وقل دار ملئت حبوراً إلا ملئت ثبوراً.
234 - قال عمر بن عبد العزيز: لو جاءت كل أمة بجناتها، وجئنا بالحجاج بن يوسف لغلبناها.
235 - قيل للشعبي: أكان الحجاج مؤمناً؟ قال: نعم بالطاغوت، كافراً بالله.
236 - وقيل للأحنف: إنك لتغشى سدد السلطان فتقعد ناحية، قال: أبعد فأقرب، أحب إلي من أن أقرب فأبعد.
237 - كان عمر بن عبد العزيز إذا جلس للقضاء قرأ " أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " الشعراء: 205 - 206، وينشد الطويل
يغر بما يبلى ويشغل بالمنى ... كما غر باللذات في النوم حالم
نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... وليلك نوم والردى لك لازم
وسعيك فيما سوف تكره غبه ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم
238 - قال الربيع بن خثيم: قولوا خيراً واعملوا خيراً.
239 - قال الأصمعي: حدثنا ابن عمير النمري قال: دخلت أعرابية على عبيد الله بن أبي بكرة بالبصرة فوقفت بين السماطين فقالت: أصلح الله الأمير وأمتع به، حدرتنا إليك سنة اشتد بلاؤها، وانكشف غطاؤها، فجئتك أقود صبية صغاراً وأخرى كباراً، تخفضنا خافضة وترفعنا رافعة، وغشيتني ملمات برين عظمي، وأذهبن لحمي، وتركنني بالحضيض، قد ضاق بي البلد العريض، وسألت في أحياء العرب، من المرتجى المعطي سائله؟ فدللت عليك أصلحك الله؛ وأنا امرأة من هوازن، قد مات الوالد، وغاب الرافد، وأنت بعد الله رجائي ومتهى أملي، افعل بي إحدى ثلاث: إما أن تردني إلى بلدي، أو تحسن صفدي، أو تقيم أودي، فقال: بل اجمعهن لك وحياً؛ فلم يزل يجزي عليها كما يجري على عياله حتى مات.
240 - قال الأصمعي: حدثني بعض العتابيين قال: كتب كلثوم بن عمرو العتابي إلى رجل في حاجة: بسم الله الرحمن الرحيم، أطال الله بقاءك، وجعله يمتد بك إلى رضوانه والجنة، أما بعد فإنك كنا عندنا روضة من رياض الكرم، تبتهج النفوس بها، وتستريح القلوب إليها، وكنا نيعفها من النجعة إجلالاً لزهرتها، وشفقة على خضرتها، وادخاراً لثمرتها، حتى مرت بنا في سفرتنا هذه سنة كانت من سني يوسف، اشتد علينا كلبها، وأخلفت غيومها، وكذبتنا بروقها، وفقدنا صالح الإخوان فيها، وانتجعتك وأنا بانتجاعي إياك شديد الشفقة عليك، مع علمي بأنك نعم وضع الزاد، وأنك تغطي أعين الساد، والله يعلم أني لا أعتد بك إلا في حومة الأهل، واعلم أن الكريم إذا استحيا من إعطاء القليل، ولم يحضره الكثير، لم يعرف جوده، ولم تعل همته، وأنا أقول في ذلك: البسيط
ظل اليسار على العباس ممدود ... وقلبه أبداً بالنيل معقود
إن الكريم يخفي عنك عسرته ... حتى تراه غنياً وهو مجهود
وللبخيل على أمواله علل ... زرق العيون عليها أوجه سود
إذا تكرمت أن تعطي القليل ولم ... تقدر على سعة لم يظهر الجود
بث النوال ولا تمنعك قلته ... فكل ما سد فقراً فهو محمود
فشاطره ماله حتى بعث إليه قيمة نصف خاتمه، وأعطاه فرد نعله.
240ب - قال أهل اللغة: معنى شاطره ناصفه، أي بعث إليه بشطر ماله، يقال: لك شطر هذا المال أي نصفه؛ فأما قول الله تالى " فول وجهك شطر المسجد الحرام البقرة 149 أي نحوه؛ يقال: الشاطر البعيد، فأما الشطارة في كلام العامة فمردودة عند العلماء، وقيل: إن ذلك إنما قيل لأن الشطارة كالبعيد مما عليه الجمهور؛ وأما قول العامة: شطور الثوب فغير مرضي.
241 - قال أبو عمرو: الزنيم: الدعي، والمقلات من النساء: التي لا يعيش لها ولد؛ ولا أعرف أبا عمرو هذا، ولله الشيباني صاحب كتاب الجيم.
242 - وانشد الشاعر: الخفيف
عذلوني على الحماقة جهلاً ... وهي من عقلهم ألذ وأحلى
لو رأوا ما لقيت من حرفة العق ... ل لطاروا إلى الحماقة رسلا
حمقي قائم بقوت عيالي ... ويموتون إن تعاقلت هزلا

243 - يقال ما النشر، وما الحشر، وما الجشر، وما العشر، وما القشر، وما الكشر، وما المشر، وما الوشر.
244 - ويقال في فن آخر: ما الأوب، وما الثوب، وما الجوب، وما الحوب، وما الذوب، وما الروب أيضاً، وما الشوب، وما الصوب، وما اللوب، وما النوب.
245 - ويقال في فن آخر: ما الدس، وما البس، وما الحس، وما الرس، وما العس، وما القس، وما اللس، وما النس.
246 - ويقال في فن آخر: ما الشائف، وما الخائف، وما الزائف، وما السائف، وما الصائف، وما الضائف، وما العائف، وما القائف، وما الرائف، وما النائف، وما الطائف، وما الآيف، وما الحائف.
وجواب كل واحد من هذه الكلمات يمر بك بعد أوراق على انتظام واتساق إن شاء الله.
247 - قال الأصمعي، قيل لأعرابي من بني كلاب: كيف تأكل الرأس؟ قال: أفك لحييه، وألخص عينيه - هذا قوله باللام وقال غيره بالباء، وله وجه - وأعرك أذنيه، وأسحي خديه، وأرمي بالدماغ إلى من هو أحوج مني إليه؛ فقيل له: إنك لأحمق من ربع، قال: وما حمق الربع؟ فوالله إنه ليجتنب العدوى، ويتبع المرعى، ويراوح بين الأطباء، فما حمق ربع يا هؤلاء؟ 247ب - وقد رأيت ابن هلال الخوزي يقرأ: ويرواج بين الأطباء، يريد جمع طبيب، فضحك به، وكان ضحكة، يقال: هو ضحكة إذا ضحك به، وضحكة إذا كان كثير الضحك، وبابه مطرد في نظائره.
247ج - وهذا الخوزي يدعي كل شيء وهو لا يقوم بشيء؛ وكان ابن هلال الخوزي وفد على قابوس صاحب جرجان، فقال في كلام دار بينهما: فهزم أعداء الله، وكسر، فزوى قابوس وجهه، وكان أمر له بأربعة آلاف درهم ولآخر بألفي درهم، فقال لحاجبه: اجعل ما لهذا لصاحب الألفين واجعل الألفين لهذا، ووالله ما يستحق هذا المقدار أيضاً، وأظن أن موفده أراد أمراً.
وهذا الانتباه ولمعرفة محمودان من كل رئيس جليل، وأمير خطير، وإنما استنكر ذلك في هذا الزمان لخلوه من أهل الأدب، وتنكره لمن تتبع الصواب وأنف من الخطأ.
248 - وأنشد: المتقارب
دع الدهر يجري بمقداره ... ويقضي عجائب أوطاره
ونم نومة عن ولاة الأمور ... وثق بالزمان وأدواره
لعلك ترحم من قد غبطت ... وتعجب من سوء آثاره
249 - اجتمع شريك بن عبد الله ويحيى بن عبد الله بن الحسن البصري في دار الرشيد فقال يحيى لشريك: ما تقول في النبيذ؟ قال: حلال، قال: شربه خير أم تركه؟ قال: بل شربه، قال: فقليله خير أم كثيره؟ قال: بل قليله، قال: ما رأيت خيراً قط إلا والازدياد منه خير إلا خيرك هذا، فإن قليله خير من كثيره. رواه لنا أبو حامد القاضي، وكان يقول: جمعت هذه الحكاية الملاحة والحجة.
250 - قال رجل لامرأة رآها على طريق: إلى أين الغزالة:؟ قالت: إلى مغزلها يا قليل المعرفة بأصحابك، فخجل الرجل.
251 - قال بنان الطفيلي: الجوذاب صاروج المعدة، اشرب عليه ما شئت.
252 - وقيل لطفيلي: لم أنت حائل اللون؟ قال: للفترة بين القصعتين، مخافة أن يكون قد فني الطعام.
253 - قال سحيم بن حفص: رأى إياس بن قتادة العبشمي شيبة في لحيته فقال: أرى الموت يطلبني، وأراني لا أفوته، أعوذ بك من فجاءة الأمور؛ يا بني سعد، قدو وهبت لكم شبابي فهبوا إلي شيبي، ولزم بيته، فقال له أهله: تموت هزلاً، قال: لأن أموت هزلاً مؤمناً أحب إلي من أن أموت فاسقاً سميناً. قال الحسن لما بلغه كلامه: علم والله أن القبر يأكل اللحم والشحم والجسم، ولا يأكل الإيمان.
254 - قال ابن أبي المدور، سمعت سعيد بن حميد يقول لما تشعث بينه وبين فضل: أصبحت والله من أمور فضل في غرور، أخادع نفسي بتكذيب العيان، وأمنيها ما قد حيل دونها ودونه، والله إن استرسالي إليها بعد ما بان لي مها لذل، وإن عدو لي عنها وفي الأمر شبهة لعجز، وإن صبري عنها لمن دواعي التلف.
255 - لمتيم جارية ابن هشام: السريع
يا منزلاً لم تبل أطلاله ... حاشا لأطلالك أن تبلى
لم أبك أطلالك لكنني ... بكيت عيشي فيك إذ ولى
والعيش أولى ما بكاه الفتى ... لا بد للمحزون أن يسلى
256 - لمحمد بن عبد الملك بن صالح الهاشمي: الكامل
وكتيبة كالليل بل هي أظلم ... فيها شعار بني النزال تقدموا
تذر الإكام صفاصفاً مسلوكة ... والبحر رنقاً ماؤه يتقسم

ولها يمين لا تشل بنانها ... ولها شمال صوب درتها الدم
نهنهت أولاها بضرب صادق ... هبر كما عط الرداء المعلم
وعلي سابغة الذيول كأنها ... سلخ كسانيه الشجاع الأرقم
257 - سمعت القاضي أبا حامد يقول: اجتمعت الحرورية في مكان يقال له حروراء، وإليه نسبوا وبه سموا، وكانوا زهاء ستة آلاف، فوقف عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: ما نقمتم علي؟ قالوا: نقمنا عليك ثلاثاً، قال: ما هن؟ قالوا: أنك قاتلت ولم تغنم ولم تسب، فإن كانوا مسلمين فما حل قتالهم ولا سبيهم، وإن كانوا كفاراً فقد حل قتالهم وسبيهم، فقال: هذه واحدة، قالوا: وحكمت الرجال في دين الله، قال الله " إن الحكم إلا لله " الأنعام: 57، قال: ثنتان، قالوا: ومحوت نفسك من إمرة المؤمنين، فإن لم تكن أمير المؤمنين فأنت أمير الكافرين؛ قال: هذه ثلاث. فأقبل عليهم وقال: أرأيتم إن أتاكم من كتاب الله وسنة نبيه ما يرد قولكم أترجعون؟ قالوا: نعم، قال: أترون أن تسبوا أمكم عائشة عليها السلام وتستحلون منها ما تستحلون من غيرها؟ فإن قلتم: نعم، كفرتم، وإن قلتم: ليست أمنا، كفرتم، قال الله عز وجل " وأزواجه أمهاتهم " الأحزاب: 6. وأما قولكم حكمتم الرجال في دين الله فإن الله عز وجل حكم الرجال في أرنب يقتله محرم فقال " يحكم به ذوا عدل منكم " المائدة: 95، ولو شاء لحكم ولكن جعل حكمه إلى الرجال، وقال في بضع امرأة: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثا حكماً من أهله وحكماً من أهلها " النساء: 35. وأما قولكم محوت نفسك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم صالح أهل الحديبية قال لي: اكتب يا علي: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، فقال له سهيل بن عمرو: لو علمنا أنك رسول الله فما قاتلناك، قال: فا تريدون؟ قال: اكتب اسمك واسم أبيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب يا علي: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، وامح رسول الله، ولم يكن محو رسول الله من الكتاب محواً لنبوة، وكذلك ليس اقتصاري على اسمي دون أمير المؤمنين مضيعاً حقاً ولا موجباً لي باطلاً. قال: فرجع ناس كثير منهم معه وعرفوا الحق وأذعنوا له.
وقال لنا غير أبي حامد: إن علياً لم يمح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمره، حمية للدين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرني موضعه في الكتاب، فأراه، فمحاه.
258 - قال ثعلب: أضاق أبو العالية الشامي فجعل بنو سعد بن مسلم مالاً بينهم ودفعوه إليه فقال: أنتم كما قيل في أهليكم: الطويل
وفي آل منظور بن زبان فتية ... يرون بناء المجد سهلاً صعابها
إذا ما ارتقوا في سلم المجد أصعدوا ... بأقدام عز لا تزل كعابها
259 - قال الأصمعي: لما ولي مروان بن محمد الخلافة أرسل إلى ابن رغبان الذي نسب إليه بعد ذلك مسجد ابن رغبان ليوليه القضاء، فرأى له سجادة مثل ركبة البعير فقال: يا هذا إن كان ما بك من عادة فما يحل لنا أن نشغلك، وإن كان رياء فما يحل لنا أن نوليك.
260 - وأنشد: الوافر
أرى الأيام في صور الأعادي ... تعاندني فتسرف في عنادي
كأن الدهر يطلبني بذحل ... وثأري عنده ثأر الأعادي
يرى هممي فيبعث لي شجوناً ... يفل بها يدي عن الأيادي
ولو عدل الزمان على كريم ... لما أدت يداي ولا زنادي
261 - أشرف قوم في سفينة في بحر على الهلاك فاخذوا يدعون الله بالنجاة، فقالوا لرجل: لم لا تدعو أنت؟ فقال: هو مني إلى هنا هنا - وأشار بيده إلى أنفه - وإن تكلمت غرقتم.
262 - قيل لأبي الحارث جمين: ما تقول في الفلوذج؛ قال: لوددت أنه وملك الموت اعتلجا في صدري، والله لو أن موسى لقي فرعون بفالوذجة لآمن، ولكنه لقيه بالعصا.
263 - قال أبو نواس: لما أنشدت الفضل بن يحيى فصيدتي فبلغت قولي: الطويل
سأشكو إلى الفضل بن يحيى بن خالد ... هواك لعل الفضل يجمع بيننا
فقال: ما زدت على أن جعلتني قواداً، فقلت له: إنه جمع تفضل لا جمع توصل.
264 - تخطى فتى هاشمي رقاب الناس عند ابن أبي دواد فقال له: إن الأدب ميراث الأشراف، ولست أرى عندك لسلفك أثراً.

265 - حبس المأمون رجلاً ثم أطلقه، فتصدى له فقال له: من أنت؟ فقال: غذي نعمتك وحبيس نقمتك يا أمير المؤمنين، فقال: أحسنت.
266 - ودخل رجل على ابن طاهر فهذر، فقال له عبد الله: إما أقللت فضولك وإما أقللت دخولك.
267 - قالت ابنة عبد الله بن مطيع لزوجها طلحة: ما رأيت أحداً ألأم من أصحابك: إذا أيسرت أبرموك، وإذا أعسرت تركوك، فقال: يا هذه، هذا من كرمهم، يأتونا في حال القوة منا عليهم، ويفارقونا في حال الضعف منا عنهم.
268 - أهدى رجل إلى ملك هدية فأظهر الغم بها، فقال له له جلساؤه في ذلك فقال: وكيف لا أغتم وهي لا تخلو أن تكون من مبتدئ أتقلد له يداً، أو من رجل قلدته نعمة فأكون قد أخذت منه على نعمتي جزاء؟! 269 - وأنشد الخفيف
وبدا النجم في السماء سحيراً ... مستقلاً كأنه عنقود
وتدلت بنات نعش فعادت ... مثل نعش عليه ثوب جديد
وكأن الجوزاء لما استقلت ... وتولت سرادق ممدود
وكأن النجوم في فحمة اللي ... ل قناديل بينهن الوقود
270 - وقال الخليل: الدنيا أمد والآخرة أبد، فقال له رجل: زدني، فقال: والباطل عند والحق جدد، فقال: زدني، فقال: والعقل عدد والجهل بدد، فسكت الرجل، فقال الخليل: لو استزادني لزدته.
271 - قيل لرجل انصرف من عند أمير: ما ولاك؟ قال: ولاني سمعه، وأعطاني منعه، وحماني نفعه.
272 - قصد رجل طلحة الطلحات بسجستان واستأذن حاجبه عليه، فقال له: بم تمت؟ فقال: لي عند الأمير يد، فقال: خبرني أرفع إليه، فقال: لا أقول إلا له، فدخل وعرف مكانه فأذن له، فمثل بين يدي طلحة فقال: ما هذه اليد التي لك عندنا؟ قال: كنت مع الأمير يوماً جالساً فأماط عن لحيتي أذى، فقال: هذه يدي لا يدك، قال: صدقت أيها الأمير، ولكن جئت لتربها، قال: حباً وكرامة.
نعود إلى الكلام في تلك الألفاظ المتقدمة فقد تباعدنا عنها، وإن استننا على العادة نسينا الرجوع إليها: 273 - أما النشر فمصدر نشر الثوب ينشره نشراً، والنشر أيضاً من نشر الخشبة على من قال منشار، والنشر أيضاً ريح الرجل، وفم الجارية، يقال: هي طية النشر. والنشر علة تعتري الإبل من أكل الأعشاب التي لا تنجع فيها. الأعشاب - بفتح الهمزة - جمع عشب، فأما الإعشاب - بالكسر - فمصدر أعشب البلد، ويقال أيضاً: بل عاشب كما يقال معشب، واعشوشب الجبل. وأما النشر - بفتح الشين - فاسم جماعة منتشرة، ويقال: أنشر الله الموتى فنشروا - بفتح النون - ؛ قال الله عز وجل " ثم إذا شاء أنشره " عبس: 22. ويقال انتشر الحبل، وكذلك الرأي، وكذلك الرجل إذا أمنى، ويقال أيضاً: منى، وقد قرئ " أفرأيتم ما تمنون " الواقعة: 58 بفتح التاء، هكذا قال يونس، وهو سيد العلماء ومقدم في الثقة. وأما النشارة فهي التي تتساقط من الشجرة إذا نشرت بالمنشار؛ والمنشور في كلام الكتاب استعارة، إذا كتبوا أمراً في كتاب وجعلوه حجة أو تذكرة أو طلاقاً.
وأما الحشر فمصدر حشرت القوم، وفي القرآن " والطير محشورة " ص: 19، والحشر في القيامة اجتماع الخلائق في الصعيد للحساب والعرض، وقانا الله شر ذلك اليوم.
وأما الجشر، جشر الصبح إذا تبدت تباشيره، والجاشرية شرب السحر، وهو غير الصبوح والغبوق، يقال أنا صبحان وأنا غبقان، ولم يسمع من الحرف الأخير. والجشر أيضاً إرسال الدواب في المروج والثواء معها.
وأما العشر، إن شئت كان مصدر عشرت القوم إذا صرت عاشرهم، وإن شئت كان مصدر عشرت ماله إذا أخذت عشر ماله، وإن شئت كان عقداً في العدد المؤنث، ومنه قوله عز وجل " وأتممناها بعشر " الأعراف: 142.

وأما القشر فقشطك الشيء وهو أخذك عاليته وصفحته وجلدته، والقشار شيء تسجر به الحمامات، وهو مصدر قشرت العود والشجرة إذا لحوتها، وذاك إذا أخذت لحاءها، ونحتها قشرتها، وكأن النحيت هو المنحوت أي ما استخلص لبه وشد نجبه، وكذلك المنتجب، ويقال: هو نجيب العود، ولا تقس عليه إلا مسموعاً؛ ويقال: حنوت العود وحنيته، ويقال: فلان محني الضلوع على العصا، ولو قيل محنو كان كلاماً سمجاً، ولم يقولوا: دعيت الله وشكيت الرجل، وإنما هذا من لفف العامة، ولكنه كلام من لم يلبس لباس الأدب، ولم يذهب لسانه بالصواب ورضي أن يكون شريك غيره بالجسم وإن باينه في المعنى، وهذا من الإهمال والفسولة وضيق العطن وسوء العادة، نعوذ بالله من الحرمان.
وأما الكشر فهو من قولك: كشر فلان إذا أبدى أسنانه تريد أج يضحك، وفلان يكاشر فلاناً إذا دمجه أي داهنه، ومعنى المداهنة أن يداهن هذا بهذا وهذا هذا، وهو استعارة ولكنه داثر خلق؛ ويقال في مجاز كلام الكتاب وعن العرب: شمرت الحرب عن ساقها وكشرت عن نواجذها، وهي جمع ناجذ وهو سن الحلم، والحلم ها هنا العقل كما في قوله عز وجل " أم تأمرهم أحلامهم بهذا " الطور: 32.
وأما المشر: يقال مشرت الشجرة. وأما الوشر فمصدر وشرت الخشبة، ويقال أيضاً: وشرت الجارية أسنانها إذا حددتها وبيضتها ونقت فروجها التي هي عمورها.
274 - وأما الأوب فمصدر آب يؤوب إذا رجع، أبني الهم إذا أتاني ليلاً، والأوب هو الإياب وهو الرجوع، ويقال جماعة أيب أيضاً؛ وأما الثوب فمعروف وهو من باب يثوب إذا رجع، ويقال في المفيق من غشية أو سكرة: قد ثابت نفسه إليه وقد ثاب عقله، قال كاتب: قد يذنب المرء ثم يتوب، ويعزب عقله ثم يثوب، ويثوب المؤذن أيضاً، وهو رجوعه إلى ما قاله، وذلك هو إعادته، الثواب ما يرجع على الإنسان من أجل عمله الصالح، وهو الجزاء على العمل، لكنه مخصوص الطائعين، فأما العصاة فلا ثواب لهم إنما لهم العقاب، وهو ما تعقب أعمالهم السيئة، جعلنا الله من أهل ثوابه بمنه ورحمته.
وأما الجوب فالترس، وهو أيضاً مصدر قولك جاب يجوب، ومنه قول الله عز وجل " وثمود الذين جابوا الصخر بالواد " الفجر: 9 وجبت القميص: قطعت موضع جيبه، وللجيب معنى غير الجوب ليقع الفرق بين المعنيين، ويقال الجواب إنما هو من ذلك لأنه قطع المسألة للسائل؛ وأما أجيبت القميص فمناه جعلت له جيباً، والجوبة أيضاً مكان مقطوع عن واجبه لا مراد له؛ وجب أيضاً قطع وكأنه منه بتصرف، وجب الرجل ذكره، وفلان مجبوب، وقد قيل غارب أجب بمعنى مجبوب، والجبوب الأرض، هكذا قال الثقات، وإنما أعول على ما قال العلماء وأخلص نفسي من ألسنة العائبين.
وأما الحوب فهو الإثم، وقد سمعت فيه حاب الرجل إذا أثم، الحوب - بالضم - أشهر وينفرد الكتاب به؛ وحوب أيضاً زجر للإبل، فأما الحوبة فهي الأم كأنها تؤثم بعقوقها، والحيبة الحاجة، ويقال بات فلان بحيبة سوء؛ وأما الحوباء فهي النفس - ممدود - .
وأما الذوب فمصدر ذاب الشيء يذوب، معروف، والذوب: العسل، ولعله ما لا شمع فيه، وما أحق ذلك، يقال: حققت الشيء وأحققته أيضاً؛ ويقال: ذاب لي على فلان حق أي وجب، ولعله استعارة، فقد قيل أيضاً: برد على فلان حق بمعنى وجب. فحصل - أيدك الله - هذه النكت، ولا تجعل جزاءنا عليها العيب، فالكريم ستور للعيوب مغض على الإساءة.
وأما الروب فمصدر راب اللبن يروب، إذا خثر، ويقال خثر أيضاً، ومعنى خثر: غلظ وتجمع، ويقال: اصبح فلان خاثر النفس إذا فقد النشاط، والنشاط الهشاشة، والهشاشة الخفة والطلاقة، وفلان نشيط كأنه منشوط أي محلول الفؤاد من فكر السوء، يقال: نشطت بمعنى حللت، وأنشطت بمعنى عقدت، وود فلان بأنشوطة أي فيه استرخاء، أي لا ثبات له؛ والروبة أيضاً خميرة اللبن، وهي أيضاً قطعنة من الليل، وقوم روبى أي نيام، وأما رؤبة فاسم الراجز، وإنما قلت بلا ألف ولام لشهرته كأنه عروف غير منكر، وهو مأخوذ من قولهم: رأبت الشيء إذا شعبته وأصلحته، ويقال: أشعبته بمعنى فرقته، وشعوب اسم المنية، معروفة، ولا يصرف، هكذا قال الناس.

ولقد رأيت رئيساً قد كتب ربأت مكان رأبت فلما نبهته أنف من كلامي، وعدل إلى الحيلة فقال: يقال رابت كما قلت أنت، وربأت كما كتبت أنا، وهو مثل حديث جندب. فلما وقفت على سوء صحبته للأدب، وجنوحه إلى القحة، وظنه أن هذا يشككني في صوابي، ويدفع عنه ما لحقه من هجنة الرد، أمسكت إمساك متعجب ممن يتجاهل على علم ويتغاضى عن بصيرة، ويوطئ نفسه العشوة ويكذب عقله. وهذا داء فقد طبيبه، وعلة أعوص علاجها بالناس، ومن كان كذلك لم يؤمن على مال، ولم يوثق به في حال.
وأما الشوب فالخلط، ومنه شاب الرجل إذا ابيضت لحيته كأنه خلط سواداً ببياض، وكأنه الأشمط، هذا لازم؛ فأما إذا أردت شبت شيئاً بشيء فذاك على التعدي، والفرق بين وشبت - بضم الشين - وشبت بكسر الشين، فقد وضح فيما مضى؛ والشوائب جمع شائبة، وتقول: هذا صاف وهذا مشوب، وسمعت قوماً يقولون: العالم مشوب، فاستزدتهم فقالوا: نعم، بالخير والشر، والحق والباطل، والصلاح والفساد، والحسن والقبيح، والحجة والشهبة، والراحة والتعب، والنجوة والعطب، والسرور والحزن، والنجاح والخيبة؛ قالوا: وهذا على الترتيب يدل على أمر عجيب، وقال الله عز وجل " ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون " الذاريات: 49.
وأما الصوب فهو صوب الغمام، وكنت أسمع البادية تقول لي إذا سألتها على الطريق والمسلك: خذ في ذلك الصوب، خذ في هذا الصوب، كأنهم يريدون الناحية؛ وقلت: سمعت البادية، هذا كثير من كلامهم وأنا جار على السماع. وأما السهم فيقال فيه صاب يصيب، ولعل المصدر صوب، وما أحقه أي ما أتيقنه، ويقال أيضاً: أصاب السهم، هكذا قال يعقوب، وهو ضابط، في كتابه في: أفعل وفعل؛ ويقال: هذه سهام صياب، وسمع في الأمثال: مع الخواطئ سهم صائب، والخواطئ - مهموز - يكون من خطأ وأخطأ وكأنها جمع خاطئة، وأما الخواطي - بحذف الهمزة - فجمع الخاطية، وهي التي تخطو الخطوة، ويقال الخطوة بالفتح أيضاً، وقد يجوز أن تحذف الهمزة وأنت تريدها، ولكن الفرق ما سلف، فلا تعمل ما تحب لما يجوز، فإن الواجب لا يسد مسد الجائز، وإن كان بعض الجائز ينوب عن الواجب. وكأن الصواب من الكلام من الصوب، لأن الصوب من المكان ومن الغمام استبان فاستوى، كذا القطر وكذا المسافة؛ وأما الصواب - بالهمز - فجمعه صئبان، ويقال: صئب رأسه إذا وقعت فيه صغار القمل وآذته، وهذا باب ضيق ومركب صعب وأنا من شرحي له على خطر. وتعال في الفن الآخر: 275 - أما الدس فمصدر دس يدس دساً، قال الله عز وجل " أيمسكه على هون أم يدسه في التراب " النحل: 59، والدساس: دابة، كأن تدس نفسها؛ ويذكر في الكلام: اندس، وما عرفته ممن يستنام إليه ويعقد الخنصر عليه، ومعنى يستنام: يسكن، وهو من النوم لأن السكون يصحبه، ويقال: نامت حقيقة فلان إذا أخبروا من جبنه وتكذيبه وإحجامه ونكوله، يقال: كذب فلان إذا رجع عن قوله فكأنه كذب نفسه حين أقدم وتكلف، وكذب ناصره حين زعم انه شجاع؛ ويقال أيضاً: خامت حقيقته، وخام فلان عن قرنه، والقرن - بكسر القاف - القرين، والقرن بفتح القاف، تقول: هو على قرني أي على سني، وهو قرني من غير على.
وأما البس فاللت، واللت هو البل، يقال: هذا سويق مبسوس أي مبلول، وكأنه لا بد في البس من المرس لأنه يقال دهن مبسوس على أنه مبلول، فأما قول العامة " بس " في معنى حسب فالبس كالفت، يقال بسست الخبزة إذا فتتها، وقال جل وعز " وبست الجبال بسا " الواقعة: 5 كأنه من فتتت تفتيتاً وفتت فتاً، الشيء مفتوت ومفتت وفتيت، ويقال: فتوت؛ والبسيسة: طعام العرب، والبسوس: اسم ناقة هاجت بسببها حرب.
وأما الحسى فمرة من حسَّ بمعنى قتل، من حسهم بالسيف ومنه قوله عز وجل " إذ تحسونهم بإذنه " آل عمران: 152 ومرة من حسست الدابة، وقد مرت هذه الكلمة شافية، ولهذا أقللت ها هنا.
وأما الرس فيقال إنه بئر، قال الله جل وعز " وأصحاب الرس " الفرقان: 38، وقيل في الرس مصدر رسست بين القوم إذا سفرت، ورسيس الهوى من هذا.
وأما العس فمصدر عس الرجل بالليل إذا نفضه، ومعنى نفضه طلب في الظلمة من يرتاب به، ومنه العسس، ويقال " والليل إذا عسعس " التكوير: 17 أي إذا أظلم.
وأما القس فواحد القسس وتقسسه تسمع صوته، وقسست أثر القوم، إذا تتبعته قساً.
فأما اللس فمصدر لست العير النبات إذا مكنت فاها منه وتناولته، ويقال في المثل: قلما تبقى على اللس.

وأما النس فالشوق، والمشوق منسوس، ويقال: كانت مكة ناسة لأنها كانت تخرج الجاني.
وقد بقيت ألفاظ يسيرة سنأتي عليها ها هنا مخافة أن أنساها، وقد وعدت في الكتاب أشياء كثيرة، قصرت في إنجاز كثير منها للطول وقلة المعين، وأظن أني قد قرنت الملل بفؤادك، وجلبت الثقل إلى نفسك بهذا الفن الذي أنا فيه، فما أصنع والكلام كله متدافع، وليس منه شيء إلا وفيه غرض وله معنى وعليه معول.
276 - نعم، فأما الشائف فهو الجالي، أعني الذي يجلو الشيء، وليس هذا الجالي من الجالي الذي ينصرف عن بلد بشيء في المعنى، وإنما يلتقيان في اللفظ، والشيء مجلو ولا يقال مجلي؛ وتقول شفت الشيء أشوفه شوفاً، وإذا قيل: ما الشوف فهذا هذا. وأما السوف فهو شم التراب والطريق وغيرها، ومنه المسافة، هكذا قال البصير بالاشتقاق، وأما " سوف " فحرف يدل على الأفعال فيقررها عما مضى وعما حضر إلى ما يكون بعد ويستقبل، تقول: سوف يقوم هذا، وهي شقيقة السين في قولك: سيقوم هذا، ليس بينهما فضل.
وأما الخائف فمشهور، والخوف بين القوم، قال يعقوب: تقول: أخفتك، ولا تقول: فزعتك، ولكن فزعت، وتقول: خفت منك، هذا قد جاء كذا؛ وفرس خيفاء: إذا كانت إحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء، كأنها قد نقصت عن شبه الآخرين؛ والخيف ما انحدر من الجبل وتصعد عن المسير، هذا أيضا للنقص العارض في المكان؛ والناس أخياف: مختلفون من ذلك لأنهم يتفاوتون، أي هذا يفوت هذا وهذا يفوت هذا، فالنقص بينهم سجال؛ والخيف جمع خيفة، وتقول: هذا طريق مخوف إذا كان يخاف فيه ولا تقل: منه. ويقال: وجع مخيف إذا كان الناظر يخافه على صاحبه أو يخاف مه على نفسه، هكذا قال العلماء منهم يعقوب والفراء.
وأما الزائف فإنه يقال: درهم زائف إذا كان بهرجاً أي ستوقاً أي فاسد الضرب غير متعامل به، ويقال أيضاً: زيف، وصرف الفعل منه فيقال: زيفت الدرهم، والزائف أيضاً من قولك: زافت الحمامة والمرأة إذا تبخترت وتطاولت وأقبلت.
وأما السائف فصاحب السيف، وسفت الرجل إذا ضربته بالسيف، وسفت الشيء - بالضم - إذا أدنيته من أنفك للشم والإشمام والتشمم، كل ذلك واحد، وأما السواف - بالضم والخفة - فداء ينال الإبل.
وأما الصائف فالذي ينزل في الصيف مكاناً معروفاً، يقال: صاف فلان بكذا وكذا إذا كانت صيفيه هناك، والصائف أيضاً السهم الذي يحيد عن الهدف؛ وكبش صاف أي كثير الصوف، وشيء صاف لا كدر فيه، والمصيف كالمربع، والمشتى كالمخرف، وهي أماكن النازلين بها في هذه الفصول من الزمان المعروف.
وأما الضائف فهو من ضفت فلاناً إذا كنت ضيفه، وأضفت فلاناً إذا كان ضيفك، وكأن ضفته ملت إليه، وأضفته أملته، كما يقال: أضاف كذا إلى كذا إضافة، هذا ذاك بعينه، ولكن الضيافة تفردت بمعنى، والإضافة تميزت بمعنى، وكلاهما معروفان في الأصل، وقول الكتّاب انضاف هذا إلى هذا، وسينضاف كلمة خطأ، كذا قال أبو سعيد السيرافي سمعت ذلك منه لفظاً، وتتبعت ذلك في كلام الأولين وهم الحجة فما عثرت عليه؛ يقال: ضيف وضيفان وأضياف وضيوف كل ذلك معروف، قال الله تعالى " إن هؤلاء ضيفي " الحجر: 68 وقال " فأبوا أن يضيفوهما " الكهف 77.
وأما العائف فيكون من وجهين، أحدهما من العيافة وهي الزجر، ويقال له العياف، وسمعت من يحكي فيه المعتاف، والوجه الثاني يكون من عفت الشيء إذا كرهته، وفي الأثر: ما عاف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله طعاماً قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه؛ وهذا يقال فيه العائف، والشيء معيف أي مكروه، ومضارع هذا أعاف، ومضارع ذلك أعيف، وليس المعوف من هذا، والعوف يقال هو المال، هكذا قال بعض الثقات، وقال أبو زيد الأنصاري: العوف الذكر، يقال لمن أصبح بانياً معرساً بأهله: نعم عوفك.

وأما القائف فهو م يقفو شيئاً أي يتبعه، كأنه أخذ من القفا، لأنك إذا اتبعت غيرك كنت خلفه ومقابلاً قفاه، وقال الله تعالى " ولا تقف ما ليس لك به علم " الإسراء 36 أي لا تتبع ولا تعمل. فأما القفية فطعام طيب يرفع لمن يكرم حتى إذا حضر قدم إليه، وقافية الشعر ما انساق الكلام الموزون إليه، وانقطع تمام البيت عليه، والتفقية صناعة الشاعر والساجع، كأنما يقفوان كلاماً على وزن واحد، قال الله تعالى " ثم قفينا على آثارهم " الحديد: 27 أي أرسلنا وراءهم. والقائف عند العرب الذي يقفو أقدام السالكين فيقول: هذه قدم فلان، والشافعي رحمه الله يلحق الولد بحكم القائف إذا قال هذه القدم خلقت من هذه القدم، وكان المدلجي منهم في عهد الصحابة رضي الله عنهم، وشهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، ويقال لصناعة هذا القيافة، قال أبو حامد: وبنو مدلح مخصوصون بهذا الشان، ولهم إصابة ظاهرة وحذق معروف مشهور، والعرب تعترف لها بذلك وتسلم. قال أبو زيد: يقال: وأخذ فلان بقاف رقبته وقوف رقبته، يقال: قاف يقوف فهو قائف، مثل: طاف يطوف فهو طائف.
وأما الرائف فهو الموصوف بالرأفة وهو الرؤوف معوض، إلا أن الفعول أجمع للصفة، هكذا المعنى في بنية الكلام في الأفعال، كما أن مفعالاً أكثر من مفعول، وأما فعال فقال بعضهم: هو أعرف من فعلو، وقال آخر: بل فعال أعرف، وزعم أن قول الله تعالى " فعال لما يرد " هود 107 شاهد بذلك، وقال آخر: بل هما يتقاسمان المعنى سواء، وليس أحدهما كالآخر، هكذا قال. والرأفة رقة تعتري طبائع الصالحين، هذا حقيقتهما في الخلق، فأما الله تعالى فرائف ورؤوف، أي يجزي جزاء كأنه من الرقة وليس بها، والصفات الجائزة بين الخلق، الدائرة بين الناس على طرف الحقيقة هي منفية المعاني عن الله تعالى، مطلقة الأسماء على الله، فإذا رأيت الله تعالى يقول " قد سمع الله قول التي تجادلك " المجادلة: فلا تقس ذلك على قد " سمع زيد " ، فإن السابق إلى النفس من معنى سمع زيد مفهوم، ومثل هذا ومعناه صحيح، وهذا ليس بمطرج على خالق هذا السمع والسامع والمسموع، لأنه لا يتلبس بما خلق ولا يتم بما نقص، والكلام في هذا أعرف مما طال الخوض، وهذا التخريج والتعريف إنما هو كله ليقوي منتك، وتقف على عين العلم همتك، وتطلق من غل الجهل رقبتك، فانظر كيف تكون لنفسك، فإني قد أعذرت وانذرت، وقلت ونقلت، وقومت وعدلت، وبلغت غاية مثلي في الاجتهاد، فالحق نهاية مثلك في حسن الارتياد، ولا تشغل بالك ببعض ما قصرت ودللت على نقصي به، فإن ذلك يستردفك عن حظك، ويسوي بينك وبين من هو أنقص منك، ولكن خذ نفسك بحسن هذا الكتاب ودع قبيحه، ليس عليك تبعته، والسلام.
فأما النائف فهي في ناف على الشيء وأناف إذا أشرف عليه، ومنه مناف في بني عبد مناف.
وأما الطائف فهو الخيال، وهو الذي يطوف بالبيت، بيت الله الحرام، وطاف الخيال يطيف، هكذا السماع، وأطاف يطاف إذا برز للغائط، ويقال: قد يبس طوفه في جوفه، ويقال للطائف الذي هو الخيال الطيف أيضاً، والطيف مه دليل على يطيف. فأما أطاف فلان به فمعناه صار طائفاً به كأنه أطاف أمره، وطاف هو فاعل الأمر، بتعدية الألف؛ والطف مكان بالعراق معروف، والطائف بلد وراء مكة، وكان الحجاج منه.

وأما الآيف فكأنه من الآفة، يقال: إيفت الشجرة الأرض فهما مؤوفتان، وإياك أن تقول ما يقول المتكلمون مأووف فإنه مردود، وليس للمتكلمين حجة في اللسان فضلاً عن أن يكونوا حجة في المعاني، لأن حقيقة المعاني لا تثبت إلا بحقائق الألفاظ، وإذا تحرفت المعاني فذلك لتزيف الألفاظ فالألفاظ متلاحمة متواشجة متناسجة، فما ثلم هذه فقد أجحف بهذه، وما نقص من هذه فسد من هذه، وليس الشأن على أن يفهم من أعجمي طمطمته فإن ذلك المفهوم لم يكن عن تمام اللفظ وصحة التأليف، وإنما حدث بدلالة ما سمع على ما كان قاراً في الصدر، ومنسوخاً عند العقل، فلا يغرنك ذلك فتظن أنك متى سمعت كلاماً آخر فقهته كذلك، أو قسته إلى هناك، وما أخص العربية بهذا بل كل لغة فقيرة إلى مقادير الخطاب ورسوم الصواب، فإن الأغراض إلى ذلك العلم تتوافى على تلك الطريقة، ومتى ظهر بها الزيغ مال بها إلى التناقص والفساد والمحال والخلل على قدر ذلك، وأظن العربية أحوج إلى ما خطبنا من كل لغة لاتساع طرقها، وتزاحم فرقها، وتنافر أوانسها، وتواصل وحشيها، واختلاف أسبابها استعارتها، وتباعد أقطار الصواب منها، يدلك على هذا القول وعلى ما يتلوه مما يطول به الكلام تصرف وجوه التأويل في حكم أنواع الاحتمال.
وأما الحائف فهو اسم لمن حاف أي ظلم، والحيف والإخفاء والحفاء والحف والتحيف والتحوف والحفوف متقاربة المعنى فافطن لذلك، فقد أبرمت هذا الفصل إبراماً، وأظن أني قد استوجبت من الناظر فيه ملاماً، وقد مر في عرض الكتاب ما هو مفصح عن هذه الخبايا، فاسمح لنفسك بالنظر فيه يسمح لك بالظفر به، جعل الله الخير إذاءك، والسلامة لباسك، والإحسان عادتك، بمنة ولطفه.
يجب أن تأخذ فيما سقنا كتابنا عليه من النتف والأخبار والنوادر والأسرار، والله أسال صدراً فسيحاً بالصبر، وإيماناً قوياً على الطاعة، ويقيناً مقوماً للدنيا، وعاقبة ميسرة بالنجاة، ومصيراً إلى الله تعالى بأداء ما وجب له، وحسن الظن به فيما خولف فيه، إنه أكرم مسؤول وأعظم مأمول.
277 - قيل لبعض المغفلين: ما تقول في معاوية؟ قال أقول: رحمه الله ورضي عنه، قيل: فما تقول في ابنه يزيد؟ قال : أقول: لعنه اله ولعن أبويه.
278 - مدح أعرابي رجلاً فقال: هو والله فصيح النسب فسيح الأدب، من أي أقطاره أتيته انثني إليك بكرم المقال وحسن الفعال.
فصيح النسب حلو جداً، وهو استعارة، إلا انه ها هنا لاصق بالمعنى وذلك أنه أشار إلى صحة النسب سلامة العرق وكرم المنبت؛ وأما قوله فسيح الأدب، فقد والله جمع بين غزارة الموصوف في أدب النفس والعلم، وهذا نمط لا يتسع الكلام فيه على جميع ما يمر في الكتاب، ولو أمكن ذلك لبلغ الكتاب عشرة آلاف ورقة أو أكثر.
279 - وصف أعرابي قوماً فقال: صدورهم قبور الأسرار، وسيوفهم آفات الأعمار.
280 - وصف ابن المقفع رجلاً فقال: رفعه التقتير عن التقدير، وحطه التبذير عن التدبير.
281 - وصف رجل آخر فقال: هو أحلى من رخص السعر، وأمن السبل، ودرك الماني، وبلوغ الآمال.
282 - ووصف أعرابي رجلاً فقال: نعم حشو الدرع، ومقبض السيق، وصدر الرمح؛ كان إذا لوين أحلى من العسل، وإذا خولف أمر من الحنظل.
283 - وذم أعرابي رجلاً فقال: عبد البدن، حر الثياب، عظيم الرواق، صغير الأخلاق، الدهر يرفعه، ونفسه تضعه.
284 - وصف أعرابي آخر فقال: إن أتيته احتجب، وإن غبت عنه عتب، وإن عاتبته غضب.
285 - وقال الرياشي: ذم أعرابي رجلاً فقال: ليس له أول يحمل عليه، ولا آخر يرجع إليه، ولا عقل يزكو به عاقل إليه.
286 - شاعر الكامل
ولقد قتلتك بالهجاء فلم تمت ... إن الكلاب طويلة الأعمار
187 - أنشد ثعلب الطويل
حسبتك إنساناً على غير خبرة ... فكشفت عن كلب أكب على عظم
لحى الله رأياً قاد نحوك همتي ... فأعقبني طول المقام على الذم
288 - كاتب: قد عرضت لي قبلك حاجة فإن نجحت فالفاني منها حظي والباقي حظك، وإن تعذرت فالخير مظنون بك، والعذر ممهد لك.
289 - كاتب: من توسل إليك بغير فضلك كان خارجاً من حكم الأدب، داخلاً في حد النقص، إذ كان محالاً أن يستعان بالمفضول على الفاضل، وبالناقص على الكامل.

290 - كاتب: من كاتب الرغبة إليه غضاضة وذلاً، فقد جعل الله الرغبة إليك عزاً ونبلاً، وذلك لخلال فيك خار الله تعالى لك فضلها، منها أنك توطئ ذوي الأمل منك كنفاً سهلاً، فتسهل سبيل الرغبة، وتقدم متأخر الصلة، ومنها أنك ترى للآمل عليك حقوقاً تلزمك رعايتها، وحرمة توجب عليك القيام بواجبها، وهمتي أدام الله عزك، التي اعتمدت بها على فضلك، أن تجعلني في عداد من يرجو يومك وغدك، وأن تضمني في دهماء عبيد شكرك، خدم طاعتك.
291 - قال يزيد الراوية: كنت عند المهدي، فجاء رجل فسأله فأعطاه، وسأله آخر فأعطاه، وعلى هذا، فقلت: يا أمير المؤمنين قد أصاب فيك القائل حيث يقول: الخفيف
صم عن منطق الخنا وتراه ... حين يدعى للمكرمات سميعاً
قوله أعط ذا وذاك وهذا ... لم يقل لا مذ كان طفلاً رضيعاً. فأمر لي بألفي دينار.
292 - قدم بعض المغفلين للصلاة على جنازة امرأة فقال: رب، إنها كانت تسيء خلقها، وتعصي بعلها، وتبذل فرجها، وتخون جارها، فحاسبها حساباً أدق من شعر آستها.
293 - قال ابن عائشة: كان للحسن بن قيس بن حصن ابن أخي عيينة بن حصن ابن رافضي وابنة حرورية وامرأة معتزلة وأخت مرجئة، فقال: أراني وإياكم طرائق قدداً.
294 - وقف مديني على قاص وهو يذكر ضغطة القبر فقال: يا قوم كم في الصلب ن الفرج العظيم ونحن لا ندري، فقال صاحبه: إنا نستصلب إن شاء الله تعالى.
295 - أخذ الطائف شارعة وهو سكران فقال: احبسوا الخبيث، فقال: أصلحك الله علي يمين الطلاق أن لا أبيت بعيداً عن منزلي، فضحك وخلاه.
296 - سافر أبو الغريب إلى الجبل ثم عاد سريعاً، فقيل له: لم عدت؟ فقال: آخذ امرأتي فإني تركتها ببغداد، وكانت تزني، وكنت بالجبل أزني، فقلت: تزني جميعاً في مكان واحد أملح من أن نتفرق فتقل المؤونة.
297 - وكان الواجب أن نذكر شيئاً من تفسير ما تضمنت الأبيات التي رواها ابن الأعرابي، ولكن عرض الخلل على حسب ما قد عم الوقت، والفرج مأمول من الله سبحانه الذي بيده ملكوت كل شيء؛ والآن نقول في حروف منها ما يكون بياناً لها، وإنما أفعل ذلك بها خصوصية لشغفي برصفها، وصدق المرمى بها، وجودة متنها، وكثرة مائها، وكل حسن مخدوم، وكل طيب شهي، وكل كريه مجتنب، وكل قبيح مقصي.
289 - أول الأبيات: الكامل المجزوء
المرء يكدح للحيا ... ة وحسبه خبلاً حياته
المرء هو الإنسان، وخلوه من أمارة التأنيث دليل على التذكير، والمرء مذكر على هذا الذكر، والمروءة هي الإنسانية، والإنسانية لم تسمع من العرب لكنها مقيسة بالتوليد على كلامهم؛ وأما قول أبي تمام: الكامل سميت إنساناً لأنك ناس خطأ، كذا قال أبو سعيد السيرافي. وفلان يتمرأ بنا أي يبدي مروءنه بسوء القول فينا، يقل امرأة وامرأتان ونساء ونسوة، والمراء والمماراة متقاربان عند القائل بالاشتقاق على تعسف في التأويل، وإنما أقول بالواجب ولا أتعدى الحد في ذلك.
والكدح: المشقة، وفي القرآن " إنك كادح " الإنشقاق: 6، والمكادح منه، والخبل: الفساد، والارفتات: التكسر. والماضغ يدير أضراسه.
ويهدا بعد ما انصاتت قناته يريد ينحني بعد الشطاط، وكلول البصر: سوء البصر، ويكمه سمعه أي تثقل أذنه، والكمة في العين معروف، ولكن هذا قيل هكذا، ونهي حصاته يعني يضعف عقله، يقال: وهي الشيء يهي وهيا، وأوهاه فلان يوهيه إيهاء، وفي الأمثال: الرجز
خل سبيل من وهي سقاؤه ... ومن هريق بالفلاة ماؤه
والحصاة: الفهم، وقيل العقل، ومنه قول طرفة: الطويل
وإن لسان المرء ما لم تكن له ... حصاة على عوراته لدليل
رأيت كتاباً للأزهري عند الهروي صاحب اللغة يقول فيه: حصيت مأخوذ من الحصى؛ وأنكر ذلك أصحابنا ببغداد.
وتقف جلدته: يريد تقحل وتجف، ويقال انقحل إذا كان شيخاً، قال الأصمعي: زعموا أنه من القحولة والنون زائدة، يقال: قحلت الأرض وأقحلت.
وتعرى من ملابسها شواته يعني فروة رأسه تصلع، والصلع الاسم، وقيل إن شواته أطرافه وأنها تعرى من البضاضة والحسن؛ ويغيب شاهده: أي يغيب شبابه.
ويشهد غيبه وتموت ذاته

أي تخمد شرته وتذهب ميعته، والميعة: الجري، وهو من ماع الشيء إذا سال، وماعه غيره وإنماع قليل مرذول، وهو في كلام الفقهاء كثير.
ويمل من برم: فالبرم ها هنا الضجر، وهو الإبرام، وكأنه التضايق، من أبرم حبلاً إذا فتله، فقد منع القضاء من إثباته، ورجل برم: أي ضجر، والمبرم كالملح، والإبرام والنقض في الأمور مستعار من الحبل، وقال بعض وزراء خرسان: ريما قضينا حاج الناس برماً لا حرماً، أي من الضجر لا من طباع؛ وما كان أغناه عن إظهار هذه السوأة. والحاج جمع حاجة، وأبى المبرد أن الحوائج صحيحة في جمع حاجة.
وقوله: وقد فرطت لداته، أي تقدم أقرانه وأترابه، والترب في المؤنث أيضاً.
299 - سألني بعض الفقهاء فقال: أين مولودك؟ وهو يريد: أين ولدت، فقلت: ما لي مولود، فقال: سبحان الله، وزاد تعجبه، فقلت: لعلك تسألني عن مكاني الذي ولدت فيه؟ قال: نعم، قلت: فهلا قلت: أين مولدك؟! قال: فخجل هو من الحاضرين، وذاك أردت ليكون خجلة باعثاً له على الأدب، أو على إكرام الأديب، وهذا الفقيه هو الداركي، وكان ركيك اللسان، فدم الطباع، سيء الخلق، شهوداً بالزور، خبيث الدين، ومات ببغداد سنة خمس وسبعين وثلاثمائة في شوال، ومات الأبهري بعده بجمعة.
وقال لي رجل من العجم يدعي العلم ويزعم انه منطقي: اقعد حتى تتغدى بنا، قلت: لا أبلانا الله بذلك، قال: فلم قلت هذا؟ قلت: لأنك أتيت بكلام لو فقهته عن نفسك لما أنكرته على جليسك، قال: فما هو؟ فعرفته الفرق بين الخطأ الذي قد أتى به والصواب الذي لم يوفق له، فنبا طرفه بعد ذلك عني، وثقل حجابه علي، فأف له ولأضرابه، فما شين الدنيا والدين إلا بقوم هذا منهم؛ رزقنا الله الأدب الذي به نعلم ما نقول، وإليه نفزع فيما نعمل، وكفانا شر كل ذي شر بمنه. فاعذر - أيدك الله - في هذا التصرف كله، وكن من إخوان الصدق يزدك الله به شرفاً إن شاء الله.
كان أبو داود السجستاني ثقة محدثاً راوية، زعموا أنه في أيام حداثته وزمان طلبته للحديث وكتابته، جلس في مجلس بعض الرواة يكتب، فدنا رجل إلى محبرته وقال له: أستمد من هذه المحبرة؟ فالتفت إليه أبو داود فقال: لا، فانخزل الرجل حياء، وأقبل عليه أبو داود وقال: أما علمت أن من شرع في مال أخيه بالاستئذان، فقد استوجب بالحشمة الحرمان، فسمي أبو داود منذ ذلك اليوم حكيماً.
وأنشد المنسرح
أختان إحداهما إذا انتحبت ... تبكي كباك بعبرة حرى
وما بها علة ولا سقم ... تضحك مها الأخية الأخرى
يقال إن الشاعر أراد بهما السماء والأرض، ويقال إن ثعلباً أنشدهما.
قال الحسن بن عثمان القنطري: دفنت كتبي وأقبلت على العبادة والتشمير والاجتهاد، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام كأنه صعد المنبر، وأشار بيده وفيها أقلام محشوة طيباً ومسكاً، فجعل يناول أقواماً قلماً قلماً، فلما تقدمت ووقفت بين يديه وقلت: يا رسول الله ناولني قلماً، فقال: كيف أناولك وقد دفنت علمي؟ فأصبحت فحدثت بهذا الحديث؛ حدثني به أحمد بن منصور الحافظ.
قال بشر بن الحارث: قال الله تعالى في بعض كتبه: إن مما عاقبت عبادي به أني ابتليتهم بفراق الأحبة.
للراضي: المنسرح
يصفر وجهي إذا تأمله ... طرفي ويحمر وجهه خجلاً
حتى كأن الذي بوجنته ... من دم جسمي إليه قد نقلا
قال إياس بن معاوية: ما كلمت أحداً بعقلي إلا أصحاب القدر، فإني قلت لهم: ما الظلم في كلام العرب؟ قالوا: أن يأخذ الرجل ما ليس له، قلت: فإن الله تعالى له كل شيء.
قال عمرو بن العاص: إمام عادل خير من غيث وابل، وأسد حطوم من سلطان ظلوم، وسلطان ظلوم خير من فتنة تدوم، ولأن تمازح وأنت مجنون خير من أن يمازحك مجنون، وزلة الرجل عظم يجبر، وزلة اللسان لا تبقى ولا تذر.
وقال: يا بني استراح من لا عقل له.
وأنشد: الكامل
ما زلت منتظراً لوعدك مفرداً ... بالبيت مرتقباً لقرع الباب
حتى يئست فقلت قول مدله ... مزج الدماء بعبرة تسكاب
يا كاذباً في وعده بلسانه ... من لي بعض لسانك الكذاب
قيل ليوسف بن أسباط: ما لا زهد؟ قال: أن لا تفرح بما أقبل، ولا تأسف على ما أدبر.

وقف ابن عيينة على ابن معروف وهو على رمل بطحاء مكة واضعاً خده عليه، فقال له: يا أبا محمد إنه من ترك شيئاً من الدنيا عوضه الله تعالى، قال: بأي شيء عوضك الله مما تركت؟ قال: الرضا بما أنا فيه.
لما حضرت حذيفة بن اليمان رحمه الله الوفاة قيل له: ما تشتهي؟ قال: الجنة، قيل: فما تشتكي؟ قال: الذنوب، قيل: أفلا نداويك بدواء؟ قال: دواني رحمة ربي، ثم قال: انظروا هل أصبحنا؟ قالوا: نعم، قال: حبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من صباح إلى النار، اللهم إنك تعلم أني لم أعن غادراً على غدر، ولقد عشت على خلال ثلاث: الضعة أحب إلي من الرفعة، والفقر أحب إلي من الغنى، ومن حمدني أو لامني في الحق سيان.
وقال بعض الصالحين: مررت براهب في صومعته وهو يبكي ويقول: أمر قد عرفته فقصرت في طلبه، وحدت عن سبيله فأبكاني يوم مضى وبقيت حسرته، ونقص له أجلي، ولم ينته إليه أملي.
قال الأحنف: من حق الصديق أن يحتمل له ثلاث: ظلم الغضب، وظلم الدالة، وظلم الهفوة.
قال الأصمعي، سمعت أعرابياً يقول: العاقل حقيق أن يسخي نفسه عن الدنيا علمه بأنه لا ينال أحد مها شيئاً إلا قل انتفاعه به، وكثر عناؤه فيه، واشتدت ندبته عند فراقه، وعظمت تبعته بعد وفاته.
قال هرم بن حيان: صاحب الكلام إلى إحدى منزلتين، إن قصر فيه حصر، وإن أغرق فيه أثم.
وقال أيضاً: ما آثر الدنيا على الآخرة حكيم قط، ولا عصى الله كريم.
قال الأصمعي، قيل لأعرابية: ما أحسن عزاءك عن ابنك؟ فقالت: إن فقدي ابني أمنني من المصائب بعده.
قال ابن السماك يوماً: إن الله تعالى ملأ الدنيا لذات، وحشاها بالآفات، ومزح حلالها بالمؤونات، وحرامها بالتبعات.
قال ابن عائشة: قيل لبعض السلف: ما الكرم؟ قال: التأني للمعروف، قيل له: فما اللؤم؟ قال: التقصي على الملهوف.
قال الأصمعي، قال أعرابي: إن الآمال قطعت أعناق الرجال، كالسراب غر من رآه، وأخلف من رجاه، ومن كان الليل والنهار مطيتيه أسرعا به، ثم أنشد: البسيط
المرء يفرح بالأيام يقطعها ... وكل يوم مضى نقص من الأجل
قال الأصمعي، قال أعرابي: إن أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم.
وقال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: إذا نبتت الأصول في القلوب، نطقت الألسن بالفروع، والله يعلم أن قلبي لك شاكر، ولساني ذاكر، هيهات لن يظهر الود المسقيم إلا من القلب السليم.
قال الأصمعي، قلت لأعرابي: ما أنحل جسمك؟ قال: سوء الإذاء، وجدوب المرعى، واعتلاج الهموم، ثم أنشأ يقول: الكامل
الهم ما لم تمضه لسبيله ... داء تضمنه الضلوع مقيم
ولربما استأيست ثم أقول لا ... إن الذي ضمن النجاح كريم
قال سعد مولى عتبة بن أبي سفيان: قال لي عتبة: يا سعد تعهد صغير ضيعتي يكبر، ولا تمهل كبيرها فيصغر، فإنه ليس يمنعني كثير من ما في يدي عن إصلاح قليل مالي.
قال الأصمعي: قيل لبعض حكماء فارس عند الموت: كيف حالك؟ فقال: كيف حال من يريد سفراً بعيداً من غير زاد، ويقدم على ملك عادل بغير حجة، ويسكن قبراً بغير أنيس؟ قال أعرابي: الشكوى على قدر البلوى طالت أم قصرت، إلا أن يكون بالشاكي انقباض، وبالمشكو إليه إعراض.
قال أعرابي لصاحبه: وما تولعك بقوم قد هدأت ريحهم عنك، وانحسمت مادتهم منك، حتى تستثير رابضهم، وتستقدح خامدهم؟ كاتب: لا أعدك فأطعمك، ولا أويسك فأقطعك، فإن أمكنتني فرصة فعلت.
قال أعرابي: لو عددتني أخاك ا استبطأتك إلا بالصبر، ولا استزدتك إلا بالشكر قال أعرابي: إن يسير ما أتاني عفواً لم أبذل فيه وجهاً، ولم أبسط له كفاً، ولم أعضض له طرفاً، أحب إلي من كثير ما أتاني بالكد، واستفراغ الجهد.
كاتب: أعليت من يد كانت مقبوضة، وأسميت من مقلة كانت مغضوضة.
كاتب: حل محل النور في نواظر الأولياء، والغصة في حلوق الأعداء.
قال أعرابي: لا أخلاك الله من بلاء جميل توليه، وجناب خصيب ترعيه، ومعروف عظيم تسديه.
كاتب: اعتدلت قناة الملك في يده، وسطح سراج الحق في دعوته، وأفل نجم الباطل في دولته.
كاتب: من انصرف من الاحتجاج إلى الاعتراف، فقد لطف للاستعطاف، واستوجب المسامحنة بعد الإنصاف.

قيل لمخنث: كيف ترى الدنيا؟ قال: مثلنا، يوماً عند الأسخياء، ويوماً عند البخلاء.
قيل لطفيلي قدم من مكة: كيف سعر النعال بمكة؟ قال: النعل بحمل وطبق فاكهة.
وقيل لطفيلي آخر مثل ذلك فقال: النعل بالحجاز بثمن جدي بالعراق.
نظر ملاح إلى رجل قد وثب على ظهر فرسه فقال: ما أحسن ما استوى على كوثله.
قال إبراهيم بن الفرات: سمعت صبياً وهو في جنب أبيه في يوم عيد وقد نظر إلى الناس فقال: يا أبه ما هذا؟ قال: هذا والي البصرة يريد المصلى، قال: وما يصنع يا أبه؟ قال: يصلي، قال: ولمن يصلي؟ قال: لربه تبارك وتعالى، قال: فقال: يا آبة ما هذا؟ قال: هذا والي البصرة يريد المصلى، قال: وما يصنع يا أبة؟ قال يصلي، قال: ولمن يصلي؟ قال: لربه تبارك وتعالى، قال يا آبة وهكذا يقصد الأرباب؟ قال أبو علي الرازي: مررت على صبية في طريق الشام وهم يلعبون بالتراب وقد ارتفع الغبار فقلت: مهلاً غبرتم، وبادرت لأجوزهم، فقال صبي منهم: يا شيخ إلى أين تفر إذا هيل عليك التراب في القبر، فغشي علي فقلت: أعندك حيلة في الفرار من تراب القبر؟ قال: لا أعلم، ولكن سل غيري، قال: فقلت: من هو؟ قال: عقلك.
قال أعرابي: قد تعوق العوائق مما عليه النية، وتمنع المقادير مما عليه الطوية.
قيل لفيلسوف: لم صار الحمق أحظى من العقل؟ قال: لأن العقل تدخله الآفة، والحمق لا تدخله الآفة. وقد قال الحق، لأن الحمق آفة فليس تدخل عليه آفة.
حمل جحا جرة خضراء إلى السوق ليبيعها فقيل: هي مثقوبة، فقال: يكذبون، ليس يسيل منها شيء، فإن قطن أمي كان فيها فما سال منه شيء.
وذكروا عنده الضراط وقيل: هو شؤم فقال: وما شؤمه؟ قالوا: يبدد الجماعات، ويفرق الشمل، قال: فهذا باطل، أهل السجن يضرطون الليل والنهار ولا يفترقون.
يقال: ما الحفيف، وما الخفيف، ومال الجفيف، وما العفيف، وما الأنيف، وما الشنيف، وما الرفيف، وما الطريف، وما النظيف، وما العريف، وما الخريف، وما الشريف، وما السريف، ومال الغريف، وما القريف، وما الصريف، وما الظريف، وما النقيف، وما الطفيف، وما النتيف، وما الأسيف، وما العسيف، وما اللفيف، وما الضفيف، وما الصفيف، وما السفيف، وما السقيف، وما الذفيف، وما الزفيف، وما الشفيف، وما الكنيف، وما اللطيف، وما الكثيف، وما القطيف، وما العنيف، وما العليف، وما السخيف، وما الكتيف.
ويقال في باب آخر: ما الحز، ما البز، وما الجز، ومال الخز أيضاً، وما الرز، وما الشز، وما العز، وما القز، وما القز، وما الكز، وما اللز، وما النز، وما الهز، والهز أيضاً، وما الأز، والوز.
ويقال في باب آخر: ما الجهر، وما البهر، وما الدهر، وما الزهر، وما الصهر، وما الطهر، وما الظهر، وما العهر، وما الفهر، وما الكهر، وما النهر، وما المهر، وما الشهر، وما القهر.
وسيمر في جواب هذه الحروف ما يشفى قرم المتأدب، وينفي عن الملول عادة السوء، ويكون سمراً لمن أحب السمر، وفائدة لمن رغب في الفائدة، وجمالاً لمن عشق الجمال، وحلية لمن هو عار، ووسيلة لمن هو منقبض، ومتعة لمن هو مهموم، إن شاء الله.
مات أبو جحا فلم يشيع جنازته، فقيل له: لم فعلت كذا؟ قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله: لا يتبع مول، قالوا: ويحك، ذاك في الحرب، قال: أنا آخذ بالثقة.
واجتاز بامرأة تندب على زوجها، فقال لها: ما كان صنعة زوجك؟ قالت: كان حفار القبور، قال: أفلم يعلم القواد أنه من حفر لأخيه حفرة فسوف يقع فيها.
ضرط أبوه يوماً في كنيف، فقال جحا: على أيري، فقال أبوه: إيش قلت ويلك؟ قال: حسبتك أمي.
وتبخر يوماً فاحترقت ثيابه فقال: والله لا أتبخرن بعدها إلا عرياناً.

قال ابن طباطبا في " عيار الشعر " : الشعر تدفع به العظائم، وتسل به السخائم، وتخلب به العقول، وتسحر به الألباب، لما يشتمل عليه من رقيق اللفظ، ولطيف المعنى، وإذ قالت الحكماء: إن للكلام جسداً وروحاً، فجسده النطق وروحه معناه، فواجب على صانع الشعر أن يصنعه صنعة متقنة لطيفة مقبولة مستحسنة، مجتلبة لمحبة السامع له، والناظر إليه بعقله، مستدعية لعشق المتأمل لمحاسنه، فيحسنه جسماً ويبدعه معنى، وجيتنب إخراجه على ضد هذه الصفة، فيكسوه قبحاً ويبرزه مسخاً، بل يسوي أعضاءه وزناً، ويعدل أجزاءه تأليفاً، ويحسن صورته إصابة، ويكثر رونقه رقة، ويحصنه جزالة، ويدنيه سلاسة، ويتأتى به إعجازاً، ويعلم أنه نتيجة عقله، وثمرة لبه، وصورة علمه، الحاكم له أو عليه.
هذا حكاية لفظه في كتابه.
وما أصبت أحداً تكلم في نقد الشعر وترصيفه أحسن مما آتى به الناشئ المتكلم، وإن كلامه ليزيد على كلام قدامة وغيره، وله مذهب حلو، وشعر بديع، واحتفال عجيب، فمن شعره إلى أبي الصقر الوزير: الطويل
تبلج بروح اليأس أو روحة الغنى ... أو الصدق لي في الوعد أو طلب العذر
فما لي ثقي يحيى ولا حلم يوسف ... ولا صبر أيوب ولا مدة الخضر
وله أيضاً: الطويل
لها جيد ظبي واهتزاز يراعة ... وعينا مهاة واعتدال قضيب
ولفظة مناع ولحظة باذل ... وعتب بريء واغتياب مريب
وإيماض ذي جد وإعراض هازل ... وسورة ذي طيش وعطف لبيب
وهذا فن لطيف المرام حلو جداً.
وله: الكامل المجزوء
كالبدر في إشراقه ... والبحر في إغداقه
والأثم في إطراقه ... والريم في إرهاقه
وله: الكامل
راح إذا علت الأكف كؤوسها ... فكأنها من دونها في الراح
وكأنما الكاسات مما حولها ... من نورها يسبحن في ضحضاح
لو بث في غسق الظلام شعاعها ... طلع المساء بغرة الإصباح
نفضت على الأجسام ناصع لونها ... وسرت بلذتها إلى الأرواح
وله أيضاً: الكامل
ومدامة لا يبتغي من ربه ... أحد حباه بها لديه مزيدا
في كأسها صور تظن لحسنها ... عرباً برزن من الجنان وغيدا
وإذا المزاج أثارها فتقسمت ... ذهباً ودراً توأماً وفريدا
وكأنهن لبسن ذاك مجاسداً ... وجعلن ذا لنحورهن عقودا
هذه الأبيات رواها صاحب " عيار الشعر " لفلان الهمذاني، والصحيح ما تقدم ذكره؛ وإذا رأيت تلك الرواية محرفة، والعبارة فاسدة، علمت بأن سارقاً سرق، ومنتحلاً انتحل، والغارة من الكتاب والمصنفين سديدة على ما سلف للمقدمين.
انتهى طفيلي إلى عرس، ورام الدخول فمنع، فأخذ قرطاساً وطواه ثم ختمه، ولم يكتب فيه شيئاً وعنون: من أخي العروس إليها، ثم جاء به كالمدل فقيل له: كأنه كتب الساعة، قال: نعم ومن العجب للعجلة أنه لم يكتب فيه شيء، فاستملحوه وأخذوه فأدخلوه.
لما غلب يزيد بن المهلب على البصرة حلف محمد بن المغيرة ألا يخرج من البصرة إلا بإذنه، فأتى البواب فقال: أتأذن لي أن أخرج؟ قال: لا، فأتى يزيد بن المهلب فقال: إن البواب قد منعني فأذن لي أيها الأمير، فأذن له، وأرسل معه رجلاً إلى البواب، فخرح وجعل ذلك إذناً وخرج من البصرة؛ وكانت بأهلة تقول: محمد أجهل الناس غلب عاقل الأزد.
لما أراد عمر بن الخطاب قتل الهرمزان استسقى ماء، فأتي به، فأمسك القدح في يده اضطرب، فقال له عمر: لا بأس عليك، إني غير قاتلك حتى تشربه، فألقى القدح من يده؛ وأمر عمر بقتله، قال: أو لم تؤمني؟ قال: كيف أمنتك؟ قال: قلت: لا بأس عليك حتى تشربه، فقولك: لا بأس أمان، ولم أشربه، فقال الزبير وأنس وأبو سعيد الخدري: صدق يا أمير المؤمنين، فقال عمر: قاتلك الله أخذت أماناً ولم أشعر.
ماتت أم جحا، فقعد يبكي عند رأسها ويقول: رحمك الله، فلقد كان بابك مفتوحاً ومتاعك مبذولاً.
قال ابن كناسة: كان جحا كوفياً، وكان مولى لبني أسد، وقد روى الحديث وحمل عنه؛ ومات صديق له، فظل يبكي خلف جنازته ويقول: من لي يحلف إذا كذبت، ومن لي يحثني على شرب الخمر إذا تبت، ومن لي يعطي عني في الفسوق إذا أفلست، لا ضيعني الله بعدك، ولا حرمني أجرك.

وماتت امرأة حجا، فقعد عند رجليها يبكي، فقيل له: لو قعدت عند رأسها، فقال: إنما قعدت مكاناً ينفعني.
نظر إنسان إلى جحا في المقابر فقال: يا أبا الغصن ما تصنع ها هنا؟ فقال: اطرح لقبر أمي قبا فقد تمزق قبه.
كاتب: وصل الله سرور يومك بسرور شهرك، وسرور شهرك بعلو قدرك، وعلو قدرك بنفاذ أمرك ونهيك؛ النفس أعزك الله لا حظ فيها، والمال لم يكن إلا منك، فإن أهديت وجدته خالصاً لك، وإن أهديت الميسور من الوجد كنت المهدي إليك مالك، وإن كان ذلك كذلك لم يبق إلا النشر والثناء والحمد، والاعتراف بالتقصير ولعجز، ولقد أحسن سعيد بن حميد حيث يقول: الكامل
إن أهد نفسي فهو مالكها ... ولها أصون كرائم الذخر
أو أهد مالي فهو واهبه ... وأنا الحقيق عليه بالشكر
أو أهد حمدي فهو مرتهن ... بجميل فعلك آخر الدهر
والشمس تستغني إذا طلعت ... أن تستضيء بسنة البدر
اختصم رجلان إلى إياس بن معاوية في مطرف خز، وادعى كل واحد منهما المطرف، فدعا إياس بمشط وماء فبل رأس كل واحد منهما وسرح شعره، فخرج المشط وعليه غفر المطرف، فدفع المطرف إلى صاحبه.
كان عمر بن هبيرة أمياً لا يقرأ ولا يكتب، وكان إذا أتاه كتاب فتحه ونظر فيه كأنه يقرأه، فإذا نهض من مجلسه حملت الكتب معه، فيدعو جارية كاتبة ويدفع إليها الكتب فتقرأها عليه، فيأمرها فتوقع بما يريد ويخرج الكتاب، فاستراب به بعض أصحابه، فكتب كتاباً على لسان بعض العمال وطواه منكساً. فلما أخذه قرأه ولم ينكر تنكيسه، فعلم أنه أمي.
قال صالح المري: التهنئة على آجل الثواب أولى من التعزية على عاجل المصيبة.
قال الأصمعي: سألت امرأة من الأعراب عن حال لحقتهم فقالت: سنة جردت، ونار خمدت، وحال جهدت، فهل فاعل للخير، أو دال عليه، أو لا، فمن يجير، رحم الله من رحم، وأقرض من لا يظلم.
قال الأصمعي، قيل لأعرابي: صلب الخليفة زنديقاً فقال: من طلق الدنيا فالآخرة صاحبته، ومن فارق الحق فالجذع راحلته.
قال الأصمعي، قيل لأعرابي: أتؤمن بالموت؟ قال: إي والله، قيل: كيف تؤمن به؟ قال: إني رايت آبائي وإخواني وأهلي وأكثر عشيرتي قد ماتوا، فعلمت أني لاحق بهم، قيل: أفتؤمن بالبعث؟ قال: هيهات إنها لحفيرة سوء ما دخلها أحد فخرج.
قال الأصمعي، سمعت أشياخنا يقولون: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين: عامر بن عبد قيس، وهرم بن حيان، والحسن، وأبي مسلم الخولاني، وأويس القرني، والربيع بن خثيم، ومسروق، والأسود بن يزيد.
قال حماد بن زيد، سمعت يونس يقول: توشك عينك أن ترى ما لم تر، وتوشك أذنك أن تسمع ما لم تسمع، ولا تخرج من طبقة إلا دخلت فما هو أشد منها، حتى يكون آخر ذلك الجواز على الصراط.
قال حماد بن زيد: شكا رجل إلى يونس وجعاً يجده فقال يونس: يا عبد الله، هذه دار لا توافقك، فاطلب داراً توافقك.
قال الأصمعي، تقول العرب: بينهم ملحمة أي مقتلة.
قال أبو عمرو بن العلاء في قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله في الجنين غرة، عبد أو أمة: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله أراد بالغرة معنى لقال: في الجنين عبد أو أمة، ولكنه عنى البياض لأنه لا يقبل في الدية إلا غلام أبيض أو جارية بيضاء، لا يقبل فيها أسود ولا سوداء.
خطب عبد الله بن الحسن بالبصرة على منبرها فأنشد في خطبته بيتاً: البسيط
أين الملوك التي عن حظها غفلت ... حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
تزوج عثمان رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سنة اثنتين من الهجرة ودخل بها، وماتت يوم جاء البشير بفتح بدر؛ ثم تزوج عثمان بأم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ودخل بها في شهر ربيع الأول سنة ثلاث؛ ومات عبد الله بن عثمان من رقية سنة أربع.
قال الأصمعي، حدثنا حزم القطعي قال: سمعت الحسن يقول: حقيق على من كان الموت موعده، والقبر مورده، والوقوف عند الله مشهده، أن يطول بكاؤه وحزنه.
يقال إن أول من ارتشى من القضاة بالبصرة الحجاج بن أرطاة.
غنت جارية بدف: الطويل
لئن فتنتني فهي بالأمس أفتنت ... سعيداً فأمسى قد قلى كل مسلم
وألقى مفاتيح القراءة واشترى ... وصال الغواني بالكتاب المنمنم

قال ثمامة: قلت لجعفر البرمكي: ما البيان؟ فقال: أن يكون الاسم محيطاً بالمعنى، ويجلى عن المغزى، ويخرج من الشركة، ولا يستعان عليه بالفكرة، والذي لا بد له منه أن يكون سليماً من التكلف، بعيداً من التعسف، بريئاً من التعقد، غنياً عن التأويل.
عاد رجل من الأعراب إلى حيه بعد غيبة طويلة، فلم ير فيهم خياراً، فأنشأ يقول: الرجز
ومجلس ليس بشاف للقرم ... ولا بمنسوب إلى الفرع الأشم
نزلته من عوز ومن عدم ... رجاء أن ينفع من سقم ألم
فازددت منه سقماً إلى سقم
نمر بأطراف تلك الحروف التي في شرحها فائدة، فقد أضربنا عنها بما اعترض من رواية الملح ومكنة ملل الناظر بذلك.
أما الحفيف نحفيف الناب، وحفيف الطير، وهو صوت أجنحتها؛ وحفاف الشيء طرفه، و " حافين من حول العرش " الزمر: 75 كأنهم محيطون بحواشيه، وحف الشعر إذا استأصله أي أخذ أصوله، كأنه بلغ أطرافه في مغارزه ومقاصه، " وحففناهما بنخل " الكهف: 32 منه، والحفيف المحفوف، فإن الفعيل شقيق المفعول في مواضع كثيرة، والحفف: اليبس، والحفوف: الفقر، والمحفة معروفة، والحفان: طائر.
وأما الخفيف فضد الثقيل، نقول منه: خف الرجل إذا عجل، وخف القطين إذا رحل، القطين والقطان والقاطنون واحد، ويقال للرجل: من أين خفوفك؟ وقد أزف خفوفه أي رحيله، وزعم بعض المولعين بالاشتقاق أن الخف سمي خفاً لأن صاحبه خف به للحركة، لأنه لا يلبس للقعود والرفاهية والتثاقل؛ ويقال في الكلام المتابع: هو خفيف دفيف، وجمع الخف خفاف، وزعم القائل بالاشتقاق أن قولك: خف وخاف يتعاقبان معنى واحداً، وإنما اختلف الوزن لأن من خاف خف واضطراب، كما أن من أمن ركن واستقر؛ وتقول هو خفيف وهما خفيفان وهم خفيفون، وفي التأنيث: هن خفائف لأنه جمع خفيفة، كما تقول في جمع فتيلة فتائل.
وأما الجفيف فالشي اليابس، تقول: جف يجف، الجيم مفتوحة، وقد جاء يجف، والأول اختيار أبي حاتم، ومصدره الجفوف، وجفت يده أي يبست، وحشت يده أي جفت كأنها صارت في يبس الحشيش، لأن الحشيش هو اليابس الذي يحش أي يقطع.
فأما العفيف فالممسك نفسه عن القاذورات، يقال منه: عف فلان يعف عفة وعفافة، وكل هذا مسموع، واستعفف أيضاً، قال الله تعالى " ومن كان غنياً فليستعفف " النساء: 6 وعفافة اللبن - بضم العين - كالبقية، والعفيف فعيل ينقسم بين فاعل ومفعول، وإذا تماسك وتوقى وأخذ نفسه مأخذ الواجب فهو في طريق الفاعل، ثم قد يكون في معنى المفعول به لأن العفة طباع، فكأنها توجد في فطرته.
وأما الأنيف فالذي أصيب أنفه، كأنه مأنوف، والكلام في الأنوف قد مر في الجزء الخامس وإعادته تشق.
وأما الشنيف فالمبغض، ولا تقل المبغوض، لأنه لا يقال بغضه، هذا لفظ العامة وهو مرود عند البصراء بالأصول، ولكنه يقال: بغض الشيء في نفسه فهو بغيض، فكأنه أخذ من شنفته إذا أبغضته، وكذلك: شنفت له. وقال بعض الأدباء: وهو أيضاً الذي علق في أذنه الشنف - بفتح الشين وسكون النون - وهو أيضاً بمعنى مفعول؛ وأما فلان شنف أنف صلف فهو الشنف - بحركة النون - وهو البغض والأنفة والصلف؛ ويقال: شانفني مشانفة أي عاداني معاداة، وهذا كله محصل عن السماع والكتب والصحاح وأهل الأدب الموثوق بهم بالعراق.
وأما الرفيف فهو بريق الشيء وبصيصه ونوره وبهاؤه وماؤه، ويقال منه: رف الشيء إذا أنار ونار واستنار، كل ذلك بمعنى واحد، ومضارع هذا يرف بكسر الراء، فأما رف يرف بالضم فمعناه أكل، وأما رف خفيفه يرف فمعناه كثر، والرف سألت عنه السيرافي فقال: هو من كلام العرب، وهو الذي يضاف إلى الحائط ليوضع عليه شيء.

وأما الطريف - بالطاء غير معجمة - فهو ضد التالد، وفي الكلام يقال: بذلت له طريفي وتالدي، والتالد: الموروث، والطريف: المكتسب، وأما الطرف فهو الفرس الكريم، وأما الطراف فالخباء من الأدم وجمعه الطرف، والطرف: العين نفسها، بل قيل: هو جفنها، وقال بعض الكتاب: كبدي بيد العراق مخطوفة، وعيني بقذى الفراق مطروفة؛ وهذا أمر طريف أي لم يعتد؛ ورجل طريف أي معجب؛ وقال صاحب الاشتقاق: الطرف دائر في هذه الأبنية، لأن الطارف في طرف من التالد، لن هذا ولد عندك، وذاك كسبت، فهما طرفان، والطرف الذي هو الفرس الكريم في طرف من الدواب على ذلك. والطرائف جمع طريفة، والطرفة من جملة الكلام، وفلان طريف بين الطرافة، وقد سمع، وهو نظير قولهم: غريب بين الغرابة، وقد رأيت من يأبى الغرابة والطرافة.
وأما النظيف فاسم الشيء الذي لا تنبو عنه العين، ولا تكف عنه اليد، تقول: هذا إناء نظيف فاشرب فيه، تقول منه: نظف نظافة وهو نظيف، ونظفة تنظيفاً فهو منظف، وقول الكتاب: فلان العامل قد استنظف المال في ناحية، فذا مردود قال الثقة.
فأما العريف فهو مأخوذ من المعرفة، والميم في المعرفة زائدة لأنه يقال: عرفته؛ والعرافة للعريف كالنقابة للنقيب، وكأنه ينقسم بين أن يكون عارفاً من أن يكون عريفاً عليهم، وبين أن يكون معروفاً فيمن هو عريف لهم، تقول: عرف الرجل أي صار عريفاً، كما يقول: أمر بالفتح، والقياس أمر وعرف كما تقول: فقه وظرف، تقول منه: عرفه يعرفه معرفة، والعارف الصبور، كذا قال أبو عبيد في " الغريب " ، كأن الصبر من المعرفة، كما أن الجزع من الجهل؛ والعوارف: الصلات والجوائز والخيرات، كأنها معروفة أو عارفة، لأنها جمع عارفة وهي بمعنى معرفة، لأن المعروف هو الجزء الذي تعرفه النفس، وتطرب له الروح، وأما خرجت في يده عرفة: فقرحة، وعرفات مكة، قالوا: سميت بذلك لأن آدم بها عرف حواء، وتصرف فنقول: عرفته كذا فعرف، واعترف بما عرف، والنفس عروف، والمعارف: أماكن تعرف، وأشياء تعرف، وقول الفقهاء في العرف والعادة، وهذا مقبول، فأما المعرفة وما حدها وحقيقتها وكيف طريقها ففن طويل الذيل، تكلم الكعبي فيه في " كتاب المقالات " مالئاً لأوراق يقل محصولها عند التناقد والتناصف، وقد مر في آخر الجزء الثاني فصل في هذا الباب، وسيمر أيضاً نوع من الكلام فيه، إذا صرنا إلى الجزء الذي نفرده للعارفين وأصحاب الصوف إن شاء الله.
وأما الخريف ففصل من الزمان معروف، وإنما سمي خريفاً لاختراف الثمار، والعرب تقول: فلان يخترف الكلام إذا اقتضبه على حسن، ويقال إن قولهم: فلان خرف على التفاؤل، والمخرفة: ما يخترف بها الثمر، والخروف: ولد الضائنة إذا بلغ أربعة أشهر وفصل عن أمه، والأنثى خروفة، والخرافة: الحديث الحسن يكاد يتهم محدثه.
وأما الشريف فمعروف، وهو مشتق من الشرف وهو العلو، ويقال: شرف لحكمك إذا كثر، والشارف: الناقة المسنة، كأنها العالية في السن، ومشارف الشام: أعاليها، يقال: شارفته فشرفته، كما تقول: فاضلته ففضلته، وناضلته فنضلته، وهم أشراف في الجمع، وسألت العالم عن شراف فوقف، فقلت له: ألم تقل هم شرار في أشرار، فلم لا تقول شراف في أشراف، قال: القياس يتضاءل مع السماع.
وأما السريف فما سرفته أي أغفلته وغفلت عنه كأنه مفعول، يقال: مررت بكم فسرقتكم أي سهوت عنكم؛ والسرفة: دابة صناع، يقال: أصنع من سرفة؛ والسرف في مقابلة التبذير وهو الإسراف، واستسرفت من فلان كذا، إذا نسبته فيه إلى السرف.
وأما الغريف فالمغروف، وهو الذي تغرفه وتغترفه من ماء أو مرقة، والمغرفة: الآلة، بكسر الميم، ويقال لها أيضاً: المقدحة، لأنه يقال: قدحت بمعنى غرفت ويقال أيضاً: عرفت ناصية الفرس، وعرفت الشعر: إذا أخذته.
فأما القريف فالمقروف، وهو العود تأخذ ما عليه من قشرة، وتقول: لا تقرف جرحك حتى يندمل ويبرأ.
وأما الصريف فصريف الناب، وقد يسمع من النائم ذلك، فإذا غرق في النوم كأنه يحك أسنانه العليا بأسنانه السفلى؛ وصرفت الكلبة إذا أرادت الذكر، كأنها خاجت، والصرف من الشراب ما لا يمزج، يقال منه: أصرفت الخمر إذا تركتها صرفاً، كذا قال الثقة.

وأما الظريف فروى لنا شيخ عن الأصمعي وابن الأعرابي انهما قالا: الظرف ما يكون في اللسان، يقال: فلان ظريف أي بليغ جيد المنطق، ومنه: إذا كان اللص ظريفاً لم يقطع، وهذا قول عمر رضي الله عنه، يعني إذا كان حسن التخلص إلى الحجة بالشبهة درأ بها حدة وقرب أمل فرجه برأيه؛ قال بعض السلف: الظريف من فيه أربع خصال وهي: الفصاحة والبلاغة والعفة والنزاهة.
قلت لبعض العلماء: ذكر اربعاً وهي اثنتان: لأن البلاغة والفصاحة خصلة واحدة، والعفة والنزاهة خصلة واحدة، فقال لي: ظلمت، الفصاحة خلوص اللسان من التعقيد والنغنغة، والبلاغة تناهي المتكلم إلى الإرادة، فقد يخلص ولا ينتهي، وقد ينتهي ولا يخلص، فإذا جمع بينهما كان فصيحاً بليغا. والعفة الإمساك عن المحظور، والنزاهة الوقوف عن المباح، وفي العفة ذب عن الدين، وفي النزاهة حفظ للمروءة.
وقال بعض الأدباء: الظريف المتمرس بكل أمر، المتخلص من كل ذم.
سمعت أبا النفيس الرياضي يقول: الظريف من صار ظرفاً للمناقب، وحسن المناقب. والكلام يفتن إلى هذا الفن، وأنا إلى اختصار ينفي سآمة القارئ أحوج مني إلى تطويل يسد باب النشاط؛ وللصوفية ألفاظ مهذبة في جواب نظائر هذه المسألة كقولهم: من الظريف، ومن الفاضل، ومن العارف، ومن العاشق، فإذا دخلنا في ميدانهم أتينا على بيانهم إن شاء الله.
وأما النقيف فالمنقوف من الحنظل، كأنك نقفته إذا أخذته بأطراف يدك.
وأما الطفيف فالشيء القليل القليل التافه، قال الله تعالى: " ويل للمطففين " المطففين: 1 يعني المقللين، وطفاف المكوك: جوانبه، كأن المطفف في الكيل يحب أن ينقص المشتري، وقد بين الله ذلك.
وأما النتيف فالمنتوف، يقال: هذا طائر نتيف، والنتف: جمع نتفة، كالطرف جمع طرفة، والغرف جمع غرفة، ويقال: تناتف الديكان عند القتال، والنتيف لقب كثير من الناس الذين ينتفون شعور وجوههم، وهي علة من احتراق المرة السوداء.
وأما الأسيف فالتابع.
وأما العسيف فالعبد، هكذا حفظت عن الثقة.
وأما اللفيف فجماعة لا تعرف، واللفيف أيضاً الملفوف، واللف: التواء في اللسان كالردة. وسمعت بدوياً يصف قوماً لقوا قوماً في الحرب، قال: ما تصافوا حتى تلافوا، واللفافة: ما يلف فيها الشيء، وجمعها لفائف كأنه جمع لفيفة، ورجل ألف إذا كان عيياً، وامرأة لفاء، وكذلك إذا كانا ضاويين، وإذا كانا نحيلين، وكل هذا من خفة اللحم والشحم والجسم.
وأما الضفيف فهو من المضفوف، ويقال: هذا ماء مضفوف إذا تزاحمت عليه وأردته، فكأنه مأخوذ من ضفة النهر أي طرفه، لأنهم يتزاحمون على جوانبه، وقولهم: هذا مضفوف كقولهم: هذا ماء مشفوف إذا شفوه أي نزفوه؛ فأما قولهم: ماء مشفوه - بالهاء - فأخذ من الشفة كأنه كثرت عليه الاربة حتى وضعوا على جوانبه شفاههم، وعلى هذا تكون جوانب الحوض وأطراف الموارد شفاهاً فأصابوها بالشرب، لأنه يقال: شفهته: إذا ضربت شفته، وقولهم: كلمته مشافهة أي شفتي مقابلة لشفته، لأن الكلام يسمع من الإنسان بآلات كثيرة كاللسان والأسنان والشفة، ومتى نقص شيء من ذلك نقص الكلام على مقداره.
وأما الصفيف فاللحم المصفوف، يقال: صففته أصفه صفاً فأنت صاف وهو مصفوف، وقول الله تعالى: " صواف فإذا وجبت جنوبها " الحج: 36 إذا شددت الفاء كان من هذا، كأن الهدي يصف، وقد قرئ صوافي أي قائمة، وقيل أيضاً: صوافي جمع صافية كأنها صفت لله تعالى لأنه متقرب بها إليه.
وأما السفيف فهو ما تسفه أي تتناوله، ويقال لأدوية معروفة: فهو يسف - بضم السين فهو الخوض لأن الخواص يعمل من الخوص قفة وسفوف كذا وسفوف كذا، والسين مفتوحة، والعامة تقول لبائع هذه الأدوية: سفوفي - بضم السين - وإنما هو سفوفي - بالفتح - ؛ وأما سف فهو وزنبيلاً وغير ذلك، فعمله السف وهو ساف وسفاف. وإذا قلت: أسف انقلب المعنى، أسف الطائر إذا دنا من الأرض، وأسف الرجل للأمر إذا قاربه، والإسفاف إلى القبيح كالدنو منه والتلطخ به.
وأما السقيف فكأنه قد سقف إذا كان سقفاً، وسقيفة بني ساعدة منه.
وأما الذفيف فالسريع.
وأما الزفيف فزفيف الناقة، وهو ضرب من ضروب سيرها.
وأما الشفيف فالبرد.
وأما الكنيف فالحظيرة.
وأما اللطيف فمعروف.
وأما الكثيف فخلافة لأن اللطافة في اللطيف ضد الكثافة في الكثيف.
وأما القطيف فما قمطف.

وأما العنيف فالخشين المس فيما يباشر، ومنه العنف وهو التشديد.
وأما العليف فما علف عن العلف، تقول: علفته، والشاعر يقول: الطويل
إذا كنت في قوم عدى لست منهم ... فكل ما غلفت من خبيث وطيب
العلف يستعمل في البهائم، ولكنه استعارة.
وأما السخيف فالخفيف.
وأما الكتيف فمن كتف أي ضرب كتفه.
طال هذا فأرجو أن لا يثقل إن شاء الله؛ وقد بقيت حروف أجمك عنها ببعض النوادر والأخبار لتعود إليها وأنت شهوان، وهذه مداراة مني لنفسي أولاً، ثم لك أيها الناظر، فقد علمت أنك من طينتي، وجارياً على خليقتي، تمل كما أمل، وتكل كما أكل، وتعرض لك الحال التي تدل على عجزك عن حظك، ولولا أني وإياك على هذا النعت لما احتجنا إلى ما يتأدب به، لأن التمام كان لنا بالجوهر، والكمال فينا بالعنصر، ولكنا بنينا من الضعف والقوة، والعجز والقدرة، والنقصان والزيادة، فنحن على ذلك نتماثل إلى أن يأخذ الله بأيدينا من أيدينا فنخلص من دار، الغني بها مفلس، والطاهر بها نجس.
سأل المهدي رجلاً عن طائر جرى من الغاية فقال: يا أمير المؤمنين لو لم يبن بفضيلة السبق لبان بحسن الصورة، فقال: صفه لي، فقال: قد قد الجلم، وقوم تقويم القلم، لو كان في ثوب خرقه، أو صندوق فلقه، يمشي على عنمتين، ويلقط بدرتين، وينظر بجمرتين، إذا أقبل فديناه، وإذا أدبر حميناه.
قال رجل لإبراهيم النخعي: كيف أصبحت؟ فقال: إن كان من رأيك أن تسد خلتي، وتقضي ديني، وتكسو عورتي أخبرتك، وإلا ليس المسؤول بأعجب من السائل.
شاعر: الطويل
فآه من الأحزان قد أسفر الضحى ... وفي كبدي من حرهن حريق
مزجنا دماً بالدمع حتى كأنما ... يذاب بعيني لؤلؤ وعقيق
قال العتابي: وجد علي الرشيد: فدخلت عليه في المتكلمين فقلت: يا أمير المؤمنين قد أدبني الزمان لك، وأرشدني إلى الهداية تقويمك، وردني ابتلاء الناس إليك، وما مع تذكرك قناعة، ولا في سؤالك عار، وقد قلت: الطويل
أخضني المقام الغمر إن كان غرني ... سنا خلب أو زلت القدمان
أتتركني جدب المعيشة صنكها ... وكفاك من ماء الندى تكفان
وتجعلني سهم المطامع بعدما ... ملكت يميني بالندى ولساني
بلغ يحيى بن خالد أن إبراهيم بن سيابة هجاه فحجبه ومنعه رزقاً له، فكتب إليه ابن سيابة: للسيد الجواد، الواري الزناد، الماجد الأجداد، والمنجب الأولاد، من الخاضع المسكين، والخائف المستكين. أما بعد، فإنك تعلم أن من يرحم، ومن يحسن يغنم، ومن يعف لا يندم، وقد منيت من غضبك علي، واطراحك لي، وإعراضك عني، بغير لفظ تحقق، ولا قول يصدق، بما لا أقوم له ولا أقعد، ولا أستيقظ منه ولا أرقد، فلست بحي صحيح، ولا ميت مستريح، وقد فرزت منك إليك، فاستعنت بك عليك. وقلت: الخفيف
راغب راهب أتاك يرجي ... ك وما زلت موضعاً للرجاء
ومقر بما جناه ولم يج ... ن لترضى وحامل للثناء
فلعمري ما من أضر ومن ظ ... ل مقرا بذنبه بسواء
فوقع يحيى بن خالد: قد عفونا عن الخائف والحاكم لنفسه ببراءته، وأمرنا له بصلة تنير ظلمته، وتؤنس وحشته، ووهبنا ماضيه لمستقبله، وسالفه لمستأنفه.
قال جعفر بن يحيى لبعض الندماء: إنا نستبين ما في باطن القلوب بظواهرها، ونعرف فحوى العيون بلواحظها.
قال عبد الصمد بن المعذل لأبي تمام: الخفيف
أنت بين اثنتين تبرز للنا ... س وكلتاهما بوجه مذال
لست تنفك طالباً لوصال ... من حبيب أو طالباً لنوال
أي ماء لحر وجهك يبقى ... بين ذل الهوى وذل السؤال
قال الحارث الأعور: ما رأيت رجلاً قط أحسب من علي بن أبي طالب عليه السلام، أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، رجل مات وخلف ابنتين وأبوين وزوجة، فقال: قد صار ثمنها تسعاً.
قال أبو حامد: هذه الفريضة من أربعة وعشرين، للبنتين الثلثان، وللأبوين السدسان، وكمل المال، وعالت الفريضة، واحتيج للمرأة إلى ثمن الأربعة والعشرين ثلاثة أسهم، فزيد على الأربعة والعشرين، فصارت السهام سبعة وعشرين، وصار الثمن من أربعة وعشرين تسعاً من سبعة وعشرين، فتقسم الفريضة على ذلك.
لفضل الشاعرة: الكامل المجزوء

علم الجمال تركتني ... في الحب أشهر من علم
ونصبتني يا منيتي ... غرض المنية والتهم
فارقتني بعد الدن ... و فصرت عندي كالحلم
فلو أن نفسي فارقت ... جسمي لفقدك لم تلم
ما كان ضرك لو وصل ... ت فخف عن قلبي الألم
برسالة أهديتها ... أو زورة تحت الظلم
أو لا بطيف في المنا ... م فلا أقل من اللمم
صلة الحبيب محبة ... الله يعلمه كرم
استجاز علي بن الجهم فضل الشاعرة بين يدي المتوكل بيتاً وقال: البسيط
لاذ بها يشتكي إليها ... فلم يجد عندها ملاذا
فأطرقت هنيهة قم قالت:
ولم يزل ضارعاً إليها ... تهطل أجفانه رذاذا
فعاتبوه فزاد عشقاً ... فمات عشقاً فكان ماذا
فطرب المتوكل ووصلهما.
ولعريب المأمونية: الوافر المجزوء
وذي كلف بكى جزعاً ... وسفر القوم منطلق
به قلق يململه ... وكان وما به قلق
جوارحه على خطر ... بنار الشوق تحترق
جفون حشوها الأرق ... تجافي ثم تنطبق
أجاب الوابل الغدق ... ونادى النرجس الغرق
فهات الكأس مترعة ... كأن حبابها الحدق
قال بعض الأوائل: ثلاثة أشياء تورث الهزال: شرب الماء البارد على الريق، والنوم على غير وطاء، وكثرة الكلام برفع الصوت.
وقال آخر: أربعة أشياء تفسد العقل: الإكثار من البصل، والباقلي، والجماع، والخمار.
شاعر: البسيط
عشرون ألف فتى ما منهم أحد ... إلا كألف فتى مقدامة بطل
راحت ماودهم مملوءة أملاً ... ففرغوها وأوكوها من الأجل
شاعر: البسيط
غصن من البان مثل البدر يحمله ... مثل الكثيب تعالى الله باريه
الشمس تحسده والبدر يعشقه ... والدر يشبهه والظبي يحكيه
قال المأمون لذي اليمينين وقد سايره: ما أقدم برذونك هذا، قال: من بركة الدابة صحبته، وقلة علته، قال: وكيف حمدك له؟ قال: همه أمامه، وسوطه لجامه، ما ضرب قط إلا ظلماً لسيره، ولا استحث إلا للعادة في غيره، فقال: مثلك يا أبا الطيب فليصف الشيء.
شاعر: الطويل
فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن ... وإن تخرقي يا هند فالخرق أشأم
فأنت طلاق والطلاق عزيمة ... ثلاث ومن يخرق أعق وأظلم
فبيني بها إن كنت غير رفيقة ... فما لامرئ بعد الثلاث مقدم
آخر: الخفيف
لو قضي الله للمنون بحتف ... صير البين للمنون منونا
أخر: البسيط
الجود والغول والعنقاء ثالثة ... أسماء أشياء لم تخلق ولم تكن
آخر: الكامل
كتب الفرزدق في السجل بأيره ... ثم استمد به من آست جرير
فسلوا جريراً ما مداد دواته ... أمداد بر أم مداد شعير
وقال الحسن البصري: لم يبق من العيش إلا ثلاثة: أخ تصيب من عشرته خيراً وإن زعت قومك، وكفاف من المعاش ليس لأحد عليك فيه تبعة وصلاة تكفى سهوها وتستوجب أجرها.
قال ابن عباس: الشيب في مقدمة الرأس كرم، وفي الشارب سفه، وفي العارض روع، وفي القفا لؤم.
لو ذكر عللها لكان العلم أبين، والظن عندها أبعد، ولكنه أرسله إرسالاً، والله المستعان على ما يصفون.
قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا استراث خبراً تمثل بقول طرفة: الطويل
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
قال، فكان يقول: ويأتيك من لم تزود بالأخبار.
قال أبو العباس ابن سريج: من أنكر الحس أنكر نفسه، ومن أنكر العقل أنكر صانعه، ومن أنكر الغيرة أنكر أباه وأمه، ومن أنكر الإجماع أنكر نبيه، ومن أنكر عموم القرآن أنكر حكمته، ومن أنكر خبر الواحد أنكر الشريعة، ومن أنكر اللغة أنكر المحاورة.
العرب تقول: إنه لمنحار بوائكها، أي كثير النحر لسمانها التي لا علة بها.
شاعر: الكامل المجزوء
إن يغدروا أو يجنبوا ... أو يجهلوا لا يحفلوا
وغدوا عليك مرجلي ... ن كأنهم لم يفعلوا

قال وكيع، قال لي أبو حنيفة النعمان بن ثابت: أخطأت في خمسة أبواب من المناسك بمكة فعلمنيها حجام، وذاك أني جئت أريد أن أحلق رأسي فقال لي: أعراقي أنت؟ قلت: نعم، وقد كنت قلت له: بكم تحلق رأسي؟ فقال: النسك لا يشارط فيه، اجلس، فجلست منحرفاً عن القبلة، فأومأ إلي باستقبال القبلة، وأدرت رأسي من الجانب الأيسر فقال: أدر شقك الأمين من رأسك فأدرته، فجعل يحلق رأسي وأنا ساكت، فقال لي: كبر، فجعلت أكبر حتى قمت لأذهب فقال: أين تريد؟ قلت: رحلي، فقال: صل ركعتين ثم امض، فقلت: ما ينبغي أن يكون ما رأيت من عقل هذا الحجام إلا ومعه علم؛ فقلت له: من أين لك ما رأيتك أمرتني به؟ فقال: رأيت عطاء بن أبي رباح بفعل هذا.
أنشد ابن السماك: الكامل
يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء من السقام لذي الضنى ... ومن الضنى ما زلت أنت سقيم
قال بعض النحويين لرجل من الرافضة كان يتعلم النحو: ما علامة النصب في عمر؟ قال: بغض علي بن أبي طالب، عليه السلام.
زعم بعض أصحابنا أن السيرافي قال: هذا الإنسان من باب الطاق، وما سمعته منه.
قال بعض البلغاء: السيف أكرم مواهب الله لخلقه، لأنه آلة النجدة، وأداة المعرفة والمنعة، وعدة العزة، وعتاد الرفعة، وسلاح القوة، وظهير الحزم، وعقدة التكرم، وعضد الوحيد، وأنس الفريد، وحلية الأنس، وزينة الفارس، وسند الرجل، وشفاء الموتور، ودرك الواتر، وجمال الأسير، وقوام المأمور، وحامي الذمار، وحارس الحريم، ومانع الجار، وجليس مأمون، وأنيس ميمون، ورسول إلى المطالب ناهض، وخادم في المآرب نافذ، وعون على الملم بليغ، وظهير على العدو قدير، وشهاب للعتاة مبير.
قال نديم لكسرى: إن المستأنس بسخونة الشمس في الشتاء يتقي أذى حرها في القيظ؛ معناه: إني وإن كنت ساكناً إليك في حال الرضا فذلك لا يؤمنني من الوجل منك في حال الغضب.
قيل لأبي مسلم: ما كان سبب خروج الدولة عن بني أمية؟ قال: لأنهم أبعدوا أولياءهم ثقة بهم، وأدنوا أعداءهم تألفاً لهم، فلم يصر العدو صديقاً بالدنو، وصار الصديق بالإبعاد عدوا.
قضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الضبع كبشاً، وفي الظبي شاة، وفي الأرنب جفرة، يعني في المحرم.
للسعدي لما صدر عن الحج: الرجز
ما لك بالحرة من صديق ... ولا بمران ولا العقيق
غيري وغير وضح الطريق ... ناشطة من الجبال الروق
عامدة لمطلع العيوق
قال ابن ثوابة لأبي العيناء: كنت أكتب انفاس الرجال، قال: صدقت، حين كانوا وراء ظهرك.
شكا المأمون إلى طبيبه علة، فقال: اجتنب اثنين: الرطب الماء البارد، فقال: لولاهما لما احتجنا إليك.
قال بعض السلف: إذا أرسلت لتأتي ببعر فلا تأت بتمر، فيؤكل تمرك وتذم على الخلاف.
قال عبيد الله بن سليمان لأبي العيناء: اعذرني فإني مشغول، قال: إذا فرغت لم أحتج إليك، وما اصنع بك فارغاً، وأنشد: الطويل
ولا تعتذر بالشغل عنا فإنما ... تناط بك الآمال ما اتصل الشغل
قيل لجعفر بن محمد رضي الله عنهما: ما بال الناس يكلبون أيام الغلاء ويزيد جوعهم على العادة في الرخص؟ قال: لأنهم بنو الأرض، فإذا قحطت أقحطوا، وإذا أخصبت أخصبوا.
قال مجاهد: حججت في بعض السنين فصاحبت رجلاً من قريش فقلت له: هلم نتناتج الرأي، فقال: دع الود بيننا كما هو، فعلمت أنه خصمني.
قال جعفر بن محمد رضي الله عنهما: أربعة أشياء القليل منها كثير: النار، والعداوة، والفقر، والمرض.
دخل أبو العيناء على إسماعيل القاضي، وأخذ يرد عليه إذا غلط في أسم رجل وكنية آخر، فقال له بعض من حضر: أترد على القاضي أعزه الله؟ قال: نعم لم لا أرد على القاضي وقد رد الهدهد على سليمان، وقال: أحطت بما لم تحط به؟ وأنا أعلم من الهدهد، وسليمان أعلم من القاضي.
قال عبيد الله بن يحيى لأبي العيناء: كيف كنت بعدي؟ قال: في أحوال مختلفة، شرها غيبتك، وخيرها أوبتك.
قال أبو العيناء لمحمد بن خالد: لئن كان آدم أساء إلى نفسه في إخراجها من الجنة، لقد أحسن إلينا انه ولد مثلك.
سأل أبو العيناء أحمد بن صالح حاجة فوعده، ثم اقتضاه فقال: دونها المطر والطين، فقال أبو العيناء: فحاجتي إذاً صيفية.

قال رجل لأبي العيناء: ما أنتن إبطك! قال: نلقاك - أعزك الله - بما يشبهك.
قال ابن الزيات للوليد بن يحيى: من أنت ومن أبوك؟ قال: أبي الذي تعرفه، ومات وهو لا يعرفك.
قال فيلسوف: لا تصغر أمر من حاربت أو عاديت، فإنك إذا ظفرت لم تحمد، وإذا عجزت لم تعذر.
عاد رجل مزبداً وقال له: احتم، فقال: يا هذا ما اقدر على شيء إلا على الأماني فأحتمي عنها؟! قال رجل من آل سعيد بن سلم لأبي العيناء: إن أبي يبغضك، قال: يا بني إن لي أسوة بآل رسول الله صلى الله عليه.
قال المنصور لإسحاق بن مسلم: أفرطت في وفائك لبني أمية، قال له: أتسمع جوابي؟ قال: قل، قال: من وفى لمن لا يرجى كان لمن يرجى أوفى، قال: صدقت.
حبس محمد بن سليمان رجلاً من المرجفين ثم أخرجه وأمر بضربه فضحك الجلاد فقال له محمد: ما يضحكك؟ قال: أصلح الله الأمير، زعم أنك لم تأمر بضربه حتى أتاك كتاب العزل، فقال: خل عنه فلو ترك الإرجاف يوماً لتركه اليوم.
أحضر زياد رجلاً فأمر بضرب عنقه فقال: أيها الأمير إن لي بك حرمة، قال: وما هي؟ قال: كان أبي جارك بالبصرة، قال: ومن أبوك؟ قال: نسيت والله نفسي فكيف أذكر اسم أبي؟ قال: فرد زياد كمه إلى فيه وخلى سبيله.
قال الأصمعي: ضرب أبو الجحش الأعرابي غلماناً للمهدي فاستعدوا عليه إليه فقال: اجترأت على غلماني قضربتهم، قال: كلنا يا أمير المؤمنين غلمانك ضرب بعضنا بعضاً، فخلى سبيله.
قال المأمون: لأن أخطئ باذلاً أحب إلي من أن أصيب باخلاً.
قال ابن سيابة: نيك البغاء الفقير زكاة الأير.
قيل لمسور بن مخرمة الزهري: أي الندماء أحب إليك؟ قال: لم أجد نديما كالحائط، إن بصقت في وجهه لم يغضب، وإن أسررت إليه شيئاً لم يفشه عني.
قال ابن مناذر - هكذا قال الثقة - : كنت أمشي مع الخليل بن أحمد فانقطع شسع نعلي، فخلع نعله فقلت: ما تصنع؟ فقال: أواسيك في الحفاء.
قال بعض السلف: إياك وكثرة الإخوان فإنه لا يؤذيك إلا من تعرف، وأنشد: الطويل
جزى الله عنا الخير من ليس بيننا ... ولا بينه ود ولا نتعارف
فما سامنا ضيماً ولا شفنا أذى ... من الناس إلا من نود ونألف
قال بعض الظرفاء: غضب العاشق مثل مطر الربيع.
أضاف مزبد رجلاً فأطال المكث، فقال ليلة لامرأته: كيف نعمل برحيل هذا عنا؟ قالت: أخاصمك ونحتكم إليه، ففعلا، فقالت المرأة: بالذي يبارك لك في ركوبك غداً لما حكمت بيننا بالحق، قال: والذي يبارك لي مقامي عندكم هذه السنة ما أعرف من الحكم شيئاً.
لقي عبد الله بن بكار سعيد بن العاص فقال له: البشرى، قال: وما ذاك؟ قال: قدم أبي، قال: فخذ البشرى من حر أمك.
دخل أبو العيناء على أحمد بن علي وقد صرف عن ولايته فقال: إن صرفت عن عملك لم تصرف عن كرمك، فأمر له بمال.
دعا أعرابي فقال: اللهم إني أعوذ بك أن أفتقر في غناك، أو أضل في هداك، أو أذل في عزك، أو أضام في سلطانك، أو أضطهد والأمر لك.
تركنا تصريف حروف مرت مجاورة لأخواتها عن غير قصد، ولكن لسوء التأتي في نظم الباب إلى الباب، ورد الشبيه إلى الشبيه، وهذا كله من جناية الدهر في فقد حبيب تقر العين به، وصلاح حال تسكن النفس إليه، ولله أمر هو بالغه، ونهاية هو أعلم بها، وليس للعبد إلا ما لاق بعبوديته، وجبل على فطرته؛ فابسط أيها القارئ العذر، إما على قدر مروءتك الغافرة للذنب، وإما على قدر الضراعة من المصنف، ولا تكن خزياً له، فإنه أتم لثناء الناس عليك، وأقطع للسان المكروه عنك، واعلم أن العلل لو أزاحت، والأحوال لو ساعدت، لكنت لا أحوج إلى هذا الاعتذار، ولا يفلت مني تشوف إلى الاغتفار: أما الحز فهو القطع، يقال: حز يحز حزاً، وليس في فلان محز، على الاستعارة، والحزيز: المحزوز، وفلان يحز المفصل: إذا أجاد فيما مدح به، وحزاز النفس كأنها تقطع الكبد بالحسرة، والشاعر يقول: الطويل
وتبقى حزازات النفوس كما هيا
وأما البز فمصدر بززته أي سلبته، ابتززته أيضاً، والشيء مبزوز ومبتز، والبزاز والمبازة كالنهاب والمناهبة والسلاب والمسالبة، والبز: السلاح أيضاً، وكأنه يبز أي يؤخذ، والبز: الثياب، ومنه قولك: البزاز.
وأما الجز فاخذ الصوف من الشاة.
وأما الحر فمعروف، ويقال: الخز أيضاً وضع الشوك على رأس الحائط لئلا يتسلق عليه.==

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

-الي هنا ---------------------------